الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشتُ مرتين ..

أحمد سعده
(أيمï آïم)

2016 / 10 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الحب هو ما حدث بيننا .. والحب هو الذي شفاني .. لماذا لا نكتب عن السعادة؟ .. ألا تستحق السعادة أن نكتب عنها، حتى لو أنها ولدت من رحم معاناة قاسية..


ربما أكون أنا أول من تكتب لك مبتسمة، بلا دموع أو ألم .. اسمي «هناء» .. ولدت في أسرة هادئة لأم تعمل موجهة بالتربية والتعليم، وأب كان يعمل بجهاز رقابي قبل أن يسعد بسنوات المعاش التي أسماها هو السن فوق الرسمي .. أنا الابنة الوسطى. أخي الكبير طبيب أسنان، وأخي الصغير طالب بكلية التجارة.


حين تخرجت من كلية التربية وبدأت العمل بإحدى مدارس اللغات كنت سعيدة وراضية. أحب عملي، وعلاقتي بطلابي وزملائي جيدة، وحين تقدم بي العمر وتجاوزت الثلاثين دون خطوبة أو قصة حب كنت راضية أيضا .. أعرف أنني لست جميلة لكني أيضا لست قبيحة .. بدا الأمر فقط مقلقًا لأمي، كنت أشعر بذلك في همساتها لأبي لكنها أبدًا لم تُلمح لي بشيء، وكانت دائما تدعمني للاهتمام أكثر بعملي..


وذات يوم كنت أُشرف على فقرات حفل نهاية العام وشعرت بدوار شديد وسواد يظلل كل ما حولي وسقطت على الأرض فاقدة الوعي.. في المستشفى وبعد إجراء التحاليل والفحوصات عرفت أني مصابة بالمرض المخيف، وعليَّ أن أنتقل لمستشفى أخرى وأبدأ العلاج بأسرع وقت ممكن.


كل ما حولي بدا مخيفًا ومشوشًا. دموع أمي، نظرات أبي، يد أخي الكبير التي تحتضن يدي، دهشة زوجته ولهفة أخي الصغير .. الحب .... ولنا في الحب حياة. ابتسمت لهم جميعا وظللت مبتسمة .. لكن لن أدعي أنني كنت قوية جدًا وأن الهزة لم تكن عنيفة..


في المستشفى كان عليَّ أن أواجه حقيقة جديدة، وهي أن تلك الغرفة ستصير صديقة الشهور القادمة وأن حنيني لغرفتي وكتابي وبيتي يجب أن يكون مصدر طاقة وإصرار، لا ضعف وانهزام..


إن الناس الذين يلهموننا هم أناس توقفنا أمامهم لحظة، لم نكن ندرك وقتها السبب في حدوثها .. نعم ألهمني .. في اللقاء الأول بيننا حاولت أن أبدو متماسكة رغم أنني كنت أرتجف من داخلي خوفًا وهو يشرح لي مراحل العلاج .. لكنه في النهاية نظر مباشرة لعيني وقال بلهجته الجادة: هناك فرق كبير بين إنسان عادي وآخر استثنائي، وفي حالتك تلك لابد أن تكوني استثنائية .. بقدر ما حملته جملته من معانٍ مخيفة، بقدر ما خففت ابتسامته القوية من حدتها ومنحتني قوة لم أعرف وقتها سببها.


وبدأنا رحلة العلاج الشاقة بين دروب الألم وجرعات الكيماوي وآثارها الجانبية الفظيعة .. ومع الوقت بدأ وزني يتناقص وشعري يتساقط، أصبحت بلا رموش، لكن صدقني كنت راضية ولم أيأس ولم أتمنَ الموت ..


لا أعرف تحديدًا كيف تجرأ الحب وباغتني، وتسلل لجسد عليل وأقدام لا تقويان على حمله وعينين ترى كل الأشياء مهزوزة هشة، وقلب بالكاد ينبض .. نعم أحببته .. لكن ظل حبه حبيسا في قلبي، وتصالحت مع مرضي الذي جعله قريبا مني، متعاطفا معي.


لا أعرف شيئا عن الموت، ولم أجربه من قبل، لكن كل الذي أعرفه أن اللحظة التي سأموت فيها سيتوقف قلبي عن النبض بحبه، لذا أحببت الحياة من أجل أن تستمر دقات قلبي محتفظة بحبه المسجون خلف ضلوعي.


لقد أحببت جديته في عمله، صدقه، ذلك الحزن في عينيه رغم قوتهما .. أحببت هدوءه وصمته وكلامه وصوته .. وستضحك إذا أخبرتك أن تأثير صوته كان أقوى كثيرًا من المسكنات التي كان يغير أنواعها كل فترة بما يلائم تطور حالتي.


بعد شهور من العلاج صار البديل الجراحي هو الحل الوحيد، وجلس يومها بجواري ليخبرني بتلك الحقيقة .. ووافقته راضية، آمنة طالما سيكون واحدًا من فريق العمل بالعملية .. ليلتها جلس يحكي معي طويلًا. لم أكن أعرف أنه مطلق وعنده طفلة جميلة يراها مرتين أسبوعيًا..


وسألته عن نسبة نجاح العملية ورجوته أن يجيب سؤالي بلا تهرب أو فلسفة .. لكنه اكتفى بمسك يدي، وقال إن الأمل دائما شيء جيد، وظل ممسكًا بيدي لدقائق في صمت.


ليلتها تمنيت أن أعيش، ونظرت للمرآة لأراني جميلة وقد تساقط شعري وذهبت رموشي ولمعت عيناي بالحب .. ثم نظرت من نافذة الغرفة ومددت يداي للسماء ودعوت: اللهم لا تحرمني الحياة .. !


ولم أكن قد سمعت منه كلمة «أحبك» من قبل، ولم يكن قد لمس يدي لا من أجل معرفة الضغط والنبضات بل ليقبلها ويشعر بحرارتها نحوه..


وليلة العملية طلب من الجميع الانصراف من غرفتي وجلس معي، وحكى لي بهدوء عن مراحل إجراء العملية وعدد الساعات المتوقعة .. وسألني: خائفة ؟ وأجبته: لا .. كيف أخاف يا سيدي وهو معي، ملهمي ودليلي وحبيبي وطبيبي .. حتى لو كان حبا محكوما عليه بالإعدام.


ونمت ليلتها محتمية بصوته الذي يتردد داخلي ..


ولم أتذكر بعدها إلا لحظة استفاقتي في غرفة العناية المركزة لأجده بجواري ممسكا بمصحف في يده، وممسكا بيدي في يده الأخرى .. ونظرت للباب الزجاجي لأجد عائلتي كلها تتبادل الأحضان فرحا .. فبكيت الدموع، وبكى هو الآخر وتساقطت دموعه على وجهي .. وفهمت أن نجاتي من الموت كان بمثابة معجزة.


وحينما اقترب موعد مغادرتي للمستشفى أصابني القلق والحزن لأن علاقتي به ستنقطع .. وكنت أعرف أن الحياة لا تعطي الإنسان كل شيء .. لكني في محاولة أخيرة طلبت من أبي أن يطلب من الطبيب متابعتي ولو مرة كل شهر.


وكانت المفاجأة التي كادت أن تميتني وتفعل بي ما لم يفعله المرض. !!


لقد أخبرني أبي أن الطبيب طلب يدي للزواج بينما كنت في غرفة العناية المركزة، واتفقا معا أن يبقى الأمر سرا بينهما حتى يتم الله شفائي .. كل هذه الفرحات دفعة واحدة .. كم أنت كريم يا ربي .. كم أنت جميل ورائع.


وتزوجنا بعد شهور، ورزقني الله منه بطفلتين جميلتين .. إن زوجي حياة، وعيناه حياة، وصوته حياة، وحبه لي حياة، ونجاحه في عمله حياة .. أنا سعيدة سيدي والسعادة تستحق أن نكتب عنها ولها..


إن قصة مريضة صارعت الموت وأحبت طبيبها على سرير المرض وقررت من أجله أن تعيش وتتمسك بالحياة كانت باختصار قصة عُمري التي منحتني عمرًا إضافيًا، وجعلتني أعيش مرتين .. !



***الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرد***



كل الكلمات ستتواضع أمام قصتك، وتصبح مجرد فلسفة سخيفة لا قيمة لها .. وكل الردود ستصبح رغيا مملا غير مجدٍ.


إننا أمام دراما رومانسية رائعة من دراما الحب .. دراما تبعث الأمل في القلوب التي أصابها الملل والإحباط.


لذا سأكتفي بالابتسام، والاستمتاع بمعاودة قراءتها من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل