الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر ما بعد المعلومات(الحلقة الثالث)

عزيز الخزرجي

2016 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


عصر ما بعد المعلومات(الحلقة الثالثة)

عزائي الوحيد .. أني لا أستطيع بسبب الهمّ الذي صادقني و الفاصل الزمني الذي أبعدني؛ أنْ أُقرّر آلصّلاح بَدَلَ الناس بما فيهم ألفقهاء و آلمفكريّن و آلمُثقفين ألّذين يعتقدون أنّ مواقفهم و ذنوبهم لا علاقة لها بآلآخرين و بالوجود رغم كثرتها و حجمها و تشعبها و تتداخلها و تأثيراتها في كلّ ذرّات الوجود للأسف, و كأن المفكرين إنضموا بنسق واحد مع آلشعوب التي ماتت ضمائرها , و لذلك بدى لي و كأنّ الله تعالى سَكَتَ عنهم!

و لكن على الرغم من ذلك فأنّ العالم لا يخلو من المفكريين المخلصلين و بعض المثقفين التواقين لمعرفة المزيد من الحقيقة من حولهم, إلا أنّ هؤلاء ثلّة قليلة, لا يملكون المال و القرار عادةً!

و تلك كانت محنة المفكريين الحقيقيين أبداً في كلّ عصرٍ, حين تفصلهم المسافات مع الآخرين الذين لا يستطيعون مواكبة و فهم و تطبيق أفكارهم و اللحاق بهم إلا بعد فوات الأوان و كأنّهم يخططون لأجيال أخرى, لذلك تراهُم على الأغلب غرباء بين النّاس بأفكارهم و كأنهُم يعيشون في زمن غير زمانهم و في بلاد غير بلادهم و في شعوب ليسوا بشعوبهم!

و ما فائدة فهم أو حتى تطبيق الناس لأفكارهم في عصر آخر ليس فقط لا يتواجدون فيه لتشذيب و تقويم و مراقبة حُسن تطبيق تلك الأفكار و فلسفة المناهج؛ بل تصبح أفكارهم أيضا قليلة الفائدة و ربما عديمة الجدوى و آلفاعلية و قد لا تُحقق الغايات المطلوبة التي تمّ التنظير لها لأسباب منطقية منها: ضعف أو عدم درك و وعي المطبقين و المدعين وراثتها لتفاصيل وأسرار تلك الأفكار و المناهج..

تعاظم قوة المخططات الجديدة المتقابلة لتلك الأفكار, و التي تظهر كإفرازات طبيعية لعصور ما بعد المعلوما من قبل اللاإنسانيين الحاكمين الذين لا ينسون إبداع وسائل هدامة جديدة غير مسبوقة, لتدمير مناهج الصالحين و تحقيق أهدافٍ خبيثة أخرى لا يعلم الناس حينئذٍ عن غاياتها شيئاً لكونهم يعيشون وقتها بلا ضمير خارج الزمن من جديد و كما هو الحال الآن, حيث يعيش الناس في وادي المعلومات بينما تمرّ من فوقهم السّحاب المثقفة ناقلة أحمالها لعصر ما بعد المعلومات و كأن الأمر لا يعنيهم؟

فما هي خصوصيات هذا العصر الجديد المطرّز بالألوان الزاهية و الكشوفات العلمية و الشهوات الشيطانية؟
و هل هناك من فائدة للأرتقاء و التطور العلمي و التكنولوجي حين يضرّ الأنسان و يكون سبباً لإنحطاطه؟

في عصرنا المعني هذا؛ تتحرك المنظمة الأقتصادية التي تسيطر على العالم , لتفعيل محاور و قضايا تصبّ و تتداخل بدقة مع بعضها البعض لتحقيق الغاية المنشودة التي تُحقّق الأهداف الخفيّة التي لا يتطلب تحقيقها تشويه الحقائق و الحقوق و القيم و تعبيد البشريّة لغير الله بعد آلتحكم بهم جملةً ًو تفصيلا ً عن طريق الأقتصاد و المال و البنوك, أمّا المحاور الأساسية تحقيق ذلك فهي:

- اشاعة الأرهاب و القتل و الحرب بين الشعوب و الطوائف و المذاهب و القوميات لشلّ قدراتها الأقتصادية!
- تدمير البنى الفكريّة و الأخلاقية الممتدة في أعماق التأريخ دينياً و إنسانياً, حتى لا يبقى شيئ مقدّس عندهم!
- تدمير منبع السّعادة الأنسانية الفطرية المتمثلة بآلعائلة و العلاقات الأسرية, و دفع الأنسان إلى التفرّد بلذّاته و شهواته!
- ضرب أسس النقاش الموضوعي الرّصين لشرعنة كلّ فساد و إجرام و حرب و تدمير من خلال الأعلام عند تحليل و بيان أيّة قضية تخصّ المبادئ السّياسة و الأقتصادية و الأجتماعية و آلدِّينية و حتى الأعلامية نفسها .. بهدف تحريفها و تزيفها أو تحييدها على الأقل بآلأتجاه المطلوب لأفراغها من محتواها الفلسفي و الحقوقي.. خصوصاً تلك التي تتعلّق بآلوجدان و الضّمير و القيم و العدالة الأنسانية, و ذلك عبر ثلاث مرتكزات أساسية لتسفيه المثل و آلقيم الأخلاقية العليا التي إقتبست من الرسالات السماوية و من الأساس:
ألأول: إستخدام اللامنطق و آللغة العبثية لتشويه الحقائق مهما كانت جليّة و جدّية و واضحة.
ألثاني: التظاهر بضروب من الجنون , و الدّعوة إلى الهيبينيسم و حتى إستخدام المخدرات, بحيث تصبح قانونية
ألثالث: إستخدام الكذب و الخداع, و كل تبرير مُمّكن لتكذيب الحقائق و القيم و الحقوق و أخبار الغيب و حذفها تماماً من واقع البشرية خصوصاً على صعيد الحكم و الأقتصاد و السياسة و حصرها في جدران المساجد و المعابد و الحوزات, و محاربة و تشويه كل من يحاول تطبيق الأخلاق مع الأقتصاد و السياسة لفسح المجال أمام شياطين العصر للتلاعب بأموال و أقتصاد العالم كيفما يشاؤون دون رقيب و وجدان و غيب!

حتى تصبح جميع الوسائل ألآنفة شرعيّة و واجبه بعد ما كانت ضرورية و تبريرية فقط بحسب مبدأ ألمفكر الأيطالي (ميكافيللي) الذي كان مطبّقاً و سائداً خلال القرن الماضي و بآلأخص في (عصر المعلومات) الذي أنقضى نهاية القرن الماضي (العشرين)(1), بعد ما أبدع ذلك المفكر السّلطوي أفكاراً قاسية و حاسمة و حدّية للغاية هَدَمَتْ الصّرح الفلسفي الغربي و الثرات الأخلاقي و الفكري الذي بناه دعاة عصر البعث renaissance كرينيه ديكارت و عمانوئيل كانت و توّجها إبرهام ماسلو(2) بقوانيه الحقوقية الطبيعة و أمثالهم ممن سبقهم من عمالقة الفكر و الفلسفة إبان العصور الوسطى أمثال مارثن لوثر و شوبنهاور و إسبينوزا سبقهم أرسطو و أفلاطون و أفلوطين و سقراط و فيثاغورس و غيرهم من فلاسفة اليونان القديم!

لقد حاول المفكر (ميكافيللي) تَبرير كلّ الوسائل اللاإنسانية الممكنة و إن كانت مجحفة لحقوق الأنسان لأدامة النظام و قائد السلطة من دون النظر لأستقامته .. فاسحاً بذلك المجال أمامهم للحفاظ على مواقعهم التي كانت بيد الأقوياء و الأثرياء و آلأكثر مالاً و جاهاً و جيشاً , لتُحطم الشعوب الأوربية بسبب تلك المبادئ التي حلّت محلّ الدِّين و القيم و مبادئ و آراء فلاسفة عصر التنوير و النهضة الأوربية الكبرى التي بدأت بعد (الرينوسانس) .. و بآلنتيجة أدّت شيئا ًفشيئاً إلى فتح صفحات أكثر مأساوية و دموية بإندلاع ألحروب و الغارات و القتل و العنف و الأحتلال و إنشاء الأحلاف العسكرية و زرع الفرقة بين شعوب و قوميات الأرض و أديانها المختلفة لأستعمارها!

حتى تحمّل العالم وزر حربين عالميتين خسرت فيها جميع الاطراف أكثر من 70 مليون قتيل و أضعاف ذلك من الأسرى مع آلاف الحروب و النزاعات الأخرى داخل أوربا و خارجها في كل العالم و التي ما زالت أكثر بلدانها تعاني ويلات و آثار الحرب و العنف خصوصاً في بلادنا الأسلامية التي كانت تستبطن مقومات العنف و النزاع و الخلافات العقائدية و الطائفية بسبب تأريخنا (الأسلاميّ) الدّموي الأسود, و دور الكيان الغاصب لأرض العرب في ذلك!

و أن الحكومات الوضعية القائمة اليوم و التي تحكم بغير الحقّ عن طريق الدّيمقراطية الموجهة المستهدفة لا الهادفة؛ أصبحت تتحمّل الدّور ألرّئيسي في تعميق تلك المبادئ الخلافية التي نتجت الأرهاب و الذبح و تعميق الفوارق المذهبية و الطبقية و شيوع الفقر و الأمراض و الجهل لتصب منافعها مباشرة بالأتجاه الذي رسمه أصحاب عصر المعلومات و العولمة و المدنية الحديثة!
بكلام وجيز و مفيد؛

أن دور الحكومات حتى تلك المنتخبة (ديمقراطياً) ستصب بإتجاه تعبيد البشريّة لغير الله عن طريق المال و الأقتصاد المدعومتان بآلسلطة و آلقوة العسكرية للأسف الشديد, في وقت باتت معظم أمم الأرض لا تدرك هذه الحقائق المؤلمة!

و قد يكون المفكر العربي (عبد الله زلوم) ثاني شخصية عربية قدّمّ أطروحة ثمّ كتاباً هامّاً قبل أكثر من عقدين بعد (محمد باقر الصّدر) الذي سبق جميع مفكري العرب و حتى العالم, كان عنوانه: [لا للرأسمالية المعلومالية](3), مترجماً فيه زبدة النظريات الأنسانيّة المتعلقة بكرامة الأنسان من خلال دور و تأثير الأقتصاد في حياة الفرد و المجتمع, حيث برهن بقرائن و مصادر و وقائع عديدة على فساد النظام الأقتصادي الرأسمالي الذي خطط منذ بداية القرن الماضي للسيطرة على العالم, مُبيّناً الخطوط العريضة لمخططات النظام الرأسمالي , و كأنه قدّمَ تطبيقات عملية للمبادئ التي طرحها الفيلسوف الصدر في كتاب (إقتصادنا)(4) حين برهن فيه فلسفيأً؛ أفضليّة و إنسانية و عدالة النظام الأقتصادي الأسلاميّ بآلقياس مع النظامين الأقتصاديين الأشتراكي و الرأسمالي و حتى باقي النظريات الأقتصادية في العالم.

و بناءاً على ذلك أعتقد مبدئياً و بناءاً على ما شهدناه و نشهده من وقائع مؤلمة و دامية في أكثر دول العالم بإستمرار؛ إستمرار الظلم و الفساد و تعميق محنة البشرية التي سوف لن تنجو من آثارها و لا يبقى أمامها خيار و حلّ بعد موت ضميرها بآلكامل؛ سوى إنتظار ظهور المصلح الكبير الذي وحده سيملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما مُلئت ظلما و جوراً, و هذه الحالة بآلمناسبة تتفق مع النتيجة التي تمخضت عنها مجمل النظرية الأشتراكية التي بشّرت بـ؛ (آلشيوعية) التي تُحقق من باب تحصيل حاصل عند بلوغها المرحلة النهائية نفس الأهداف التي تُحققها الدّولة ألأسلامية - المهدويّة العادلة التي تتساوى فيها الحقوق و الواجيات بين جميع الناس, بحيث لا يبقى رئيس و مرؤس و شيخ و مشيوخ أو غنيٌّ و فقير .. هذا في حال تمكنتْ (المنظمة الأقتصادية العالمية) لا سامح الله إجهاض التجربة (الأسلامية الثورية) التي إنطلقت في إيران و بنت قوانينها على أساس فلسفي أنساني و هي تشقّ طريقها بصعوبة بالغة, بعد ما جُنّدت ضدّها جميع طوابير و قوى الشيطان و نظريات العلم التخريبية كالأسلحة النووية المدمرة و آلوسائل الأعلامية الحديثة و أكثر من 100 محطة فضائيّة تبث ليل نهار بعضها أتّخذت أسماء إسلامية كمحطة (سلام) و (أهل البيت) و (ياحسين) و غيرها مدعومة من (المنظمة الأقتصادية العالمية) لتخريب أمنها و تشويه أهم مرتكزاتها و هي قضية الأمام الحسين(ع) بشكل خاص عبر محاولات لجعلها مُجرّد طقوس دينية لا تتعدى العزاء و اللطم و التطبير و الزنجيل و تقطيع البدن بآلآلات الجارحة !!

بآلأضافة إلى محطات أخرى تبثّ أيضاً بآللغة الفارسية الأخبار الملفقة و الأفلام الأباحية و برامج للفساد الأخلاقي و العائلي لنشر الفساد و محو الثقة بين أوساط الأمة الأيرانية المسلمة التي آمنت بآلأسلام الحسينيّ كنظام للحياة على صعيد الحكم!!

الهدف الأساسي من وراء كل تلك البرامج و المخططات في النهاية هو:
قتل ضمائر الناس و شرعنة ألأساليب الظالمة لتحقيق آلثراء و الحصول على المال بأية طريقة ممكنة .. لتخلوا الأرض للفاسدين في آلمنظمة الأقتصادية التي لم يبق أمامها ندّاً و حاجزاً ؛ سوى قيم و مبادئ هذه الثورة الفتية التي تُجابه مستميتة و لوحدها هؤلاء الشياطين العمالقة على كلّ الجبهات مع أذنابهم الذين شوهوا قيم الأسلام و ثورة الأمام الحسين(ع) في عقول الناس للتسلط على منابع قدراتهم و أقتصادهم و قوتهم ..

تلك آلثورة كانت الوحيدة التي تؤكّد على الجوانب الفكريّة؛ ألثقافيّة؛ ألأخلاقية, قبل أيّ شيئ آخر, لأنها كانت تهدف بآلأساس يوم إنطلقت بقيادة أتقى و أشرف و أنبل إنسان عارف في هذا العصر؛ إلى تحرير و أيقاض الناس للتّعبد إلى الله لا لغيره من البشر الذين يريدون إذلالهم و إهانتهم!

و الخطر الكبير الذي يخاف منه على سلامة و إستقامة هذه الثورة : هو وجود طابور من العملاء و طلاب الدُّنيا يعرفهم جميع الواعين .. تمّ تجنيدهم بإتقان من قبل أصحاب المنظمة الأقتصادية حاولت و تحاول التغلغل في أوساط الناس و مفاصل الثورة – الدولة لتشويه حقيقة الحسين(ع), و جعلها مأساةً لا تُخرّج إلا مأساة أخرى .. و لذلك يُحاولون كلّ عام في عاشوراء تعبئة الناس بمواكب طقوسية تبكي الشهيد و تلطم و تُطبّر و تُزمجّر و كأنها تعاهدهُ على جعل الأمّة و كأنها خرجت لتعتذر للحسين عن فشلها و خذلانها لنفسها .. لذلك ترى اناسا خسروا واقعهم و جاؤوا ليعزوا انفسهم بذلك لا غير ..
و سنكمل الجواب و الحديث في الحلقة القادمة إن شاء الله, و لا حول و لا قوّة إلا بآلله العليّ العظيم.
عزيز الخزرجي
17/10/2016
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مبدأ ميكافيللي الذي إكتسب شرعية كبيرة في العالم بين الحاكمين مفاده: [الغاية تُبرّر الوسيلة], بينما حوّرت الأنظمة الحالية تلك المقولة إلى واقع آخر .. عبّرت عنه بـ؛ [ الغاية تُشرعن الوسيلة]!
(2) ابراهام ماسلو (Abraham Maslow) ابريل 1908 - 8 يونيو 1970 و هو من أهم فلاسفة القرن الماضي حيث حدّد الحاجات الأنسانية الطبيعية, و الحاجات الأولية لكل فرد كفرد و للجماعة التي ينتمي لها من خلال مثلث ماسلو المشهور, و لكن جميع تلك القوانين و المبادئ الأنسانية الطبيعية أصبحت اليوم في خبر كان بعد ما كانت تُدرّس حتى العقود الأخيرة من القرن الماضي لجميع المراحل الدراسية حتى الجامعة, لكونها كانت تضرّ بأصحاب المال و آلسلطة في تفاصيل القوانين المتبعة في أنظمة الغرب كأمريكا و كندا.
(3) (زلوم, عبد الله 1991م), كتاب (لا للرأسمالية .. لا للمعلومالية), دار المطبعة الأردنية.
(4) كتاب (إقتصادنا) هو أوّل كتاب ألّفه الفيلسوف محمد باقر الصدر(قدس) في ستينيات القرن الماضي, برهن فيه على كون النظام الأقتصادي الأسلامي أفضل نظام للبشرية مقارنة بالنظام الأشتراكي و الرأسمالي, و تمّ تدوين أهم معالمه خلال القوانين المتبعة في نظام الجمهورية الأسلامية المعاصرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر