الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من الكلمات قنابلُ ؟

عبد اللطيف بن سالم

2016 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


• هل من الكلمات قنابلُ ؟:

منذ أوائل القرن الماضي والولايات المتّحدة تخطّط للسّيطرة على منطقة حوض البحر الأبيض المتوسّط ومنه للسّيطرة على منطقة الشرق الأوسط بكاملها للاستيلاء على مصادر النفط فيها وفرض هيمنتها لاحقا على بقيّة العالم ( وهذا ما نلاحظه مطبقا في هذه اللحظة ). ولماذا التركيز على البحر الأبيض المتوسّط هذا قبل غيره؟ لأنّ الشّرق الأوسط كان في جملته – في ذلك الوقت – متحالفا مع الاتحاد السّوفياتي وأنّ الكثير من شعوبه كانت متعاطفة مع إيديولوجيّته المروّجة لإمكانيّة تحقيق العدل والمساواة بين البشر في الحقوق والواجبات والأخذ بأسباب النعم. وهو ما يتوافق عمليّا مع تطلّعات العرب المسلمين والمسحيين في الوقت نفسه. وكان في هذا التحالف أو التعاطف مع هذا الّذي كان يُعرف بالمعسكر الشرقي تحصّنٌ من غوائل المدّ الرأسمالي الّذي كانت له هو أيضا إيديولوجيّته الّتي تدعو إلى الحريّة (والاقتصاد الحر ) والدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان وغير ذلك من وسائل الدعاية . ولهذا فإنّ توغّل أمريكا في المتوسّط سيمكّنها من مواجهة المنطقتين معا الاتحاد السوفياتي والشرق الأوسط وتكون قريبة من حلفائها في أوروبا « الحلف الأطلسي» L’O.T.A.N. ولهذا الغرض قد نشرت أساطيلها في مختلف أطرافه وركّزت منصّات صواريخها في مختلف جهاته، أي في البلدان المتاخمة له تحسّبا لكلّ تهديد محتمل ممّا كان يعرف بالاتحاد السوفياتي وتحضيرا في نفس الوقت لمهمّة الهجوم على المواقع المقصودة من الشرق الأوسط وهي – في ذات الوقت أيضا – كانت مستمرّة في حربها الباردة ضدّ هذا المعسكر. هذه الحرب الّتي لم تنته إلاّ كما انتهت الحرب العالميّة الثانية بتجربة قنبلة جديدة. لكن هذه المرّة هي قنبلة من نوع آخر يمكن تسميتها بالقنبلة – السحرية أو الذكيّة- هي كلمة «بروسترويكا» الّتي قد أنهت هذه الحرب لصالح أمريكا هذه المرّة بدون إراقة دماء وفي أسرع وقت ممكن . فهل يكفينا القول هنا « إنّ من الكلام لسحرا » أم يجب أن نضيف إلى ثقافتنا أيضا « أنّه من الكلمات قنابلُ»؟ أوليس لمثل هذا الغرض قد اخترعت أمريكا كلمة «الإرهاب» وأردفتها بـ«الديمقراطيّة» بديلا لها لتوقع منطقة الشرق الأوسط كلها في الشرك ؟ لكن ما أظنّها إن نجحت بكلمة «بروسترويكا» هذه (والتي تعني بها التغيير) ( ) في الاتحاد السّوفياتي فإنّها ستنجح بكلمة «الإرهاب» في مجتمع الشرق الأوسط لأنّه كثيرا ما ينقلب السّحر على السّاحر ويفتضح أمره لدى " الرجل الذكي " (والظروف الآن ليست نفس الظروف التي كانت في الماضي ) وإنّ شعوب هذه المنطقة تختلف في طبيعتها و«عقائدها» عن شعوب الاتحاد السوفياتي تلك الشعوب الّتي كانت بالفعل هشّة ومهيّأة لأن تعمل فيها هذه الكلمة عملها وتؤثّر فيها تأثيرها المطلوب إذ أنّ إيمان هذه الشّعوب بـ«الاشتراكيّة» كان ضعيفا وتطلّعها إلى الحريّة كان أقوى من تمسّكها بـ«الشيوعيّة» خصوصا وأنّها لم تتعوّد بعدُ على هذه الحياة النظاميّة الصارمة وملّت من انغلاقها فيها ! الأمر الّذي سهّل – بسرعة – لهذه الكلمة « بروسترويكا» أن تفعل مفعولها فيها.
أمّا العرب والمسلمون المستهدفون بهذه القنبلة الجديدة المسمّاة «الإرهاب» فإنّ إيمانهم بالله «ربّ العالمين» وبما جاء به الإسلام والمسيحية من تشريع ودين لهو أقوى من أيّ إيمان وجد على الأرض لذا فقد يصعُب إذا لم نقل يستحيل – أن تحطّمهم كلمة من مثل هذه الكلمات «القنابل» وأنّه لا يسهل عليهم أن يغيّروا ما بأنفسهم بفعل كلمة تأتيهم من غيرهم أو من غير دينهم وهم يعرفون ما يُرادُ بها لهم. وربما لهذا السبب نلاحظ أن هذا الإرهاب يُستعمل غالبا في غير ما يُوظف له وينقلب على أهله ولا يصيب الأهداف التي رُسمت له .
كان يقال عادة « إن من الكلام لسحرا » لما قد يكون له من نفاذ في العقول وتأثير في النّفوس وما كنّا ندري أنّه من الكلمات أيضا قنابل قد يكون لها من القوّة والفاعليّة أكثر حتّى من السّلاح النّووي فتفجّر معسكرا كاملا كالاتحاد السّوفياتي في زمن قياسي. وهاهي كلمة «الإرهاب» قد نزلت علينا كالصاعقة لا تزال تدوّي بصوتها المزعج في أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي بالخصوص ، تشكّك النّاس في عقيدتهم وفي أصولهم وفي هويّاتهم وكلّ خصوصيّاتهم الثقافيّة وتواريخهم النضاليّة ضدّ كلّ همجيّة أو نزعة استعماريّة لتطرحهم أرضا وتمشى عليهم الدّبابات الأمريكيّة نحو أغراضها الإستراتيجية والاقتصاديّة دون مبالاة بأيّة مبادئ وقيم ذات علاقة بـ«الإنسانيّة».
أليس أنّه من الكلمات ما يحمل «نوايا» تدميريّة شبيهة بما تحمله بعض الأسلحة من طاقة «نوويّة»؟ أوليس من غريب الصّدف أيضا أن تتشابه الكلمتان في الجذر، هذه من «النيّة» وتلك من «النّواة» ( هما كلمتان متجانستان كما يقال في علم النحو ). ومن كان يحتسب أن من الشعوب Les peuples ما يكون بمثل هذه الهشاشة والسّذاجة والبراءة حتّى تنطلي عليه بسهولة مثل هذه الحيل ؟ لا أظنّ ذلك كان ممكنا وقوعه بهذه السّهولة لو لم يجد ما يروّج له من «العملاء» ويبلّغه إلى النّاس بحرفيّة محكمة خصوصا وأنّ وسائل التبليغ والدّعاية اليوم قد صارت قريبة جدّا من الجميع. إنّما العملاء اليوم قد صاروا أكثر فعاليّة وتأثيرا في الحرب الباردة من الجنرالات في الحرب السّاخنة أو الملتهبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة