الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة فكرية نحو العلمانية

صليبا جبرا طويل

2016 / 10 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


افتقارنا الى الابداع الفكري تسبب في ترجعنا الحضاري.
بناء الوطن يحتاج الى عقول مستقلة. الأفكار الجامدة
لا تبني سوى الجهل، والنخب الجاهلة غالبا ما تكون تابعة
مستسلمة لا يمكنها بناء مشروع وطني علماني، مقابل
مشروع ديني سياسي دكتاتوري متشدد.


المشاكل التي تواجهنا خطيرة، نفتقر لألية ردمها. على الصعيد العالمي مرتبطة بضعفنا كقوة فاعلة، وبشح ثقافي يتعاظم يوما بعد يوم، وبعجز عن اللحاق بالتطور العلمي المتسارع النمو في الدول المتقدمة، وعدم امتلاكنا المعرفي لبناء تكنولوجيا حديثة. وعلى الصعيد المحلي عدم قدرتنا على التغير الاجتماعي وبناء مجتمع العدالة والمساواة والحرية. الارباك الذي نعيشه للخروج من هذه الورطة ادي الى تخبطنا الفكري، واعاق التوصل لقرارات مناسبة تخرجنا من هذه المعضلة. عدم وجود برامج تتعهد بإنجاز نقلة نوعية على الصعيدين العالمي والمحلى سيبقياننا تحت رحمة الديكتاتورية، والتطرف، والاستعمار.

مع بدء ثورة فوضى الفكر والسلاح - الربيع العربي- ظهرت حركات إصلاحية تنادي بالتغير، وإطلاق الحريات الخ....، في الواقع معظم هذه الحركات التقت عند نقطة تغير النظام، أي استبداله بنظام اخر – التغير في العالم العربي مطلب رئيسي ومهم لان من يحكم في العالم العربي معظمه عائلات اثرت على حساب الشعب، تتعاون اغلبها مع رجال الدين في معظم الأحوال، توافقها مع بعضها البعض يفرض سياستها، فهي مدنية شكليا، ودينية باطنيا، ليست حزبية بالرغم من وجود الأحزاب المختلفة. معظم الأطر التي تبحث عن التغيير ليس في جعبتها سوى تغير النظام واستبداله باخر ليعيد أسلوب سلفه حتي يهرم دون طرح أو وجود برنامج سياسي متكامل تعمل من خلاله، فقط تريد التغير. الشعب يائس لعدم وجود ما يبعث فيه روح الامل بمستقبل مشرق كما أراد وتوقع. فمن سيقود المجتمع نحو التغيير، بالرغم من وجود عشرات التنظيمات التي افرزها الواقع الحالي، سيبقى السؤال الملح والجوهري من منها سيتمكن من قيادة المجتمع؟ وما هي برامجه التنموية على مستوى الوطن؟ علينا ان لا ننسى أن من يغيبون عن صنع القرار يشكلون الشرعية الأكبر وهم الأكثرية، بينهم نخبة من المثقفون والأكاديميون، الا انهم يخجلون من ابراز وإظهار قدراتهم، او يغيبون عمدا.

نحتاج الى ذهن - فطنة وذكاء وفهم- متجدد متفتح من نوع جديد يتحدى الاختلافات والتحديات القائمة. ويزعج الراضين والمنتفعين على أوضاعهم وأنفسهم، ويعترض، ويقاوم النفعين، ويشكك في كل ما يطرحون من أفكار لا تمت للحقائق الطبيعية والعلمية بصلة ولا حتى تلائم القرن الحادي والعشرين.

نحتاج الى عقلية ثورية تؤرق مضاجع الحكام ورجال الدين، وتدغدغ عقولهم، وتبدد اوهامهم الزائفة. نريد ثورة تخرجنا من وضعنا اليائس، من فكرنا اليائس المتحجر دون المساس بخليقة الله وافسادها وتدميرها وتحديها. ضميرنا يملي، ويوجب علينا المحافظة عليها ونكرسها من اجل خدمة الانسان. نحتاج الى ثورة فكرية تستأصل روح الشر وتنمي فكرة الحق فينا.

معظم الأديان، ان لم يكن كلها في قارات العالم، في توجهها لمبدع الكون -الله - لا تخرج في دعوتها عن سمو الاخلاق، مهما كانت طقوسها، وشكل عبادتها فإنها تحترم الحياة والطبيعة والكون. لقد أبدع الخالق - العقل الكوني الجبار- في خلقه المتنوع، وأبدع ما يكون هو خلقه الفريد للإنسان، فوهبه وحده عقلا حرا مستقلا ليبدع. خلقنا كائنات ذكية عاقلة لنخضع الأرض ونستثمرها ونسيطر عليها. ميزنا كي نفكر بحرية ومسؤولية وإرادة مستقلة لنتصرف بإنسانية كبشر وليس كوحوش. هناك ملحدون، ينتشرون في انحاء العالم ليس لهم ايمان بالله، وهناك لا دينين أيضا يؤمنون بخالق وليس بدين، من خلال التعامل معهم نجدهم كباقي البشر غير مجردين من محبة الانسان للإنسان، يمتلكون اخلاق، ويقومون بأعمال محبة لأجل الخير العام أكثر مِن مَن له ايمان، امثال المؤمنين الاوصياء على البشر بدل الرحمان. ليس عيبا او خطاء اخي المؤمن ان وهبت بعض من ذاتك لخدمة الإنسانية كلها ايضا، انظر حولك وابحث واعمل واسعى لإيجاد حلول للبشرية المقهورة في هذا الزمن. ابحث عن حلول للتغير الاجتماعي المتصدع قبل ان يحصدنا الاقتتال والموت الزؤام. اقم مجتمعا، عادلا، صالحا متعدد التوجهات، لا ادعوا مثلك أيها المؤمن لمثالية فذلك غير ممكن، لان الطبيعة البشرية تحول دون ذلك، لأنها تتمركز حول الذات. جميعنا على اختلافاتنا نحتاج الى تظافر الجهود وتوجيهها لتقليص مقدار الفساد الاجتماعي واحتوائه، مقابل قدر أكبر في التقدم والنمو والتطور الإنساني العلمي العالمي. عندها كلنا سنبدع، ونبني معا مشروع وطن علماني لكل انسان.

الوصول للحقيقة يتطلب دقة البحث ومضاعفة الجهد رغم كل الصعوبات والتعقيدات التي يفرضها مغيبو العقل، ومن يبحث عن حلول ارتجالية اسطورية لا تخضع للبحث العلمي الدقيق، ليخرجوا علينا مؤكدين على عدم وجود حلول مناسبة لأننا مستهدفون، هذه الوجوه الماكرة دليل على استهزاء بالمواطنين. نعم نحن مستهدفون كما كنا في الماضي، بسبب حاجة المستعمرين منذ فجر التاريخ الى ارضنا لخيراتها، ولموقعها المميز كممر نحو القارات، ولخصوبة أراضينا، ولكن ليس بسبب ديننا. يظهر بؤس تفكيرهم عندما يقولون ان التبشير يسبق الاستعمار، صدقا لغاية الان لم أجد إحصائيات تبين، وتدل على ان الاف او المئات او العشرات من الاشخاص تركوا مثلا الإسلام ودخلوا في المسيحية، لا عنوة ولا عن رغبة. حجتهم حجة المواطن المفلس الذي يريد ان يحكم باسم الدين فقط، عن طريق تعزيز الشعور بالاضطهاد لرعاياهم، وتأجيج نار العنصرية الدينية لخلق فوضى يتمكنون من خلالها استيلاب الحكم. لنسرع حثيثا ونطور عقلية تعتمد على حقائق علمية كأساس للخروج من المأزق الذي نعاني منه، فهي وحدها القادرة على منحنا إجابات لمشاكلنا العصرية.

هناك من يستنتج وجود عيوب في أنظمة الحكم أي كان نوعها. فيرى أن النظام الرأسمالي يشجع المبادرة الإنسانية الفردية وروح المغامرة، لكنها لا تبالي بعجز الفقراء عن مجاراة التنافس الشديد الذي تولده الرأسمالية. النظام الاشتراكي لا يبدي تعاطفا كبيرا مع الفقراء والضعفاء، ولا تبالي لروح المبادرة الفردية فتخنقها امام المؤسسات الحكومية الاشتراكية. والنظام الثيوقراطي، دكتاتورية جماعية بيد سلطة دينية تجبر الناس على الطاعة العمياء لها، ولا تعامل جميع المواطنين بمساواة كاملة. من منطلق الحق اللالهي الذي تمنحه لها الشرعية التي تسلمتها استجابة للإرادة الإلهية. النظام العلماني يستند الى الديمقراطية – حكم الشعب للشعب – كونه أسلم واحكم اشكال الحكم لأنها تهتم بالكرامة الإنسانية وتعطي لكل فرد دورا مسئولا في عملية اتخاذ القرار، وتصر على توزيع السلطة، وتحارب الفساد لأنها ترفض ان تركز السلطة في يد شخص واحد او بضعة اشخاص. العلمانية تتميز بان شرعياتها الحكومية، وأحكامها، ونظرتها لجميع الأمور إنسانية، ناتجة عن فكر مبدع خرج من عقل خلقه الله، بعيدة عن الاستناد الى الحكم طبق المعتقدات الدينية. بالنتيجة يكون افضلها هو الحكم العلماني، اي فصل الدين عن السياسة.

هناك تناقض واضح في الانسان، سببه مكونات تربوية لم يستوردها، بل نمت في مجتمعه الذي ترعرع فيه واكتسبها منه. فنجد النبيل والخسيس ، المحب والكاره، الاناني والمعطي، العقلاني واللاعقلاني الخ.... القائمة تطول فكل منا يحمل هذه التناقضات بنسب مختلفة تعتمد على ثقافته، وتربيته، وبيئته. لذلك لا يمكننا ان نحدد مقدار أي منها. في مجتمع المظاهر كمجتمعنا الذي ينظر الى عيني الشخص لا الى قلبه، ويمجد ما يراه ولا يمجد سيرته واخلاقه واعماله. فأننا نحدد مقدار ايمان الشخص حتى لو كان مواظبا على القيام بالواجبات والطقوس الدينية المقدسة والصلوات المفروضة. نحن نحكم على ما نرى وليس على ما لا نرى داخل الانسان. -ننظر على الوجه المقنع ولا ننظر الى الوجه الحقيقي- لذلك نبالغ في وصف الانسان بالمتدين والمؤمن- تركز الأديان "على ان التغيير يبدأ من الذات" - للأسف في مجتمعاتنا حتى الذات باتت مقهورة-. الذات ليس الظاهر من الانسان، بل من قلب الانسان لان منه تأتي القبائح واعمال البر والتقوى والمحبة والبغض والسعادة الخ... صُنعنا للإنسان المؤمن بالظاهر هو التفاف على الله الذي ينظر الى قلب الانسان وليس الى عينيه.

للأسف ما افرزته مجتمعاتنا هو تنافس فوضوي لأحزاب دينية وسياسية، تمتد من اقصى اليمين الى اقصى اليسار. ليصبح طرحها السياسي والاقتصادي والاجتماعي مشروع وطني حزبي أكثر منه وطني خالص. لتضيع الفرصة وتفوت الاجماع حول قرارات تستنهض الوطن والمواطنين. فبدل ان يكون بينهم قواسم مشتركة تستند الى عقد اجتماعي، يتولد تفرقة تعزز وتقود الى فرط العقد الاجتماعي. النتيجة، ان كل حزب منها يحاول ان يفرض نفسه حتى لو تطلب استخدام القوة والسلاح.

بناء الوطن، يحتاج الى تظافر الجهود ووضع برامج، ومشاريع قصيرة وطويلة الأمد متكاملة تقوم على تلبية حاجات الناس وإيفائها ومعالجة همومهم، فقرهم، امورهم الأمنية، الصحية، التعليمية والاجتماعية الخ... لا تخضع لفروق دينية، او فكرية، او جنسية. بغياب وجود رؤيا او برامج تنموية سياسية واقتصادية واجتماعية للقيام بهذه المهام يستحيل بناء دولة عادلة يستمتع فيها الناس بحقوقهم بحرية ويقدموا واجباتهم بحسب القانون، ليحل حكم قانون اقرب الى الاستبداد منه الى العدل.

الديمقراطية أسلم، واحكم، وأفضل أنواع الحكم التي استنبطت حتى الان لأنها تعكس التناقض الظاهري في الانسان. في النظم الدينية الشمولية يستغل الانسان من اجل مصلحته في الاخرة، في الرأسمالية يستغل الانسان اخاه الانسان، في الاشتراكية يستغل الانسان لمصلحة الجماعة الخ... للخروج من أزمتنا لنباشر بإصلاح حالنا واوضاعنا العالمية والمحلية، علينا المبادرة والإسراع في بناء مجتمع علماني جوهره ديمقراطي ينادي بفصل الدين عن الدولة يحتضن كل مكونات المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد