الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول التجربة السياسية المغربية مرة أخرى

إبراهيم ابراش

2016 / 10 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


طوال خمسمائة سنة تقريبا والشعوب تخوض تجارب سياسية متعددة في سعيها لنظام سياسي واقتصادي أكثر قدرة على توفير حياة أفضل للمواطنين . فتباينت الأنظمة السياسية ما بين ديمقراطية ودكتاتورية، وتباينت الأنظمة الديمقراطية في المساحة أو الحيز الذي تتيحه للشعب للمشاركة في السلطة أو في التعبير عن رأيه بحرية وفي درجة ونوع الحريات المتاحة ، كما تفننت الأنظمة الدكتاتورية في أساليب قمع الشعب أو تضليله ، أيضا فإن كل شعوب الأرض شهدت خلال الخمسمائة سنة الأخيرة حروبا أهلية دينية وقومية وسياسية، وثورات وقلاقل .
هذه السيرورة لتطور الدول والأنظمة السياسية تعود لطبيعة الحياة السياسية . فالظاهرة السياسية ظاهرة اجتماعية و محصلة سلوك بشري وليست عالم ملائكة ، والبشر مبدعون وخطاءون في نفس الوقت ويستفيدون من اخطائهم ومن تجارب التاريخ ، لذا فإن السياسة لا تخلو من أخطاء وتجاوزات تتفاوت خطورتها بقدر ما تُلحقه من أضرار بالأفراد وبالمجتمع والدولة بشكل عام . كما أن الدولة وحتى إن كانت ملتزمة بكل الاستحقاقات النظرية والدستورية للديمقراطية إلا أنها لا تستطيع أن تلبي كل مطالب الشعب ، وسياستها لا تتطابق دوما مع النصوص القانونية والدستورية وخصوصا من حيث الالتزام بالحقوق والحريات، وقد صدق رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل عندما قال بأن الديمقراطية ليست نظام حكم مثالي ولكنها أقل أنظمة الحكم سوءا .
في جميع أنظمة الحكم فإن الواقع هو المحك العملي للحكم على الأنظمة والحكومات ، والمقصود بالواقع ها هنا قدرة الدولة والنظام السياسي على الحفاظ على وحدة الدولة والمجتمع من خلال حماية المجتمع من التهديدات الخارجية وضمان الترابط والوحدة بين مكونات المجتمع ، أيضا توفير شروط التنمية المستدامة بما هو متاح من إمكانيات وطنية وأقل قدر من التمويل الخارجي ، والحد من الفساد ونهب المال العام ، والحكم بالقانون والرجوع للشعب من فترة لأخرى لينتخب من يمثله ليحكم أو يشارك في الحكم ، فالشعب لا يطمح للحكم بل يريد أن تؤخذ آماله ومصالحه بعين الاعتبار عند الحكام .
هذه الأمور قد تحدث عن طريق الثورات والأنظمة الثورية ، ولكن غالبا ومن الأفضل أن تكون عن طريق الإصلاحات المتدرجة في سياق نظام يتبنى الديمقراطية المتدرجة حتى وإن أخذت طابعا أبويا في بداياتها . الثورة مسعى وطموح للتغيير السريع ولكنها غير مضمونة السيرورة والصيرورة ، وكم من ثورات جنت على شعوبها ، أما التغيير الديمقراطي الإصلاحي فهو بطئ ولكنه مضمون النتائج .
مع أن التجربة السياسية للدول والأنظمة العربية تأتي خارج سياق التطور و التجربة التاريخية للغرب ، لحداثة نشأة بعض الدول العربية وخضوعها جميعا للاستعمار أو بسبب خصوصيات ثقافية يقف الدين أو تفسيره حسب ثقافة المجتمع على رأسها ، إلا أن كل الشعوب العربية في مرحلة ما بعد الاستعمار حاولت تقليد أو اختبار أو استلهام التجربة الغربية سياسيا واقتصاديا ، سواء على مستوى ولوج عالم الديمقراطية أو خوض تجارب ثورية سياسية متعددة ، وما بينهما محاولات انقلابية لتغيير طبيعة النظام السياسي من ملكي إلى جمهور أو انقلاب العسكر بعضهم على بعض ، مما وسم المشهد السياسي العربي بعدم الاستقرار وجعل منه حقل تجارب لكل الأيديولوجيات .
قلة من الدول العربية استفادت من التجارب الإنسانية التاريخية وجنبت نفسها الوقوع في الفوضى أو تكرار تجارب فاشلة ، حيث حافظت على درجة من الاستقرار وتغلبت على كل موجات التغيير الثوري والانقلابي دون أن تنغلق على ذاتها أو تصد رياح التغيير . ومن هذه الدول أو على رأسها المملكة المغربية حيث جَهُدت المؤسسة الملكية على استيعاب وتدجين الأيديولوجيات و توطينها لخدمة مسار تحول ديمقراطي متدرج يوائم ما بين الخصوصيات الثقافية والاقتصادية ومتطلبات الحفاظ على وحدة الوطن من جانب ، واستحقاقات التحول الديمقراطي من جانب آخر ، أو الموائمة ما بين الأصالة والمعاصرة .
للتجربة السياسية للمغرب خصوصية تنبع من طبيعة المؤسسة الملكية والسياق الخاص للدين في النسيج المغربي ، أيضا خصوصية الوطنية المغربية وتبلور عقل سياسي مغربي وضع منذ البداية حدودا للتعامل مع الايديولوجيات القادمة من المشرق العربي سواء كانت دينية أو قومية أو أممية .
المؤسسة الملكية في المغرب ليست الأسرة الملكية فهذه الأخيرة تعتبر من أصغر العائلات أو الأسر الملكية في العالم ، ففي الوقت الذي نجد أفراد العائلات المالكة في العالم العربي يشغلون أغلب الوزارات والمواقع السيادية وقادة للجيش وفي السفارات ورؤساء أو ملاك الشركات الكبرى ، فإن أفراد الأسرة الملكية في المغرب الناشطون سياسيا واقتصاديا لا يتجاوزون العشر أشخاص ، فباستثناء الملك محمد السادس وأخيه مولاي رشيد نادرا ما تسمع عن أفراد الأسرة المالكة ، صحيح هناك القرابة البعيدة والقرابة عن طريق المصاهرة وشراكة المال والمصالح ، إلا أن كل ذلك يبقى في نطاق محدود في بلد يصل عدد سكانه 35 مليون نسمه ومساحته 710,850 كم 2 .
لا نبالغ إن حسمنا القول بأن المؤسسة الملكية مؤسسة وطنية شعبية شمولية مدعومة من الشعب ومن كل القوى السياسية ، بحيث يمكن القول بأن كل الأحزاب السياسية المغربية (أحزاب ملكية) ، مادامت جميعها – عدا حزب العدل والإحسان ذو الخلفية الدينية الأصولية - تشارك في الحياة السياسية وتقبل بالدستور مرجعية ، والدستور يلحظ للملك مجالا محفوظا يسمو به على كل الأحزاب ، كما أن كل الأحزاب تقدم البيعة للملك في ضمن مراسم احتفالية تجمع ما بين الدين والسياسية باعتبار الملك أمير المؤمنين حسب نص الدستور .
بالرغم من تعدد الأحزاب وتباين برامجها السياسية وإيديولوجياتها إلا أنه يمكن القول بأنها جميعا احزابا وطنية مغربية ، فالأيديولوجيا ، دينية كانت أو سياسية مادية ، مجرد شعارات وتوجهات فكرية نظرية لا تتعدى تخوم الوطن المغربي ولا تشكل امتدادا للخارج . الاحزاب اليسارية والشيوعية أحزاب وطنية مغربية بخطاب أممي نظريا ، والأحزاب ذات التوجهات الدينية أحزاب وطنية مغربية بخطاب ديني نظريا ، أما الأحزاب القائمة على المرجعية القومية العربية – كحزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب والحركة الناصرية - فلم تعرف طريقها إلى المغرب تاريخيا . الدين في المغرب جزء من الثقافة والهوية المغربية وليس ايديولوجيا وافدة أو حزبية لها مشروع مغاير للدولة وثوابتها ومرجعيتها ، وأحزاب اليسار واليمين أيضا تتكيف مع الثقافة والهوية المغربية ، وقد لاحظنا كيف فشلت الأحزاب اليسارية في الستينيات والسبعينيات في جر الحياة السياسية نحو الأممية أو ربطها بما يجري العالم العربي من متغيرات ، نفس الأمر جرى مع الأحزاب والحركات الدينية أخيرا حيث تؤكد هذه الأخيرة وخصوصا حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة على طابعه الوطني المغربي وينفي أية صلة له بجماعة الإخوان المسلمين .
التناغم والانسجام في الحياة السياسية في المغرب ما بين الثقافة والدين والمؤسسة الملكية والشعب والأحزاب السياسية هو الذي يشكل اساس حالة الاستقرار والديمقراطية الابوية المتدرجة التي تستوعب الجميع لا فرق بين أحزاب يسارية أو أحزاب ذات مرجعية دينية .
ففي عام 2001 صدر لنا كتاب بعنوان " الديمقراطية بين عالمية الفكرة وخصوصية التطبيق : مقاربة للتجربة الديمقراطية في المغرب "منشورات الزمن،الرباط ، وفيه رصدنا الحياة السياسية في المغرب بعد الانتخابات التشريعية نهاية 1997 والتي فاز فيها حزب المعارضة اليساري (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) بأكثر عدد من الأصوات وبمقاعد في البرلمان عددها (57 مقعد) أهلته لتشكيل حكومة برئاسة امينه العام آنذاك عبد الرحمن اليوسفي ، وفي تلك الانتخابات جاء ترتيب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية العاشر ب (9 مقاعد) ، وهي الحركة التي أصبحت لاحقا حزب العدالة والتنمية بعد توحيدها مع جماعة التوحيد والإصلاح في عام 1998 ، وهو الحزب الذي تصدر قائمة الاحزاب الفائزة في الانتخابات الأخيرة في اكتوبر 2016 .
خلال عقدين من الزمن تغيرت مواقف وسياسات وبرامج الأحزاب و اسماءها ووزنها في الشارع المغربي ، تراجعت وشاخت أحزاب ، وتقدمت أخرى لتتصدر المشهد السياسي كل ذلك في إطار ديمقراطية متدرجة لا تقبل التسرع والقفز على المراحل إلا بما يعزز النهج الديمقراطي ويوطد الاستقرار ، وفي إطار ثقافة وعقل سياسي مغربي وسطي يوائم ما بين الشعار والمأمول من جانب والممكنات والقدرات من جانب آخر . هذا لا يعني ان المغرب بلاد السمن والعسل والحرية ، فهناك بطالة وفقر وشكاوى حول انتهاكات حقوق الإنسان وقوة القبضة الأمنية ، ولكن المهم هو التناغم والانسجام بين المكونات الاجتماعية والسياسية بما يسمح بإدارة ومعالجات رشيدة لكل هذه المشاكل .
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ابراهيم أبراش والتوازن الفكري
عبد الله اغونان ( 2016 / 10 / 26 - 20:37 )

هذا مقال أعجبني جدا
ولم ؟
لأنه واقعي موضوعي دون تفريط ولاافراط
يقول ما يرفضه المتنطعون يمينا ويسارا
ان المغرب وتونس حالتان في التيه العربي
وذلط بفعل الخصوصية لحزبي العدالة والتنمية المغربي الذي حكم وأعيدت الثقة فيه وحزب النهضة التونسي ولاتخفى خصوصيتهما المستمدة من هوية شعوبهما

اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد