الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة الأميركية في العراق بين الثوابت والمتغيرات

حسين كركوش

2016 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


NATION –BUILDING

الولايات المتحدة غزت العراق واحتلته عام 2003 ليس للتخلص من صدام حسين ولا لإسقاط نظامه ، لأنها كانت قادرة أن تفعل ذلك بعد حرب الكويت.
وبالتأكيد ، هي لم تشن الحرب دفاعا عن الطائفة الفلانية ونكاية بالطائفة العلانية ، أو مناصرة هذه القومية ومعاداة تلك.
الولايات المتحدة شنت الحرب دفاعا عن مصالحها القومية ، و لتنفيذ مشروع استراتيجي بعيد المدى ، هدفه بناء - الأمة ( nation-building ) ، وليس أن تقضي على صدام حسين ونظامه ثم تعود من حيث جاءت.
مصطلح (بناء-أمة) لا يعني ، فقط ، المعنى (المادي) التعميري وإنما يشمل أحداث تغيرات ، ليس على صعيد الدولة وحدها ، وإنما داخل المجتمع ، و ليس في الميدان السياسي وحده ، وإنما في جميع الميادين.
هذا المشروع كان موجودا في أذهان صانعي القرار الأميركي منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة ، لكن وقوع هجمات أيلول على برجي التجارة ، هو الذي جعله يختمر وينضج ويصبح قيد التنفيذ.

ولهذا الغرض عُقدت ورشات عمل ضخمة رعتها مراكز بحوث أميركية مشهورة ، قُدمت خلالها بحوث من قبل خبراء في السياسة والاقتصاد والتاريخ وعلم الاجتماع والإعلام والانثروبولوجيا وأديان وأخلاق وعادات الشعوب ، وفي كل مجالات الحياة.
فعلى سبيل المثال ، و بعد شهر من الاحتلال الأميركي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين عقدت مؤسسة (راند RAND) ، وهي واحدة من مؤسسات البحوث الأميركية الضخمة ، مؤتمرا حول إعادة بناء العراق بعنوان ( دور أميركا في بناء- أمة من ألمانيا إلى العراق America’s Role In Nation- Building From Germany To Iraq ).
شارك في المؤتمر ، الذي بدأ الإعداد له قبل فترة من وقوع الاحتلال ، خبراء في مجالات مختلفة. وناقش المشاركون الأوضاع العراقية من كل الجوانب. وكانت التجربتان الألمانية واليابانية من بين عدة تجارب ناقشها الحاضرون للاسترشاد بهما و لغرض استخلاص العبر منهما ، فيما يتعلق بخصوصية الأوضاع العراقية ، اختلافا وتشابها وتطابقا.
المؤتمر الذي عقدته مؤسسة (راند) ليس الوحيد في الولايات المتحدة الذي ناقش إعادة بناء العراق بعد الاحتلال ، فقد سبقته واعقبته ، كما قلت ، ورشات عمل بحثية كثيرة لخبراء في كل المجالات.
ويبدو أن فكرة الاهتداء بالتجربتين الألمانية واليابانية في إعادة بناء العراق كانت شائعة لدى صناع القرار الأميركي ، وحتى عند صغار الموظفين في الخارجية الأميركية ، كما يقول جيمس فلوز.
جيمس فلوز JAMES FALLOWS صحافي ينشر في أهم الصحف الأميركية ، و كاتب ، و أستاذ في جامعات أميركية وأجنبية ، و يتمتع بعلاقات وثيقة مع كبار صناع القرار في الأدارات الأميركية ، و كان كاتب خطابات الرئيس جيمي كارتر لسنتين. وكان ، بحكم علاقاته ، على معرفة بالنقاشات التي كانت تدور في أروقة الخارجية والبنتاغون أثناء التحضير لعملية الاحتلال.
فلوز له عشر كتب حول الاستراتيجيا الاميركية منها ، كتاب عنوانه (عميان في بغداد BLIND INTO BAGHDAD ) نشره عام 2006 بعد أن كان قد نشره على حلقات عام 2004 في مجلة (ذي اتلانتك).
فلوز في كتابه ينتقد بشدة عملية الاحتلال الأميركي للعراق ، ليس لأنه ضد الاحتلال ، وإنما بسبب غياب الأعداد المتقن ، و السرعة التي تمت فيها العملية و غياب الاستعداد الواسع لها ، والافتقاد للتنسيق ، وكذلك تفرد وزير الدفاع آنذاك ، رونالد رامسفيلد كبار ومساعديه بالقرارات.
يقول فلوز إن كبار العاملين في أدارة الرئيس بوش عندما كانوا يناقشون ، خلال الأيام التي سبقت احتلال العراق ، عن كيف سيكون الوضع في العراق بعد الاحتلال فأنهم كانوا يناقشون التجربتين اليابانية والألمانية.
وينقل فلوز عن واحد من هولاء العاملين الذين ذهبوا للعمل في العراق خلال الأشهر الأولى بعد الاحتلال ، قول الأخير ( لقد لاحظت وأنا داخل الطائرة العسكرية الأميركية الذاهبة لبغداد أن الكتب التي كان يحملها جميع زملائي الأميركيين الذي كانوا معي على متن الطائرة لا تتحدث عن العالم العربي ومشاكله ، وإنما كانت كلها تتحدث عن التجربتين الألمانية واليابانية وكيف تمت إعادة بناء هذين البلدين بجهود أميركية بعد الحرب الثانية.)

وإذا عدنا للوراء فسنجد أن مشروع إعادة بناء العراق شرعت الولايات المتحدة بتنفيذه ، عمليا ، خلال حرب الكويت عام 1991 ، عندما دمرت البنى التحتية ، ثم فرضت الحصار الاقتصادي ، وتركته مخربا حتى لحظة غزوه واحتلاله عام 2003.
يقول رئيس مجلس العلاقات الخارجية حاليا والمسؤول السابق عن تخطيط السياسية الأميركية في وزارة الخارجية ، ومستشار وزير الخارجية الأسبق كولن باول ، الدبلوماسي والمفكر ريشارد هاس ، في كتاب نشره بعد ثمان سنوات على حرب الكويت ، أي عام 1999 بعنوان (تدخل : استخدام القوة العسكرية الأميركية في حقبة ما بعد الحرب الباردة Intervention: The Use of American Military Force in the Post-Cold War World) إن تغيير نظام ما غالبا لا يمكن إنجازه إلا بغزو عسكري واسع النطاق يترك الأمة المحتَلة أنقاضا وتصبح بحاجة إلى إعادة بناء.)
ما يطالب به هاس نفذت الولايات المتحدة قسمه الأول عام 1991 وظلت تواصل تنفيذه لاحقا من خلال الضربات العسكرية خلال حقبة أدارة كلنتون ، وجاءت عام 2003 لتنجز القسم المتبقي.

غرضي من كل ما كتبته من سطور سابقة هو ، أن أقول إن الولايات المتحدة لم تحتل العراق لإسقاط النظام السياسي القائم وقتذاك ، فقط.
سياسة إسقاط الأنظمة السياسية أو التخلص من القادة الحكام غير المرغوب فيهم كانت الولايات المتحدة تطبقها ، بطريقة المؤامرات والنقلابات ، عن بعد و على طريقة الرموت كونترول ، خلال حقبة الحرب الباردة. وقتذاك كان ميزان الرعب بينها وبين الاتحاد السوفيتي قائما ويمنعها أن تفعل ما تريده وترغب به.
بعد الحرب الباردة بدأت الولايات المتحدة تفكر وتتصرف ، وتصرفت باعتبارها القوة الأعظم والأوحد القادرة بمفردها على كتابة تاريخ العالم ، وليس تاريخها وحده.
وما كان الرئيس الأميركي بوش يعبر عن تهور ورعونة سياسية عندما قال عشية تنفيذ عملية غزو واحتلال العراق ، أي في 26 شباط 2003 : ( إننا نلتقي هنا في مرحلة حاسمة من تاريخ أمتنا ، وتاريخ العالم المتحضر. إن قسما من ذاك التاريخ كتبه آخرون غيرنا ؛ وما تبقى من التاريخ سنكتبه نحن ( Part of that history was written by others the rest will be written by us) . إن إعادة بناء العراق ستتطلب التزاما متواصلا من قبل أمم عديدة ، بما في ذلك أمتنا الأميركية : سنبقى في العراق ما كان ذلك ضروريا ، وبعد انقضاء هذه المدة الضرورية لن نبقى في العراق حتى يوما واحدا.)

وما كان بوش يتحدث بأسمه أو أدارته وبأسم حزبه ، وإنما بأسم الولايات المتحدة. قرار الحرب لم يتخذه الحزب الجمهوري وحده.
قرار الموافقة على شن الحرب حظى وقتها بدعم أكثرية الديمقراطيين
في مجلس الشيوخ ، ودعم قيادة الحزب الديمقراطي في مجلسي الشيوخ
و النواب.
ومن الديمقراطيين الذين أيدوا بقوة قرار الحرب و تضامنوا مع رامسفيلد وديك شني وبول فولفيتز وبقية صقور الحزب الجمهوري و جماعة المحافظين الجدد هم ، هيلاري كلنتون وجون بايدن وجون كيري الذين كافئهم أوباما واختارهم في مناصب رفيعة في أدارته بعد فوزه.
فالرئيس أوباما عارض الحرب ، ليس لأسباب مبدأية وإنما لحسابات فنية كان يجدها شخصيا غير دقيقة ، خسائرها أكثر من أرباحها.
وقبل وصوله للرئاسة ، و في خطابه الشهير في اكتوبر 2002 الذي أعلن فيه معارضته للحرب على العراق ، أوضح أنه يعارض الحرب على العراق ، فقط لأنه يراها ( حرب خرقاء و غبية a dump war ، a rash war).
وعندما أصبح أوباما رئيسا نسى تماما ذاك الوصف وبدأ يتحدث عن كيفية ضمان المصالح الأميركية في العراق ، وسار على طريق أتمام ما بدأته إدارة سلفه بوش.
وخلال محادثة له مع رئيس الوزراء العراقي ، حيدر العبادي ، قال الرئيس أوباما ، بفرح ، إن العراق الآن لا خوف عليه ، فهو بلد ديمقراطي يعاني من مد وجزر في أوضاعه السياسية الداخلية شأن أي نظام ديمقراطي آخر في العالم.
إنه لعبث ما يقوله البعض بإن الولايات المتحدة (غسلت يدها) من العراق ، على اعتبار أن مشاكل العراق ومنطقة الشرق الأوسط لا شفاء لها ولا حلول !
فقد واجهت الولايات المتحدة صعوبات كارثية أثناء تواجد قواتها داخل العراق قال على أثرها البعض أنها ستسحب قواتها وترحل مهزومة أشبه بهزيمتها في فيتنام ، لكنها واصلت احتلالها ولم تنسحب من العراق إلا بعد سنوات ، أي بعد انتهاء المدة (الضرورية) التي تحدث عنها الرئيس بوش.
فهل من المعقول ، وقد تحسنت الآن الأوضاع الأمنية كثيرا ، أن تترك الولايات المتحدة العراق.
يقول كثيرون ، وهم على حق كبير ، أن السياسة الأميركية في العراق اتسمت طوال الفترة الماضية بالحيرة وبالتخبط وبالعشوائية وبالرعونة. لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة عندما احتلت العراق لم يكن في ذهنها مشروع متكامل عملت على تطبيقه منذ الأيام الأولى ، بل منذ الساعات الأولى لدخول قواتها بغداد. وهي ما تزال تواصل تطبيقه ، لكن بتعديل ، وحتى تغيير (السياسة) المتبعة ، مستفيدة من نقاط فشلها ونجاحها ، وخبرتها التي تتراكم عن العراق.

بمعنى أخر ، أن المصالح الأميركية هي نفسها ، لكن (سياسة) ضمان وحماية المصالح هي التي تتغير.
ولعل من المفيد هنا أن نعيد التذكير بصور الجنود الأميركيين المعلقين على جسر الفلوجة عام 2003 ، وكيف اختفت تلك الصورة وظهرت بدلا عنها الآن صور المهجرين من ديارهم من سكان الفلوجة ، و صور ساسة الفلوجة أنفسهم وهم يذهبون للولايات المتحدة يطالبون بالدعم الأميركي !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي