الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


A secular age..عصر علماني..تشارز تيلور

امير عزيز

2016 / 10 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


-1-

ظهر هذا الكتاب في ربيع 1999, بعنوان " الحياه في عصر علماني؟". و انه و قد مرّ زمن, فقد توسّع مفهوم الطرح الذي قدمته انذاك, و قد حاولت في هذا الكتاب تقديم حكايه ما ندعوه في الغرب الحديث "بالعلمنه", و حاولت بيان هذه السيروره التي غالبا ما يتم استدعائها , و لكنها تظل غير واضحه. و لكي افعل ذلك بشكل مرضي, كان عليّ ان اقص الحكايه بدرجه من الكثافه و الاستمراريه اكثر مما فعلت, و لكنني لا املك لا الوقت و لا الكفاءه لهذا الطموح.

اسأل القارئ الذي يختار هذا العمل لقراءته, ان ينظر اليه كمجموعه من المقالات/الاطروحات المتشابكه, التي تنير بعضها البعض, و تمنح سياقا كاشفا للسؤال المطروح, و امل ان دافعيه اقوي تنطلق من هذه الاطروحات غير المفصله, و التي قد تتسم بالسطحيه بدرجه ما, و تقدم للاخرين طرقا ادق من التطوير و التحسين و التعديل و الاضافه للاطروحات التي تمثل هذا الكتاب.

-2-
ماذا الذي نعنيه حين نقول اننا نحيا في عصر علماني؟ تقريبا فان كل انسان سيقبل هذه العباره بمعني ما, و اعني" بنحن" هنا , الذين نعيش في الغرب, او ربما الشمال الغربي او قل شمال الاطلنطي..و علي الرغم من ان هذه العلمانيه تمتد جزئيا باشكال مختلفه وراء هذا العالم الغربي, فان الحكم عليها و تلمس ملامحها اصبح امرا يصعب تجنبه, و ذلك عندما تقارن هذه المجتمعات الغربيه بمجتمعات اخري " البلدان الاسلاميه, افريقيا, الهند" في جانب, و تقارنها ببقيه التاريخ الانساني , و ماضي نوعنا سواء علي ضفاف الاطلنطي او في مناطق اخري في حانب اخر..

و بما انه ليس اضحا بشكل كليّ مما تتكون هذه العلمانيه, فهناك علامتان علي الاقل يمكن الاشاره اليهما بشكل اولي: الاولي تشير الي المؤسسات العامه -و اعني الدوله بالاساس و لكن لبس بمفردها- و الممارسات الاجتماعيه الناجمه عنها, و الاختلاف يكمن في حقيقه انه بينما كانت المؤسسات السياسيه في المجتمعات ما قبل الحديثه, ترتبط , او تستمد مشروعيتها من الايمان بالرب, او من بعض القيم التي تشير الي حقيقه جوهريه خالده, فان المجتمعات الغربيه الحديثه خاليه من هذا الارتباط, فالكنيسه الان تفصل عن بنيه المجتمع السياسيه ( مع بعض الاستثناءات في بريطانيا و الدول الاسكندنافيه بشكل هامشي و متساهل بما لا يشكل استثناءً حقيقيا علي الاطلاق) , و اعني بذلك ان حضور الدين او غيابه بالنسبه للمعتقد هو بالاساس امر خاص, و المحتمع السياسي بمؤسساته المختلفه يُنظر اليه كمجتمع من المعتقدين بانواع مختلفه من الاعتقاد و غير المعتقدين بشكل متساو.

و بكلمات اخري فانه في المجتمعات " العلمانيه" اليوم يمكنك الانغماس كليا في السياسه بدون ملاقاه الرب, حيث عاد اله ابراهيم الي خدره الخاص من خلال الاجبار, و بشكل لا يمكن تخظئته, فان علاقه معه من خلال لحظات هامشيه او زائده من الصلاه او الممارسات الطقسيه لا تغير من هذه الحقيقه, و لكننا نعرف ان هذا المنحي لم يكن ممكنا تصوره في المجتمعات المسيحيه القرو-وسيطه, فلو عدنا قليلا الي الوراء بضعه قرون, فاننا نري الرب حاضرا بقوه في شبكه كامله من الممارسات الاجتماعيه, علي سبيل المثال, عندما كانت الايبارشيه هي الجزء الفعال من الحكومه المحليه, او عندما حافظت الطوائف المختلفه علي صلواتها و ممارساتها الطقسيه بوصفها وصفه حضور المقدس الحي و فعاليته في العالم, او عندما كان الشكل الوحيد الذي يقدم به المجتمع نفسه لنفسه هو الاحتفالات و الاعياد الدينيه, مثل عيد القربان المقدس الشهير..

في هذه المجتمعات فانه لا يمكنك الانخراط في اي نوع من انواع النشاط العام بدون علاقه مع الله, و تتغيا كل الفعاليات الاجتماعيه غايات فوق اجتماعيه بالمعني الذي نصف به الاجتماعي اليوم.

فان ذهبت في التاريخ ابعد من ذلك, الي حيث كانت توجد مجتمعات تشكل لنا اثارا انثروبولوجيه اليوم بالاساس, فانك تجد ان كل التميزات التي نصنعها اليوم بين الديني و السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي تتوقف عن الوجود, ففي هذه المجتمعات المبكره كان الدين في كل مكان , منسوجا في كل فعاليه اجتماعيه, و بشكل لا يمكن معه تخيل ان يثمل دائره خاصه به.
-3-

فهم ما ممكن للعلمانيه اذن سيكون معتمدا علي ادراك حقيقه زعمها حول خلقها لمجال اجتماعي عام خال من حضور ضاغط للرب, و من كل حقيقه جوهريه خالده, و بمعني اخر فان كل الدوائر التي نمارس فيها نشاطنا الانساني, كالاقتصاد و السياسه و التربيه و المهنيه و الرياضه و الترفيه , سيعتمد من الان علي تاسيس اهداف و اعتبارات هذا النشاط علي "العقلانيه" المُتضمنه في كل مجال من هذه المجالات, او قل المحايثه لها..مثل ( الكسب الاقصي في الاقتصاد, خدمه اكير عدد من الناس في السياسه, تجاوز الحدود السابقه في الرياضه..الخ).

و لكن هنا يجدر الانتباه ان التخليه بين الدين و بين النشاط الاجتماعي المستقل, قد ينسجم مع الايمان بالله في مجتمعات بعينها, فالولايات المتحده هي واحده من المجتمعات التي فصلت مبكرا جدا بين الكنيسه و السلطه السياسيه, الا ان الاحصائيات المتعلقه بالاعتقاد و الممارسه الدينيه, تشير الي انها واحده من اكبر الدول التي تمارس حياه الاعتقاد و الطقس المتلازمين, و لكن ليس هذا هو الحال في اوربا الغربيه, فهي بلدان يتحدث فيها الناس عن العلمانيه بوصفها نقيض لنوستالجيا دينيه و تعزيه روحيه كانوا يشعرون بها في ازمنه سالفه..فالعلمانيه بهذا المعني هناك هي مرادف لسقوط الايمان الديني و الممارسات الطقسيه الملازمه له..

و لكنني اعتقد ان النظر الي عصرنا كعصر علماني, ينبغي ان يشتمل علي بعد ثالث, يرتبط بقوه بالثاني " الخاص بالغرب الاوربي" و لا يبتعد بالكليه عن الاول " النموذج الامريكي", و هذا البعد يتعلق بالنظر الي ممهدات الايمان و شروطه, فالانزياح نحو العلمانيه هنا سيعني ضمن اشياء اخري , الحركه من مجتمع يكون فيه الايمان بالله غير قابل للتحدي, حقيقي, لا يفرز ايه اشكاليات معرفيه او فلسفيه, الي مجتمع يفهم هذا الايمان كاختيار ضمن اختيارات اخري, و غالبا ليس هو الاختيار الاسهل للتبني, مجتمع ينزع البداهه و الحتميه عن مفردات التجربه الدينيه..

انه تغيير ياخذنا من مجتمع كان يستحيل فيه قيميا الا تؤمن بالرب, الي مجتمع يصبح فيه ايمان اكثر المؤمنين ثباتا احتماليه انسانيه ضمن احتماليات اخري, فالايمان بالله كما قلنا لم يعد بديهيا, و في بعض الاوساط سيصبح الحفاظ علي هذا الايمان اكثر صعوبه مقارنهً باوساط اخري, و هناك ناس سيشعرون بضروره التخلي عن هذا الايمان حتي و هم يشعرون بالاسي لهذا الفقد..و هذه خبره حضارتنا الحديثه منذ منتصف القرن التاسع عشر حتي الان..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah


.. #shorts -75- Al-baqarah




.. #shorts -81- Al-baqarah