الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هو السجين هنا ؟ - بول غريغوري ... عن حراس معسكرات الغولاغ

مازن كم الماز

2016 / 10 / 28
أوراق كتبت في وعن السجن


الصورة الكلاسيكية عن الهولوكوست هي حارس معسكر الاعتقال الجماعي : ضابط إس إس متوحش و سادي يرتدي جزمة عسكرية سوداء نظيفة , يرافق بلامبالاة السجناء اليهود إلى غرف الغاز أو ألوية العمل . كانت معسكرات الاعتقال الجماعي النازية معسكرات إبادة ( جماعية ) في الأساس , كان السجين يعدم فيها على الفور أو يعمل حتى الموت . الرجال و النساء الذين حرسوا هذه المعسكرات كانوا ينتمون إلى قوات الإس إس المتعصبة أو تم تجنيدهم ( خاصة الحارسات الإناث ) في منظمات مشابهة على أساس الدعاوي العنصرية . في 1945 ضمت معسكرات الاعتقال النازية حوال 700 ألف سجين يحرسهم 55 ألف حارس . عند وفاة ستالين في عام 1953 ضمت معسكرات اعتقاله 2,5 مليون سجين . بينما كان النازيون يديرون مئات معسكرات الاعتقال الجماعية , خاصة في أوروبا الشرقية , كانت إدارة غولاغ ستالين تدير 3274 معسكر اعتقال و مستوطنة , 52 سجنا , 120 مستوطنة لعمل الأطفال , و 748 دار أيتام ( لأبناء المعتقلين و الذين تم إعدامهم – المترجم ) و مستشفى انتشرت على امتداد المساحة الهائلة للاتحاد السوفيتي . لإدارة هذه الإمبراطورية استخدمت إدارة الغولاغ 446 ألف شخص , كان أكثر من نصفهم ( 234 ألفا ) في وحدات الحراسة العسكرية . هذا الفصل يحكي قصة الربع مليون حارس الذين قاموا بأعمال الخفارة , و رافقوا المساجين إلى العمل , و طاردوهم عندما كانوا يحاولون الفرار . كان قليل منهم هناك فقط لأسباب إيديولوجية . و ضباطهم أيضا أرسلوا إلى هناك كعقوبة , و كان الحراس أنفسهم خليطا غريبا من سيئي الحظ , و كانوا ذوي تعليم سيء و يحصلون على أجور متواضعة أيضا , لم يكونوا في الأغلب أعضاءا لا في الحزب الشيوعي و لا منظمته الشبابية . كانت وحدات حراسة الغولاغ تقع في أسفل هرم وزارة الداخلية . و كان على رأس ذلك الهرم موظفي التشيكا العاملين الذين كانوا يلقون القبض على أعداء الدولة السوفيتية و يسجنونهم و يعدمونهم . أما من كان يحرس هؤلاء فقد كانوا في الأسفل , أو في القاع . لم تكن مهمة هؤلاء الحراس و لا ضباطهم إعدام السجناء , وحدات الإعدام الميداني في ذلك الوقت قامت بتلك المهمة بشكل أفضل و من دون تكلفة نقل المحكومين لمسافات بعيدة . كانت مهمتهم بدلا من ذلك هي الحفاظ على النظام و الانضباط في معسكرات الاعتقال الجماعي , و منع هروب السجناء و أخذ السجناء إلى العمل في المؤسسات الصناعية و المناجم الملحقة بمعسكرات الاعتقال و إعادتهم .

لماذا ليس الأفضل و ليس الأذكى ؟
كان حراس معسكرات الاعقتال النازية يؤمنون بغالبيتهم بالإيديولوجيا النازية العرقية , يعملون في معسكرات تبعد سفرة قطار فقط عن برلين , و إذا لم تكن الإيديولوجيا هي دافعهم , كان يدفعهم لهذا العمل الإمكانيات الهائلة للفساد ( من خلال سرقة ممتلكات السجناء ) . أما حراس نظام الغولاغ فقد عاشوا على بعد آلاف الأميال من بيوتهم في أحد أقسى طقس في العالم . رغم أن بعض المعسكرات و المستوطنات كانت تقع في المناطق الوسطى , لكن المعسكرات الأكثر أهمية كانت تنتشر في الأركان البعيدة البائسة للاتحاد السوفيتي الهائل . و بنيت قرب المصادر المعدنية و الغابات الكبرى في أقصى الشمال و سيبريا و كازاخستان . رغم أن السجون في بقية المجتمعات أيضا لا توجد عادة في مناطق قريبة , لكن لا يمكن مع ذلك مقارنتها بالبعد و مشقة الحياة في سجون الغولاغ السوفيتية . خلق ( نظام ) الغولاغ حاجة كبيرة لتجنيد الحراس في مجتمع كان يعاني من نقص مزمن في اليد العاملة . كان عدد نزلاء السجون في الاتحاد السوفياتي عام 1953 15 مرة ضعف عدد السجناء في الولايات المتحدة , و هي بلد تعادله من حيث عدد السكان . جاهدت إدارة الغولاغ باستمرار من أجل تجنيد حراس جدد و المحافظة عليهم . في أي نظام عقابي ( "إصلاحي" ) , تكون مهمة الحراس هي نفسها تقريبا : كل المجتمعات تعزل الأشخاص العدوانيين و الخطرين الذين يشكلون تهديدا على سلامة و أملاك المواطنين . في الحالة السوفيتية كان قد حكم على معظم السجناء في معسكرات الغولاغ بسبب الاشتباه بمعارضتهم للدولة السوفيتية . أن يقوم الحراس بعملهم على أكمل وجه كان أمرا ضروريا جدا بالنسبة للقيادة . إذا لم يعمل نظام الحراسة كما يجب قد يغرق الأشخاص "الخطيرين اجتماعيا" المجتمع المدني و ربما نقلوا عدوى آرائهم المعادية للسوفييت إلى الآخرين . لكن كانت هناك أسباب كثيرة تحول دون أن يكون حراس الغولاغ هم "الأفضل أو الأذكى" . كان على الحراس أن يعملوا في مناطق نائية حيث نادرا ما يأتي أحد لكي يعمل "طوعا" . و كون الحراسة هي عمل شاق و وحشي و غير مجزي بحد ذاته , فكيف ستكون في الطقس القطبي . ما لم تدفع إدارة الغولاغ مرتبات و مكافآت مجزية فلا يوجد أي سبب كي يتطوع أشخاص مؤهلين جيدا في أعمال الحراسة هناك . تظهر الإحصائيات الرسمية لوحدات الغولاغ العسكرية لعام 1945 أن 12 % منهم فقط كانوا أعضاءا في الحزب , المستوى التعليمي ل 90 % منهم هو الدراسة الابتدائية أو أقل , و 80 % منهم بدؤوا العمل منذ سنة فقط . إذا استثنينا الضباط ( الذين يشكلون حوالي 10 % ) تصبح هذه النسب الخاصة بالحراس العاديين أسوأ حتى . لكن ضباطهم لم يكونوا أفضل حالا منهم . ضباط الشرطة السرية الروسية ( مفوضية الشعب للشؤون الداخلية , سأستخدم مصطلح الشرطة السرية السوفيتية أو الروسية لأنه أكثر تعبيرا و أقل بيروقراطية عن واقع هذه المؤسسة - المترجم ) ذوي التدريب الجيد و الخلفية الاجتماعية الأرفع اختاروا العمل في الإدارة المركزية أو في الإدارات العملانية الأرفع مستوى . كانت وحدات الحراسة منفى للضباط الأدنى الذين أرسلوا إلى معسكرات الغولاغ تحت شعار "يمكنك أن تأخذ من لا نحتاجه هنا" . كان يجب ملء مناصب الضباط في معسكرات الغولاغ على أساس "العمل الطوعي" , مما يعني وجود نقص في الضباط أيضا . في 1948 تم شغل 26254 من ال 63033 منصب ضباط "بالعمل الطوعي" . و بما أن معظم هذه المعسكرات كانت ممنوعة على المدنيين , كان أكثر هؤلاء الضباط "المتطوعين" إما من السجناء أنفسهم أو سجناء سابقون . حقيقة أن الغولاغ لم يكن مكانا مرغوبا للعمل فيه يتجلى في أن 337484 وظيفة في معسكرات الغولاغ كانت شاغرة أو 21 % من مجموع الوظائف ( في عام 1948 ) . أثناء بناء قناة البحر الأبيض – بحر البلطيق كانت معظم الوظائف الإدارية الدنيا و التقنية مشغولة من قبل السجناء أنفسهم . رغم أن إدارة الغولاغ حاولت الحد من استخدام السجناء كحراس لأسباب مفهومة لكن عدد السجناء – الحراس كان كبيرا بالفعل . في يناير كانون الثاني من عام 1939 من بين 94921 حارسا مسلحا في معسكرات و مستوطنات الغولاغ , كان 25023 منهم من السجناء أنفسهم . استمر استخدام السجناء كحراس طوال تاريخ الغولاغ عمليا . استخدمت إدارة الغولاغ طرقا أخرى للحصول على "متطوعين" لوظيفة حارس . كان كثير من السجناء يصبحون حراسا بعد إنهاء فترة محكوميتهم لأن سلطات إصدار جوازات السفر الداخلية لن تسمح لهم بالحياة في أي مكان آخر . بعد الحرب العالمية الثانية , جنود الجيش الأحمر , و الأسرى السابقين , و الأشخاص الذين تم إبعادهم إلى خارج مناطقهم و كل من كان في ألمانيا أو في أي مكان آخر في الخارج أرسل بشكل أوتوماتيكي إلى معسكرات "التصفية" ( الفلترة ) . كثيرون ممن نجوا من الاعتقال في تلك المعسكرات أصبحوا حراسا لمعسكرات الاعتقال . آخرون أخذت منهم وثائقهم و لم يبق أمامهم أي خيار إلا أن يبقوا هناك كحراس . في بداية 1946 بلغ عدد مثل هؤلاء "الحراس" 31 ألفا . الظروف المأساوية لحراس الغولاغ يمكن تلخيصها في الرسالة التالية إلى وزير الشرطة السرية بيريا في أغسطس آب 1945 : "في الوقت الحالي معظم الحراس هم كبار في السن و من غير المؤهلين للخدمة العسكرية . كثيرون طلبوا إعفاءهم من الحراسة على أساس قرار الدولة بإعفاء كبار السن . ردت إدارة الغولاغ على مثل هذه الطلبات بالقول أن قانون الإعفاء لا ينطبق على أفرادها . مثل هذا الجواب قد يكون صحيحا حتى اليوم لكن المشكلة هي في المستقبل لأن معظم الحراس تجاوزوا ال 40 عاما و غير لائقين للخدمة العسكرية لأسباب صحية أو من النساء أو غير لائقين للخدمة أصلا . إن محاولاتنا تجنيد الجنود المسرحين لم تنجح حتى اليوم . هناك نواقص أخرى مهمة . مثلا لدينا في القيادة بين الضباط عمالا متطوعين تم تجنيدهم من المزارع التعاونية و المدن بأزياء مدنية" . رغم أن جنود الجيش الأحمر السابقين يعرفون استخدام السلاح لكن الذين جندوا من المزارع التعاونية لا يعرفون عنها شيئا . لا يعرف الحراس كيف ينظفون أسلحتهم و إحدى الحارسات ذهبت إلى نوبتها و قد حشرت قطعة قماش في فوهة بندقيتها .

ظروف العمل و الانضباط
كانت رواتب الحراس سيئة و كذلك تسلحيهم و تدريبهم . في تقرير إلى بيريا في أغسطس آب 1945 أعطي الوصف التالي لحراس الغولاغ : "حراس الكثير من المعسكرات لا يرتدون أزياءهم العسكرية . إنهم يرتدون أحذية ممزقة و ملابس رثة . في الصيف يرتدون قبعات شتوية , و بناطيل محشوة , و و جاكيتات مبطنة . إن منظرهم أسوأ من منظر السجناء رغم أن قواعد الانضباط المطبقة في الجيش الأحمر تنطبق عليهم" . كان الاقتراح المقدم إلى بيريا : تحويل حراس الغولاغ إلى جزء من القوات الخاصة للشرطة السرية الروسية . رفض الاقتراح بسبب كلفته العالية و صعوبة تجنيد حراس للغولاغ . كان حراس الغولاغ يعملون ساعات طويلة في ظروف مأساوية غالبا و في طقس قاس . يقول تقرير صادر في مارس آذار 1950 "العمل اليومي للحارس شاق جدا , و يستمر عمليا من 10 إلى 12 ساعة , و يكون أطول في الصيف . و أيام عطلتهم غير منتظمة و غالبا لا يأخذون أية إجازة سنوية أو يأخذوها في الشتاء فقط" . في 20 يناير كانون الثاني 1950 أظهر تقرير إلى رأس إدارة الغولاغ أن ظروف حياة هؤلاء الحراس لم تتحسن : "في وحدات كثيرة يعيش الحراس في ظروف بائسة , بعضهم في عربات و بعضهم في أكواخ مدفئة" . كان على حراس الغولاغ أن يقوموا بالحراسة في درجات حرارة منخفضة جدا . حسب فولكلور الغولاغ كان السجناء يسخرون من الحراس الذين يناوبون في أبراج المراقبة في الطقس المتجمد بعيدا عن ثكناتهم "من السجين هنا ؟ نحن أم أنتم ؟" . في إحدى المرات أصيب حارس بصدمة كهربائية و هو يحاول وصل مدفئة بدائية بسلك كهرباء . في التحقيق التالي لوفاته تقرر أن 43 حارسا قاموا بوصل مدافئ بدائية بأسلاك الكهرباء في أماكن حراستهم "دون أخذ موافقة القائد" . عمل الحراس مقابل أجور زهيدة و في ظروف صعبة و في أحيان كثيرة أجبروا على العمل . لذلك ليس مستغربا أن يكون انضباطهم و معنوياتهم منخفضة . أعدت إدارة الغولاغ تقارير منتظمة عن الإجراءات العقابية ضد مستخدميها في قطاع المعسكرات . في 1 ديسمبر كانون الأول 1948 كان هناك 276661 مستخدم يعمل في المعسكرات غالبيتهم من الحراس . طرد منهم أو ترك العمل 61729 ( 21 % ) في عام 1948 فقط . 13003 منهم تركوا العمل بسبب العمر أو المرض , لكن قرابة 20 ألفا طردوا بسبب عدم انضباطهم أو بسبب جرائم تتعلق بالوظيفة الخ . يذكر التقرير أن 30 % من مستخدمي المعسكرات ( 36521 ) وبخوا أو اعتقلوا أو سجلت إنذارات في ملفات خدمتهم في عام 1948 فقط . أخذا بعين الاعتبار النقص في عدد الرجال كانت الأسباب التي أدت إلى هذا الطرد خطيرة عادة . من الذين طردوا عام 1948 طرد منهم 4370 من قبل الإدارة المركزية للشرطة السرية الروسية .
التآخي
داخل المعسكرات كان "العاملون" أو "المراقبون" على احتكاك مباشر بالمساجين . كانوا يحددون لهم أعمالهم و يراقبون أماكن تواجدهم داخل المعسكر و يتجسسون عليهم . بحسب ملفات المعسكرات كان هناك قرابة 140 ألف "مخبر" بين السجناء , نصفهم بلغ عن محاولات الهروب . كان الاتصال بين الحراس و السجناء ممنوع بصرامة . كان الحراس يتواجدون في أبراج المراقبة و يقومون بأعمال الدورية حول المعسكرات و يرافقون السجناء إلى العمل و منه و ينقلونهم من معسكر لآخر . عدا عن ذلك كان يفترض ألا يقع بينهم أي اتصال . مثل هذه القواعد ضد التآخي كانت تهدف لمنع الحراس من تبادل المعلومات مع السجناء , كيلا "تصيبهم عدوى" آرائهم السياسية , أو كيلا تتطور بينهم علاقات صداقة قد تدفعهم لمساعدتهم في الهرب . كان حراس الغولاغ يخضعون "للتثقيف السياسي" , الذين كان يقول لهم أنهم يحرسون أعداء الشعب الأشرار و الخطيرين . يمكن للمرء أن يتخيل الأسباب التي قد تدفع الحراس لتجاهل هذه القواعد . كثير من السجناء السابقين كانوا قد أنهوا مدة محكوميتهم و ليس لديهم أي مكان آخر يذهبون إليه . آخرون مروا عبر معسكرات التصفية عند نهاية الحرب وبالكاد نجوا من الاعتقال هم أنفسهم . آخرون أخذت منهم وثائقهم و أصبحوا سجناء في هذه المعسكرات . لو أن الحراس التزموا بقواعد عدم التآخي كان عليهم أن يصادقوا فقط حراسا مثلهم و ربما حرموا من مصادقة النساء التي كان من الممكن أن "يجدوها" مع السجينات . كان التآخي ( بين الحراس و السجناء ) شائعا بالفعل : تقرير الشرطة السرية لعام 1946 ينتقد "العمل التثقيفي السياسي غير الكافي لأفراد المعسكرات و حالات الاتصال بالسجناء و تناول الكحول الجماعي و إثارة الشغب" . تقرير آخر ( يعود إلى أكتوبر تشرين الأول 1941 ) بعنوان "مساكنة الحراس مع السجينات , تناول الكحول و تجاوزات أخرى للانضباط العسكري" يقول "الانضباط بين الحراس ضعيف . هناك حالات من حراس يأتون إلى الخدمة و هم سكارى , و حالات مساكنة مع السجينات ... قائد الوحدة شيفتشوك , يعلم بها دون أن يأخذ أي إجراء . في الفصيلة الرابعة الحراس ريزيبوف , غريشوك , غيرنييف يتساكنون مع سجينات . أحد حراس هذه الفصيلة , نوفيكوف , يتساكن أيضا مع السجينات توملينا , أرخيبوفا , كباردينوفا , و فاسيلييفا . و عندما ذاع الخبر في فصيلته انتحر . ( لا نعرف إذا كانت كلمة المساكنة هنا كانت ترمز للاغتصاب أم لا ) .. حارس آخر من فصيلته , تشوركين , بينما كان يحرس تسعة سجناء في قسم زانا أركا ترك السجناء لوحدهم و ذهب ليتناول الكحول مع صديقة و بقي معها حتى وجده السجناء بأنفسهم" . مقتل اثنين من السجناء على يد حارس معسكر اعتقال أغرينسكي بدأ بحالة تآخي لكنه انتهى بخلاف قاتل . نقلت تفاصيل الحادثة مباشرة إلى رأس إدارة الغولاغ و نائب وزير الشرطة السرية من خلال التقرير التالي في عام 1942 : "في المحطة الكهربائية لموقع البناء رقم 203 , اختلف الحارس أنانيفي و السجين خافاتوفي على السجائر . أثناء الشجار الذي نشب بينهما ضرب خافاتوفي الحارس , التقط بعدها الحرس مطرقة و قتله بضربة على الرأس . عندما جاء سجين آخر و "عامل متطوع" ليروا ما الذي يجري . و خوفا من أن يلقى القبض عليه في مكان الجريمة قتل أنانيفي سجينا آخر بضربة من المطرقة على رأسه و أصاب العامل المتطوع بجروح بليغة أفقدته الوعي . بينما كانت جرائم القتل تلك تقع عاد بقية السجناء من عملهم" . ينتهي التقرير بتعليق مختصر : "اعتقل الحارس و التحقيق ما زال جاريا" . إذا أخذنا بالاعتبار أصحاب المناصب العالية التي قدم لها هذا التقرير يمكن افتراض أن عقوبة الحارس كانت شديدة بالفعل . كانت التهم الرئيسية التي وجهت للحارس هي محاولة قتل عامل متطوع أولا , و ثانيا أنه مارس التآخي مع السجناء . في 1942 لم يكن قتل أحد السجناء سيجلب كل ذلك الاهتمام . وصلت بعض حالات التآخي إلى مستويات كوميدية : في 2 يناير 1951 يصف تقرير قيام أحد الحراس في مقاطعة كراسنويارسك "بمهام رئيس قافلة , اصطحب سجينين إلى خارج موقع الإنتاج و شرب معهما الكحول حتى السكر . أعطى الحارس الثمل بندقيته الآلية للسجين الذي أطلق النار عليه و أصابه في قدمه" . ينتهي التقرير بالكلمات التالية : "مثل هذه الحوادث ليست نادرة" . الممارسة المنتشرة للتآخي بين الحراس و السجناء لا تعني عدم ممارسة الحراس للوحشية و العنف ضد السجناء . بعض الأمثلة عن ذلك هي : أن يقوم مراقب بمساعدة السجناء الذكور أحيانا بحلاقة شعر السجينات بالقوة و ضربهن . كان الحراس المسؤولون عن نقل السجناء كثيرا ما يمنعون عنهم الطعام و الشراب أثناء نقلهم , كان كثيرون من هؤلاء يصلون إلى محطتهم الأخيرة في حالة جوع حقيقي . و كان الحراس السكارى يسرقون ممتلكات السجناء و يغتصبون السجينات و يضربون السجناء دون سبب أحيانا . كان السجناء يجبرون أحيانا على الوقوف متجمدين في الثلج بينما تراقبهم كلاب الحراس .

السجناء كموارد
في 1953 كان هناك 2,6 مليون سجين في معسكرات و مستوطنات الغولاغ . كانوا يساهمون في إنتاج المعادن و في الزراعة و الغابات و أعمال البناء . رغم أن سجناء الغولاغ كانوا يشكلون 2 % فقط من قوة العمل , لكن في بعض الحالات , مثل صناعة النيكل و الذهب , كانوا يعطون 100 % من الإنتاج . أما في البناء خاصة في الأماكن النائية و الطقس القاسي فقد شكل سجناء الغولاغ 20 % . من الواضح أن أية إدارة "عقلانية" للغولاغ كانت ستعمل على الحفاظ على أثمن مواردها : السجناء أنفسهم . بالفعل نقلت في عام 1946 مسؤولية الأعمال الاقتصادية للغولاغ في أكثرها إلى الإدارات الاقتصادية المستقلة التي كانت تتبع مباشرة للشرطة السرية . تركت لإدارة الغولاغ مسؤولية السجناء و لم تعد مسؤولة عن تحقيق أهداف الإنتاج . و عرفت إدارة الغولاغ أيضا أن بإمكانها أن تؤجر سجناءها مقابل المال للوزارات الصناعية . عند هذه النقطة يظهر الأرشيف تغيرا في الموقف من السجناء . بدأت إدارة الغولاغ تذكر مسؤولي معسكراتها بقواعد التغذية و بقية القواعد فيما يتعلق بصحة و سلامة "العمال" . في كل سجن كانت حياة السجناء تتوقف على الحراس و مراقبيهم و الطاقم الطبي و أيضا على القرارات الآتية من المركز . إن عمل حراسة السجناء , عالميا , ليس عملا فاتنا على الإطلاق . إنه عادة ما يجتذب الساديين الذين يسعدهم أن يكونوا قادرين على الإساءة أو التلاعب بالآخرين . كما أن أجور الحراس المنخفضة و ظروف الطقس الصعبة جدا ليست ظروفا مناسبة لخلق بيئة صديقة للسجناء . لذلك من المتوقع ألا يكون حراس الغولاغ قد أدوا "مهمتهم" على "أكمل وجه" , و أنهم قد عصوا الأوامر بعدم التآخي مع السجناء و أن كثيرون منهم كانوا قساة جدا . في السنوات الأخيرة من عمر الغولاغ , أدى ضعف نظام الحراسة إلى انهيار كامل . الطريقة الوحيدة التي كان يمكن بها لمسؤولي المعسكرات أن يحافظوا على "النظام" هو عن طريق نقل مسؤولية الحفاظ على النظام إلى عصابات السجناء المنظمة التي أصبحت تدير هذه المعسكرات فعليا . عجز إدارة الغولاغ عن الحفاظ على النظام في المعسكرات كما تجلى أخيرا في انتفاضاتها الكبيرة التي تطلبت تدخل القوات المسلحة كان أحد أسباب إنهاء نظام المعسكرات هذا ابتداءا بعام 1953 .

تعليق من المترجم : هذه السطور للشباب الحالم بالحرية , بالخلاص من السجون , كي يفهموا حقيقة المشروع البلشفي , كيلا يصبحوا هم أنفسهم جلادين مأجورين و كيلا يصبح حلمهم كابوسا لملايين من السجناء القادمين

نقلا عن
https://rosswolfe.files.wordpress.com/2016/05/paul-r-gregory-lenins-brain-and-other-tales-from-the-secret-soviet-archives.pdf








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من تحرر اثر المشروع البولشفي؟
سعيد زارا ( 2016 / 10 / 29 - 23:21 )

السيد مازن يتهم المشروع البولشفي بعدو الحرية و هو من حرر اعداء الانسانية , قبل الثوار و حلفائهم , بجعل وسائل الانتاج ملكية جماعية.

تحرير اعداء الانسانية من براثن الفردانية البورجوازية هي احدى اولويات المشروع البولشفي اما الفوضويون فلا يدركون عمق هذه المهمة , لانهم لا يدركون حدود الفردانية البورجوازية.


2 - بالفعل : فرد واحد فقط
مازن كم الماز ( 2016 / 10 / 30 - 09:44 )
وسائل الإنتاج , بمن فيهم البشر أو العمال أنفسهم , أصبحت ملكية للدولة , و بالفعل خلص البلاشفة العمال من فردانيتهم البرجوازية , الوحيدون الذين كانوا فردانيين بشدة في دولة العمال و الفلاحين دون أية قيود أو مراقبة أو حاجة للعمل أو للمحاسبة كان القادة فقط , و في بعض الأحيان , القائد الأوحد

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | الفيتو الأميركي يُسقط مشروع قرار لمنح فلسطين ال


.. مشاهد لاقتحام قوات الاحتلال نابلس وتنفيذها حملة اعتقالات بال




.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان


.. فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي




.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ