الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اصلاح النظام القضائي الجزء الثاني .. من برنامج عقيدة الحياة المعاصرة للاصلاح والتغيير/ 8

رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)

2016 / 10 / 29
دراسات وابحاث قانونية


ـ التساؤلات المطروحة للبحث : ما هي الجريمة ؟ وما هي اسبابها ؟ وكيف يمكن وقاية المجتمع من الجريمة ؟ وما هي الاساليب الرادعة لذوي النفوس الشريرة والميول العدوانية والنوايا السيئة لردعهم عن سلوك مسالك الجريمة ؟ وهل تعتبر العقوبات التقليدية ( دفع الغرامة او السجن ) هي عقوبات رادعة لاصحاب النفوس الشريرة او الميول العدوانية ؟
ـ الجريمة هي حدث ناجم عن سلوك خارج عن القانون ، بمعنى اخر هي النتيجة او الثمرة التي تنتج عن سلوكيات انحرفت عن الطريق الذي رسمه القانون , وهذه السلوكيات قد تكون مادية على شكل افعال او معنوية على شكل اقوال لا سند لها من الحقائق والادلة
ـ دوافع الجريمة ذات الصفة الجنائية ثلاثة : ( المال ، الجنس ، الجاه ) وتعني كلمة الجاه المنزلة اوالمكانة ، فعندما تكون هناك منافسة غير شريفة على نيل المنزلة العالية او المنصب الرفيع او الموقع المميز فانها قد تكون دافعا لذوي النوازع العدوانية لارتكاب جريمة ، ويمكن اعتبار جرائم القتل بدوافع التعصب لمعتقد او عرف عشائري او زعامة او مكانة رفيعة يمكن اعتبارها كلها دوافع نفسية لتعويض النقص في الذات المعنوية وهي توضع في خانة القتل بدافع الجاه لكونه ذو قيمة معنوية وليس مادية ، ولكن اذا كانت دوافع الجريمة الثلاثة المذكورة آنفا تمثل وسائل مادية جاذبة لاطماع المجرم تجذبه نحوها ، فان هناك قوى معنوية دافعة تدفعه نحو تلك الوسائل الجاذبة لغرض الاستحواذ عليها وتملكها باي ثمن حتى لو كان بارتكاب جريمة وتتمثل هذه القوى المعنوية الدافعة في صفتي ( الحب المفرط والكراهية المفرطة ) فكل من الحب المفرط والكراهية المفرطة لدى ذوي النوازع الشريرة تعتبر بحد ذاتها قوة دافعة لارتكاب الجريمة ، فالمجرم مثلا يحب المال او الجنس او الجاه ويرغب في الحصول عليه باي ثمن ويكره كل من يحول بينه وبين بلوغ هدفه ، وكذا الجرائم بدوافع عقائدية حيث يحب الارهابي معتقده ويكره معتقد غيره ، وهذه الدوافع والقوى كلها تنبع من صفة متأصلة في النفس البشرية وقديمة قدم الانسان على الارض الا وهي صفة حب التملك ، هذه الصفة ليست مكتسبة وانما هي صفة يرثها الانسان كما يرث جيناته ... وهي تتباين قوتها من انسان لآخر ، فهي تكون قوية جدا لدى الاشرار ، وتكون معتدلة لدى الاخيار
ـ يرتكز نظام الامن الداخلي على ثلاث ركائز ( القانون ، القضاء ، الشرطة ) وهذا ما يتمثل في السلطات الثلاث في الدولة : السلطة التشريعية التي تتولى مهمة تشريع القوانين ، السلطة القضائية التي تتولى الفصل في الدعاوى والمنازعات وفقا للقوانين ومحاكمة المتهمين الخارجين عن القانون ، السلطة التنفيذية التي تتولى تنفيذ قرارات السلطة القضائية
ـ النظام الامني قد يتصدع وينهار اذا شرعت السلطة التشريعية قوانين غير واقعية أو غير عادلة أو غير متوازنة مع ظروف المرحلة , كما ان النظام الامني قد يتصدع اذا فشلت السلطة التنفيذية في تنفيذ القوانين أو تلكأت أو ابتعدت عن الشفافية والنزاهة في التنفيذ , واما السلطة القضائية فانها قد تتسبب في تصدع النظام الامني اذا لم تمارس دورها في محاسبة كل من يخرج على القانون بصرامة وتطبيق العدالة بعيدا عن الميول والولاءات
ـ قوانين النظام الامني نوعين : قوانين تنظيمية مخصصة لتنظيم شؤون الناس ومصالحهم منعا لحصول فوضى واختلال الامن , وقوانين عقابية مخصصة لتحديد أسلوب العقوبة من حيث الكم والكيف لمن يخرق القوانين التنظيمية
ـ ليس كل تصرف خارج على القانون يؤدي حتما الى وقوع جريمة , فالقوانين التنظيمية توضع لأغراض وقائية واحترازية , والعقوبات المادية ينبغي أن تفرض عند تنفيذ الجريمة فعلا , أما في حالة عدم تنفيذ الجريمة مع وجود التخطيط والنوايا بالادلة فالعقوبات المفروضة في مثل هذه الحالة ينبغي ان تكون عقوبات معنوية ( كالحرمان من مزايا او توجيه اللوم او التوبيخ ) لان معيار الحكم هو ارادة التنفيذ وليس ارادة التخطيط , ولا ينبغي للقانون أن يحاسب الانسان على نتاجات مخيلته أوعلى ارهاصات دواخله أوعلى احلامه وهواجسه فهذه نتاجات طبيعية في النفس البشرية لا سلطة للقانون عليها
ـ كل مواطن يتم فتح ملف أمني له يحمل رقمه الوطني ... ان وجود ملف امني لكل مواطن لا يعني ان كل المواطنين اصحاب سوابق .. وانما مجرد لتنظيم الوضع الامني ، يحفظ الملف لدى السلطة القضائية ونسخة منه لدى الشرطة ، وعندما يمثل اي مواطن امام القضاء بتهمة ما فان القاضي يطلع على الملف الامني للمتهم ليتعرف في ما اذا كانت هناك سوابق للمتهم ... وتكون هناك ثلاث خيارات امام القاضي في حالة ثبوت ذنب المتهم ... احالة المذنب الى العلاج في مراكز الاصلاح والتأهيل ، او دفع الغرامة واطلاق السراح ، او الاكتفاء باخذ تعهد خطي من المتهم بعدم تكرار الذنب في حالة كون التهمة بسيطة وليس لدى المتهم سوابق ، وفي جميع الاحوال يجب على المذنب ان يعيد الحقوق المعتدى عليها الى اصحابها
ـ ان عقوبة الغرامة تبين امكانية استخدام المال في الردع وتقويم السلوك , اما الاحالة الى مركز الاصلاح والتأهيل فهو لغرض العلاج الالزامي للمتهم ، وهو في نفس الوقت يعني الحرمان من حق الحرية لان الخضوع والاقامة في مركز الاصلاح والتأهيل لغرض العلاج تكون الزامية لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات مهما كان الذنب الذي ارتكبه المتهم
ـ هناك عقوبة خاصة لمرتكبي جرائم القتل الذين يفشلون في اجتياز دروس واختبارات الاصلاح والتأهيل في مراكز التأهيل ، العقوبة الخاصة تكون في القصاص البدني الذي يكون موجه ضد الجسد باعتباره الوسيلة الرئيسية لدى المجرم في ارتكاب جريمته , فاليدين والقدمين والسمع والبصر وحتى اللياقة البدنية هذه كلها وسائل يسخرها المجرم لتنفيذ جريمته ، ولذا يكون القصاص البدني من خلال احداث اعاقة بدنية تكون مستديمة عندما تصبح عملية اصلاح المجرم مستحيلة ... اي انه لا يتم اللجوء الى عقوبة القصاص البدني الا في حالة عودة المجرم مرة اخرى الى ارتكاب فعل الجريمة بعد ان خضع لبرنامج خاص لعلاج قواه النفسية والعقلية لمدة ثلاث سنوات وقدم تعهد خطي في نهاية العلاج بعدم العودة الى فعل الجريمة ... وبناءا على ذلك تم اطلاق سراحه
ـ الجريمة نتاج سلوك منحرف ، واذا لم تعالج السلوكيات الاجرامية بحزم فانها قد تنتشر وتصبح ظاهرة اجتماعية خطيرة ، ولكن المعالجة هل تكون لآثار ونتائج الجريمة أم للاسباب والدوافع لحدوث الجريمة ؟ هل معالجة الخطأ تكون بمعالجة نتائجه لازالة آثاره أم بمعالجة مسبباته لتجنب تكراره ؟ وهل التعامل مع المجرم يكون بايذائه والتنكيل به ليكون عبرة للآخرين ممن يتوفر لديهم الاستعداد لسلوك نفس المسلك أم هو باصلاحه ليعود الى المجتمع مواطنا صالحا ؟ جوابنا على هذه التساؤلات هو الاقتداء بالمبدأ المعروف ( جفف المستنقع يموت البعوض )
ـ من الوسائل المهمة التي تساعد الشرير في ارتكاب اعماله الشريرة هي امتلاكه لبنية سليمة وقوية تساعده في ارتكاب الجرائم وتساعده في الهرب من العدالة , ولذلك ينبغي في حالة فشل محاولات اصلاح المجرم اللجوء الى اسلوب الاقتصاص من هذه البنية السليمة وتحويلها الى بنية غير سليمة لا تعينه على ارتكاب الجرائم ولا تعينه على الهرب من العدالة ، يجب ان نركز على حرمان المجرم من أي وسيلة قد تساعده في ارتكاب الجرائم ومن ضمنها الجسد السليم القوي الذي يستخدمه في القيام باعماله الشريرة , وبهذا الصدد نحن نقترح احداث عاهة مستديمة كعقوبة بدنية لمرتكبي جرائم القتل العمد الذين لا أمل في اصلاحهم وتأهيلهم بدلا من عقوبة السجن المؤبد عديمة الجدوى وخالية المعنى
ـ موضوع القصاص البدني يطرح التساؤل المهم التالي : أي العقوبتين أصلح لمعاقبة مرتكبي جرائم القتل : السجن المؤبد مع بقاء الجسد سليما أم الاقامة الجبرية لمدة ثلاث سنوات في مركز للتأهيل والاصلاح ثم اطلاق سراحه مع اخذ تعهد واشتراط باحداث عاهة مستديمة في جسده في حالة عودته لفعل الجريمة ، هنا تصبح المفاضلة بين قيمتين هما الحرية والجسد . هل نقتص من حرية المجرم مقابل الحفاظ على جسده أم نقتص من جسده مقابل منحه الحرية ؟ نحن بتقديرنا أن القصاص من الجسد هو أفضل من الحرمان من الحرية , فالتعجيل باطلاق سراح السجين مع اتخاذ التدابير الحاسمة لمنع تكرار الجريمة هي أفضل للمجتمع ولعائلة المجرم وحتى للمجرم نفسه , كما ان عقوبة الاعاقة البدنية لا تتخذ الا وفقا لضوابط محددة , فهذه العقوبة تطبق بحق من ارتكب جرائم قتل متكررة , ولم تنفع معه أساليب العلاج النفسية والكيمياوية والفيزياوية التي أجريت له خلال فترة مكوثه الاجباري في مركز للاصلاح والتاهيل والبالغة ثلاث سنوات
ـ نحن لا نعتبر القصاص البدني يتعارض مع مبدا احترام القيمة الانسانية ... وذلك لاننا لا نستخدم القصاص كعقاب وانما كعلاج أخير عندما تفشل كل أساليب العلاج الاخرى , فليس كل شيء يسبب ألما يعتبر عقابا , كما أنه ليس كل شيء يسبب لذة يعتبر مكافئة , فكم من علاج يسبب آلاما وهو فيه منفعة , وكم من مشروبات تسبب لذة وهي فيها مضرة , وان يخسر المجرم القاتل عضوا من اعضاء جسمه لردعه عن تنفيذ جرائم جديدة ويواصل بعدها حياته بحرية لهو خيرا له من ان يحتفظ بجسده سليما ولكن قابعا خلف قضبان السجن طول العمر.
فلسفة عقيدة الحياة المعاصرة في تحليل شخصية المجرم والاسلوب المناسب للتعامل مع المجرمين وبالتحديد مرتكبي جرائم القتل العمد :
ـ المجرم انسان مريض نفسيا وعقليا ، اي انه مصاب بخلل او اضطراب في منظومته العصبية ، فهو اذن ضحية جينات وراثية معيوبة او نظام اجتماعي ظالم اصابه بعقد نفسية
ـ لا يجوز الحكم بالاعدام لاي انسان مهما كانت افعاله خارجة عن القانون لان لحياة الانسان قيمة مقدسة لا يجوز انتهاكها ، وان المواطن الخارج عن القانون هو انسان بحاجة الى اصلاح وليس عقاب
ـ كل متهم مهما كانت نوع تهمته اذا صدر قرار من المحكمة باعتباره مذنب فانه يتم احالته الى مركز الاصلاح والتاهيل لغرض علاجه ، ويخضع اجباريا لبرنامج العلاج مع الاقامة في المركز لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات ، اما مرتكب جريمة القتل فانه يبقى في المركز مدة العلاج المقررة كاملة وهي ثلاث سنوات كاملة وبعدها يعرض على لجنة طبية لتقييم مستوى تأهيله واصلاحه ثم يطلق سراحه بعد اخذ تعهد شخصي منه بعدم تكرار الاعمال الاجرامية ويتم تثبيت تحذير في وثيقة التعهد بوجود عقوبة القصاص البدني في حالة تكرار فعل الجريمة
ـ اننا نرى ان عقوبة السجن الدائمي او السجن لمدة طويلة ( 25 سنة او 20 او 15 او 10 ) هي اكثر ظلما للانسان من عقوبة القصاص البدني وذلك لان الانسان الذي يبقى في السجن لسنوات طويلة فانه سوف يخسر انسانيته ... فاذا كان متزوجا ولديه اطفال فسوف يخسر زوجته واطفاله ، واذا كان غير متزوج فسوف يخسر شبابه ، واذا كان لديه مشروع او طموح في تحقيق شيء في حياته قبل دخوله السجن فانه سوف يخسر طموحه ومشروعه وسوف يخرج من السجن ليصبح عالة على المجتمع حتى لو تم تدريبه في السجن على مهنة ما ليمارسها بعد الخروج من السجن بعد عمر طويل
ـ العلاج لدى مراكز الاصلاح والتاهيل ليس مجاني ... العلاج يكون على نفقة السجين وليس على نفقة الدولة ... ان برنامج العلاج النفسي والعضوي لمدة ثلاث سنوات برنامج مكلف ... وكل سجين يتمكن من اتمام برنامج علاجه في فترة اقصر ستكون التكاليف عليه اقل ... والسجين بعد صدور قرار اطلاق سراحه لن يطلق سراحه فورا وانما يبقى رهينة في سجن التوقيف لحين تسديد تكاليف علاجه .. وبالتالي فان عقوبة السجن المؤبد او السجن لمدة طويلة تصبح عديمة الجدوى مع برنامج العلاج حيث يتعذر الابقاء على برنامج العلاج للسجين لسنوات طويلة بتكاليفها الباهضة
ـ الغرض من عقوبة القصاص البدني هو لوضع عراقيل بدنية امام النوايا الاجرامية للمجرمين وتكون هذه العقوبة على ثلاث مراحل .. كل مرحلة تلحقها فترة علاج نفسي وعضوي جديد في مركز الاصلاح لمدة 3 سنوات :
المرحلة الاولى : ـ بتر احدى ساقيه من الركبة لكي يشعر بصعوبة الهرب من ساحة الجريمة فيما اذا كان ينوي ارتكابها .. واذا ارتكب جريمة مرة اخرى وهو بهذا العوق فستكون هناك المرحلة الثانية
المرحلة الثانية : ـ وهي الحرمان من حاسة السمع لكي يشعر بصعوبة ارتكاب الجريمة في هذه المرة وهو فاقد لحاسة السمع .. حيث لا يسمع ما يدور في محيط الجريمة قبل الاقدام عليها مما يشكل عائقا فعالا امام نواياه العدوانية ، وفي حالة اقدامه على ارتكاب جريمة جديدة وهو بهذا العوق فسوف يحال الى المرحلة الثالثة
المرحلة الثالثة والاخيرة من الاعاقة : ـ وهي الحرمان من حاسة البصر ، وهذه الاعاقة ستضع حد نهائي للسلوك الاجرامي لكل مجرم قاتل
نحن هدفنا حماية المجتمع من المجرمين الذين لا امل في اصلاحهم وتأهيلهم .. وفي نفس الوقت لا نرغب في عقوبة الاعدام ولا في عقوبة السجن لمدة طويلة التي لها انعكاسات سلبية على الحياة الشخصية للمجرم او على عائلته او اهله بسبب طول غيابه عنهم ... فالحرمان من الحرية والحرمان من الاهل والعائلة لمدة طويلة لها اضرار نفسية عميقة على السجين وعلى ذويه ايضا ... لذا فنحن نرى ان احداث عاهة مستديمة او عوق دائمي بجسم المجرم سوف تؤدي الى اعاقته عن تكرار افعال الجريمة وفي نفس الوقت لن يبقى المجرم السجين مدة طويلة في عقوبة الحرمان من الحرية .. بالاضافة الى انه سيبقى على قيد الحياة ليبقى بالقرب من عائلته او اهله بدلا من اعدامه ، لذا فان الوقاية من الجريمة بحرمان المجرم من وسائلها هو الحل المناسب لمشكلة الجريمة ... هذا مع العلم بانه ليس امام المجرم الخيار بين السجن المؤبد او الاعاقة البدنية ... اذ عندما يصدر قرار من سلطة القضاء باعتبار المتهم مذنبا فانه يصبح خاضعا الزاميا لسلطة القضاء التي تحيل كل مذنب الى العلاج لدى مراكز الاصلاح والتأهيل وفقا لبرنامج علاج خاص .... ولا حرية ولا ارادة للمتهم في رفض العلاج او الخيار في اسلوب العلاج ... موضوع معالجة الخارجين عن القانون يخص أمن المجتمع وسلامته ... وان امن المجتمع هو الواجب الرئيسي الاول للدولة تجاه مواطنيها .
ـ العقوبة ليست اهانة للانسان المخطأ ، وانما هي الثمن الذي يتعين عليه ان يدفعه مقابل الخطأ الذي ارتكبه ، اذ ان لكل فعل رد فعل ، ولكل سلعة ثمن ، من يزرع يحصد ، ومن يشتري يدفع ، هذه هي قوانين الطبيعة ونحن معنيون بالالتزام بقوانين الطبيعة عند التطبيق ، الخطأ احتمال وارد في سلوك أي انسان ، وان اقرار الانسان بخطأه لا يترتب عليه اعفائه من دفع الثمن ، والثمن هنا لا نقصد به الانتقام والتنكيل وانما نقصد به حرمان المذنب من الحرية ووضعه في الاقامة الجبرية في مركز للاصلاح لغرض اجراء المعالجة اللازمة لتقويمه وتصحيح سلوكه
ـ يجب ان لا نسمح للمال في حماية الشرير من العقاب ... ولا نسمح للنفوذ او المحسوبية في توفير غطاء لحماية المجرمين من مواجهة العدالة ... ولا نسمح بالتهاون في محاسبة المجرمين تحت اي ذريعة كانت ، من يخرج عن القانون عليه ان يواجه الحساب ويدفع الثمن ... هذه هي العدالة ... عندما يحترم القانون لن تضيع الحقوق
ـ المحاسبة على الخطأ ضرورية لتقويم السلوك وتحسين أداء الواجبات ، الخطأ احتمال وارد في سلوك البشر ، ولكن ترك الخطأ يمر دون محاسبة ودون تنبيه هو الخطأ الجسيم ، عدم المحاسبة على الاخطاء في أداء الواجبات أو في السلوك يؤدي الى حالة تسيب وعدم انضباط وفقدان الشعور بالمسؤولية ، وفي ظل هذه الحالة السلبية يموت القانون وتضيع الحقوق ، ضياع الحقوق يبدأ من لحظة مرور الخطأ دون الوقوف عنده لتصحيحه وتقويمه ... وهذا يحتم علينا خلق جهاز قوي وحازم لمتابعة تنفيذ القوانين والتقيد بالتعليمات التي تنظم مصالح الناس
ـ ان نزعة الشر والعدوانية لدى الاشرار ليست نتاج رغبة طارئة أو شهوة آنية ، بل هي نتاج مرض عقلي أو نفسي او نتاج جينات وراثية رديئة, ويمكن ملاحظة نزعة العدوانية في سنوات الطفولة وتمييزها بسهولة , هذه النزعة أشبه ببذرة غير صالحة تنمو وفقا لعواملها الوراثية الجينية , وتكون مظاهرها الاولية على شكل تصرفات عدوانية , فاذا وجدت هذه النزعة من الاهل والمجتمع ما يردعها انسحبت الى الداخل وكمنت في اعماق الذات ، واذا لم تجد ما يردعها في الصغر فانها تنمو وتكبر لتتحول الى سلوك منحرف في الكبر يتطلب جهودا كبيرة لتقويمه ، وهنا تقع المسؤولية على الاهل وعلى المجتمع عامة في ردع الاعمال العدوانية لدى بعض الاطفال والمراهقين لكي لا يدفع المجتمع ثمنا باهضا في المستقبل عندما يصبحون هؤلاء المراهقون بالغين ، الطبيعة لا تمنحنا صفات وخصائص كما نشتهي ، الطبيعة لها قوانينها الثابتة وهي تمنح الصفات والمزايا للبشر وفقا لقوانين الوراثة التي هي جزء من قوانين الطبيعة ، ونحن البشر خاضعون لسلطة قوانين الطبيعة شئنا أم أبينا ، قد نستطيع بارادتنا ان نغير جزءا صغيرا مما ورثناه من الصفات استجابة لمتطلبات المعيشة ، او قد تجبرنا ظروف الحياة الصعبة والقاسية تحت ضغط قوانين الطبيعة ( الصراع من اجل البقاء ، والبقاء للاصلح ) على تغيير بعض الصفات التي ورثناها لنفوز بالبقاء ، ولكن تبقى قوانين جيناتنا الوراثية تفعل فعلها في توجيه سلوكنا وردود افعالنا
ـ موت الانسان خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها , ان جميع الجرائم تهون مصيبتها الا جريمة القتل فانها خطيئة كبرى لا يمكن التساهل أزائها بأي حال من الاحوال .
ـ الحالة الطبيعة للانسان البالغ السليم عقلا ونفسا هي حالة الاعتدال في السلوك وعدم الاضرار بحقوق وممتلكات الاخرين , وأما من كان سلوكه ضار بحقوق وممتلكات الاخرين فهذا مؤشر على انه بحالة عقلية او نفسية غير طبيعية , ومثل هذا الشخص يكون بحاجة الى اصلاح ومعالجة
ـ السجن يجب ان يكون مركزا للاصلاح والتأهيل وليس مكانا للعقاب والتعذيب , يجب ان تتحول السجون الى ورش لاصلاح البشر المنحرفين عن الطريق السوي , كما أن القوانين الجنائية يجب أن تكون قوانين اصلاح ومعالجة وليس قوانين عقابية .
ـ حوادث القتل التي يترتب عليها حقوق تصنف الى ثلاثة انواع : 1ـ القتل العمد (اي مع سبق الاصرار والترصد ) 2 ـ القتل بالخطأ ( اي نتيجة الاهمال وسوء التقدير ) 3 ـ القتل بالصدفة ( اي ليس عن عمد وليس عن خطأ ) ، وهناك نوع آخر لا تدخل ضمن هذا التصنيف لانه لا يترتب عليها حقوق وهي حوادث القتل دفاعا عن النفس والتي تحدث عادة عندما يتعرض شخص بريء الى التهديد بالسلاح من قبل مجرمين
ـ بالنسبة لكيفية التصرف مع مرتكبي جرائم القتل وذوي الضحايا فيكون كما يلي :
1ـ في حالة القتل العمد يتم ايداع الجاني لدى مركز الاصلاح والتأهيل لغرض علاجه نفسيا وعقليا ، تستغرق مدة التأهيل ثلاث سنوات ، وبالنسبة لموقف اهل المجني عليه فان لهم الحق في مطالبة الجاني بالتعويض المالي عما اصابهم من ضرر ، او يختاروا المسامحة والتنازل عن الدعوى ( القرار هنا لورثة المجني عليه فقط ) الدولة لا تتدخل في قضية التعويض ولا في تحديد مقدار مبلغ التعويض لان هذا ليس من واجبها وانما هذا شأن الطرفين المتخاصمين ، ولكن الدولة بحكم مسؤوليتها عن أمن المجتمع تمارس دور المشرف والمنسق في التفاوض بين الطرفين للوصول الى نتيجة مرضية ، فان قرر ذوي المجني عليه طلب التعويض فانه يتم التفاوض مع الجاني المودع داخل مركز الاصلاح او من يمثله لغرض تحديد مقدار المبلغ المطلوب ، الدولة تمارس دورها في الاشراف على هذه القضية كون الجاني موجود لديها تحت الاقامة الجبرية لدى مركز الاصلاح والتاهيل لمدة ثلاث سنوات .. وكي لا يذهب اهل المجني عليه الى اهل الجاني للانتقام والثأر منهم ، لذا تتولى الدولة ومن خلال سلطة القضاء المساعدة في تقريب الطرفين للاتفاق على مبلغ التعويض المطلوب من الجاني وطريقة الدفع واجراء محضر تسوية وأخذ اقرار خطي من ذوي المجني عليه بانتهاء المشكلة وغلق الملف وانهاء حالة العداء وطلب الثأر
2 ـ في حالة القتل بالخطأ نتيجة الاهمال وسوء التقدير فان القاتل يوضع في الحجز الاحتياط ( التوقيف ) لمدة لا تزيد عن 60 يوم كي يتخذوا ذوي الضحية قرارهم في طلب التعويض المالي من القاتل عن الضرر الذي اصابهم او المسامحة والتنازل عن الدعوى المرفوعة ضده ، في حالة المسامحة يطلق سراحه مع اخذ تعهد خطي من القاتل بالانتباه مستقبلا واخذ الحيطة والحذر في التعامل مع الوسائل المؤدية الى الموت ، وفي حالة طلب ذوي الضحية التعويض المالي فان الدولة تتولى الاشراف على التفاوض بين الطرفين لتحديد المبلغ المطلوب من القاتل واسلوب الدفع وانهاء المشكلة واخذ اقرار خطي من ذوي الضحية بانتهاء المشكلة وغلق الملف
ج ـ في حالة القتل بالصدفة وهي حالة ممكنة الحدوث ، كأن يركض طفل مثلا نحو الشارع العام بشكل مفاجيء وسريع وتمر في تلك اللحظة سيارة مسرعة وتدهسه فيموت ، هنا يكون الموت بالصدفة ، وفي مثل هذه الحالة يعتبر السائق غير مذنب ... ولكن كأجراء قانوني يتم وضع السائق الذي يمثل (المدّعى عليه) في الحجز الاحتياط ( التوقيف ) لمدة لا تزيد عن 60 يوم كي يتخذ ذوي المتوفي بصفتهم (المدّعي ) قرارهم اما بالمسامحة والعفو عن المدعى عليه والتنازل عن الدعوى او طلب التعويض المالي عن الضرر الذي اصابهم ، تتولى الدولة الاشراف على التفاوض بين الطرفين ، واذا حصل الاتفاق بين الطرفين على دفع تعويض مالي تقوم الدولة بحكم مسؤوليتها عن أمن المجتمع بالاشراف على تنفيذ الاتفاق ومن ثم تأخذ تعهد خطي من ذوي المتوفي بالتنازل عن الدعوى وانهاء المشكلة وغلق الملف
ونذكرمرة اخرى بانه لا عقوبة اعدام ولا عقوبة سجن مؤبد او سجن لمدة طويلة في فلسفة عقيدة الحياة المعاصرة ، لان المجرم الذي يرتكب جريمة قتل عن عمد انما هو انسان بحالة غير سوية انسان مريض نفسيا وعقليا وبحاجة الى اصلاح وعلاج لكي يتحول الى انسان سوي يحترم حقوق الاخرين ومن ضمنها حق الحياة للاخرين حتى في حالة وجود الاختلاف في العقيدة او الرأي او المنافسة في العمل السياسي او التجاري او بدوافع الاطماع الشخصية ... كل هذه هي اعراض لامراض نفسية خلقها مجتمع لا تتوفر فيه العدالة .
يتبع الجزء الثالث والاخير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا


.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د




.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي


.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا




.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر