الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة الطوائف

طيب تيزيني

2016 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



يُذكر أنه مع إرهاصات تفكك الاتحاد السوفييتي السابق وتحوُّله إلى كائن صريع، بدأت تفصح عن نفسها عناصر بنيته المفتَّتة، والأسباب الكبرى التي أودت بحياته، وكان ذلك بمثابة مصادقة على ما كان يقدِّمه ناقدوه من الشرق والغرب، من أمثال الكثيرين الذين انتقدوا البيروقراطية والاستئثار بالسلطة وبالإعلام وبالمرجعية السياسية في الاتحاد السوفييتي على نحو أدى إلى نمط من الدولة والحزب الحاكم يفتقد القدرة على تغطية التمثيل الشعبي العام، وعلى إنجاز المهمات التاريخية المطروحة في حينه. لقد كان سقوط الاتحاد السوفييتي مدوياً على ما أتى به من مشكلات معلقة أو مغلقة، ومن ذلك كانت مشكلة أو مشكلات الانتماء الديني والطائفي والعرقي والمذهبي التي استعصت على الحل.

لقد اتضح أن تلك المشكلات، التي ظل الباب مغلقاً حيال حلها، لم يجر تجاوزها قسراً أو عفوياً. لقد ظلت تحفر في حياة الناس، إلى درجة أنه ما إن أُعلن عن سقوط الاتحاد السوفييتي، حتى راحت جموع الطوائف والأعراق وأصحاب المذاهب تعلن عن حضورها الحيّ الفاعل، وكأنها إذا غابت من قبل فإنها غابت لتخرج إلى الناس على نحو ثأري! هكذا عشنا أحداثاً من هذا الطراز، في أعقاب أحداث سياسية وعسكرية في العالم العربي، لتواجه حصاراً وتغييباً أولاً، ولتبدو لاحقاً وكأنها هي وحدها ذات الحضور. ها هنا نحتاج إلى دراسة هذه الظاهرة في ضوء علم النفس الجماعي وعلم الاجتماع النفسي.


نعم، ظهرت الطوائف والصراعات الطائفية والمذاهب الدينية مع الصراعات بين هذه وتلك، بحيث طفت على الصراعات الطبقية والاقتصادية، مما خلط الحابل بالنابل، ونلاحظ شيئاً من ذلك في العالم العربي بصور متصاعدة متحاربة، خصوصاً في البلدان التي رفعت راية العروبة والاشتراكية على أيدي حزب «البعث» وأحزاب قومية في سوريا والعراق، وارتبط بها في لبنان وليبيا ومصر واليمن ما يقترب من التنظيمات السياسية والأيديولوجية، فبقدر ما كان في بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة، وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي، وفي العالم العربي ربما دون استثناء من هيمنة للأفكار ما بعد الطائفية والمذهبية الدينية وغيرها من هذا القبيل، فإن الأمر يتعلق بحالة من طغيان الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية والعرقية، التي نعيشها في راهننا، لقد حدث طغيان للفاشية الدينية بملحقاتها من تكفير وتدمير وإقصاء للمنظومة التنويرية وما يقترب منها. وبكلمة، أصبح الحقل الأيديولوجي الديني والعرقي سيد الموقف.

في سياق ذلك كله وعلى أعقابه المؤسسة على الخذلان واليأس والاضطراب، ظهرت الأرض وكأنها، لأول مرة، تعيش الوباء الأعظم باسم الطوائف وملحقاتها مجسداً بـ«داعش» الأول الأصلي، أي التنظيم الديني العالمي، الذي حمل لواء سحق ما لا ينتمي إلى الحقيقة المطلقة الكلية كما يراها التنظيم الذي يظن أنه سيُنهي الظلم والظلامية، ويؤسس لعالم جديد يطيح بما سبق. أما من كان يدعو إلى العدل والمساواة والحرية والعروبة والاشتراكية في العالم العربي والإسلامي، فقد «اكتشف» أن ما يضارع هذا كله إن هو إلا «الأصول» في العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن، الخ، التي التصقت بـ«البعيدة في التاريخ منها»، ما قبل المجتمع الوطني.

ها هنا، يبرز أمامنا «الواحد»، الذي يجسد البنية الأصلية للبشر، والذي اعتُقد أن كيانه مع كيانات الآخرين من أسرته هم الأقرب إليه، وبذلك، يبرز خط العودة إلى الأصول بمثابة اقتراباً من «الأنا»، أو اندماجاً فيها، وهذا بدوره يقرب من مجموعات بشرية راهنة، لم تتح لها عملية الاندماج الاجتماعي في مجتمع مؤسس على عائلات وفئات وطبقات وغيرهم، فهؤلاء نجدهم مجسَّدين في الميليشيات العصبوية والممثلين بـ«الحوثيين اليمنيين»، والطريف في ذلك أن أقواماً أو بقايا من هذه الأقوام الموجودة في بعض زوايا عالمنا قد تمثل - في رأي آخرين - أنموذجاً للكائنات التي لم تنخرط في الحضارة الحديثة، ببحرها وبرها، ومن ثم كلما ازدادت هذه الحضارة في ولوغها بالقتل والحرق ودفن الأحياء، كما هو الحال راهناً في حلب والباب وداريا، حيث تعاظم التوجه «إلى الوراء» نجد مزيداً من إنتاج هؤلاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي