الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمة المال والاقتصاد ، نقص في البشر وفائض في المال

مروان صباح

2016 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


أمة المال والاقتصاد ، نقص في البشر وفائض في المال

مروان صباح / بهذه العبارة المختصرة كان رسول الله صَل الله عليه وسلم قد اطلق على قومه ، بالأّمة ، أنا حظكم من الأنبياء وأنتم حظي من الأمم ، وكما هو معلوم ، أن الأمة هي عبارة عن جماعة من الناس يرتبط أفرادها بروابط معينة مثل اللغةً أو التاريخ أو الجنس أو الدين أو كما هو حاصل ، في العصر الحديث ، مصالح فردية تلتقي في صوامع نقدية ، لكن ، الغاية ليست واحدة ، عانى اليهود على مدار القرون ، أزمات كبيرة ، أهمهما ، الاستمرار في الوجود ، وثانياً ، تحويل المنتميّن لليهودية إلى أمة ، وطالما ، واجهت اليهودية عبر التاريخ تعثرات من نوع الامتداد بين الأجيال ، المتعاقبة ، ودوام الثبات في جغرافيا الواحدة ، الذي شكل لأبنائها لاحقاً ، هاجس الابتكار وسد النواقص المزمنة ، فكان الراجح لديهم دائماً ، عدم الاقتراب من فكرة القومية أو حتى الاكتفاء بظاهرة الشعب ، بمعناه التقليدي ، البعيد عن المشاكسات ، لهذا ، كان لا بد من السيطرة على أمرين ، طريقة تفكير الإنسان وأيضاً معدته ، بالطبع ، مع معرفة حجم وثقل ، الأمم وحضاراتها ، منها قد غابت وتركت إرث متمدد أو آخرى فاعلة بقوة أو أخريات تصارع من أجل العودة .

مازال إلى يومنا هذا ، الغموض يلتف حول الانطلاقة الأولى ، التى أدت إلى كل هذا الانتشار الاقتصادي والمالي على امتداد العالم والبشرية ، لكن ما تحقق حتى الآن ، يشكل قوة بحجم أمة ، من الممكن أن يطلق المرء عليها ، أمة اليهود للمال والاقتصاد ، لا تعترف بالدِّين ولا بالجنس ولا باللغة أو بالتاريخ ، كل ما هو مطلوب ممن ينطوي تحتها ، التجرد من التاريخ والعمل من أجل جمع النقود ، وهذا ، تطلب مكبراً ، إلى إحداث انشقاقات في مجمل المركبات الكبيرة ، الراسخة والقادرة على ربط الاختلافات والتنوعات تحت الأمم ، فكانت المذاهب والقوميات ، وأيضاً ، إطلاق بعض النظريات الاقتصادية وأخرى وجودية ، عوامل حاسمة في التغير ، طبعاً ، بعد زمن من الاستبداد الديني والنظامي ، كان التغير بمثاب ، خلاص مؤقت ، لأن ، سرعان ما تورطت الشعوب في عبودية جديدة ، إيقاعها أقرب للجنون ، لم يكن عنوانها الفقر فقط ، بل ، القهر أولاً وثانياً وعاشراً .

دائماً ، احتاج التغير إلى حروب كونية ، دموية بطابعها ، مثل تلك التى حدثت في القرنيين السادس عشر والسابع من الميلاد ، في أوروبا والتى سميت بالحروب الدينية ، كان المذهب البروتستانتي يقود حركة الإصلاح ، بالطبع ، هذا الإصلاح غيّر من رؤية الإنسان الأوروبي على وجه الخصوص والغربي عامةً ، فأصبح مرتهن بالكامل إلى ما ينتجه الفكر الصناعي والاقتصادي وأُدخل عليه مفاهيم أدت إلى إلغاء الهوية ، وتلاها ، حربين العالميتين ، الأولى والثانية ، وأخيراً حرب احتلال العراق وأفغانستان ، وفي واقع الحال ، قد يختلط على المرء ، ما هو قائم من مدارس جديدة أو دين جديد ، تحت أسم الإنسانية ، وهذا ، قد يكون وبشكل محدود في مناطق مختلفة أو مربعات ، بالفعل موجود ، لكن ، في المحصلة العامة ، ليس أكثر من غطاء من أجل الوصول للغاية ، التى تتجاوز مصالح الشعوب لصالح أّمة المال والاقتصاد العالمية التى بدورها تقوم بتمويل مشاريع الحروب ودعمت الانشقاقات التاريخية .

ما يجري اليوم في المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي ، ليس إلا إعادة ، انتاج ماضي أوروبا بطبعة مشرقية ، طبعاً ، بريجنسكي ، وهو واحد من أهم مهندسين الطبعة المشرقية وراسم حدود التشابك السني الشيعي في المنطقة ، قد شارك في وضع هذه الخطوط ، وهو أيضاً مغذي فكرة الإصلاح الديني في المربع السني وفي ذات الوقت ، مشجع التمرد الجهادي السني في حمل السلاح ، وهو أيضاً من أهم داعمين التمدد الإيراني الشيعي ، في المنطقة العربية ، وليس أبداً الشاهي ، تنطلق فكرته ، وهي التى أصبحت فاعلة بجدارة ، إلى ضرورة إصلاح المذهب السني ، فكرياً وسلوكياً ، الجانب ، الذي يقود الجهاد العالمي ، دون التطرق لأي اصلاح في المذهب الشيعي ، بل ، هو متروك دون تصنيف أو بالأحرى ، يشهد تقلبات تصنيفيه تلتصق بالمزاج الدولي والضغوط ، حسب الأجندات ، لكن ، في حقيقة الواقع ، إن ما يجري ليس سوى ، شطب الأمة العربية ، كفكرة وجغرافيا ، وهذا ، كله يحصل بدعم من أمة المال والاقتصاد العالمي ، التى تعتقد أن قيادة الكون لا تكون بقيادة الولايات المتحدة ، متفردة ، بقدر ، أن من مصلحة هذه الأمة ، أن تشارك دول أخرى كبرى في قيادة الكون ، وهنا تقع دول مثل إيران ، إقليمية ، أو دول محلية ، وأخرى دولية مثل روسيا والصين ، في خندق الالتباس التاريخي ، يعتقدون أنهما يقودون مشاريع إمبراطورية أو قومية أو مذهبية ، بل ، سيكتشفون في المستقبل القريب ، أنهم ليسوا سوى أدوات تنفيذ لمصلحة أمة المال والاقتصاد ، كما كان حال ، أوروبا مع بدء ما سميا بالإصلاح البروتستانتي وانتهاءً بالحرب على الإرهاب الهتلري ، حيث تحولت أوروبا إلى ملحق صغير في الحلف الأطلسي ، مهمتها الأساسية دفع تعويضات لأمة المال والاقتصاد اليهودية ، وهذا ما تسعى إليه اليوم ، فرضه من تعويضات ، مطالب دفعها ، باسم الإرهاب العربي ، ابتدأت بعراق صدام وليبيا القذافي وليس انتهاءً بالمملكة العربية السعودية ، بل ، القائمة طويلة وتاريخ المنطقة لديهم محفوظ .

بالطبع ، مفكرون أمة المال والاقتصاد على معرفة كبيرة ، بأن إيران وروسيا وأوروبا والهند والصين ، نتيجة الحروب الدموية والاستعمار والتفكيك للهوية الأصلية وتعويمهم بالمخدرات ، لم يعد متاح لهم الارتقاء إلى درجة الأمم ، بل ، هم في أفضل حال ، تجمعات فوضوية السلوك والنهج ، من الممكن أن يكونوا موظفين بدرجة ، متوسط ، وفي أحسن حال ، في وظيفة عالية ، لأن باختصار ، غارقون في التقليد الفاشل والتحريفات الدينية أو نظريات ، متعثرة الطريق ، الذي لا يمكن لحالهم ، أن يرتقي للاصطفاف مع القوى الجبارة ، بل ، ما يفعلونه ، فقط ، يتوسلون الماضي وهم غير قادرين على امتصاص الحاضر ، كما أيضاً ، مفكرون هذا الأمة ، يعلمون علم اليقين ، بأن الفكرة الأصلية الخالية من الشوائب ، موجودة في الفكر العربي ، وهي كأمة ، الوحيدة المهيأة ، وفي أي لحظة ، إلى الارتقاء لمركز اشتغال قيادة العالم كما فعلت في الماضي وحاولت من خلال مشاريع حديثة ، أن تعيد موقعها مع من يقود الكون ، طبعاً ، إن تمكنت الخلاص من الفساد .

خلاصة القول ، أدركت أمة المال والاقتصاد ، أن تعدادها البشري لا يسمح لها الانتشار في العالم ، لكنني سأضرب مثال بسيط ، هو بالغ التوصيف ، الإنسان بدأ بزراعة القهوة منذ آلاف السنين ، كما هو ظاهر ، تعود مع مرور الوقت على شربها ، الأماكن التى تستهوي تربتها ومناخها ، اليمن وغينيا وشرق أفريقيا واندونيسيا وأمريكي الوسطى وهاواي ، وللعرب الحصة الأكبر في زراعتها ، يصل إنتاج العرب للبُن ، 60 % من صادرات العالم ، ويُعد البُن اليمين ارقاهم ، لكن في نهاية المطاف ، الجميع في المحصلة ، يشتغل في زراعة البُن من أجل تزويد مقاهي شركة ستار بكس ، بالبُن ، التى بدورها تقدم لزبائنها ، قهوة جاهزة ، بمواصفات عالية الجودة ، تمتلك شركة ستار بكس في العالم حوالي 17 الف فرع ولديها أكثر من 200 الف موظف ، ويعدّ مدير تنفيذها هوارد شولتز من أكبر داعمين الجيش الإسرائيلي في مجال التطوير العسكري . من هنا ، ما على المرء ، سوى أن يقيس على ذلك ، من شربت الماء مروراً بالقهوة وأيضاً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية والمواصلات ولقمة الغذاء والأكسجين الذي يتنفسه المرء في المشفى والسلاح والبنوك والمخدرات والنفط إلى الخ ، سيجد أن الأغلبية الساحقة في العالم تشتغل ونتاجها يصب في صالح ، أمة المال والاقتصاد ، شئنا ذلك أم أبينا .
والسلام
كاتب عربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار