الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد في الأرض ... كيف نفهمه ؟

عبد اللطيف بن سالم

2016 / 11 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفساد قي الأرض ... كبف نفهمه ؟
أليس الفساد _ من وجهة نطر إنسانية _ هو كل عمل يضر بالآخرين أفرادا كانوا أو جماعات أو دولا تقوم به أفراد أو جماعا ت أو دولٌ ؟ لكن ليس هنا المشكل , إنما المشكل في من تُرى الذي يقدر منا على التعريف به وتحديده كما يجب ومن ذا الذي يقدر منا على الكشف عنه وعن مواقعه ويعرٌف الناس بمضاره ومن يكون صادقا بالفعل في الحكم عليه لأن الكثير منا من يقع ضحية للفساد طول عمره وهو لا يدري ولأن الكثير منا من يكون سببا مباشرا للفساد أو غير مباشر وهو أيضا لا يدري فلابد إذن من أن يُطرح موضوع (الفساد ) هذا للتحليل والمناقشة من طرف خبراء وإخصائيين نزهاء ووطنيين للبت قي مفهومه والنظر في أسبابه وتداعياته على الأفراد وعلى الجماعات وعلى الدول حتى لا نقع قي مغالطة بعضنا بعضا عن قصد أو عن غير قصد وقبل أن نتخذ القرارات اللازمة في شأنه لآنه قد نكون نحن أنفسنا من المفسدين في الآرض أيضا دونما قصد أو وعي خصوصا إذا ما اهتممنا بفساد ما وتغاضينا عن غيره أو نظرنا فقط إلى الوراء وأهملنا النظر في الحاضر ومنه في المستقبل .
لمحاسبة غيرنا عما فعل لابد أن نكون نحن صادقين مع أنفسنا ولسنا مورٌطين مثله في فساد ما وإلا فإننا سنكون كالذي ينهى عن خلق ويأتي مثله غير مبال بقول الشاعر فيه :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله # عار عليك إذا فعلت عظيم .
اليوم ونحن نمر بهذه الفترة العصيبة من تاريخنا المعاصر والتي اختلت فيها الكثير من الموازين واهتزت فيها الكثير من المبادئ والقيم في حياتنا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية منها بالخصوص ألا نخا ف من أن يجرٌنا هذا الوضع إلى افتقاد الضمير الصادق مرة واحدة والعود بأنفسنا إلى الهمجية والحبوانية الآولى ما دمنا قد صرنا نفرط هكذا يوما بعد يوم في مقومات شخصيتنا الآساسية المعروفة لدينا بمكاسبها الحضارية الراقية والتي عُرفنا بها منذ زمن بعيد بين الآمم ؟ وهل لم نعد نأبه بما قاله لنا أحمد شوقي أمير الشعراء :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت # فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ؟
أم أننا لم نعد نعي من ذلك شيئا في هذا الزمن العولماتي الذي قد صار يعمل دوما على القضاء على المقومات والخصوصيات لمختلف الشعوب والقوميات لصالح المحاور الاقتصادية الكبرى في العالم وأصحاب الشركات العابرة للقارات ؟
أليس من الفساد في الأرض بهذا الوطن وفي هذا العهد الجديد الثاني المدعوم بالشرعية اللازمة والملتزم بالضروري والكافي من الشفافية بعث أكبر عدد ممكن من الوزارات في دولة من أصغر الدول على ضفاف البحر الأبيض المتوسط وذلك عن حسن نية وسبق إصرار لإحداث أكبر عدد ممكن من المناصب لأكبر عدد ممكن من الإخوان الذين شاركوا في التحضير للركوب على الثورة والاستيلاء على السلطة من يد الشباب الثائر على الظلم والطغيان من أجل تحقيق أهدافه في الحرية والشغل والكرامة والعدالة الاجتماعية ؟ وإن الأبرز في كل هذه الوزارات وزارة الشؤون الدينية التي خُصٌصت بأكثر من سبعين مليون دينار كميزانية لها في هذه السنة في حين أن دستورنا الجديد لا ينص على أن تونس دولة إ سلامية أو يهودية أو مسيحية حتى نقيم وزارة كاملة للشؤون الدينية فيها بل هو ينص فقط على أن تونس دولة لغتها العربية ودينها الإسلام كما أنه يشير في أكثر من موقع إلى أن نظام الحكم فيها مدني جمهوري وسيقع الفصل فيه بين الدين والدولة كما تتطلبه الديمقراطية في معناها الحقيقي وكما يسمح بذلك أيضا ديننا الإسلامي . أفليس هناك إذن تضارب وتناقض بين ما ينص عليه الدستور الجديد في بلادنا وبين ما يُنفذ في الواقع ؟ والقول في البند الأول بأن "تونس دولة العربية لغتها والإسلام دينها لا يعني إطلاقا أنه من الضروري أن يكون الحكم فيها إسلاميا أو دينيا من أي نوع آخر من الأديان إلا إذا كنا نستبله بعضنا بعضا ، فالرجاء أن لا يستخف أحد بعقول التونسيين أو يتعمد مغالطتهم وليعلم الجميع بأنه لم يعد هناك في تونس من يحكم خارج إرادة الشعب وما الحكومة إلا سلطة تنفيذية لإرادته أو لا تكون ومن لم يقدر بعدُ على استيعاب ذلك وهضمه فمن الأفضل له أن يستقيل من منصبه ويتخلى عن مهمته وسيحفظ له الشعب التونسي الكريم كل مستحقاته وكامل حقه في الاحترام والتقدير .
هذا بالنسبة للقمة أما بالنسبة للقاعدة فحدث عن البحر ولا حرج ولا غرابة في ذلك أيضا لآن ما يقع في القمة ينعكس بالطبع وبالضرورة على القاعدة ( أو ليس الناس على دين ملوكهم كما يقال عادة ؟ ) وما دام الوضع الاجتماعي على ما هو عليه من الرداءة وعدم الاستقرار فهي الفرصة إذن للانتهازيين والغوغائيين والبلطجية حتى من أصحاب النفوذ للعبث في هذه البلاد كل على طريقته فمن هؤلاء اليوم مثلا – للذكر لا للحصر – بعض الأعراف الذين رأوا في انعدام وجود الشغل وتفاقم عدد المعطلين عن العمل فرصة لاستغلال بعض الشباب والتحيل عليهم بدعوتهم إلى العمل بطريقة مباشرة وغير رسمية non dèclarè ودفعهم إلى العمل على أساس أن يقاضوهم آخر الشهرأجورا معينة حتى إذا ما قضوا بهم حاجتهم وحان وقت مقاضاتهم تلكأوا وماطلوا حتى يطول انتظارهم فييأسوا ويتركوا الشغل من تلقاء أنفسهم ويعودوا من حيث أتوا وهذا هو الشغل بالأجر الموعود الذي قد يأتي يوما وقد لا يأتي أبدا. وقد لا يكتفون بذلك بل يلجأ بعضهم إذا ما ووجهوا بمطالبة شديدة بالأجر إلى اتهام أجرائهم هؤلاء بالقصور والعجز عن القيام بمهامهم كما ينبغي فيروحوا فارغي الأيدي من الأجر ومكسوفي الخاطر من التهمة الموجهة لهم وهكذا كلما انتهوا منهم استجلبوا في الحين غيرهم ليفعلوا بهم ما كانوا يفعلونه بمن سبقهم ، وهكذا يستغلون هؤلاء الشباب المساكين الفقراء المعطلين عن العمل لأنهم محتاجون وينتظرون الشغل منذ سنين ومن أية جهة وبأية طريقة على أمل أن يحققوا مورد رزق لهم ولعائلاتهم وتتحسن أحوالهم ويعيشوا بشرا عاديين مثل غيرهم ، لكنهم يصابون في الأخير بما لا يخطر ببال أحد لا من المؤمنين ولا من الكفار ولا من أية نوعية أخرى من البشر الأسوياء ،يصابون بالخيبة وبالمزيد من الإحباط والاحتقان والغبن ويصابون نتيجة لكل ذلك بإضمار الكراهية لهذا الوطن فيعودوا إلى التفكير من جديد في (الحرق ) إلى ما وراء البحار أو الاحتراق بالنار كما فعل بعض اليائسين من أسلا فهم وكلتاهما مصيبة . أليس هذا مما جنته تونس اليوم من ثورتها أم أنه فقط البعض من قطوفها الدانية ولا نزال نقطف أكثر في السنين القادمة ؟
البعض من أصحاب الصحف والمجلات يتحيًلون على كتابهم :
وهل حتى من المثقفين من لم يعد يُؤمن جانبهم ؟ لقد ظهر في المدة الأخيرة أن البعض من أصحاب الصحف والمجلات الجدد قد لجأوا إلى نفس تلك الطريقة المذكورة من الغش والتحيُل إذ يصدرون إعلانات لانتداب كتاب ومراسلين لهم حتى إذا ما جاؤوهم استعملوهم لمدة ما ثم تركوهم في سبيل حالهم دونما أجر أو مكافأة. هذا دونما حاجة إلى التذكير بنظام المناولة أيضا ذلك الذي استغل هو أيضا الفرصة في انخرام الأمن في الفترة المباشرة بعد انتهاء الثورة وكانت سببا في معاناة الآلاف من الشباب الباحث عن الشغل .
ها نحن نتعرٌض في كل يوم تقريبا لجمٌاع الأموال لبناء المساجد للمصلين لكننا لم نتعرٌض يوما واحدا لجامع أموال لبناء معمل أو مصنع لهؤلاء المساكين المعطلين عن العمل فهل أننا في حي الرياض مثلا أو في حي الزهور بسوسة أو في غيرهما من الأحياء والمدن التونسية لدينا من المعامل والمصانع أكثر من المساجد ؟ وهل نحن إذا لم نجد مسجدا لا نجد حيث نصلي ؟ المسلمون في الأول ما كانت لهم مساجد . أليست هذه أموالا تُهدرُ من ميزانية الأمة دون طائل وشبابنا العاطل لا يزال ينتظر رحمة من ربُه أم هل سنقول له :التحق بالمسجد فإن لك فيه كل ما تريد وما تشتهي ويكفيك تفكيرا في العمل ؟ لكنٌ عمر بن الخطاب كان يقول للناس :"إن السماء لا تُمطر ذهبا ولا فضة " دعوة منه الناس إلى النشاط والعمل والسعي في طلب الرزق كما كان آخرون من المسلمين يقولون "إن الله يكره العبد البطال" فأين منا العمل بهذه القيم الإسلامية أم نسيناها واحتفظنا فقط بالدعوة إلى الصلاة وفتح المساجد للمصلين حتى وإن كانوا جائعين ومعطلين وبائسين ؟ أم أننا نفكر فقط في تشييد المزيد من المساجد للتخفيف عن السجون ؟ وحتى السجون ها قد نالها ما نال المساجد من الاهتمام والرعاية وأُُرسلت إليها دعاة جدد للقيام بتأهيلها دينيا كما ينبغي حتى إذا ما خرج منها المساجين التحقوا في الحين بالمساجد وهكذا نأمن شرهم على الدوام خصوصا وأن أهم هؤلاء الدعاة هم من السلفية العلمية أو الجهادية أو التحريرية التي تأمل – كما تدعي – في تحرير البلاد والعباد من هيمنة الإمبريالية العالمية لتعود بنا إلى الخلافة الرشيدة وكأنما هي لا تدري أنها في خدمة تلك الامبريالية . كلها خدع سياسية من أجل تحقيق مصالح شخصية خاصة في إطار مجموعة من المصالح الامبريالية. ما أجمل التاريخ إذ يعود بنا إلى عهد مضى عليه أكثر من أربعمائة سنة . ما أجمله وما أتفه ما قيه من صنوف الغباء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن