الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تحول الحشد الشعبي لمليشيات تدافع عن النظام؟

علاء اللامي

2016 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


قال أبو مهدي المهندس "جمال محمد جعفر"، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، في حوار معه نشرته الأخبار في عددها ليوم 28 تشرين الأول – أكتوبر 2016 ( نحن نركز على مهمتنا الأساسية، وهي القضاء على الإرهاب في العراق وفي المنطقة، كما نعمل على حماية النظام والعملية السياسية في العراق).أعتقد ان الشطر الثاني من الفقرة و الخاص بالعمل على (حماية النظام والعملية السياسية) ينطوي على مفهوم جديد وخطير جدا لمهمات الحشد الشعبي، بل هو إعلان أولي وصريح عن إمكانية تحوله - في هذا الظرف الحساس والخطِر - إذا لم يكن قد تحول فعلا، من قوات من المتطوعين من عامة الشعب للدفاع عن العراق والمدن العراقية التي هددها التمرد المسلح الداعشي بعد هزيمة القوات الحكومية التي دربتها وسلحتها دولة الاحتلال، وقادها نوري المالكي بصفته رئيس السلطة التنفيذية والقائد العام للقوات المسلحة، إلى مليشيات للدفاع الحكومي عن العملية السياسية التي أطلقها الاحتلال الأميركي.
الأسئلة كثيرة، والأدلة على تحول جذري في مهمة الحشد الشعبي أكثر، فعن أية عملية سياسية سيدافع الحشد الشعبي إذا لم تكن عملية المحاصصة الطائفية التي جاء بها الاحتلال الأميركي و عن دستورها الملغوم الذي كُتِبَ في ظله؟
-أليس هذا الإعلان على لسان نائب رئيس الحشد الشعبي إيذانا بتحول الحشد الشعبي إلى مليشيات حكومية تدافع عن النظام ومؤسساته ؟
-وما علاقة هذه المهمة - الدفاع عن نظام المحاصصة الطائفية والعملية السياسية "الأميركية"- بدوافع و أفكار ومشاعر عشرات الآلاف من العراقيين الذين هبوا متطوعين للدفاع عن بغداد والمدن العراقية الأخرى التي وصلت داعش إلى تخومها بعد احتلال محافظتيْ نينوى و صلاح الدين؟
-وأين ذهبت الوعود المتكررة، وآخرها ما عبر عنه وزير الخارجية إبراهيم الجعفري في مؤتمر باريس قبل أيام، ومفاده أن الحشد الشعبي ستنتهي مهمته بانتهاء التمرد المسلح التكفيري والقضاء على " الإرهاب الداعشي" وسوف يُسَرَح منتسبوه أو ينضم من يريد منهم الانضمام الى المؤسسة العسكرية بموجب قانون خاص يسنه مجلس النواب لاحقا؟
-وما علاقة الحشد الشعبي، إذا كان فعلا جزءا من المنظومة الدفاعية العراقية الرسمية كالجيش والشرطة الاتحادية، بما يحدث خارج العراق من نزاعات و حروب و صراعات مسلحة؟
- ثم، ألا يعني الدفاع عن نظام المحاصصة الطائفية والعملية السياسية الأميركية في العراق دفاعاً عن فساد هذا النظام و فساد أقطابه وعن الخراب الذي ألحقه بالعراق وشعبه؟ ألا تعني - هذه الحماية التي يبشر بها المهندس - مشاركة فعلية في استمرار وترسيخ هذا النظام واستمرار نهبه وسرقاته و استمرار مؤسساته الفاسدة ومَن فيها؟
-إن هذا التصريح الخطير على لسان نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي يعني أن حشد المتطوعين العراقيين دفاعا عن العراق، بصفته العامة الأولى قد انتهى، و قد حلت محله مليشيات حكومية تدافع عن الحكم وأحزابه بوجه الشعب العراقي المنهوب والمدمر من قبل هذا الحكم وهذه الأحزاب، وليس ثمة إعراب سياسي آخر لهذه الكلمات لسوء الحظ. وعلى هذا فإن الموقف من مليشيات حكومية كهذه لن يكون مختلفا في المنظور الوطني والديموقراطي من أحزاب النظام و مؤسساته وقيادته الفاسدة الفاشلة، وهذا ما سيعطي كل الحق للوطنيين العراقيين الذين تحفظوا منذ البدء على تشكيل الحشد، وسكتوا على مضض بسبب التطورات الخطيرة على أرض الواقع على تشكيله لاحقا؟
أسئلة كثيرة يثيرها تصريح المهندس هذا، منها مثلا: ما دور وموقف وتأثير المرجع السيستاني فيما يخص الحشد الشعبي و العملية السياسية؟ لماذا تعادي دول عربية كالسعودية والبحرين والأردن، إضافة إلى تركيا، الحشد الشعبي وتتحفظ عليه وعلى النظام السياسي في عراق ما بعد الاحتلال ؟ ومن أسسَّ الحشد الشعبي عمليا ؟ وما وزن الجمهور المسلح غير المتحزب فيه؟ وما حقيقة دور بعض الفصائل الحشدية التي تدعي المشاركة في مقاومة الاحتلال؟هنا، خلاصات مكثفة لمقاربات سريعة للإجابة عليها :
-ليس صحيحا أن الفصائل المؤسسة للحشد ( هي الفصائل الإسلامية الشيعية التي قاومت الاحتلال) كما يقول البعض، فالمعروف والموثق هو أن الفصيل الشيعي الوحيد الذي قاتل الاحتلال الأميركي هو "جيش المهدي" التابع للتيار الصدري، أما منظمة بدر مثلا، والتي كانت جزء من المجلس الأعلى آنذاك فلم نسمع أنها ساهمت في تلك المقاومة المسلحة، وأما الفصائل الأخرى كالعصائب و كتائب حزب الله، فقد انشقت عن جيش المهدي والتيار الصدري لاحقا، و نشطت لفترة قصيرة جدا قبل انكفاء قوات الاحتلال وانسحاب معظمها. و ثانياً، يبدو أن هناك محاولات لتضخيم دور عدد من الفصائل في الحشد لأغراض وأهداف إعلامية وسياسية معينة وهذا موضوع آخر.
- لقد انبثق الحشد الشعبي عمليا، بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني عقب سيطرة تنظيم الدولة" داعش" على محافظتي نينوى وصلاح الدين واقترابه من تخوم بغداد، و انخرطت فيه عموم جماهير الناس، وبخاصة الشباب، في هبة عفوية واسعة حماسية، ثم – وفي خضم الموجة – انضمت الفصائل المذكورة فيه وتأسست فصائل أخرى بالعشرات ،ولكنها حافظت - في أغلبها - على استقلاليتها التنظيمية والسياسية والعسكرية وعلاقاتها الخارجية بإيران تحديدا، و الموقف المعلن منها كلها حكوميا هو أنه سيكون حسب موقفها من القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية ممثلة بشخص حيدر العبادي، و أي خروج عليه أو تأسيس علاقة تبعية إدارية أو عسكرية أو سياسية بجهة أخرى مرفوض ويضع هذا الفصيل خارج القانون "نظريا" حتى الآن!
- ولكن أي نظام و قانون يقصدون؟ إنه – دون لف أو دوران - نظام المحاصصة الطائفية والعملية السياسية التي رفضتها شخصيات وقوى وطنية مشتتة و معتم عليها إعلاميا منذ يومها الأول هي و دستورها وزعاماتها، وإذا كان موقف بعض الوطنيين والديموقراطيين العراقيين مساندا للحشد أو الجيش فذلك لسبب معلن واحد هو إنهما يقاومان زحف داعش ويحاولان القضاء على خطره فقط، و أما اذا حاول أحد – كما حاول أبو مهدي المهندس - تحويل الحشد الى قوة مليشياوية لحماية العملية السياسية والنظام فهو يدخل – كما يعتقد كثيرون - في عداء مباشر مع الشعب العراقي الذي دمرته هذه العملية السياسية ..
-يمكن الاتفاق من حيث الجوهر مع القائلين إن موقفا قد يتخذه المرجع السيستاني ضد العملية السياسية الطائفية، سيكون مهما جدا وسيغير المعادلة جذريا، غير أن من الصعب الاعتقاد أن السيستاني سيتخذ مثل هذا الموقف لعدة أسباب منها : أنه هو ذاته كمرجع ومؤسسة واقع تحت تأثيرات وضغوط القوى السياسية و شبكة الزعامات الشيعية ومحدثي النعمة بفعل النهب ( ضمن إطار العلاقات الزبائنية التي ولدها نظام المحاصصة الطائفية ) التي سيضرب إنهاء هذا النظام مصالحها الطبقية ويوقف نهبها للمال العام وحين ذلك ستنسى هذه الزعامات الشيعية أنه مرجع ديني شيعي، بل وقد تنسى حتى أنه شيعي! و ثانيا، لأن السيستاني نفسه يتحمل مسؤولية قيام وبقاء هذا النظام، سواء بسكوته على الاحتلال وعدم الدعوة لمقاومته وبناء دولة مواطنية لا طائفية، أو بدعوته الصريحة للتصويت بنعم على دستوره والتصويت لقائمة 555 الإسلامية الشيعية في أول انتخابات تشريعية سنة 2006، فهل يمكن ان ينقلب موقف السيستاني رأسا على عقب ويصحح الأمور؟ لا أعتقد ان ذلك ممكن في القريب على الأقل مع الكثيرين يتمنونه ولكن الأماني لا وزن لها في ميزان الوقائع على الأرض، فلا إشارات أو حتى تلميحات تصدر عن السيستاني نفسه أو عن وكلائه تؤيد أو تشجع على هذا الاعتقاد. بل هو يؤيد دائما حلاً يأتي من داخل النظام و يشجع "إصلاحا" يقوم به الفاسدون في الحكم أنفسهم وهذا مستحيل. إضافة إلى ذلك، فإن غالبية الفصائل الشيعية المسلحة لا تبدي أي قدر من الطاعة أو التفهم لتوجيهات وفتاوى السيستاني ولنا خير دليل ومثال على ذلك في فتواه التي أمر فيها بعدم رفع أية صورة لشخصية سياسية أو دينية وأي علم غير العلم العراقي الرسمي فرفعت أغلب الفصائل أعلاما أخرى ومعها صورة شخصية للسيستاني نفسه في صور وثقتها وكالات الأنباء العراقية والأجنبية!
- يعتقد مراقبون للشأن العراقي، مستندين الى تصريحات المهندس الأخيرة وآخرين من قيادات الفصائل الشيعية، أن اللعبة أصبحت مكشوفة فبعض الفصائل الحشدية المرتبطة بإيران والأحزاب الطائفية الصريحة ستحاول الحفاظ على النظام القائم و قد تؤدي بالعراق الى التقسيم. أما القوى الأخرى غير المسيسة و غير الحزبية في الحشد فهي ليست قادرة لوحدها على قلب المعادلة إذا لم يقف معها الجمهور العراقي في الجنوب والفرات على الأقل عبر انتفاضة شعبية، ولكن هذه الانتفاضة المتمناة تبقى شبه مستحيلة بسبب غياب قوة وطنية قادرة على قيادة وتنظيم العراقيين المناهضين للنظام الطائفي والرافضين للهيمنة الخارجية سواء كانت أميركية أو إيرانية او تركية . وهناك مشكلة أخرى هي أن قيادة الحشد الآن ليست بيد من يمثلون عشرات الآلاف من المتطوعين غير الحزبيين بل استحوذت عليها القيادات الحزبية، رغم أن مقاتلي الفصائل والأذرع المسلحة المتحزبة مجتمعة فلا تصل إلى نصف أو ثلث الجمهور العام والمقاتل للحشد كما يعتقد مراقبون مطلعون.
-من جهة أخرى فإن حلفاء نظام المحاصصة العراقي من الدول الغربية بقيادة واشنطن و دول الجوار العربية يخشون الحشد الشعبي بل ويعادونه صراحة لأنهم يعتقدون أنه خاضع لإيران، والصحيح أن بعض الفصائل فيه خاضعة لإيران وترتبط بها كدولة ومرجعية دينية لبعضها بشكل ما وليس الحشد كله، ولا يخلو موقف دول الجوار العربية وتركيا منذ أن وصل الإسلاميون الشيعة الى الحكم، من مرَكَّب أو نزوع طائفي، وهذا الحكم الشيعي في العراق شيء جديد على السردية السياسية والثقافية للدول العربية ونخبها ذات النمط الطائفي الواحد، وكأن هؤلاء لا يريدون، ولا يستطيعون أن يصدقوا أن في العراق غالبية سكانية من المسلمين الشيعة وأن الدولة العراقية يمكن أن تخرج عن النمط الذي ألفوه واعتادوا عليه منذ قيامها في 1921، و ما فاقم المشكلة وزادها تعقيدا وتشنجا أن نظام الحكم في العراق قام على أساس المحاصصة الطائفية وليس على أساس دولة المواطنة والمساواة التي تطمئن الجميع وفي مقدمتهم العراقيون من غير الشيعة.

*كاتب عراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت