الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة الفلاحية والاستمطار

عبد السلام أديب

2016 / 11 / 8
الصناعة والزراعة


أجرت الصحافية السيدة حليمة المزروعي بجريدة رسالة الأمة حوارا مع عبد السلام أديب حول السياسة الفلاحية وتقنيات الاستمطار. فجاء الحوار كما يلي:

* بداية كيف ترون كاقتصادية تقنية الاستمطار التي سيتم اللجوء إليها لمحاربة الجفاف؟

** من المعلوم أن تقنية الاستمطار قد سبق اعتمادها في المغرب خلال عقد الثمانينات حينما توالت سنوات الجفاف الكبرى وقد تم ذلك تحت تسمية مشروع "غيت" ومعلوم ان هذه التقنية ظهرت لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1946 . وتتمثل في تخصيب السحب اصطناعيا في مناطق معينة مستهدفة وبالتالي تفجيرها بقذائف تحتوي على مواد كيماوية نجد من بينها غبار معدن الفضة. وتعتبر هذه التقنية جد مكلفة كما ان لا حدود معروفة لنتائجها أو عواقبها الملوثة والمتسببة في الانبعاثات الدفيئة. كما أن اعتماد هذه التقنية المكلفة تستهدف الإنتاج الفلاحي الرأسمالي على الخصوص ذو القيمة المضافة العالية والموجه نحو التصدير ولا تستهدف ري الفلاحة الشعبية المعيشية.

فهذه التقنية لا تستهدف انعاش الفلاح الصغير أو تقوية الأمن الغذائي الشعبي أو زيادة الناتج الداخلي الإجمالي، بقدر ما تستهدف الاستغلال المكثف لإمكانيات عمومية تقنية ومالية ضخمة للحصول على انتاج فلاحي خاص كثيف موجه نحو التصدير ولا علاقة له بالأمن الغذائي الشعبي أو بالتنمية المحلية بينما تستقر عائداته من الأرباح، مباشرة في الابناك الدولية .

* في نظركم هل الاقتصاد المغربي المعتمد على الفلاحة بالدرجة الأولى تنقصه هذه التقنية فقط أم بحاجة لإجراءات موازية ؟

** السياسة الفلاحية في المغرب اليوم تعرف منعرجا خطيرا على شاكلة ما يحدث للسياسات الفلاحية في معظم البلدان التابعة للمؤسسات المالية الدولية. فمنذ أواخر عقد التسعينيات بدأ الرأسمال المالي العالمي المهيمن بدون شريك يتطلع الى تدمير الفلاحة المعيشية المتنوعة بالعالم القروي في بلدان العالم الثالث بالتصنيع الفلاحي الرأسمالي كمصدر لا ينضب للأرباح والتراكم الرأسمالي ومن أجل معالجة أزمته البنيوية.

وهكذا ستبدأ عمليات استهداف الصناعة الفلاحية الواسعة في مختلف البلدان المتخلفة ومنها بلادنا تحت يافطة تغليطيه للجماهير الشعبية تدعى "بالثورة الخضراء" وهو ما يقابلها في المغرب "بمخطط المغرب الأخضر" لكنها في الواقع مجموعة من العمليات التدميرية التخريبية للاقتصاد الفلاحي التقليدي المتوازن ستزيد من تدهور الامن الغذائي ومن ارتفاع الانبعاثات الغازية تصل الى 57 في المائة.

والعمليات الصناعية الفلاحية التي تستهدفها السياسات الفلاحية المفروضة من طرف المؤسسات المالية الدولية ومن ورائها الرأسمال المالي العالمي وتتبناها محليا اللوبيات البرجوازية الصغرى الانتهازية وتدافع عنها أحزابها ومركزياتها القابية المهيمن عليها فوقيا من طرف بيروقراطيات سياسية وأخرى نقابية، تتمثل في:

- الاستيلاء على أراضي الفلاحين الفقراء والأراضي السلالية من أجل تجميعها، والقيام باحراق المزيد من الغابات للحصول على حقول شاسعة جدا، تخصص كلها لا نتاج وحيد ذو قيمة مضافة عالية موجهة على الخصوص نحو التصدير. وتؤدي هذه العملية الى حرمان الطبقات الشعبية من التنوع والامن الغذائي نظرا لتقليص مساحات الأراضي المخصصة للأمن الغذائي. كما تؤدي عمليات احراق الغابات الى تقلص التنوع البيولوجي والى انبعاثات غازية كثيفة تتراوح ما بين 15 و18 في المائة. كما أن وحدة الإنتاج يؤدي الى إنهاك الأراضي واللجوء الى استعمال الأسمدة والمواد الكيماوية التي تلوث المياه والتربة وتتسبب في امراض شتى.

- استعمال الأدوات والماكينات والجرارات بشكل مكثف واللجوء الى العديد من الصناعات التي تتدخل في عمليات الزراعة والحصاد ومختلف العمليات الفلاحية من أجل رفع حجم الإنتاج فبالإضافة الى كلفتها المرتفعة فإنها تساهم أيضا في تقليص اليد العاملة وهشاشتها لا الى زيادتها، كما تساهم في الزيادة من انبعاث الغازات الدفيئة بنسب تتراوح ما بين 11 و15 في المائة.

- ونظرا لطبيعة هذا الإنتاج الفلاحي الصناعي الرأسمالي الواسع وضرورة تسويقه عبر العالم فإن الملاكين الفلاحيين الكبار يلتجؤون الى ترسانة هائلة من وسائل النقل كالشاحنات والقطارات والبواخر ... الخ لنقل تلك السلع الفلاحية وبالتالي فان وسائل النقل بحد ذاتها تشكل صناعة رأسمالية بامتياز تساهم بالزيادة في الانبعاثات الغازية بنسب تتراوح ما بين 5 الى 6 في المائة.

- كما تحتاج العمليات الصناعية الفلاحية الى آليات التحويل والتلفيف وهي عمليات جد معقدة تحتاج الى صاعات مستقلة مكلفة تساهم بدورها في الانبعاثات الغازية بنسب تتراوح ما بين 8 و10 في المائة.

- كما يعتمد نموذج الصناعة الفلاحية الرأسمالية على عمليات التبريد والبيع بالتقسيط الى تجهيزات صناعية وعمليات شبكية معقدة تساهم بدورها في زيادة الانبعاثات الغازية بنسب تتراوح ما بين 2 و4 في المائة.

- كما تساهم مخلفات هذه العمليات الفلاحية المصنعة بمختلف مراحلها في طرح مخلفات ونفايات تقدر بالاطنان وتساهم بدورها في الانبعاثات الغازية بنسب تتراوح ما بين 4,5 و5,5 في المائة.

إذن فالنموذج الصناعي الفلاحي المفروض من طرف المؤسسات المالية الدولية كمخطط المغرب الأخضر والذي يدمر الأراضي الفلاحية والامن الغذائي ويسطوا على أراضي الفلاحين الفقراء وينهك الفرشة المائية من أجل فلاحة صناعية موجهة نحو التصدير لا تفيد عائداتها سوى حفنة من الرأسماليين الكبار تؤدي بالإضافة الى تلويت وتسميم محيطنا البيئي الى انبعاثات غازية دفيئة تتراوح ما بين 44 و57 في المائة.

ان البراديكم الفلاحي الصناعي التي تنطلق منه السياسات الفلاحية بالمغرب اليوم هو براديكم صناعي استعماري يستهدف تدميرا كليا لامننا الغذائي واستقرارنا الاجتماعي،لذلك من المفروض ويسرعة الخروج من هذا البراديغم المدمر نحو براديكم آخر اكثر إنسانية.

* من المعلوم أن أي إصلاح كيفما كان يتطلب تكلفة مالية فهل الفلاحة بحاجة إلى دعم مالي للمهنيين وماهي المعايير التي يجب أن تعتمد في ذلك ؟

** في ظل العمل بالبراديكم الحالي الذي تنطلق منه السياسات الفلاحية، فإن حاجة المهنيين الفلاحيين الى أموال الدعم سوف لن تتوقف ولن تكفي أبدا أمام التنافسية الحادة لكبار الرأسماليين والتي تؤدي في الغالب الى تدمير صغار الفلاحين وهيمنة كبار الفلاحين والاحتكارات الكبرى. وتعتبر هذه العمليات التمويلية الاستثمارية في هذا المجال احدى وسائل توسيع إرادة المزيد من الهيمنة على أراضي صغار الفلاحين وتصنيع فلاحي كلي وتدمير متزايد للأمن الغذائي.

* هل من تفاؤل بخصوص هده التقنية التي سيعتمدها المغرب لأول مرة ؟

** كما سبقت الإشارة الى ذلك فقد سبق للمغرب ان اعتمد هذه التقنية خلال عقد الثمانينات، ول تكن محتمة النتائج، كما لا يمكن التمييز بين منافعها ومضارها وحيث تبدوا مضارها اكثر من منافعها لأنها تفيد الإنتاج الفلاحي الرأسمالي الواسع على حساب التمويل العمومي.

* هل التراكمات التي شهدتها الفلاحة المغربية لها تأثير على الأوضاع الحالية ؟

** كما أشرت أعلاه وكما هو مبين في معظم الدراسات الاقتصادية فإن القدرات الاقتصادية الفلاحية للمغرب تم اخضاعها طيلة ثلاث عقود: الستينات والسبعينات والثمانينات، للمصالح الرأسمالية الضيقة والتي راكمت الأرباح والثروات على حساب العالم القروي، الذي لم يحظى بأي توظيف عقلاني للعائدات الزراعية في إرساء البنيات التحتية لهذا العالم لتثبيث سكانه ورفع مداخلهم، ومنذ عقد التسعينيات والى اليوم انطلقت عمليات الاستيلاء على أراضي الفلاحين الفقراء بشتى الطرق من بينها ارهاق المياه الجوفية وغياب الدعم الفلاحي، وبالتالي اعتماد مخططات تستهدف تصنيع الإنتاج الفلاحي وحيد الإنتاج الموجه نحو التصدير والذي يضرب في نفس الوقت الامن الغذائي والتشغيل الفلاحي وزيادة الغازات الدفيئة.

* ماهي نسبة نجاح هذه التجربة العلمية المعروفة بالاستمطار أو تلقيح السحب ؟

** ان الرأسمال المهيمن دوليا ومحليا لا يترك أية وسيلة يلجأ اليها لتعظيم أرباحه، حتى وان كانت تدمر وحدة الانسان والطبيعة، ومن بين هذه الوسائل اللجوء الى عمليات مكلفة كتلقيح السحب لسقي الأراضي الفلاحية الرأسمالية لتأويج الأرباح من خلال المنتجات الصناعية المصدرة.

* هذه التجربة تتداخل فيها مجموعة من القطاعات يتعلق الأمر بوزارة الفلاحة ومديرية الأرصاد الجوية هل تداخل التخصصات يطرح بعض الإكراهات أم يشكل قوة ؟

** مع الأسف أن هذا البراديكم الاستعماري يرهن كافة أجهزة الدولة لخدمة مصالح الرأسمال المالي العالمي والمحلي حتى وان كانت لا تعود بالنفع على الجماهير الشعبية المسحوقة.

* بالنسبة للمناطق ذات الطبيعة الفلاحية هل ستكون مؤهلة للاستفادة من هذه العملية؟

** المناطق التي تستفيد من هذه التقنية هي على الخصوص ضيعات الفلاحين الرأسماليين الكبار والذين يوجهون منتجاتهم نحو التصدير، ومن بين هذه المناطق الضيعات المنتشرة بمنطقة الغرب ومنطقة سوس حيث تنتشر الزراعات الموجهة نحو التصدير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان