الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع الكرزازي: قراءة نقدية

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2016 / 11 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



بادىء ذي بدء وجب التساؤل : ما هو المقصود بالواقع الكرزازي ؟ الواقع الكرزازي هو دوار أو قرية أو ساكنة تتحيز على مساحة جغرافية تقدر بحوالي 25 كلم مربع على أقصى تقدير بعد التفتيت الذي طال الدوار بضم جزء كبير منه إلى المجال الحضري، ولا يخفى علينا في هذا الجانب ما تسرده الرواية الشفهية المحلية عن هذا الدوار الذي كان يمتد حتى مشارف بوزنيقة. الذي نفهمه من هذا الكلام أن هناك رابط الأرض الذي يربط كافة الكرزازيين بمعنى أن هناك مجالا يجمعهم تحت مسمى بني كرزاز، فماذا يعني هذا الاسم ؟ الرواية الشفوية تزعم أن الاسم برتقيزي أو برتغالي وأن كل الطرق التي تعبر الدوار ويوجد على حاشيتها ركام من الأحجار كان البرتغاليون قد خلفوه منذ احتلالهم للشاوية في القرن 16م، الانتروبولوجي الفرنسي ادمون دوتي في كتابه مراكش (1905 ) اعتبر أن كل الآثار والمخلفات إلا وينسبها المغاربة إلى البرتغاليين، لكن لم يشكك في ذلك، فمن وضع تلك الأحجار ومن شيد الطرقات العابرة للدوار؟ واذا كان البرتغاليون قد مروا من هنا فلماذا لا نعثر على كلمات ترجع إلى لغتهم أو آثار؟ الملاحظ في الاحتلال البرتغالي للبرازيل أنه لم يخلف آثار كثيرة، لأنه كان في نيته دائما النهب للخيرات وتحويلها إلى البرتغال، وإن يكن فهل أصل الكرزازيين برتغالي ؟ إن الأمر يحتاج إلى التفكير والبحث ولا يمكن الإجابة عن هذا السؤال، فليس المهم هو الجواب وإنما السؤال، السؤال حسب الفيلسوف موريس بلانشو هو حركة وانفتاح دائمين، لذلك فعلى كل كرزازي أن يبحث عن دلالة الاسم وجذوره، في الرواية الشفوية نجد أن بني كرزاز من " الكريز" أي الخشونة والصلابة في مقابل الرقة أو العذوبة، غير أننا لو رجعنا إلى البعد الاشتقاقي للكلمة نجد أنها خليط من العربية والأمازيغية " فبني" تعني أولاد و"كر" تدل على الفرار و"الزاز" تحيل على الأرض ، لذلك فبني كرزاز تعني أولاد أرض الفرار. هناك قرية في الجزائر في منطقة بشار تدعى بكرزاز، هل هناك رابط يجمع بين قريتنا وتلك ؟ فمن أين فر الكرزازيون ولماذا فروا وكيف هربوا ومتى ؟ ليس بوسعي الإجابة على كل هذه الأسئلة، الأساسي أن الكرزازيين استقروا في الجنوب الغربي لمدينة بنسليمان وشكلوا ثلاث فخدات كبرى وهي فخدة ولاد مومن التي يعتبر أحد اجدادها هو بروان مازالت صخرة تحمل اسمه بالقرب من وادي النفيفيخ، وفخدة العصافرة ربما هذا الاسم مشتق من شوك العصفر الذي يغزو الدوار خلال الصيف والخريف، وأخيرا فخدة المحمديين وهي التي اتحدر منها وتعود إلى الجد الخامس الذي يقال له امحمد واستطيع أن افترض أن هذه العائلة استقرت منذ القرن 14م، لا نعرف من أين جاءت هذه الفخدات. شخصيا لا أؤمن بالأصل، الإنسان ذات مترحلة ونومادية لا تعرف الاستقرار، فما يجب علينا ككرزازيين مناشدين للتغيير أن نرص صفوفنا ضد كل من يبيع أحلام الكرزازيين، في الوقت الذي رحل فيه البرتغاليون كانوا قد شيدوا الطرق والمسالك، لكن المخزن قبل الاستعمار الفرنسي كان يرى في هذه الأرض غنيمة بالنسبة إليه وهذا ما نلاحظه في وجود "المراس" جنوب الدوار التي تعني المخازن حيث كان الأهالي الكرزازيون يخزنون محاصيلهم الزراعية خشية الافتراس المخزني، بالمقابل ترك الوجود الفرنسي الكانتينة حيث كان يتكفل بها رجل كرزازي يدعى ولد التيكة الذي كان له علاقات بالفرنسيين المترددين على المقهى والحانة المتواجدة في قلب بنت عبو، سرعان ما اعتنى بالمسجد قبل سنوات من رحيله، هذا الرجل كان مصدرا مهما في فهم الماضي الكرزازي في الحقبة الاستعمارية، لا ننسى أيضا أنه الوحيد الذي كان يتوفر على مذياع في الدوار وكان الجميع يهب نحوه خصوصا بعد ثورة الشعب المغربي بعد 20 غشت 1953، حتى لا نظلم الكرزازيين أكثر، أقول أن أجدادنا كانوا معنيين بالاستقلال، وخير دليل على ذلك أنه بعد الاستقلال مباشرة تصدوا لبعض الاقطاعيين الذين زرعهم الاستعمار كالشتوكي الذي تحكي الرواية الشفهية أنه اعتلى جواده وقال لهم : "خليو ليهم غير الروضة" لكنهم تصدوا له كتلة واحدة واستطاعوا استرداد الأرض، صحيح أن الاقطاعيين نالوا نصيب الأسد، لكن الكرزازيين بقوا متشبتين بالأرض، بيد أن سنة 1987 مثلت نكسة كبرى بالنسبة لأحرار بني كرزاز، تجلت هذه النكسة في البيع الجماعي للأرض لشخص يدعى الجامعي واشتروا بتلك الأموال "الحوت" كما يقول أحد المتهكمين الذي يدعى الخياطي وهو يقهقه على مدرجات الحانوت، كل واحد حر في أرضه يبيعها او لا يبيعها، لكن للتاريخ نسجل هذه الوقائع حتى تعرف الأجيال القادمة كل الحقائق، الملفت أنه بعد نفاذ الأموال طفت ظاهرة التسول الجماعي أمام باب المزرعة في كل مناسبة دينية، هذه الظاهرة لن تخلق أبدا شروط المواطنة، أكثر من ذلك ظاهرة التسول الانتخابي، فمنذ انتخابات 97 وإلى الآن مازالت نفس الوجوه تمثل الدوار، لم يتحسن أي شيء، وحتى اصحح فمشروع كهربة العالم القروي الذي استفاد منه الدوار انطلق في سنة 1995 ولم يبدأ فيه في بني كرزاز الا في سنة 2008، نفس الشيء بالنسبة للماء، حتى لا يركب أحد على هذين المشروعين، في الدوار لم تشيد طرق ولا قناطر ولا ملاعب والسور الذي وضع على المقبرة غير كاف، فالوادي ينخر ويأكل المقبرة، لم تنجز أي دار الشباب ولم يشيد أي مستوصف ولا اقتربت الإدارة من المواطن، مازلنا نذهب إلى جمعة فضالات وأولاد يحيا، مازلنا ضحية للتقسيمات الإدارية الاعتباطية، مازلنا لا نتوفر على نقل عمومي. ممثلونا لا يتواصلون معنا، مع العلم أن الحق في المعلومة منصوص عليه دستوريا، مازالت جماعة ولاد يحيا لا تطلعنا بمشاريعها وبرامجها كاننا مجرد أدوات انتخابية، أقولها بصوت عال لسنا متسولين انتخابيين، إنما مواطنون أحرار قادمون حتى تتواضعوا معنا .

ع ع / الدار البيضاء/ 11 نونبر2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة