الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا من تخاذل أوباما إلى خذلان ترمب

عصام الخفاجي

2016 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية




لا أدري ما الذي كان يدور في ذهن رئيس الائتلاف الوطني السوري، السيد أنس العبدة وهو يعبّر لرويترز عن تفاؤله بأن يكون السيد ترامب أكثر دعما للشعب السوري من سلفه أوباما. الأسباب التي ساقها العبدة هي أن لترمب طريقة تفكيرمختلفة وهو ماسيغيّر دينامية الصراع باتّجاه أكثر إيجابية. أمر مفهوم ومطلوب أن يهنّئ مسؤول الرئيس المنتخب أيّا يكن توجّهه. ولكن رسائل التهنئة، حتى من أقرب حلفاء أمريكا من أوربا الغربية إلى إسرائيل، اقتصرت كما هي العادة على إبداء التمنّيات بالنجاح له والأمل في علاقات طيّبة بين البلدين.
لترمب طريقة تفكير مختلفة بالتأكيد، وستتغير دينامية الحراك السوري بالتأكيد. ولكن، وبنفس القدر من التأكيد، أقول كما يقول غيري بأن دينامية الحراك ستتغير باتجّاه أكثر سلبية بكثير قد يجعلنا نترحّم على عهد أوباما الذي خذل السوريين لكنه تبنّى على الأقل مواقف معادية لنظام الأسد. هل يوهم قادة الإئتلاف أنفسهم أم الرأي العام بإعلان التفاؤل وهم يعرفون ألا مجال للتفاؤل؟ أم أنهم يعتقدون أن مغازلة ترمب ستليّن مواقفه؟
ثمة الكثير الكثير مما لا يترك مجالا للشك في رؤية ترمب لكيفية التعاطي مع الوضع السوري. وليس دفؤه تجاه بوتين، وهو أمر لم يعد بحاجة إلى تفصيل، هو العنصر الوحيد الذي سيحدّد سياساته هنا. ولكن أي تقارب مع روسيا يقتضي تقديم تنازلات، أسهلها هو ترك سوريا للروس مع المطالبة في أحسن الأحوال بتقييد الدور الإيراني وحزب الله. موقفه هذا أعلنه في مقابلته الشهيرة مع قناة سي بي أس: "روسيا تريد التخلّص من داعش. نحن نريد التخلّص من داعش. لم لا نترك روسيا تفعل ذلك؟ دعوهم يتخلّصون من داعش. لمَ علينا أن نقلق بحق الجحيم؟".
كشعبوي بامتياز، لا يصدّع ترمب رأسه بالتفكير بالمساحات القابعة بين الأبيض والأسود. ولن يشغله التدقيق في مساحات الظل بينهما: حلفاء معتدلون، مناضلون علمانيون من أجل سوريا ديمقراطية. وهو، على أي حال، لم ينطق بكلمة واحدة تعبّر عن دعمه للشعب السوري أوالمعارضة "المعتدلة" في نضالها ضد الأسد. فسوريا والعراق ليستا بالنسبة له غير ساحتي قتال لعدو الأمن القومي الأمريكي. وإن تطلّبت هزيمة داعش والنصرة محو سكّانهما فلا ضير من ذلك. موقفه المعلن أثناء حملته الإنتخابية هو التدمير الذي سيلحقه مجئ شركات النفط الأمريكية لتعمّر ما تم تدميره.
ترمب، كما قلت، لن يتّبع هذه السياسة إرضاءا للروس فقط. بل لأن نظرته إلى الوضع تكاد تتطابق أصلا مع النظرة الروسية. الرئيس المنتخب يعشق الحكّام التسلّطيين، فهو بعد كل هذا وذاك يطمح لأن يكون واحدا منهم. وإحدى مواهبه تكمن في إيجاد الأعذار لوحشية بعضهم. ولعل هذا سيدفع الديمقراطيين العرب إلى عضّ أصابعهم ندما على حملاتهم ضد أمريكا أوباما وهيلاري كلنتن التي لم تفعل مافيه الكفاية لدعم الديمقراطية في بلدانهم. على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل شهرين، كان الرئيس السيسي من بين قلة من القادة الذين التقاهم ترمب الذي خرج من اللقاء ليشيد به وبصلابته. وعلى أطراف المعارضة السورية التي تبتهل إلى الله أن يكون ترمب الرئيس غير ترمب المرشح أن تتأمّل في تصريحه " لا أحب الأسد. لكنه يقتل داعش" الذي ألحقه بالقول أن الإبقاء على نظام الأسد هو السبيل لإخراج سوريا من حربها الأهلية. وإذا كان بوتين يغلّف عداءه للمعارضة السورية بالحديث عن استهداف المتطرفين وضرورة فصلهم عن المعارضة المعتدلة، فإن ترمب لا يخفي كرهه للإسلام السياسي معتدلا كان أم متطرّفا ولا تعنيه الجداول التي تحدد أسماء الفصائل والتباين في مواقفها وأهدافها. وإذا صحّ ما يقال عن وجود وثيقة تبيّن أن جدّ ترمب مهاجر سوري، وإذا كان لهذا الأمر تأثير عاطفي عليه، فبمن من غير السياسيين السوريين سيلتقي؟ سيلتقي بمسيحيين علينا أن نعترف بأنهم لأسباب مفهومة عدّة يفضّلون بقاء نظام الأسد على مجئ الإسلام السياسي إلى الحكم.
مثل هذه المواقف ستسرّع بالفعل من "حلحلة" الوضع السوري ولكن بأي اتجاه؟ لنتخيّل لقاءا قادما بين وزيري خارجية أمريكا وروسيا. هل ثمة نقاط يختلفان حولها؟ ستكون واحدة من مفارقات ومهازل القدر أن يطرح الروس رأيا حول ضرورة إقرار الأسد لدستور جديد يتضمّن إطلاق بعض الحريات ومنح بعض الحقوق للسوريين ليرد عليهم الأمريكان: كما تريدون، لكننا لا نشترط ذلك.
سيجد ترمب في قادة عرب عدّة، أولهم السيسي، حلفاء له يشاطروه التوجّه ويرون فيه القائد القادر على دعم مواقفهم تجاه الإسلام السياسي. أما القادة الداعمين لإسقاط نظام الأسد فربما سيقايضهم بالعمل على لجم النفوذ الإيراني مقابل تخلّيهم عن دعم المعارضة، وقد يذهب إلى أبعد من ذلك مع تركيا إذ يطلق يد أردوغان في حربه على اكراد سوريا وإقامة مناطق عازلة في شمالها. وأهم من ذلك كله، لعل ترمب يقايض الأسد على الإبقاء على نظامه مقابل تخلّي الأخير عن الإيرانيين وحزب الله.
ليفكّر الأصدقاء من قادة المعارضة العلمانية في رسم سياسات واقعية، أدرك أن كم التفاؤل فيها صار شبه معدوم، لمواجهة هذا الحدث المزلزل. ليفكّروا في كيفية إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولم يعد ثمة الكثير مما يمكن إنقاذه. ليقدّموا مايمكن تقديمه من تنازلات، مهما كانت قاسية، لا تقضي على مشروع مستقبلي لبناء سوريا تخضع للقانون وتثلم (ومن المستحيل أن تنهي راهنا) سلطة المخابرات وأجهزة القمع الدموي. وأتمنى أن الفرصة لم تضع بعد لتلافي الإنتهاء إلى ما انتهى إليه أشقّائهم العراقيون إذ صارعوا نظام البعث فتهمّشوا في المنافي، وحين سقط النظام ابتلع الإسلاميون الفضاء السياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاسلام السياسي يحتكر كل شيء
احمد السيد علي ( 2016 / 11 / 14 - 21:09 )

د عصام الخفاجي

تحياتي

هالتني الجملة الأخيرة من قراءتك السياسية وهي

أتمنى أن الفرصة لم تضع بعد لتلافي الإنتهاء إلى ما انتهى إليه أشقّائهم العراقيون إذ صارعوا نظام البعث فتهمّشوا في المنافي، وحين سقط النظام ابتلع الإسلاميون الفضاء السياسي
أنا اشعر بالمرارة لجهد بذلنا فيه الدم والاحلام والمستقبل والطموح ليسرقه الإسلام السياسي ، مجموعة من السراق والدجالين الذين يجترون الماضي ويقدسوه، ويستدعوا الماضي لقتل الاخر ابن وطنهم وليس لهم علاقة بالمواطنة والتنوع و بالمستقبل وبناء الوطن

محبتي

اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن