الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعهد الموسيقي بمدينة تازة المغربية....

عبد السلام انويكًة
باحث

2016 / 11 / 15
الادب والفن


تراث الموسيقى الأندلسية أو طرب الآلة كما يفضل ذلك المرحوم محمد الفاسي، هذا جانب فني وثقافي مشرق من جوانب حضارة مغربية أصيلة. وللمغرب فضل الحفاظ على جزء كبير منه حتى يظل صافيا نقيا بوقعه وموقعه الأصيل، ولطرب الآلة كما في علم الفاعلين والمهتمين والباحثين في المجال، امتداد واسع شمل عددا من المدن المغربية العتيقة بنوع من التفاوت. منها تازة التي اشتهرت بعلامات وأسماء كبيرة في هذا المجال وحُفاظ كبار لهذا التراث، وعارفين بأسرار هذا الإرث الثقافي المغربي الأصيل. بل هؤلاء هم من يرجع لهم فضل واسف في بقاء هذا التراث واستمراريته واتساع مجاله، حتى بلغ ما بلغه من الرقي والغنى والمكانة حاليا وطنيا ودوليا. فقد عمل هؤلاء ليس فقط على إغناء طرب الآلة، إنما كذلك على نشره بمدن أخرى غير مدينتهم الأصل تازة، منهم نذكر محمد البريهي أحد نوابغ هذا التراث الذين كرسوا حياتهم للدفاع عنه. وهذا الأخير الذي توفي في 15 شتنبر 1945، تلقى تعليمه الموسيقي على يد أبيه الفنان عبد السلام البريهي. قبل أن يتحول الى موسيقي كبير يتقن ويحفظ الكثير من هذا التراث الأندلسي ويتقن أدواره ومستعملاته، بحيث كان عازفا ماهرا على آلة الرباب. أكثر من هذا عمل البريهي على ترسيخ طرب الآلة والتعريف به، بل لتحقيق ما كان يرومه ويطمح اليه، أسس جوقا ضم نخبة ممن لقنهم أصول هذا الفن الأصيل الأندلسي.
والى جانب هذا العلم التازي الذي كان ولا يزال بصدى في هذا المجال، بفضل ما كان له من موهبة ذاتية وما كان عليه من عمل واجتهاد فني نافع. هناك محمد التويزي/ التازي ولبزور التازي وغيرهم. وقد ذكر الحاج محمد بلمليح رئيس جمعية هواة الموسيقى الاندلسية بالمغرب، وهو من مواليد فاس 1918 وأحد الفقهاء الذين أخدوا من القرويين ومن الزاوية التيجانية، وأحد الذين استفادوا كثيرا من مخالطة كبار أعلام طرب الآلة. أورد في حديث متفرد له عن هذا المجال، في علاقته بمدن مغربية أصيلة على عهد الحماية الفرنسية بالمغرب. أورد أن هذه الفترة بحكم ظروفها الحرجة تميزت بخمول موسيقي، وبقلة البيوتات التي كانت تهتم بموسيقى الآلة في بعض المدن، مؤكدا على أنه الى جانب كل من وزان وطنجة كانت هناك تازة. مع أهمية الاشارة الى أن فاس خلال بداية أربعينات القرن الماضي، كانت قبلة لعدد من عشاق طرب الآلة القادمين من مدن الشمال. وأن المرحوم محمد العربي التمسماني كان يتردد على حاضرة المغرب العلمية فاس، حيث تعرف بها على فنانين كبار لطرب الآلة أمثال أحمد التازي، وكان قد تم الترحيب به كعازف في جوق البريهي أنذاك.
وطرب الآلة الذي يجمع بين الأدب الرفيع والنغم البديع، كان ولا يزال ولع المغاربة الأول والأصيل الى جانب طرب الملحون. وهما معا سلوة أنفاس وقوت أرواح وبهجة مجالس وأفراح، لما يقومان عليه من نغم وموشح وزجل وتوشية....رغم كل هذا الزخم من الحداثة والتقنية واللحن. وكما حال عدد من مدن المغرب العتيقة المحتضنة لهذا التراث الأصيل، لمدينة تازة من الأثر والاسهام والعلامات ما يجعلها ويحيلها على زمن أندلسي بهي، من دروب وأزقة وأحياء ومساجد... لا تزال تحمل اسم الأندلس. مدينة كانت خلال فترة الحماية الفرنسية قبلة لعدد من الشخصيات ذات الخبرة الموسيقية، والتي كانت بأدوار وتأثير ملموس في شأن الفنون عامة وبخاصة منها الموسيقى. لما أدخلوه على المجتمع التازي من أثر ولما حملوه معهم من تراث غنائي، وأساليب طرب وتقنيات إحياء الليالي في فني طرب الآلة والملحون. في هذا الاطار وعلى سبيل المثال فقط نذكر أنه مع بداية خمسينات القرن الماضي وهي فترة دقيقة من تاريخ المغرب الراهن، نزل بمدينة تازة إسم على درجة من الأهمية الفنية يدعى البشير لغرايري، وهو أحد المولوعين بالمالوف/ تراث أصيل تونسي قادما إليها من تونس. والى جانب ما حضي من ترحاب وعناية خاصة عند أسر تازية أصيلة، فقد كان حافزا لتكوين عدد من هواة الموسيقى التازيين، ضمن مجموعة ضمت عناصر منها محمد بنصاري محمد بناني محمد بنويس....وضيف تازة هذا لسنوات محدودة، كان يلقي دروسا في الموشحات والأناشيد الغنائية. خلال نفس الفترة وبعد رحيل هذا الأخير الى بلاده لأسباب ذات علاقة بأحداث وطنية أساسا، استمر الاقبال على طرب الآلة إنما عبر أحد أبناء فاس هذه المرة. ويتعلق الأمر ب. ادريس بلشهب، الذي كان سببا وواسطة من أجل زيارات أسبوعية لموسيقيين فاسيين الى تازة، نذكر منهم مثلا ادريس السغروشني... وخلال نفس الفترة التي اعتبرت فترة ذهبية بالنسبة لطرب الآلة في تازة، قدم الى المدينة عدد من الفاسيين المولوعين بهذا التراث، وذلك من أجل الاحتماء وخوفا من متابعات سلطات الحماية لهم. منهم نذكر بلعيد السوسي والهادي بركًم ....هذا على إثر اتصالات قام بها التازي أحمد الشراط، بحيث ظل هؤلاء بتازة الى حين حصول المغرب على الاستقلال.
وكانت قد تأسست مع نهاية خمسينات القرن الماضي أول مجموعة موسيقية تازية، ضمت كل من أحمد الشراط وامحمد بن حدوش والهادي فنيش ومحمد بنصاري ومحمد بناني....هذا قبل حصول تحول نوعي في المشهد الموسيقي بتازة، بفضل جهود معتبرة قام بها "الخليفي" الذي كان يعمل في سلك الشرطة بتازة، و هو أحد الفاسيين العازفين المتميزين أنذاك على آلة الكمان، مع بداية ستينات القرن الماضي، هذا بناء على شهادة الجميع ممن التقيت بهم وسمعت لهم وعايشتهم لفترة قصيرة من العازفين والمهتمين والممارسين خلال هذه الفترة، فقد كان الخليفي بحسب هؤلاء أول من أدخل طريقة العزف على آلة الكمان، بوضعها على الكتف أثناء العزف عوض ركبة العازف كما كان معتمدا، وهو الأمر الذي أكده لي شخصيا السيد الخليفي، في لقاء بالصدفة جمعني به في ليلة من ليالي رمضان، سنوات نهاية التسعينات بالمعهد الموسيقي بتازة. هذا قبل أن يبدأ جهد وإسهام إسمين تازيين، يُسجل لهما أنهما كانا بفضل معبر في إغناء الحركة الموسيقية بالمدينة، وهيكلتها وانفاتحها أكثر ويتعلق الأمر بالمرحوم الحسين الأمراني والحاج الطيب بن عصمان الذي انتقل للعيش بمدينة الرباط أحاطه الله بالصحة والعافية. وكان إحداث معهد موسيقي بتازة مع بداية سبعينات القرن الماضي، وتعيين مدير مهتم بالتراث المغربي الأصيل ومولوع بطرب الآلة، وهو ذ. عبد الله الخراز قادما من تطوان. بحيث خلال هذه الفترة ساهمت عدة أسماء فاسية في ترسيخ ما هو علمي مرتبط بطرب الآلة بتازة، من خلال ما كانوا يقدمونه من دروس في هذا المجال، وما كانوا يحرصون عليه من تلقين وحفظ للصنائع وتعليم للعزف على الآلات الموسيقية. منهم نذكر الأساتذة: محمد بريول، أحمد اطراشن، مصطفى العامري، نجيب العمراني، أحمد شيكي...(موضوع مشروع كتيب حول أعلام تازة في هذا المجال وحول الحركة الموسيقية، كان يشتغل عليه ذ. عبد اللطيف لمزوري نتمنى أن يرى النور، نظرا لما بذله فيه من جهد وما جُمع حوله من مادة علمية، ومن شهادة شفوية ووثائق وصور بقيمة تاريخية هامة..)
زخم علمي وتكويني أول بالمعهد الموسيقي، شكل أرضية لفترة موسيقية ذهبية غير مسبوقة في تاريخ المدينة، ارتبطت بفترة تدبير وإدارة للمعهد الموسيقي من قبل أحد أبناء تازة، ممن تميزوا بكفاية علمية موسيقية عالية قل مثيلها ومن غيرة على الثقافة والفنون والتراث..، وممن كانوا بشخصية إدارية قوية، وهيبة فنية وأخلاقية وكاريزما خاصة ونادرة، لا تزال تذكرها المدينة ولا يزال يذكرها ويذكر فضلها الكبير الجميع ممن عايشوا هذه الفترة من زمن تازة الثقافي. ويتعلق الأمر هنا بالفاضل عبد اللطيف لمزوري، الذي اختار القنيطرة ومعهدها الموسيقي تحديدا وجهة له قبل حوالي العقدين من الزمن، ويُشهد له ليس فقط بالكفاية العلمية في تخصصه/ آلة الكمان، بل بموهبة تربوية وتعليمية وبقيادة متفردة للمؤسسة، وبما كان عليه من قيمة مضافة وجهد واجتهاد وفضل ونكران ذات في هذا المجال. فترة ذهبية بكل المقاييس علما وتعليما وإقبالا ونوعا وجودة وانضباطا وإشعاعا محليا ووطنيا ودوليا. فترة ازدهرت فيها كل أشكال الموسيقى، من موسيقى عربية وموسيقى غرفة/ كلاسيكية، ومن طرب آلة احتلت مكانة خاصة في تازة بشكل غير مسبوق. ويكفي للتاريخ فقط أن المعهد الموسيقي بتازة كان دائما حاضرا بطلبته في مباريات وطنية، لنيل شواهد علمية عليا بالرباط تحت اشراف وزارة الثقافة.
ويكفي أن تازة من خلال معهدها الموسيقى، الذي نأمل أن يسترجع عافيته ومجده، يكفي أنها كانت حاضرة بجوقها لطرب الآلة، في مواعد تراثية وطنية كبرى. فقد شاركت تازة في ملتقى الأندلسيات الخامس عشر بمدينة شفشاون خلال يوليوز 2000، الموعد الذي كانت ولا تزال تحتضنه وزارة الثقافة تحفيزا منها للفرق الوطنية الفاعلة في هذا المجال، وخدمة وحفاظا منها على التراث الأندلسي الموسيقي الأصيل. وكان هذا الموعد الفني التراثي الوطني، الذي أثار فيه جوق المعهد الموسيقي لطرب الآلة بتازة، إعجاب من تابع هذه الدورة وحج إليه من فنانين ومولوعين وباحثين من مختلف جهات البلاد. كان هذا الموعد قد جمع فرقا وطنية وأجواق عريقة بحفاظ وعازفين ومنشدين كبار، عن مدن رائدة آنذاك ولا تزال مثل فرقة سلا برئاسة عدنان السفياني، وجوق فاس برئاسة محمد بريول، وجوق شفشاون برئاسة محمد اغبالو، وجوق تطوان برئاسة أحمد شقارة، وفرقة بلابل الأندلس برئاسة عبد الكريم العمارتي، وجوق جمعية فويتح للموسيقى الاندلسية برئاسة أحمد الزيتوني، والفرقة النسائية بشفشاون برئاسة عائشة أبراق، وجوق مكناس للموسيقى الاندلسية برئاسة محمد الهواري، وجوق الرباط لطرب الآلة بالرباط برئاسة أمين الدبي، وبمشاركة كل من المنشدين باجدوب وعبد الرحيم الصويري، وأخيرا الفرقة الأندلسية لمدينة تطوان برئاسة محمد الأمين الأكرمي. مع أهمية الاشارة الى أن ملتقى الأندلسيات الخامس عشر الذي شارك فيه جوق المعهد الموسيقي لطرب الآلة بتازة، كان قد تضمن حفل تكريم أحد أقطاب ورموز الآلة الأندلسية المغربية والمغاربية، ويتعلق الأمر بالمرحوم محمد العربي التمسماني.
وما إسهام تازة في هذا الموعد التراثي الكبير، إلا دليل على فترة ذهبية ومجد كان عليه معهد المدينة الموسيقي. ودليل على ما بلغته الآلة الأندلسية بها بفضل ذ. أحمد شيكي آنذاك - اعترافا بجميل هؤلاء- من ازدهار وتكوين وخبرة واشعاع. وجوق المعهد الموسيقي لطرب الآلة الذي كان يتكون من خريجي المعهد وأساتذة مكونين، والذي شارك في هذا الملتقى الوطني للأندلسيات بشفشاون بحصة فنية من ميزان رصد الذيل، بدأ نشاطه سنة 1992 بأنشطة واسهامات محلية في مهرجانات ثقافية وسياحية وأمسيات تراثية تكريمية وانسانية. ومن باب الاعتراف لما كان هناك من غيورين ومحبين وعاشقين ومولوعين، بل وممارسين ضمن عمل جمعوي فني لطرب الآلة، من المهم الاشارة لمن فتحوا بيوتهم لهذا الغرض لسنوات طوال ودعموا بما لديهم ماديا ومعنويا. من المهم الاشارة الى ما كان عليه المرحوم الحاج محمد بلغيت، من سخاء وحب وعشق لطرب الآلة وللموسيقى والموسيقيين في حدود المتوفر العلمي والتقني.
وفيما يتعلق بمؤسسة المعهد الموسيقي بتازة، والتي كان لها فضلها في اشعاع ما هو موسيقي و طرب آلة تحديدا. من باب المقارنة هو من أقدم المؤسسات التعليمية الفنية/ المعاهد، التي تم احداثها بالمغرب بعد الإستقلال، فهو يجر وراءه أزيد من أربعة عقود من العمل الفعلي، الذي جمع بين ما هو تربوي بيداغوجي وآخر أكاديمي علمي، اضافة الى مهام ترفيهية كمساحات موازية لتمثين التكوين والتلقي النظري والتطبيقي. وهذا الوقع في الاشتغال كان بأثر كبير ايجابا في اعداد المتخرجين، في عدد من التخصصات تحديدا منها الكمان الكلاسيكي وهذا تميز كان يطبع تازة ويرتبها في مقدمة المدن المغربية في هذا المجال. ومن خلال قليل من التأمل في زمن حركية موسيقية حقيقية بالمدينة/ مجد موسيقي. يظهر جليا أن تأسيس معهد موسيقي وطني بها أوائل السبعينات من القرن الماضي، شكل بحق نقطة تحول هامة ليس فقط من الوجهة الفنية والثقافية، بل أساسا من كل هذا وذاك تأطير الفعل الموسيقي وهيكلته، وفق ضوابط علمية سواء من حيث التلقي أو الأداء وفق مناهج حديثة ودقيقة، بعيدا عن ما هو دمغي عشوائي كان سائدا.
وكان التفكير في احداث معهد موسيقي بتازة بمواصفات حديثة ورسمية كبرامج وأسس تكوين، هو في واقع الحال رغبة عدد من ابناء المدينة من ذوي الولع، ومن الممارسين الذين تراكمت لديهم تجارب وأعمال ضمن مجموعات غنائية. بقدر ما سمحت لهم بالتدافع في هذا المجال بقدر ما عمقت لديهم أهمية التلقي العلمي، للتمكن من اساسيات العزف والأداء كتقنيات ومقامات وغيرها من الأمور التي كان يفتقد لها العمل الموسيقي محليا. من هنا بدأ الميل لأهمية إغناء مرافق المدينة العمومية بمعهد موسيقى أوائل السبعينات، حيث تقدم المجلس البلدي لتازة انذاك 1972 بطلب رسمي للوزارة الوصية في هذا الشأن معبرا فيه عن التزامه بتوفير مقر مناسب وتحمله لتكلفة المصاريف. ومن الأوائل الذين أشرفوا على تدبير هذه المؤسسة الفنية، هناك ذ. لحميدي ثم ذ. محمد بادي ثم. عبد الله الخراز ثم عبد اللطيف لمزوري. وكان المعهد الموسيقي بتازة في سنواته الأولى، بوتيرة إقبال وتزايد هامة خاصة بعدما تم نقل مقره الى وسط المدينة 1978 . شروط تكوين جعلت الجوانب البيداغوجية والتكوينيةفي بداية الثمانينات، تشهد تنوعا في المواد المدرسة به، ومنها مادة النظريات الأساسية ثم العود العربي والكمان الكلاسيكي الى جانب مادة الآلة الاندلسية.
وكان معظم أطر التكوين بالمعهد يأتون من مدينة فاس من خلال تنقلات اسبوعية، ومنهم اطراشن وابريول والأشهب ولمزايتي والوزاني والحاج احمد شيكي وغيرهم. وقد استمر العمل بهذا الوضع لسنوات، قبل أن يبدأ الجيل الأول من خريجي المعهد يبرز ويتألق وينخرط، لبأخد المشعل نهاية فترة الثمانينات. واذا الأستاذ احمد شيكي ذخيرة جوق فاس لطرب الآلة حاليا وعضوها الفاعل المتميز كعازف على آلة العود، بفضل كبير على المدينة تازة من باب الانصاف والاعتراف، لقبوله بالتنقل بين فاس وتازة لحوالي خمسة عشرة سنة. بتضحياته وحبه للموسيقى عموما والآلة الأندلسية تحديدا، تمكن من ترسيخ طرب الآلة وفرز عدد من المواهب والكفاءات في هذا المجال مثل ذ. عبد الرزاق بوشحطة على سبيل الذكر، لما كان يتميز به الحاج احمد الشيكي من كفاءة علمية وموهبة وصدق وصرامة في التكوين، ومن اسلوب جاذب في التلقين والتعليم بنكران وتواضع. وكان من ثمرات عمله وتنقله لسنوات بين فاس وتازة، بناء ثلة / نخبة من الطلبة الذين تمكنوا من الحصول على شواهد عليا. ومن الشخصيات الفاسية التربوية والتكوينية، التي طبعت المرحلة الذهبية من تاريخ المعهد الموسيقي بتازة، وفترة يتفق الجميع على أنها شكلت مجدا حقيقيا على عدة مستويات. هناك.ذ. محمد الأشهب وما أدراك ما محمد الأشهب وتعليم مادة الكمان الكلاسيكي، رجل وأستاذ ترك بصمات قوية لفائدة المعهد الموسيقي بتازة، على مستوى الإعداد العلمي والعملي المتين للطلبة، وفق المناهج الغربية الحديثة في مادة الكمان الكلاسيكي. وأنه الى جانب ما كان يتميز به هذا الأخير، كشخصية تربوية قوية التأثير بحكم تكوينه الموسيقي النظري والعملي/ العزف، الذي تلقاه على يد أساتذة موسيقيين إسبان أساسا. كان غزير المعرفة العلمية في هذا المجال وبذكاء خاص في تعامله مع آلة الكمان، وهو ما يشهد به الكثير ممن تتلمذوا على يديه، حيث الصرامة والإنضباط ودقة الأداء وحسن تدبير ما هو نظري. وبحكم ما كان يتميز به من هيبة علمية وفنية ظل اسمه مرجعا حاضرا بالمعهد ولا يزال، من شدة التأثر به وبطريقة تدبيره وتمكنه من آلة الكمان. والى جانب ما كان يمتاز به من جدية في العمل ومن ثقافة موسوعية في علم الكمان، كان بمنهجية عمل حديثة بحكم تجاربه وعلاقاته مع موسيقيين أجانب، عاشوا بالمغرب خلال السنوات الأولى للإستقلال. وقد تخرج على يد هذا الأستاذ الموهبة النادرة، والذي تنقل لسنوات بين فاس وتازة خلال الثمانينات. عدد من الموسيقيين الذين تمكنوا من الحصول على شواهد علمية شرفية عليا عندما كانت الشهادة شهادة. هذا زمن المباريات الوطنية الحقيقية والتنافس بين المرشحين على قلتهم آنذاك، وزمن الامتحانات واللجان التي كانت تعقد بالرباط تحت اشراف وزارة الثقافة. وكان عبد اللطيف لمزوري الذي عمل استاذا بالمعهد ثم مديرا له، من تلامذة هذا الأخير الى جانب عدد من الموسيقيين الآخرين، الذين تأثروا بجدية كل ما هو فني وعلمي وطريقة اشتغال ميزت الاستاذ محمد الأشهب. وعلى إثر شلل شبه تام ضرب المعهد الموسيقي بتازة منذ بداية الألفية الثالثة، على امتداد حوالي العقدين من الزمن ويبدو أنه لا يزال بنفس الحال وربما قد يظل منتكسا الى حين. وأمام الشتات الذي أتى على كل شئ من الإنجازات، منذ تأسيس هذه المؤسسة الثقافية التربوية والفنية، بما في ذلك جوق طرب الآلة الذي كان مفخرة المدينة. أمام كل هذا المُصاب للأسف الشديد الذي أفقد المعهد الموسيقي بريقه واشعاعه و...بعد فترة مجد هي بمثابة قيمة رمزية واعتبارية للمدينة يذكرها التاريخ، بعد كل هذا تُعلق كثير من الآمال على دار سماع، تم إحداثها قبل حوالي السنة بتازة العليا/ المجال العتيق، مستفيدة من دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. والأمل يعلق تحديدا على بادرة تأسيس جوق يحمل اسم لبزور التازي لطرب الآلة،، والذي يملك مؤهلات فنية وبشرية بقيمة مضافة عالية، من شأنها استعادة زمن جميل وتألق كان عليه جوق المعهد الموسيقي لطرب الآلة، واستعادة مجد فترة ذهبية واسهامات بصدى وطني ودولي. ومن لا يتذكر تلك المشاركة المشرفة لجوق تازة لطرب الآلة ممثلا للمغرب في مهرجان إكسبو 2000 ب. هانوفر بألمانيا. بعض فقط من أوجه فعل فني وتراثي وموسيقي مشرق، كانت عليه المدينة الى عهد قريب وكان عليه المعهد الموسيقي، الى حين أوراق أخرى تنويرا لناشئة من عاشقين ومهتمين بالتراث والثقافة.
عبد السلام انويكًة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني