الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تربية نحل العسل في العراق القديم

منتصر الحسناوي

2016 / 11 / 15
الصناعة والزراعة


تتسابق الكتابات التأريخية في رصد الاسبقية في المعرفة الاولى للمهن الانسانية و اكتشافها وغالباً ما نجد ان هناك نوع من عدم الحيادية في هذا المجال ، فابن الرافدين عندما يكتب فلا شك ان ينحاز وبلا شعور الى ابراز مكامن القوة في حضارته الاولى وكذا الحال لأي مولف فالحيادية المطلقة في كتابة التأريخ شئ نادر الوجود و ان وجد سيكون غالباً من كتاب أو مؤرخين أجانب بعيدين عن مواطن الحضارات ..
و لعلي ممن تأخذهم الحمية العربية لأكتب مقتطفات تأريخية عن لطائف تربية النحل في العراق القديم كدلالة على امتهانهم تربية النحل منذ القدم كما هو الحال في الحضارة المصرية التي كانت وما زالت حاضرة بقوة في هذا المجال ... و لعل الحمية العربية تجعلنا نقتصر على ه
كانت وما زالت حَشرة النحل محط اثارة وإعجاب للإنسان بما تمتلك من صفات إجتماعية تَكاد تكون متكاملة في التعامل داخل طائفتها من الإخلاص للمجموعة والتفاني والإتقان في العمل ناهيك عما تُنتجه من مُنتجات راقية جعلتها مَصدر من مصادر الإقتداء للجمال والذوق الرَفيع، إن هذا الشغف بالنحل كان له أهمية في إستئناسها وتربيتها في أغلب بلدان العالم ومنها العراق الذي يَتميز بكونه من أقدم البلدان في معرفة وإستئناس هذه الحشرة ، فتاريخياً أحتل نحل العسل ومُنتجاته مَكانة مُميزة في الحضارات القديمة وقد عُرف العراق بأنه من أقدم البلدان في تربية هذه الحشرة ، وان أول كتابات حول النحل والعسل قد كتبت من قبل السومريين على الألواح التي يعود عمرها إلى ( 4000 ق.م ) ( 1). و كان النحل يعرف بأسم ( لًال lal ) وكان له نوع من التقديس إذ كانت نحلة العسل تُمثل أحد الرموز الدينية لهم .
وعـُـد عسل النحل من أفخر الأغذية وألذها وكان مثالاً للرقي لدى السومريين . اذ تُمثل في شعرهم كما جاء في الأبيات التي أنشدتها العروس بين يَدي سيدها " شو- سين" رابع ملوك سلالة أور الثالثة (2038-2030 ق.م ) ( 2) وجاء فيها :
أيها العريس عزيزٌ انت على قلبي – لَذيذٌ وصالك حلوٌ كالشـهدِ
أيها الأسد عَزيز أنت على قلبي – لَذيذٌ وصالك حلوٌ كالشــهدِ
أيها العَريـس دعني أُقــبلك – فقبلتي حلــوة ألذ من الشــهدِ
دعني أتمتع بجمالِك اللَطيف – أيها الأسد دَعني أقبلك
فقبلتي حلوة ألذ من الشَــهد.
وفي الحضارة البابلية عُرف العسل بقدرته الشفائية وذكر في مسلة حمورابي منذ ( 1800 ق.م ) ، كذلك كان العسل من الأغذية المهمة التي تقدم قرباناً للآلهة في بعض الطقوس العبادية ( 3). وقد تطور الإهتمام بنحل العسل إلى إستئناسه وتربيته ولا سيما في العهد الاشوري أثناء مدة حكم الملك الاشوري شمشي – ادد الأول ( 1813 – 1781 ق.م ) ، وتمت تربية خلايا النحل من قبل حاكم إقليم سوخي (*) الذي كان مولعا بحب النحل والعسل ويتفاخر بكونه جلب هذه الصناعة إلى بلاد سوخي وان أحداً من قبله لم يفعل كما فعله هو إذ يقول ما نصه ( 4)- :
" أنا شمش – ريش – أوصر حاكم إقليم سوخي وماري ، النحل الذي يجمع العسل ، الذي لا أحد من أسلافي لم يره أو يَجلبه إلى بلاد سوخي، قد انزلت من الجبال رجال ( الخبخا Habha ) (**) وجعلتهم يسكنوا في البساتين في مدينة كـابارو- ابني ، الذين جمعوا العسل والشمع ، وقد عرفت كيف يذاب العسل والشمع وعرفت البستنة أيضا " .
كما أطلق الأكديون أسماءاً شخصية لنسائهم و بناتهم بإسم " خابوبيتو Khabubitu " بمعنى " نَحلة "
و " دِبشتو Dibshatu " بمعنى " عَسلة " (5 ). ومما يشير إلى أهمية النحل وضع نقش لنحلة العسل ضمن رموز العملة البابلية ، التي تَرجع إلى عهد الإسكندر المَقدوني ( 325-232 ق.م) .
وفي الحضارة الإسلامية كان للنحل أهمية كبيرة عند المسلمين فقد كُرمت حين خصـص الله عَز وجَل سورة في القـرآن الكريم عرفت بإسم ( سورة النحل ) وجعل فيما يخرج من بطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانه فيهِ شفاء للناس ، ولقد بَلغ من ترغيب القرآن الكريم فيه أن جعله شراب أهل الجنة , وهذا مصداق قوله تعإلى في وصف ما أعده لعباده المتقين: " مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً " ( 6) . كما ورد ذكر نحل العسل في عدد من الأحاديث النبوية إذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم :- " مثل المؤمـن كمثل النحلة إن صاحبته نَفعك وإن شاورته نَفعك وإن جالستهُ نَفعك وكُل شأنهُ مَنافع وكذلك النَحلـة كُل شأنها مَنافــع " (7 ).
يَعيش نحل العسل بشكلين الأول في المساكن الطبيعية داخل تَجاويف الأشجار القديمة وغيرها من الأماكن الطبيعية وهي غالباً طوائف ضعيفة و يتم تَسكينها في الخلايا المصنوعة حال العثور عليها أو تتم إبادتها بشكل مباشر بتدميرها عبثاً أو بشكل غير مباشر بسبب رش المبيدات الزراعية أو أعداء النحل أو لعدم قدرتها على مقاومة الظروف الطبيعية وبالتالي لا تُشكل أي أهمية إنتاجية ( 8).


.............
(1) عارف سالم حمزة ، تطور النحل و النحالة ، القبس للطباعة، دمشق ، 2004 ، ص 19 .
( 2) فاضل عبد الواحد وأخرون ، حضارة العراق ، دار الحرية ، بغداد ،1985م ، ج1 ، فصل6 ، ص212 .
)3) ل . ديلا بورت ، بلاد ما بين النهرين الحضارتان البابلية و الاشورية ، ترجمة : محرم كمال ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، ط2 ، 1997م . ص 155و ص 165 .
(*) بلاد سوخي أو سوخو ظهرت في سلالة اور الثالثة (2114 – 2004 ق.م ) ، هذا الاسم اطلق على المنطقة الممتدة من مدينة خندانو (Hinda nu) ( الجابرية والعنقاء) (شمالاً) الى مدينة رابيقو( Rapiqu) (الفلوجة) جنوباً ، عرف ساكنوها بالسوخيين ، عاصمتها الرسمية مدينة ﮔـابّارو- ابني gabbaru-ibni جنوب شرقي منطقة عنة .
( 4) كاظم عبد الله عطية الزيدي ، بلاد سوخو في الكتابات المسمارية، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الاداب جامعة بغداد ، 2006م ، ص 182 .
(**) رجال خبخا وخبخو هو إقليم اشوري يقع بين زاخو والعمادية ولا يزال سكان هذه المنطقة يمارسون مهنة تربية النحل .
( 5) سعاد عايد الحامد ، الاسماء الشخصية الاشورية ،اطروحة دكتوراه ، كلية الاثار ، جامعة الموصل ،2011م،ص47 .
( 6) القرآن الكريم ، سورة محمد ، الآية 15.
( 7) محمد باقر المجلسي ، بحار الانوار الجامعة لدرر الائمة الاطهار ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، ط3 ، 1982، ج64 ، ص238 .
(8) منتصر صباح الحسناوي ، التحليل المكاني لتربية نحل العسل ومنتجاته في محافظات الفرات الاوسط ، رسالة ماجستير، كلية الاداب - جامعة الكوفة ، 2016.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة