الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايها الرئيس رأسك تحت رحمتي

شوقية عروق منصور

2016 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


أيها الرئيس رأسك تحت رحمتي
شوقية عروق منصور
أصابعه تحطم الاسوار المحيطة والهالة المخيفة ، يقتحم غابة الشجاعة بجرأة مذعور شعر أنه تورط في لحظة ، فسقط في بحيرة العسل التي قد تتحول الى بحيرة كبريت لا يستطيع الفرار منها ، الموت امامك ، خلفك ، يزنرك من كل الجهات ، هذا هو قدرك . يبدأ رحلة الخوف فوق الشعر والدقن ، وبين المقص والموس الحاد تكون مسافة الغيمة ، هل ستمطر دماً أم عطراً ، حباً أم كرهاً ، غطرسة أم تواضعاً .
كنت دائماً أتساءل عن الحلاق الذي يقص الشعر ويحلق ذقن الزعيم ، الحاكم ، الملك ، الرئيس ، الحاكم ، عن علاقة الأصابع بهذه المسافة القصيرة التي قد تؤدي الى الخلاص ، عن القرب لدرجة الذبح والطعن تجعلنا نسأل بحذر الى أي حد كانت شفرة الموس تتوهم أنها تستطيع ذبح العنق ، أو كان رأس المقص يتسلل تحت معزوفة الطقطقة الى الصدر، فيغرس في خانة القلب الذي يخون يومياً المبادئ التي كانت يوماً تخرج من هناك على سلالم لسانه .
قد يقوم الحلاق بواجب الثورة وتخليص الشعب من حاكمه، لكن لم نسمع عن حلاق أنهى حياة حاكمه بقدر ما سمعنا اسراراً تفيض على ارصفة الثرثرة التي تزيد من توهج الحاكم .
صوراً عابثة في زمن عبثي ، لكن حقاً ليس من تأثير الأقلام الخيالية ، أو هي جزءاً من انتقام لقهر توحش الى حد التخيل ، لكن كان سؤالاً يطوف في الذهن عندما أرى الرئيس أو الملك أو الحاكم مصففاً شعره – الشعرة على الشعرة - وذقنه تلمع في الوقت الذي قراراته وتصرفاته وخطاباته وأفعاله مظلمة وظالمة ، ولا تتأثر تسريحة شعره برياح الحرب ولا تتلوث بالدم ، والادهى صبغ الشعر باللون الأسود حتى تبقى روح الشباب مشتعلة في الشعر ، أما داخل الرأس فكل شيء منطفىء حتى سراديب الإنسانية قد كسرت الأضواء وأغلقت الأبواب .
كان بعض حلاقي الملوك في أوروبا أيضاً يعملون الى جانب الحلاقة أدوراً عدة ، منها الجاسوسية والتهريج والترفيه عن الملك ، ومنها الطبابة والعلاج .
ويقال أكثر شخص يعرف حقيقة الحاكم والملك هم خدمه والعاملين في قصره ، لأنهم يرونه في كافة صوره العادية البعيدة عن البريق الإعلامي والصور المزخرفة والديكورات الجميلة ، واذا كان الفلم المصري " طباخ الريس " جاء ليلقي الظلال على حياة رئيس يعيش بين رجال يزيفون له الواقع البائس ويقدمون له التقارير الكاذبة ، ويكتشف من خلال الطباخ أنه لا يعرف شيئاً عن شعبه ، وأن الطباخ كان دليله الى الحقيقة ، وقد هاجم الاعلام هذا الفلم بحجة أنه يريد تبرئة مبارك ، كأن الريس في الفلم هو فعلاً مبارك.
استيقظ الشعب الفرنسي على وسائل الاعلام التي نشرت أخبار حلاق الرئيس الفرنسي " هولاند " الذي يتقاضى عشرة الآف يورو، هذا المبلغ الباهض ، وقد صرح قصر الأليزيه بأن الحلاق يصفف شعر هولاند كل صباح وقبل كل ظهور علني له ، كما أنه يرافق الرئيس في سفرياته ، وأنه ملزم بالحفاظ على السرية .
وقبل عدة أيام خرج حلاق الرئيس " ياسر عرفات " أنور محمد بكير ، عارضاً بعض الصور التي تجمعه مع الرئيس عرفات مع بعض الذكريات ، وقد أعلن أنه قام بتصفيف شعر أبو مازن. ولم يعلق شيئاً كأنه نذر نفسه للصمت .
والحلاق " محمود لبيب" حلاق الرؤساء في مصر ، قال أن الريس حسني مبارك صموت لا يتكلم ، يبقى صامتاً ، بينما السادات كان يهدد ويتوعد ويشتم الشعب ، عندما اندلعت" انتفاضة الحرامية " كما أطلق عليها السادات عام 1977 بعد اصدار قرارات رفع أسعار بعض السلع الأساسية ، وكانت ملاحظته أن السادات لم يصبغ شعره أبداً ، مع أننا نعرف ان السادات قد صبغ الثورة المصرية وشخصية جمال عبد الناصر باللون الأسود .
أما الرئيس جمال عبد الناصر فقد كان يسأله عن أولاده وتعليمهم ، المرة الوحيدة التي خالف فيها " الريس" عندما طلب منه قص سوالف أبنه خالد ، لكن خالد رفض ووقف الحلاق الى جانب ابن الريس . وقبل سنوات توفي الحلاق "محمود لبيب" وقد كتبت الصحف أنه كان خزانة اسرار جمال عبد الناصر وقد رفض الحديث عن الاسرار رغم الإغراءا ت المادية .
نسمع عن الحلاقين الذين يرافقون الفنانين والمشاهير ، لكن أشعر أن حلاقي الرؤساء والزعماء والملوك لهم الوضع الخاص ، لأنهم وحدهم يملكون رؤوس ورقاب هؤلاء في لحظات خارجة عن زمنهم ، زمن القوة والتهديد والعجرفة ، الزمن الذي يملكون فيه رقاب ورؤوس العباد ، فهل نسمع عن حلاق يخلصنا من بعضهم ، او يجرحه حتى يشعر بألم الشعب الذي يجرحه ويطعنه يومياً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف