الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحولات الحقل السياسي الرسمي و الحقل السياسي المضاد

حسن الصعيب

2016 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية




برهنت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، عن دالات ثابتة،تعكس مفارقة سياسية عجيبة: أن واقعة الملكية في المغرب تسود وتحكم،تلخص كل الإشكالية الديمقراطية في البلاد،وكونها أيضا تهيمن على الحياة السياسية،بمختلف تقاطباتها،تظل إلى حين مفتاح حل عقد هذا النظام.
غير أنها تؤكد من جهة أخرى،تصدع وحدته الطبقية والسياسية،وعدم قدرته على لجم وتسوية تناقضاته الداخلية الثانوية،التي برزت على السطح غداة الإعلان عن نتائج لانتخابات التشريعية،وسبقتها بقليل في عز الحملة الانتخابية،لكن الأدهى من ذلك هو انفجار عجز مزمن ،في احتواء تناقضاته العميقة مع كتلة الشعب الهائلة(80 في المائة)العازفة عن المشاركة في مؤسساته السياسية الصورية،بسبب نضوب موارده الدعائية والسياسية والاديولوجية.
في هذه المقالة سنحاول تبيان حدود هذه الاستراتيجية في ضبط التوازنات داخل جهاز الدولة المخزني باعتباره أداة الهيمنة السياسية للكتلة الطبقية السائدة من جهة ،وبالمثل الميل الى فقدان مقود التحكم في التناقضات التناحرية مع الطبقات الشعبية من جهة أخرى. وقي المقابل سنبرز الاتجاه العام للفعل السياسي المضاد للحقل السياسي الرسمي والذي أصبحت طريقه معبدة لانبثاق إستراتيجية أخرى للتغيير.
1)في تحولات الحقل السياسي الرسمي
بالعودة الى المرحلة الأخيرة من حياة الحسن الثاني،أشار في إحدى استجواباته مع الصحافة الفرنسية الى القول “كيفما كان الحال ،فان مرحلة من الاطمئنان قد تصل الى 20 سنة هي ما تركته لخلفي”
بالفعل ،يعكس هذا التصريح ،جملة من الموارد الاستراتيجية التي وظفت واستثمرت بشكل جيد ،من أجل تهيئ مرحلة طويلة نسبيا،للانتقال السلمي والسلس والهادئ من الملك الراحل الى الملك الحالي،وذلك عن طريق إشراك المعارضة البرلمانية وبشكل أصح “الكتلة الديمقراطية”في حكومة التناوب سنة1998 ،وقد كانت الخلفية السياسية الرئيسية وراء هذا العرض السياسي هو إنهاء مرحلة طويلة من الصراع والجذب السياسيين مع القصر والذي دام أزيد من أربعة عقود،تخللتها انتفاضات شعبية ومحاكمات سياسية،بعقوبات طويلة المدة ،واغتيالات ،ونفي خارج أرض الوطن،وفي ذات الوقت تفكيك أدواته السياسية والنقابية والجمعوية،كأسلحة المقاومة الشعبية،في أفق تحييده من حلبة الصراع الاجتماعي ،على قاعدة تطبيق برنامج سياسي واقتصادي ،من عناوينه الرئيسية،هو إضفاء الطابع الحقوقي والديمقراطي على جهاز الدولة المخزني،وفك عزلته الخارجية،الذي تلوثت صورته بسبب القمع الممنهج،وتحرير الاقتصاد الوطني بالارتكاز على إصلاحات ماكرو- اقتصادية لتجاوز عجز الدولة وتقوية القطاع المالي وإصلاح الميزانية ورفع القيود الجمركية وتسهيل المساطر الإدارية والقانونية واللوجيستيكية وتهيئ مناخ الأعمال للاستثمار الأجنبي وإعادة جدولة الديون الخارجية مع المنظمات الدولية النقدية والمالية وعقد اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وتحرير التجارة الخارجية وخوصصة القطاعات العامة وعلى الخصوص التعليم والصحة بما يتوافق مع سياسة تسليع المعرفة والعلم والثقافة والصحة تكريسا لاتفاقيات الغات والمنظمة العالمية للتجارة.
نشأ عن هذه العملية السياسية شرخ عميق في صفوف أحزاب الكتلة وعلى الخصوص حزب الاتحاد الاشتراكي ،كما حدث تذمر كبير من قبل الجماهير الشعبية التي اكتوت بنار الغلاء وتدهور أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية،فاستغل ذلك النظام وأتى بحكومة التكنوقراط التي ترأسها إدريس جطو سنة 2002،والتي شكلت انقلابا على المنهجية الديمقراطية حسب تعبير عبد الرحمان اليوسفي،لكنها في الواقع تعكس مرحلة جديدة في الاصطفاف السياسي،أي مرحلة إقبار تجربة “الكتلة الديمقراطية”في المعارضة كما تجربة التناوب،والتهيئ في ذات الوقت الى استثمار المكاسب السياسية والاقتصادية التي حققتها حكومة التناوب، وذلك من خلال إعادة هيكلة المجال السياسي عبر مسلسل التقنين والضبط الإداري والمؤسساتي (مدونة الشغل والتجارة، قانون الأحزاب، قانون الأسرة، قانون الصحافة، هيئة الإنصاف والمصالحة، المعهد الملكي الامازيغي، مؤسسة الوسيط، برنامج التنمية البشرية).
نستنتج من كل ذلك، وبعد قرابة عقد من الزمن (1998-2007) أن النظام استطاع كسب رهان تحييد “الكتلة الديمقراطية” وعلى الخصوص القوة الضاربة: حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي تشتت قاعدته الاجتماعية نتيجة التمزقات السياسية وضياع رأسماله الجماعي في مخيلة الأجيال القادمة، ومن ثمة تحوله الى حزب أقصى ما يطمح إليه هو المشاركة في الحكومة، وطلب ود الأعيان لدعمه في الانتخابات كخيار وحيد لاستمراره بيولوجيا كحزب سياسي.
وعلى ضوء هذا المآل، انفتحت أمام النظام، إمكانيات هائلة للانخراط في مسلسل التفاوض مع الإسلام الراديكالي ممثلا في جماعة العدل والإحسان” و “السلفية الجهادية”، في إطار إستراتيجية تروم الى خلق توازن بين الملكية والديمقراطية والإسلام كرهان سياسي يكسب من خلاله القاعدة الاجتماعية للإسلام الراديكالي. واذا كانت محاولاته مع جماعة العدل والإحسان لم تفض الى حل سياسي رغم بعض الإشارات والرسائل المتبادلة لإنهاء النزاع وتطبيع العلاقة (كان أخرها انسحاب “العدل والإحسان” من “حركة 20 فبراير” فانه بالمثل قد نجح في إقناع قيادات “السلفية الجهادية” التي كانت قابعة في السجون بعد سلسلة ماراطونية من الحوارات، وأخيرا التزمت هذه القيادات بالانخراط كأفراد في بعض التنظيمات المحافظة “كحزب الاستقلال” و”الحركة الشعبية الديمقراطية الاجتماعية” لزعيمها عرشان مستجيبة لقرار خطر تنظيمهم في حزب واحد.
نقرا على ضوء ذلك تحولا سياسيا كبيرا في الحقل السياسي الرسمي، فإذا كان النظام قد فرضت عليه التعددية السياسية وأصبحت عنصرا مؤسسا لدساتيره اللاحقة، فقد جاءت في ظرفية سياسية اتسمت باشتداد الصراع على السلطة بين النظام والأحزاب السياسية المنحدرة من الحركة الوطنية (حزب الاستقلال، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والحزب الشيوعي المغربي) والذي كان في جوهره صراع بين مشروعين سياسيين متناقضين، أما في عهد محمد السادس فان هذا التقاطب أصبح من الماضي، خصوصا بعد نهاية الولاية التشريعية السابعة (2007-2011) وعوضه تقاطب جديد بين “يمين إسلامي” ممثلا في “حزب العدالة والتنمية” و”يمين حداثي” ممثلا في حزب “الأصالة والمعاصرة”، وهما نتاج وانعكاس لتناقضات بنية الدولة المخزنية المرتبطة اشد الارتباط بازدواجية التقاطب الامبريالي: الأمريكي والفرنسي.
أ- حزب العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة: وجهان لعملة واحدة.
نشأ حزب “العدالة والتنمية” سنة 1987 بمبادرة من احد أقطاب النظام المخزني (عبد الكريم الخطيب) والذي تجمعه علاقات مصاهرة ومصالح اقتصادية، مع عناصر ذات نفوذ في هرم السلطة المخزنية. كانت الخلفية السياسية وراء هذا التأسيس ذو طبيعة مزدوجة: محاصرة التوجه التقدمي والديمقراطي في المجتمع مع أسلمته، وسحب البساط من تحت أقدام “جماعة العدل والإحسان” باعتباره يمثل الإسلام الراديكالي الذي ينافس الشرعية الدينية والسياسية لأمير المؤمنين.
يتكون الحزب من ثلاثة مجموعات تاريخية: الإيديولوجيون المنحدرون من الحركة الإسلامية وعلى الخصوص “جمعية الشبيبة الإسلامية” المحظورة، المجموعة الثانية من العلماء الذين التحقوا بالحزب منذ سنة 1996 “جماعة المستقبل الإسلامي” و “حركة الإصلاح والتوحيد” أما المجموعة الاخيرة فتتكون من التيقنقراط والمقاولين البرجوازيين والذين تقووا اكثر مع الاستحقاقات الانتخابية وأصبحوا يجسدون العمود الفقري للحزب.
بينما نشأ حزب “الأصالة والمعاصرة” سنة 2009 كامتداد “لحركة لكل الديمقراطيين”، بمبادرة من صديق الملك( الهمة) في ظل انهيار القطبية الثنائية: يمين/يسار، وتشكلت قاعدته الاجتماعية من اطر يسارية سابقا ومدراء مؤسسات عمومية وخاصة كفئة تكنوقراطية برجوازية جديدة صاعدة، ومن أعيان الأحزاب الإدارية، وارتبطت ظروف نشأته السياسية من اجل الجواب على بكارة النظام في تدبيره للتناقضات داخل الدولة وفي المجتمع، وعلى انتاج وإعادة انتاج نخب المخزن من جهة، ولخلق توازن سياسي مع حزب “العدالة والتنمية” كانعكاس للتناقضات الثانوية في قمة هرم السلطة المخزنية من جهة أخرى.
إن الخلاف الجوهري بين الحزبين لا يتمثل في خطابيهما الإيديولوجي، رغم الاختلاف الظاهر بين نزعة أصولية ونزعة حداثية، وإنما يتمثل في اقتسام فوائد السلطة السياسية والاقتصادية بين فئتين تشكلان القاعدة الاجتماعية للمخزن او بين جيلين مختلفين، الأول مرتبط بالتراتبية التي كرسها عهد الحسن الثاني والثاني مرتبط برهانات وحسابات العهد الجديد، الغير منفصلة عن حسابات ورهانات الامبرياليتين الأمريكية والفرنسية.
ب- في مغزى التناقضات الثانوية داخل جهاز الدولة.
كاد الانقلابان العسكريان لسنتي 71 و 72 أن يعصفا بالمؤسسة الملكية باعتبارها الطرف القوي في جهاز دولة الكومبرادور، وتمكنت هذه الأخيرة من إعادة حساباتها السياسية مع المؤسسة العسكرية، بسحب وتجريدها من سلطات كانت تتمتع بها قبل الانقلابين ثم الانفتاح على القوى السياسية من خلال دستور 1972، و المغربة سنة 1973 لتوسيع قاعدته الاجتماعية وتكريس سياسة الوحدة الوطنية من خلال المسيرة الخضراء سنة 1975. ومنذ ذلك الحين أصبح الجيش والدرك في منأى عن تدخلهما في الشأن الداخلي والخارجي وفي نفس الوقت مؤمنا على مصالحهما الاقتصادية بالنسبة للجنرالات والضباط الكبار من خلال احتكارهما التحكم في اقتصاد الريع (العقارات، مقالع الرمال، مأذونات النقل البري والبحري، الصيد في أعالي البحار…).
من خلال العهد الجديد، بدأت تطفو بعض التناقضات والتي تعكس اختلاف التقديرات السياسية والرهانات بين جيلين ومن دلالات ذلك، هو معارضة الجنرالات لتجربة “هيئة الإنصاف والمصالحة” ورفضهم القاطع لتقديم أية مساعدة فيما يخص الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال فترة الحسن الثاني، كما بدت أيضا من خلال محاكمة الضابط مصطفى أديب الذي قدم تقريرا مفصلا الى الملك حول الرشوة والخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما برزت أيضا من خلال عدم فض نزاع الصحراء والقبول بحل سياسي متفاوض عليه، خوفا من العصف بالمصالح الاقتصادية الكبيرة التي راكمها جنرالات الجيش في جنوب البلاد.
وأخيرا طغت هذه التناقضات من خلال الاستحقاق الأخير بين الموالين لحزب “العدالة والتنمية” والموالين لحزب “الأصالة والمعاصرة”.
2) في تحولات الحقل السياسي المضاد
منذ فشل تجربة التناوب المخزني سنة 2002، أخذت نسبة المشاركة السياسية الشعبية تتضاءل بعد كل استحقاق انتخابي، الى أن بلغت مستويات عليا في السنوات الأخيرة، مما يدل على بروز حقل سياسي مضاد، أصبحت فيه المواجهة مباشرة مع المخزن، لا تخضع للوسائط التقليدية من أحزاب سياسي ونقابات مركزية وامتداداتها المختلفة. لقد برز فاعلون جدد وفي مقدمتهم الشباب، الذي اكتسب وعيا جديدا من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، وأصبحت أساليبه في الدعاية والتحريض ضد الفساد والحكرة، ترعب المخزن وتضع مؤسساته السياسية والإعلامية في مأزق كبير وانضافت الى هذه الفئة جموع الكادحين المتضررين من انهيار قدرتهم الشرائية، وخصاصهم المزمن من التعليم والتطبيب والسكن والنقل والشغل، وتناسلت احتجاجاتهم حتى عمت كل البلاد، ومع انطلاق السيرورات الثورية في المنطقة المغاربية والعربية، انصهرت في “حركة 20 فبراير المجيدة”، التي قدمت شهداء ومعتقلين من اجل تسييد الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
واذا كان النظام قد نجح مؤقتا في احتواء الحركة من خلال دستور 2011، وتنصيب حكومة “حزب العدالة والتنمية” الرجعية، التي ركبت على شعارات حركة 20 فبراير، فان اكبر مكسب حققه الشعب المغربي هو تحرره من جدار الخوف وجرأته السياسية في التنديد بواقع البؤس الاجتماعي والاستبداد السياسي، وشكل ذلك موردا استراتيجيا أساسيا، ساهم من جديد في الرفع من منسوب الوعي في حركة 28 أكتوبر الجديدة التي عمت كل البلاد على اثر اغتيال الشاب محسن فكري بائع السمك بالحسيمة، وأضافت مطالب نوعية تتعلق بالهوية الأمازيغية التي همشت لعقود مثلما همشت جهات على حساب جهات أخرى.
حقا عبرت حركة 28 أكتوبر عن هدر الكرامة المغربية من خلال التنديد بالحكرة وعدم الإفلات من العقاب، المجسدة في رموز السلطة المخزنية وليس كما يريدون في أكباش فداء.
واليوم تتحددمسؤولية اليسار ومختلف القوى الوطنية والديمقراطية في تعزيز وتقوية هذه الحركة بما يخدم المطامح العميقة للشعب المغربي نحو التحرر والانعتاق، مستفيدا من أخطاء حركة 20 فبراير وتنظيم هجوم طبقي وسياسي ضد المخزن وقاعدته الاجتماعية بالارتكاز على مطالب استعجالية قابلة للتحقيق، وباستعمال أدوات تنظيمية مرنة، قادرة على توحيد كافة النضالات والاحتجاجات لمختلف الفئات والطبقات الاجتماعية الشعبية، تحت شعارات واضحة ومركزة على العدو الأكثر شراسة، خصوصا أن الظرفية السياسية الراهنة لم تعد تسمح بتفويت الفرصة لصالح أعداء الشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير