الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجد لذكرى انتفاضة تشرين الثاني عام 1952 المجيدة

فاضل عباس البدراوي

2016 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


انتفاضة 23 تشرين الثاني من عام 1952، صفحة خالدة في سفر نضالات شعبنا العراقي ضد الاستعمار وادواته الحكومات الاستبدادية الرجعية. فكلما كانت تلك الحكومات تتحرك صوب الارتماء في احضان الاستعمار، عبر زج العراق في مشاريعه الاسترقاقية، وكلما كانت توغل في استعمال ادواتها القمعية لأسكات صوت الشعب المطالب بحقوقه، في الحرية والعدالة الاجتماعية، ينهض الشعب العراقي بانتفاضات تهز اركان ذلك النظام الرجعي وتفوت عليه تنفيذ تلك المشاريع فكانت انتفاضة تشرين صفحة من صفحات ذلك النضال.
بعد أن تمكن النظام الملكي الرجعي ألأنتقام من القوى الوطنية والديمقراطية، لقيادتها لوثبة كانون عام 1948 التي أحبطت خططها لتوقيع معاهدة بورتسموت التي كانت تحاول تكبيل العراق بقيود جديدة عبر تمرير تلك المعاهدة، خدمة لأسياده المستعمرين، وبعد احتوائها للهبَة الجماهيرية، باتخاذها لبعض الأجراءات التخديرية، وعندما استتب له ألأمر، أعلنت الأحكام العرفية بذريعة حماية مؤخرة الجيش العراقي الذي أرسل الى فلسطين لمحاربة العدو الصهيوني حسب زعمها!. شكل نوري السعيد وزارته في أواخر عام 1948، كان ذلك نذير شؤم على الشعب العراقي، فكلما كان البلاط يكلف السعيد بتشكيل حكومة، معنى ذلك هو مزيد من التنكيل بالقوى الوطنية والديمقراطية، بالفعل، فأول عمل قام به نوري (باشا) هو شن حملة ارهابية على الحزب الشيوعي العراقي، حيث تم جلب قادته، يوسف سلمان (فهد) وزكي محمد بسيم (حازم) وحسين محمد الشبيبي (صارم)، الذين كانوا مسجونين في سجن الكوت، تم تقديمهم الى المجلس العرفي العسكري وأجريت لهم محاكمة صورية لم تتوفر فيها أبسط حقوق المتهمين، حيث اصدرت المحكمة حكما بأعدامهم، عندما نسبت اليهم تهمة قيامهم بتدبير ثورة مسلحة انطلاقا من سجن الكوت ضد النظامّ!!، (تصوروا كم كانت تجري تلك المهازل ابان ذلك العهد) وتم تنفيذ الحكم بهم في شباط من عام ،1949 كما زج بمئات المناضلين في السجون والمعتقلات، تعرضوا فيها الى شتى أنواع التعذيب، وقدموا الى المجلس العرفي العسكري الذي اصدر بحق هؤلاء المناضلين احكاما ثقيلة، دون مبرر قانوني، ودون توفير ادنى الحقوق القانونية لهم، كما أعدم المناضل الشيوعي ساسون دلال. ظن الحكام ان تلك الأجراءات القمعية سوف تنهي الى الأبد الحركة الوطنية والديمقراطية وذراعها المتين، الحزب الشيوعي العراقي. فلم يمض أقل من عام على تلك الهجمة الأرهابية، حتى ضمد الشيوعيون جراحهم، ولمَوا شتاتهم، وأعادوا تنظيم حزبهم، كذلك الحال مع بقية القوى الوطنية والديمقراطية. ففي أواسط عام 1950 أصدر عدد من السياسيين الوطنيين العراقيين بيانا، سمي ببيان الحياد، هو بالأساس كان موجها ضد ألأحلاف العسكرية التي بدأت بالترويج لها الدوائر الأستعمارية، فكان في مقدمة موقعي ذلك البيان، كامل الجادرجي، ومحمد حديد وحسين جميل وطه الهاشمي ومحمد رضا الشبيبي وصادق البصام وعبد الوهاب محمود وعبد الرزاق الظاهر وآخرين، وفي عام 1951 تشكل المجلس العراقي لأنصار السلام في العراق، كان من مؤسسيه، رجل الدين البارز الشيخ عبد الكريم الماشطة وشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري ونقيب المحاميين عبد الوهاب محمود ونائبه المحامي توفيق منير وغيرهم من الشخصيات الوطنية المعروفة. وفي عام 1951 تشكل المكتب النقابي العمالي من عدد من النقابات العمالية المجازة. بدأ المد الثوري بالتصاعد. ففي بداية عام 1952 بدأ يلوح في ألأفق مشروع استعماري جديد، وهو ما كان يسمى بمشروع الدفاع المشترك، وكان العراق مرشحا للدخول فيه، وقد زادت السلطات من مضايقاتها للقوى الوطنية وقامت بحل المكتب العمالي الآنف الذكر وزج قادته في السجون، وأخذت الاوضاع الأقتصادية بالتردي مما حدا بقادة الاحزاب الوطنية بتقديم مذكرات الى البلاط منوهين فيها عن سوء الاوضاع، تم أجتماع قادة تلك الاحزاب مع الوصي على العرش عبد الاله، في شهر تشرين الأول من ذلك العام، لمحاولة تذكيره بمهامه الدستورية، ذلك بحماية سيادة البلاد واحترام الحريات العامة وتخفيف الاعباء الاقتصادية على الشعب، لكن الوصي تهجم على بعض الحاضرين، منهم زعيم حزب الجبهة الشعبية طه الهاشمي ورئيس الحزب الوطني الديمقراطي كامل الجادرجي الذي رد على الوصي برد مناسب، وانفض الاجتماع دون استماع الوصي لأراء تلك النخبة من الشخصيات الوطنية التي كانت تصب كلها لمصلحة البلاد. في 19 تشرين الثاني من ذلك العام أضرب طلاب كلية الصيدلة للمطالبة بوقف تجاوزات العمادة على الطلبة، وقد زادت الأوضاع اشتعالا عند قيام عدد من الشقاوات المحسوبين على ألأجهزة ألأمنية للسلطة بالدخول الى حرم الكلية وأعتدوا على بعض الطلبة، مما أثار حفيظتهم، وأعلنوا استمرارهم في الأضراب وأعتصامهم، واعلن طلبة الكليات الاخرى التضامن مع زملائهم طلاب الصيدلة، وابتداءا من يوم 21 تشرين الثاني خرج طلاب الكليات والأعداديات وجماهير شعبية واسعة بتظاهرات كبرى عمت بغداد ومعظم المدن العراقية، ترفع شعارات تطالب باسقاط حكومة مصطفي العمري ورفض المشاريع الاستعمارية، واطلاق الحريات العامة واطلاق سراح السجناء السياسيين، وتعديل قانون الأنتخاب وجعله انتخابات مباشرة وغيرها من المطالب الشعبية، قدم رئيس الوزراء مصطفي العمري استقالة حكومته، فأشتدت التظاهرات، ورفع المتظاهرون لأول مرة شعار، اسقاط النظام الملكي واعلان الجمهورية وتشكيل حكومة برئاسة الشخصية الوطنية كامل الجادرجي، عجز البلاط عن ايجاد شخصية من المقربين له بتشكيل حكومة جديدة، بسبب عزوف من فاتحهم عن المغامرة في تشكيل حكومة في وضع سياسي مضطرب وشعبي ملتهب، لجأ البلاط الى الجيش، حيث كلف رئيس الأركان نوري الدين محمود بتشكيل الحكومة، استمرت التظاهرات وقام عدد من المتظاهرين بالصعود على اسطح الدبابات وهو يهتفون، عاش تضامن الجيش مع الشعب، اعلنت السلطة العسكرية الجديدة الأحكام العرفية، كما اعلنت منع التجوال. شنت السلطات هجمة قمعية على نشطاء الحركة الوطنية، وأعتقل عدد من القيادات السياسية الوطنية، أمثال كامل الجادرجي وحسين جميل وفائق السامرائي ومحمد مهدي الجواهري وعبد الوهاب محمود وآخرين، كان النصيب ألأكبر من الأعتقالات للشيوعيين، لأن السلطات كانت تعلم بأن المحرك الرئيس والقائد الحقيقي لتلك الأنتفاضة هم الشيوعيون، وألأمر كان كذلك فهم كانوا الداينموا المحرك لأنتفاضة الجماهير الشعبية بوجه الحكام الرجعيين من أعوان الأستعمار، وكانوا رأس رمح الحركة الوطنية، لذلك صب جام غضب السلطات عليهم، حيث تم أعتقال المئات منهم ومن اصدقاء الحزب، كان للشباب والطلبة النصيب الاكبر من تلك الأعتقالات، وقدم العديد منهم الى المجلس العرفي العسكري واصدر المجلس احكاما قرقوشية ثقيلة بحق العشرات منهم. ان انتفاضة تشرين وان لم تحقق كامل أهدافها، لكنها حققت بعضا منها، فتم سن قانون جديد للأنتخابات المباشرة، كما تم صرف النظر ولو بصورة مؤقتة عن مشروع الدفاع المشترك.
تحية لذكرى تلك الأنتفاضة المجيدة والمجد لمن قادها ودفع ثمن تلك القيادة، ردحا من حياته قضاها في سجون ومعتقلات الحكومات الرجعية، والخلود لشهدائها الأبرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - توثيق رائع كان ممكنا توسيعه وذكراسماء الشهداء المع
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2016 / 11 / 22 - 05:04 )
تحيه حاره للكاتب المحترم على احتفائه بانتفاضة تشرين واية ملاحظه تسجل لاتنقص شيئا من روعة المقاله لذالك اقول انه كان ممكنا ذكر اسماء رفاقنا الشهداء اليهود كميعا كما كان ممكنا ذكر وصف موجز للمطاهرات والمحافظات التي حصلت فيها لم تساهم محافظات الغرب والشمال الغربي في المئة سنة الاخيرة باية فعالية وطنية او تقدمية وانما العكس ساهمت مثلا الموصل بفعاليات معادية مثلا لثورة 14تموز-وهذه معضله تتطلب الرصد والتوثيق والتفسير والمعالجه وهذه قضية حيويه سيما والتاريخ لم ينته ولن ينتهي وشكرا

اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي