الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحب نفسك أوّلا

مزوار محمد سعيد

2016 / 11 / 24
كتابات ساخرة


لو تأملنا الواقع الجزائري لوجدنا أنه من أصعب وأعقد العوالم على الإطلاق، حيث يجادل الكثير من متتبعيه أنه ضائع، ولضياعه هذا الكثير من الأسباب، حيث تتنوع بين تنوعه الثقافي، وتقلب مزاجه البراغماتي، وما بين تطرفه الأيديولوجي، وتشدده العقائدي.
ما ينسحب على العالم الجزائري هو ينسحب أيضا على الذات الجزائرية، فهي بين أمواج التيارات المختلفة منذ زمن بعيد، حيث يلتقي كل ما من شأنه أن يتخذ من الحياة عناوين مختلفة لعجائن وأصناف مغايرة بلا جدل.
لقد أحبّ الفرد الجزائري الخرافات، وهذا ما بيّنه الفيلسوف الجزائري المطرود مالك بن نبي حين كتب مقاله بعنوان: سوق البركة، أين تتغلغل التقاليد في العمق الجزائري لتصنع الكثير من الأحزان، ويجذب الكثير من معلقات التاريخ وآمال الوجود جنبا إلى جنب مع ثقافة الفناء.
من المهم للغاية أن نتذكر ما يصيب العصب الجزائري من توتر واضطراب، من يأس وبؤس، فالتشاؤم صار رقعة حلوى تؤخذ كل صباح، وتجتاح الأنفس كل مساء، وتزايد على التأثير في قرارات التبني لكل جزائري كل يوم وكل حين.
هي صلاة جزائرية خالصة، ثوابها لا يختلف عن تراتيل عقيدتها البعدية الغريقة في متاهة الوجود، غير خاضعة للمنطقيات وللنتائج الصارمة، ولا تستسلم للعبث بشكل كامل، فقط هي تتخذ خطوة اللحظة لتكون إما عبثية عاقلة أو عاقلة عبثية كل مرة وكل لهفة.
هي معلقة جزائرية مستوردة من الصين، علقها آخر أحفاد لويس الثاني عشر على أعالي رياض الفتح بالعاصمة، ليراها آخر فرد يقف أمام آخر بيت قرب الحدود مع بلاد الساقية الحمراء للذهب، فيستبشر خيرا من رمال حارة تغزوا بردها الليلي المتكرر.
هي بوصلة جبل "موطاس" أين غنّى على مرتفعاتها البطل "عقب الليل" تمجيدا لوطن مسروق من أهله، لتلد الجزائر من بعده في كل ثانية عقب ليل جديد يكون بمثابة حارس لمبادئ جزائرية خرجت جريحة من رحم القرصنة، التلفيق والتغليف بالوهم.
لقد وشمت تلك القتاة الأميركية على جسدها حب الذات أولا وقبل أي أمر آخر، وهي تحمل معاني جميلة للغاية، لأن الجزائري لا يجيد حب نفسه، فهو يحبها حبا أعمى وأصم، لتجده يسابق الزمن من أجل تجميلها بأسلوب الآخرين، فيصبح هذا التجميل المسروق سمّا ينهش تلك الذات الجميلة إلى درجة الغرق في مستنقع التقليد بالتقاليد وتيه في عصر الرقم والنغم.
السعي إلى التفوق والتميّز أمر مشروع، لكن عبر أساليب مستوردة وجاهزة غريبة عن الأرض الجزائرية هو أمر غير مشروع بلا جدل، ومع هذا فإنّ تنميق علقم الدمار الجزائري على الدوام يجد منفذه إلى العقل والوعي الجزائري بلا هوادة، فمتى يتعلّم الجزائري حب نفسه أولا، حبا عذريا مستقلا ونابعا من ذاته المستقلة والحرّة؟
الجزائريون يحبون على الطريقة الأوربية وبالتحديد! الكثير منهم يحبون على الطريقة الفرنسية، والبعض الآخر يحبون على الطريقة المشرقية وبالتحديد العربية الدينية، وبالبقية مشتتة بين الأناضول وصخب الحب الأميركي والشعباوية الأفريقية، لكن لم أجد حتى كتابة هذه الأسطر حبا جزائريا متفرّدا بلا مقبلات خارجية.
في زمن حتى الهند بنت أسلوب حياتها فيه وبه، في وقت حتى الأفريقي في أدغال بلاده المتشابكة وحتى القابع في معابد كوريا منعزلا عن بقية العالم أحبوا أنفسهم بأنفسهم، لم نتعرّف نحن كزائريين على أنفسنا، ولازلنا ننكر أو نتجاهل هذه الفضيحة الذاتية والجريمة الشخصية في شخصانية الجزائري، لنجد أنفسنا نردد تفاهات الحب دون أن نحب فعلا وقولا.
في مطويات التاريخ الكثير من قصص المحبة، ولكل أمة زخاتها المبدعة في هذا المجال، فمتى يكون الحب جزائريا؟

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا