الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكننا تغيير العالم من دون الاستيلاء على السلطة ؟ جون هولواي

مازن كم الماز

2016 / 11 / 26
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


1 – أنا لا أعرف الجواب . ربما يمكننا تغيير العالم من دون الاستيلاء على السلطة . ربما لا . نقطة البداية بالنسبة لنا – جميعا كما أعتقد – هي عدم اليقين , عدم المعرفة , البحث المشترك عن طريق إلى الأمام

2 – نحن نبحث عن طريق إلى الأمام لأنه أصبح أكثر وضوحا من ذي قبل أن الرأسمالية هي كارثة على البشرية . و أصبح التغيير الجذري لتنظيم المجتمع , أي الثورة , أكثر إلحاحا من أي وقت مضى . و هذه الثورة يجب أن تكون ثورة عالمية كي تكون ناجحة

3 – لكن من غير الممكن تحقيق هذه الثورة العالمية بضربة واحدة . هذا يعني أن الطريقة الوحيدة التي يمكننا فيها أن نحقق الثورة هي الثورة الخلالية أو في الفراغات , ثورة تحدث في الفجوات داخل الرأسمالية ( التشققات داخل الرأسمالية ) , ثورة تحتل فضاءات في عالم ما يزال رأسماليا . السؤال هو كيف نتصور و نحقق هذه الفجوات , سواء فكرنا فيها على أنها دول او غير ذلك

4 – عند التفكير في هذا , علينا أن نبدأ من حيث نحن , من الانتفاضات و التمردات العديدة التي أوصلتنا إلى بورتور أليجري ( مكان عقد المنتدى الاجتماعي العالمي ) . العالم يمتلئ بهذه الانتفاضات , ببشر يقولون لا للرأسمالية : لا , لن نعيش حياتنا حسب أوامر رأس المال , و سنفعل كل ما نراه ضروريا أو مطلوبا لا ما يأمرنا رأس المال بأن نفعله . أحيانا نرى الرأسمالية كنظام شامل للهيمنة و ننسى أن تلك الانتفاضات موجودة في كل مكان . في بعض الأحيان قد تكون صغيرة لدرجة أن المنخرطين فيها حتى لا يرونها كذلك , لكنها غالبا ما تكون مشاريع جماعية للبحث عن طريق بديل للمضي إلى الأمام و أحيانا تكون ضخمة مثل غابة لاكاندون ( التي تمتد من التشاباس في المكسيك حتى غواتيمالا و كانت سببا للنزاع بين المدافعين عن البيئة و من كان يود استصلاحها للزراعة ) أو انتفاضة ( 2001 ) في الأرجنتين قبل ثلاث سنوات أو ثورة بوليفيا قبل عام ( كتب هذا المقال عام 2005 ) . كل هذه الانتفاضات تتميز بالميل أو باندفاع نحو التنظيم الذاتي , بحافز يقول "لا , لن تملوا علينا ما نفعل , سنقرر بأنفسنا ما الذي علينا فعله" . يمكن أن نرى هذه الانتفاضات كشقوق في نظام الهيمنة الرأسمالية . ليست الرأسمالية نظامام اقتصاديا ( في المقام الأول ) , بل نظام هيمنة ( إصدار أوامر ) . يأمرنا الرأسماليون باستخدام المال , يقولون لنا ما الذي يجب علينا فعله . أن نرفض الخضوع يعني رفض الانصياع لأوامر رأس المال . يصبح السؤال المطروح أمامنا عندها هو كيف نجعل هذه الانتفاضات تتكاثر و تتوسع , كيف نكبر هذه الشقوق في بنية الهيمنة

5 – هناك طريقتان للتفكير في ذلك :
أ – تقول الأولى أن هذه الحركات , هذه الانتفاضات العديدة , تفتقر إلى النضج و التأثير إذا لم تصبح موجهة , إلا إذا أصبحت تسعى نحو هدف ما . لكي تكون مؤثرة أو ناجحة , يجب أن تسعى للاستيلاء على سلطة الدولة – إما من خلال الانتخابات أو عبر الإطاحة بالدولة القائمة و إقامة دولة جديدة , ثورية . و الشكل التنظيمي لتوجيه كل هذه الانتفاضات نحو هذا الهدف هو الحزب . مسألة الاستيلاء على سلطة الدولة ليست نفسها قضية نوايانا المستقبلية بخصوص التنظيم الحالي ( للمجتمع ) . كيف ننظم أنفسنا في الوقت الحالي ؟ هل ننضم إلى حزب , شكل تنظيمي يوجه غضبنا نحو الاستيلاء على سلطة الدولة ؟ أم ننظم أنفسنا بطريقة مختلفة ؟
ب – طريقة التفكير الثانية لتكثير و توسيع هذه الانتفاضات هي أن نقول "لا , يجب ألا نسخر كل هذه الانتفاضات ( و النضالات ) في سبيل تشكيل حزب ما , بل يجب أن تترك لتنتعش بحرية , لتذهب في الطريق الذي يقودها فيه النضال" . هذا لا يعني أنه يجب ألا يكون هناك تنسيق , لكن يجب أن يكون تنسيقا أكثر حرية . و قبل كل شيء ألا تكون نقطة تركيزنا الاستراتيجية هي الدولة , بل المجتمع الذي نريد أن نخلقه .

6 – النقد الأساسي ضد الفكرة الأولى هو أنها تقودنا في الاتجاه الخاطئ . ليست الدولة شيئا , مشروعا طبيعيا : إنها شكل من أشكال العلاقات الاجتماعية , شكل من أشكال التنظيم , طريقة لتنظيم الأمور تطورت على مدى قرون عديدة بهدف الحفاظ على دور رأس المال و تطويره . إذا ركزنا كل نضالنا على الدولة , أو إذا انطلقنا من الدولة كنقطة ارتكاز استراتيجية , علينا عندها أن نفهم أن هذه الدولة ستأخذنا معها في اتجاه معين . إنها ستسعى أولا لتفرض علينا أن نعزل نضالنا عن المجتمع , ستحول نضالنا إلى نضال باسم هذا المجتمع , نيابة عنه . هذا سيؤدي إلى فصل القادة عن الجماهير , فصل الممثلين عمن يمثلهم , ستقودنا إلى طريقة تفكير مختلفة . تدفعنا نحو التصالح مع الأمر الواقع , الذي هو واقع الرأسمالية : شكل تنظيم اجتماعي يقوم على الاستغلال و انعدام العدل , على القتل و التدمير . إنها تدفعنا ضمن حدود مكانية محدودة لتسيير أمورنا , إلى تعريف مكاني يقوم على تمييز واضح بين أراضي الدولة و العالم الخارجي , بين المواطنين و الأجانب ( غير المواطنين ) . إنها تدفعنا نحو تعريف مكاني محدود للنضال ليس له أي أمل في مواجهة حركة رأس المال العالمية . هناك فكرة مركزية واحدة في كل تاريخ اليسار الذي يتمحور حول الدولة ( الدولتي ) , و هي فكرة الخيانة . مرة تلو أخرى , خان القادة الحركة , ليس بالضرورة لأنهم أشخاص سيئون , بل لأن الدولة كشكل تنظيمي تفصل القادة عن الحركة و تدفعهم للتصالح مع رأس المال . ترجع كل تلك الخيانات إلى الدولة كشكل تنظيمي . هل يمكننا مقاومة ذلك ؟ نعم , بالطبع يمكننا , و هذا يحدث طول الوقت . يمكننا أن نرفض أن نسمح للدولة بأن تعين قادة أو ممثلين دائمين للحركة , يمكننا أن نرفض أن يقوم المندوبون بالتفاوض سرا مع ممثلي الدولة . لكن هذا يعني أن نفهم أن أشكال تنظيمنا يجب أن تكون مختلفة جدا عن أشكال التنظيم الدولتية , لا يوجد تشابه بينها . الدولة هي تنظيم "نيابة عن" , ما نريده اليوم هو تنظيم يقوم على التسيير الذاتي , شكل من التنظيم يسمح لنا بأن نعبر عما نريد , نقرر ما نريد , ما نراه ضروريا أو مناسبا . ما نريده هو بكلمات أخرى شكل تنظيمي لا تكون الدولة نقطة ارتكازه .

7 – النقد الموجه ضد استخدام الدولة كنقطة ارتكاز في نضالنا واضح , لكن ماذا عن الفكرة الأخرى ؟ يمكن رؤية النضال المتمحور حول الدولة على أنه نقطة مركزية لتطوير النضال حولها . قد يقال أنه هناك نقطة مركزية تدور حولها كل النضالات , هي الاستيلاء على سلطة الدولة . أولا نركز كل جهودنا على الاستيلاء على الدولة , ننظم أنفسنا لذلك الهدف , و بعدها , عندما نحقق ذلك الهدف يمكننا أن نبدأ بالتفكير بأشكال أخرى , مختلفة , للتنظيم , يمكننا عندها أن نفكر بتثوير المجتمع . أولا نسير في اتجاه , لكي نتمكن من السير في اتجاه آخر بعد ذلك : المشكلة هنا هو أن الديناميكية التي تظهر في المرحلة الأولى سيكون من الصعب أو المستحيل تفكيكها في المرحلة الثانية . تركز الفكرة الثانية مباشرة على نوع المجتمع الذي نريد أن نخلقه , دون المرور بالدولة . لا يوجد هنا نقطة مركزية : التنظيم هو شيء قبل رمزي , مباشر , يرتبط مباشرة بالعلاقات الاجتماعية التي نسعى إلى خلقها . بينما يرى المفهوم الأول أن التحول الجذري للمجتمع سيبدأ فقط بعد الاستيلاء على السلطة , يصر الثاني على أنه يجب أن يبدأ الآن ( فورا ) . لا تقوم الثورة عندما يكون "الوقت مناسبا" بل هنا و الآن . هذه الرؤية المسبقة , عن الثورة هنا و الآن , هي قبل كل شيء قوة دافعة أو محفزة نحو التسيير الذاتي . لا يمكن للتسيير الذاتي أن يوجد في مجتمع رأسمالي . ما يوجد و يمكن أن يوجد هو الدافع نحو التسيير الذاتي : التحرك ضد أن يقرر عنا الآخرون . مثل هذه الحركة ضد أن يقرر عنا الآخرون هي حركة تجريبية بالضرورة ( تقوم على التجربة فقط ) , لكن هناك ثلاثة أمور واضحة فيما يتعلق بها :

أ – الدافع نحو التسيير الذاتي هو بالضرورة دافع لحركة ضد السماح للآخرين بأن يقرروا نيابة عنا . إنها لذلك حركة ضد الديمقراطية التمثيلية و نحو خلق شكل ما من الديمقراطية المباشرة .
ب – الحركة نحو التسيير الذاتي لا تتوافق مع الدولة , التي هي شكل تنظيمي يقرر فيه الآخرون نيابة عنا و بالتالي يستبعدوننا عن عملية اتخاذ القرارات
ج – ليس للحركة نحو التسيير الذاتي معنى ما لم تتضمن هذا التسيير الذاتي لعملنا , لأفعالنا , كنقطة مركزية لها . إنها موجهة بالضرورة ضد التنظيم الرأسمالي للعمل . إننا لا نتكلم فقط عن الديمقراطية بل أيضا عن الشيوعية , لا نتكلم فقط عن التمرد بل الثورة .

8 – بالنسبة لي , أعتقد أنه يجب علينا أن نركز على الفكرة الثانية . لا تعني حقيقة أننا نرفض المقاربة المستندة إلى الدولة أن المقاربة الثانية التي لا تتمحور حول الدولة ليست بلا مشاكل أو صعوبات . إني أرى فيها ثلاثة مشاكل أساسية , لكني لا أرى أن أيا منها تصلح كحجة أو مبرر للعودة إلى فكرة الاستيلاء على سلطة الدولة :
أ – القضية الأولى هي كيف نتعامل مع قمع الدولة . لا أعتقد أن الجواب هو بتسليح أنفسنا بحيث يصبح بإمكاننا أن نهزم الدولة في مواجهة مفتوحة : من غير المرجح أن ننتصر في مثل هذه المواجهة و في كل الأحوال فإن مثل هذه المواجهة تحمل احتمال إعادة إنتاج نفس العلاقات الاجتماعية السلطوية التي نحاربها . كما لا أعتقد أن الرد هو أن نعمل على الاستيلاء على الدولة بحيث نسيطر على الجيش و قوات الشرطة : إن استخدام الجيش و الشرطة نيابة عن الشعب ( باسم الشعب ) يتعارض بوضوح مع نضال أولئك الذين لا يريدون من أحد أن يقرر أو يفعل نيابة عنهم ( باسمهم ) . هذا يضعنا أمام محاولة إيجاد طرق أخرى لنحول دون ممارسة الدولة لعنفها ضدنا : قد يتضمن ذلك درجة ما من المقاومة المسلحة ( كما في حالة الزاباتيستا ) , لكنه يجب أن يعتمد قبل كل شيء على القوة الآتية من دمج الثورة في المجتمع .
ب – القضية الثانية هي كيف يمكننا أن نطور نشاطات بديلة ( نشاطات إنتاجية بديلة ) داخل الرأسمالية , و إلى أي حد يمكننا خلق رابطة أو شبكة اجتماعية بديلة بين هذه النشاطات , عن طريق آخر غير القيمة ( الرأسمالية ) . هناك العديد من التجارب التي تدلنا على الحل ( حركة الاستيلاء على المصانع في الأرجنتين مثلا ) و ستعتمد الاحتمالات هنا على اتساع الحركة نفسها , لكن هذه ستبقى مع ذلك مشكلة كبيرة . كيف يمكننا أن نفهم التعريف الاجتماعي للإنتاج و التوزيع ذلك الذي يمكن أن ينشأ من الأسفل إلى الأعلى ( من الثورات الخلالية أو الفراغية , أي في شقوق النظام الرأسمالي ) لا عبر هيئة تخطيط مركزية
ج – المشكلة الثالثة هي تنظيم التسيير الذاتي الاجتماعي . كيف يمكننا تنظيم نظام ديمقراطية مباشرة على مستوى أكبر من المستوى المحلي في مجتمع معقد ؟ الجواب الكلاسيكي هنا هو فكرة المجالس المرتبطة معا بمجلس المجالس الذي سيذهب إليه مندوبون عن المجالس يمكن استدعائهم أو تغييرهم في أي لحظة . يبدو هذا صحيحا من حيث المبدأ , لكن من الواضح أن سير الديمقراطية أمر إشكالي ( صعب ) حتى في المجموعات الصغيرة , لذلك فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن إقامة الديمقراطية المباشرة ( أو فهمها ) هو كعملية دائمة أو مستمرة للتجربة و التعلم الذاتي .

9 – هل يمكننا تغيير العالم دون الاستيلاء على السلطة ؟ الطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك هو بأن نحاول القيام به

جون هولواي , 6 أبريل نيسان 2005

نقلا عن
http://anarchistnews.org/content/can-we-change-world-without-taking-power-john-holloway








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس يبحث تمويلا إضافيا لإسرائيل| #أميركا_اليوم


.. كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي: لدينا القدرة على




.. الخارجية الأمريكية: التزامنا بالدفاع عن إسرائيل قوي والدفاع


.. مؤتمر دولي بشأن السودان في العاصمة الفرنسية باريس لزيادة الم




.. سر علاقة ترمب وجونسون