الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة الجزائرية و ثورة النواعم الناعمة 3/1.

صالح حمّاية

2016 / 11 / 27
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


بعيدا عن الصراع المعتاد بين السُلطة في الجزائر ومعارضيها ، و تلك الدعوات المتناقضة بينهم حول ثورة شاملة تقلع النظام السياسي الحاكم من جذوره، أو تغيره ببطء، وبين سلطة ترى في هؤلاء كمجموعة من دعاة الفوضى والتخريب ؛ بعيدا عن كل هذا فالثورة الحقيقية و التي تجري في الجزائر كما نرى ، ليست لا ثورة سياسية كما يريد المعارضون أو من يعارضونهم ، بل هي في الواقع في مكان آخر ، وبالتحديد ثورة النواعم الهادئة التي لا ينتبه لها ربما سوى قلة من المتأملين للوضع الجزائري بإنتباه ، أو بعض الحاقدين على المرأة والمتربصين بها ، و التي سنتكلم عنها في هذا المقال .

إن هذه الثورة التي نصفها بثورة النواعم ، هي الثورة الاجتماعية التي تقودها النساء الجزائريات ، والتي يغيرن بها حاليا شكل المجتمع ، الثورة التي نراها تجري بنسق بطيء و ناعم نعم ، و لكنه صلب و ثابت ، فمما يجري على الأقل في العقدين الأخيرين في الجزائر ، هو أن هناك صحوة نسوية لا يمكن عدم لمسها ، فالنساء في الجزائر اكتسحوا تقريبا كل شيء ، وهم حاليا عنصر فاعل في المجتمع لا يمكن تجاهله ، فمثلا في السنوات الأخيرة صار "70% من المحامين في الجزائر من النساء و60 % من القضاة نساء . وتسيطر النساء على المجال الطبي سيطرة كاملة . كما تساهم النساء بطريقة متزايدة في دخل الأسر أكثر من الرجال. و60 في المائة من طلاب الجامعات من النساء. و يمكنك مشاهدة المرأة الجزائرية اليوم في كل مكان. وقد بدأن في قيادة الحافلات وسيارات الأجرة. ويعملن في محطات الوقود ويخدمن في المطاعم. " ( جريدة الشرق الأوسط 27 مايو 2007 العدد 10407 ) وهذه إحصائية من 2007 تنقلها جريدة الشرق الأوسط ، فما بال الحال الآن وقد تطور الوضع ، فقد "كشف تقرير حول المرأة بالجزائر أجراه المعهد الأورومتوسطي ان النساء في الجزائر يشكلن 19 بالمائة من الطبقة الشغيلة الناشطة الإجمالية، حيث تشتغل بمختلف القطاعات قرابة 2.3 مليون امرأة في 2014، مقابل 1.7 مليون في سنة 2008 " ( جريدة وقت الجزائر – 7 مارس 2016 ) أما على مستوى التعليم فقد تطور الوضع بشكل رهيب حيث أصبح " العنصر النسوي حاضرا بقوة في التعليم العالي ووصلت نسبته 60 بالمائة أواخر سنة 2014، وهو ما يفسر استحواذ الحائزات على ديبلوم جامعي على 70 بالمائة من مناصب الشغل المحصاة من قبل الديوان الوطني للإحصائيات " ( المصدر السابق ) أما إذا عدنا للشأن السياسي و نسبة عمل المرأة فيه ، فهناك اليوم نقلة نوعية في هذا المجال ، فعلى الأقل هناك "146 امرأة تحوز عضوية البرلمان الجزائري بعد أن كان عددهن 31 قبل ذلك. ويمثل النساء الآن 31.6 في المئة من أعضاء المجلس وهي أكبر حصة للنساء في أي مجلس تشريعي عربي وتتقدم على عدة دول غربية منها سويسرا وكندا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة." ( موقع فرونس 24 15/06/2012 ) ورغم أن البعض قد يرى في كون هذا التقدم كان نتيجة من دعم الرئيس بوتفليقة للمرأة الجزائرية لدخول البرلمان ، وليس أنه من باب الثروة النسوية ، ولكن بتصوري فهذا الدعم (و هو حقيقي ) فهو لم يكن سوى تحصيل حاصل ، فالمرأة فرضت نفسها كعنصر فاعل في المجتمع ، و عليه فالرئيس بوتفليقة و كأي سياسي نبيه أراد إستغلال هذه الفاعلية بمغازلة هذه الفئة لكي تمنحه الدعم ، و منه فقد كان هناك هذا التصور منه بدفعها للتقدم بنظام الكوته بحيث يكون هناك تبادل مكاسب .

أما و عن السؤال البديهي الآن وهو : ومن أين ينبع مصدر هذا التقدم الكاسح للمرأة الجزائرية في مكانتها في المجتمع ؟ وهو سؤال يفرض نفسه كما أثبتنا بالأرقام ، فشخصيا أراه أنه تقدم بعود كله لأمر واحد ووحيد ، وهو الكلمة التي تمثل سر تقدم المرأة الجزائرية ألا وهو التعليم " التعليم" .

طوال قرون من تاريخ المرأة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فقد كان دائما تعليم المرأة هو معطلة الأنثى في تلك المجتمعات ، فجُل أو قُل كل ، كلها في الواقع مجتمعات كانت تحارب تعليم المرأة وتسعى لعرقلها في أطوار كثيرة من التاريخ ، بل ولا تزال بعضها تفعل في الواقع حتى اليوم ، ولا أدل على هذا ما جرى للأيقونة الإنسانية ملالا يوسف زاي ، والتي أطلق عليه رجال طالبان النار، لا لشيء سوى أنها أصرت على أن تتعلم بنات باكستان ، وهو أمر يوضح ما يمثله التعليم للأنثى من خطورة على المجتمع الذكوري ، فطالبان لم تكن لتلقي بالا لطفلة صغيرة كل ما في يدها هو محفظة مدرسية ، لولا أنها تعلم ما في تلك الحقيبة من خطورة ، وعليه فقد وصل الأمر بهم لمحاربتها بالرصاص وكأنها جيش جرار ، وعموما وبالنسبة للجزائر فهذا بالذات الذي كان يخشاه رجال طالبان المتطرفون حدث في الجزائر ، فالجزائر وكدولة خرجت بشعارات تقدمية بعد ثورتها التحريرية ، فهي قد جعلت تعليم الشعب أولوية ، و المرأة قد حظيت بنصيب منه ، ولكن وبسبب ظروف الزمن في فترة سابقة فقد ظل تعليم المرأة ضعيفا فمثلا مقارنة بين العام 1966 ، والعام 2008 فقد " ارتفعت نسبة التعليم من 37% سنة 1966 إلى 92% سنة 2008 " ( بحث " المرأة الجزائرية والتغيير" بلقاسم بن زنين ) و قد حال البعض عرقلة هذا المسار ، وكما مالالا فهناك جزائريات قتلوا لأنهم أردن الذهاب للدراسة في سنوات التسعينات ( وبالتحديد سافرات ) ونقصد هنا إرهابيي جبهة الإنقاد الإسلامية ، والتي قلت الكثير من البنات لأنهن أصررن على الدراسة ، ومنهم مثلا الطالبة "كاتيا بن قانا" و التي لا تقل عن مالالا عظمة فقد قتلت وهي في طريقها للمدرسة الثانوية ،ـ على يد متطرفين إسلاميين كجماعة طالبان ، و قد كان ذلك في 28 فيفري 1994. حيث كان عمر كاتيا الفتاة الشابة فيه 17 سنة فقط ، ولكن وللأسف فهي لم يكن لها الحظ كمالالا أن تجنوا ، ولا أن تحوز نوبل ، وهذا أمر و للأسف حدث لكثير من البنات الجزائريات الذين تحدين الإسلاميين ، وذهبن للدراسة سافرات فقتلن ، و لكن للأسف فقد أهملهن التاريخ لكون الجزائر وككثير من المجتمعات الذكورية تتجاهل تضحيات النساء .

ولكن عموما ورغم ما جرى من مآسي في تلك الفترة ، ففي العشرين سنة الأخيرة ، وبعد كسر سطوة الإرهاب في الجزائر ، فقد تحسن وضع تعليم المرأة بشكل كبير، خاصة بعد تغير نظرة المجتمع الجزائري نحو التعليم للنساء ، و أيضا وهذا أمر يجب الإنتباه له ، و وجب التركيز في فهم هذه النقطة التي سأقولها الآن ، وهو أن المجتمع الجزائري في الماضي لم يتقبل تعليم المرأة خاصة العالي الذي يفتح للمراة الباب الأوسع لعدة أسباب معروفة من قبيل الشرف و الخوف على البنت من التغرب الخ ، وهو في تغيير موقفه فلم يرجع على تحفظه إلا بعد إتفاق شبه ضمني تم بين الفتيات الدارسات و أسرهن ، وملخص هذا الإتفاق هو أن البنت لها الحق في الدراسة والخروج ، على شرط حفظ شرف العائلة التي تسمح لها بالتعلم ، فالأسر لطالما عارضت التعليم في القديم بسبب ، كون أن الفتاة يمكن أن تنحرف إذا كانت تخرج للشارع ، وخاصة اذا تعلق الأمر بالذاهب لمدينة أخرى لتدرس ، وعليه فقد عارضت الأسر طويلا إرسال بناتها للجامعات ، و أكتفين عموما بالتعليم الثانوي ، ولكن بعد تطور الحال و بناء جامعات في كل ولاية في الجزائر ، فقد تبدد ذلك الخوف ، وصار يمكن للأسرة الإطمئنان على بناتها الدارسات، ثم هناك الأمر الأهم وهو أن البنت الجزائرية ، قد أقنعت أسرتها أنها ستحافظ على عفافها وفق الاتفاق غير المكتوب الذي تكلمنا عنه ، ومعظم البنات في الجزائر حاليا وليظهرن هذا ، يلبسن اللباس المحتشم لكي لا يستفزوا قلق السمعة في العائلة ، وعليه فقد تقبلت الأسر مسالة دراسة المرأة ، خاصة في الدراسات العليا ، و من هذه اللحظة بالذات فقد حصل الإنفجار الذي أدى لوصول نسبة البنات في مقاعد الدراسة في مرحلة التعليم العالي الى 60% ، وهو أمر لاحظه الجميع في الجزائر ، فالبنات هن العنصر المسيطر في الجامعات بدرجة مهولة ’ حتى أن صديق مقربا لي قال لي مرة ( يبدو أن النساء هن فقط من يدرسن في الجامعة ، ونحن الذكور مجرد شواذ عليها ) وعن نفسي فقد كنت افهم سبب ذلك الأمر ، و برأيي محاولة شرح سببه قد تبدو مضحكة اذا اخبرته به .

عموما إذا أدرنا معرفة سبب إكتساح الأنثى للحقل التعليمي في الجزائر ( و غير الجزائر كذلك كما أتصور) فهو لأن الأنثى في بلادنا عموما محرومة من الخروج و التنزه و الإستمتاع ، لهذا فهي ولتحظى ببعض تلك الأمور تركز على دراستها لتهرب بها من روتين المنزل الممل ، وطبعا لكي تحافظ على هذا الإمتياز الذي تحققه الدراسة في الأسرة المحافظة ، فعليها إذن أن تكون مجتهدة في دراستها أو ستحرم من ذلك ، و من هناك كانت أغلب البنات حريصات على الإجتهاد في الدراسة ، وهن لا يعبثن في ذلك الأمر غلا نادرا ، ثم الأمر الآخر الذي ساعد الأنثى هو انه لطبيعة التدريس البائسة في بلادنا والتي تعتمد على الحفظ ، فقد وجدت الأنثى نفسها متلائمة معها ، فالبنت في بلادنا معتادة على الطاعة و سماع الكلام من كثرة إرهاب الأسرة عليها ، وعليه فقد تأقلمت مع الجو هناك سريعا ، بل ربما وجدته أكثر حرية من جو المنزل الكئيب ، في المقابل فالذكور الذين تهبهم أسرهم الحرية ، و تعودهم على اللامسؤولية ، فقد فقدوا القدرة على التأقلم مع هذا النظام ، و و تفشى فيهم التسيب المدرسي وغياب الإنظباط ، حتى صارت المراكز الأولى دائما للإناث ، و أغلب الخريجين هم الإناث ، و هنا سأعطي مثال من نتائج الباكالوريا الأخيرة دورة 2015 ، و هي قائمة الخمسة الاوائل من أصحاب المعدلات الأعلى في الجزائر وهي كالتالي : اوصالح كنزة نائلة بمعدل 19,14 في شعبة الرياضيات من ولاية وهران و هو أعلى معدل في تاريخ البكالوريا الجزائرية ، أوصيف أماني بمعدل 19,02 في شعبة العلوم التجريبية من ولاية خنشلة ، وناس وليد بعدل 18,91 في شعبة الرياضيات من ولاية باتنة ، عونيز مريم بمعدل 18,89 في شعبة العليوم التجريبية من ولاية غليزان. و القائمة و لو تلاحظون ، فأربعة من أصل خمسة المتفوقين فيها إناث ، و إذا تابعنا القائمة ستذهلون ، وهذا بتصوري كافي للدلالة على ما نقول .

يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نساء الرقة: منظومة المرأة الكردستانية مظلة لجميع نساء العالم


.. نساء عفرين والشهباء تحتفين بالذكرى السنوية لتأسيس KJK




.. نساء الحسكة عن تأسيس KJK: بدأنا مرحلة جديدة من مراحل تنظيم ا


.. إيناس أبو حسون مشاركة في الاحتجادات




.. محتجات السويداء السوريون اليوم يمهدون طريق جلاء جديد