الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس 2020 : قد ينجح الشّاهد في إدارة عرسه فهل تنجح تونس في أدارة أزمتها ؟

محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)

2016 / 11 / 30
الادارة و الاقتصاد


تونس 2020 : قد ينجح الشّاهد في إدارة عرسه فهل تنجح تونس في أدارة أزمتها ؟

اليوم الثاني ل"للعرس" الدولي للاستثمار في تونس 2020 ( على حد تسمية رئيسة الاستثمار في تونس السيدة بوشماوي) ، تنطلق أشغاله يوم 30 نوفمبر 2016 تزامنا مع اليوم الاحتجاجي الوطني لقطاع التعليم الثانوي ضد خيارات وزارة التربية ووسط دعوات لإسقاط وزيرها الحالي واحتجاجا على عدم إيفائها بتعهداتها المالية تجاه أجرائها ورفضا لمشروع قانون المالية لسنة 2017 وما تضمنه من إجراءات تثقل كاهل الأجراء و لا تعكس سعيا لإقامة العدالة الاجتماعية المنشودة .

تمكنت حكومة الشاهد في اليوم الأول من حصد وعود قروض، وودائع واستثمارات...الخ مالية بما يقارب 14 مليار دولار من مجموعة من الدول والمؤسسات المالية التي تعتبرها صديقة ، وقد تناولت تصريحات المسؤولين عن المؤتمر ، ومسؤولي حكومة الشاهد والكثير من المحللين في العديد من القنوات التلفزية هذه الأرقام بكثير من التفاؤل والاستبشار (حتى ظهر الأمر وكأنه مزاد علني لبيع تونس ) .

ولكي لا ننجر خلف سياسة إعلامية تعمل على التمويه على الرأي العام وإغراقه في "بروباغندا" ذات طابع مهرجاني ، خلنا انه مضى مع النظام السابق ، علينا ان نطرح أسئلة حقيقية ، تليها تحليلات عميقة تجيب عنها وبشكل جدي وشفاف ، حتى نتمكن من تقويم اقتصادنا الوطني واستصلاح منواله التنموي بما يضمن تطويره على قاعدة تصور اجتماعي ، تشاركي يحقق نموا في الإنتاج ، والثروة وتوزيعها بشكل أكثر عدلا ، إلى جانب التقليص من وطأة البطالة ، كما وكيفا ، والتخفيف من درجة استغلال قوة العمل النشيط الحالية .

وأول هذه الأسئلة ما هي مآلات مؤتمر الاستثمار لسبتمبر 2014 ، وعوده التمويلية والاستثمارية ؟ قروضه المتعاقدة ؟ مشاريعه المبرمجة ؟ الاتفاقات والمعاهدات الممضات ضمنه ؟ ... الخ كيف يمكن أن ضع خطة استثمارية وتمويلية للخماسية القادمة دون تقييم للخطة السابقة ، تكلفتها ومردودها ؟؟ هذا في تقديري عمل ارتجالي متسرع وغير مسؤول لي يحقق أكثر من مزيد من الارتجالية وإغراق البلاد في حلقة تداين غير جيدة العواقب تتسع بقدر اتساع عدم وضوح الرؤية الاقتصادية والتنموية حتى تبتلعنا جميعا في دوامة من الفشل .

وأما السؤال الثاني ، أين إستراتيجية الدولة وتوجهاتها فيما يتعلق بأهدافها من مؤتمر الاستثمار ؟ ماهي طبيعة التمويلات التي تسعى لجلبها ؟ أهي قروض بعيدة المدى أم قصيرة المدى ؟ هل تسعى تجميع هبات ؟ أم أنها تعرض مشاريع استثمارية على المستثمرين الأجانب والمحليين ؟ هل سيكون ذلك في شكل شراكة أو لا ؟ ما هي طبيعة هذه المشاريع وما هو دورها التنموي ؟ ويمكن تكثيف هذا السؤال في قضية أساسية موضوعها:

مالذي تبيعه تونس في مؤتمر 2020 وما هي شروط البيع ؟

يقول بعضهم أن تونس تبيع موقعها الاستراتيجي وصورتها الاستثنائية في إنجاح الانتقال الديمقراطي السلمي في ظرف دولي وإقليمي صعب بل خطير ومتفجر على كل المستويات (ليبيا ، اليمن ، سوريا ، مصر ... الخ ) ، هذا جميل جدا بل ومطلوب من الحكومة التونسية ويندرج في طار واجبها لتحريك الدورة الاقتصادية والمالية ، ولكن دعونا نتعاطى مع الأوضاع ، بعيدا عن "الاصطياد في الماء العكر" رغم انه يبدو أننا نسبح في الكثير منه ، و بقليل من احترام ذكاء الآخر ( أي أصدقاء تونس وحتى اعدائها) في سعيهم لتحقيق مصالحهم المالية والاقتصادية والسياسية ، لنفهم بشكل أعمق ، طبيعة البضاعة المعروض ، وطموحات كل من الشاري والبائع من دخول سوق 2020 . إن السمة الأساسية للرأسمال (أي المستثمر دولا ومؤسسات ) وطبيعته اللصيقة به هي سعيه لتحقيق الربح والرفع من معدلاته مع تقليص التكلفة ومخاطر الاستثمار إلى حدودها الدنيا الممكنة ، مهما كانت البضاعة المعروضة ومهما كان موقعها الجغرافي ، وهو - أي الرأسمال – يشترط خروجا آمنا من السوق يساوي شروط دخوله الآمن وذلك ما يسمى بضمانات السداد ، وتتساوى في هذا المنحى الرساميل أكانت شقيقة أو بنت عم أو عدوة .

ولأن الأمر كذلك ، ولأننا لا نبيع منتجا سياحيا يعتمد على الصورة الجيدة فحسب هذه المرة ، يكون من المهم بمكان عرض وإدراك المؤثرات الموضوعية للسوق المالية الدولية والمتغيرات السياسية التي أحفت بمؤتمر تونس "للاستثمار" ، حتى نتمكن من إدراك طبيعة البضاعة المعروضة ومن ثمة تحديد قيمتها بالنسبة لكل من البائع والشاري على حد السواء وفهم شروط البيع وانعكاساتها على على اقتصادنا الوطني وكل مكوناته الاجتماعية .

حيث بعد إطلاق مبادرة قرطاج وتشكيل حكومة الشاهد بوصفها حكومة وفاق وطني كان من المفروض أن يشيع جوا من الاستقرار السياسي والاجتماعي ويبعث رسائل طمأنة للمتدخلين في المجالات المالية والاقتصادية والنقدية ، نجد أن مؤسستين أساسيتين في مجال التصنيف الائتماني للدول والشركات والكيانات الاقتصادية وبالتالي قدرتها التنافسية في جذب الاستثمارات وضمان سداد الدائنين ، وهما "موديز" و"فيتش" قد صنفتا تونس في أوضاع متدنية وغير مستقرة ، حيث منحت "موديز" تونس في 22 نوفمبر 2016 الرمز Ba3 لتصنيفها الائتماني السيادي مما يعني جودة ائتمانية دون المتوسّطة ومنها تنامي أخطار عدم القدرة على السداد على المديين القريب والبعيد مع ارتفاع أخطار المضاربة وعدم استقرار أجواء الاستثمار ، كما ألحقت بهذا التصنيف المؤشر "سلبي" للدلالة على عدم وضوح مستقبل الأوضاع وإمكانية تدهورها مرة أخرى ، هذا وقد قامت نفس المؤسسة بتغيير وضعية أربع بنوك أساسية تونسية من وحالة الوضعية المستقرة إلى حالة الوضعية غامضة المستقبل ، ونجد تبريرا للتقييم المرتفع للأخطار في تونس في أربع نقاط أو مؤشّرات أساسية نوجزها في التالي :

1-أنّ حكومة الشاهد لم تفسح ما يكفي من مجال لاتفاق "قرطاج" حتى يؤكّد ثباته واستقراره بوصفه توجّها وفاقيا نخبويا يمكن ان يعوّض في مرحلة الانتقال وبشكل استثنائي المنظومة الديمقراطية المعيارية التي ( انتخابات ، سلطة ، معارضة، منظمات مدنية ، تداول سلمي على السلطة ...الخ ) التي تتعامل معها المؤسسات الدولية بوصفها ضامنة للاستقرار السياسي والاجتماعي ومنه إمكانية التطور الاقتصادي والمالي في النظام العالمي الحديث .

2-أن اتفاق قرطاج ، بخطوطه العريضة المبهمة ، لم يمكن الحكومة من تضييق الهوة وتقليص التناقضات بين مكوناته الأساسية ، أحزابا ومنظمات وطنية ، وهو الأمر الذي نجد ترجمته في تنامي وتيرة الاحتجاج الاجتماعي في كل القطاعات النشطة وفي الصدام الدائم بين اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف ، وبينهم وبين الحكومة .

3-الارتباك والارتجالية في التعاطي مع ملف المالية العمومية وميزانية سنة 2017 ، خاصة فيما يتعلّق بعدم ثبات السياسة المالية في جانبها الجبائي ، سواءا بالنسبة للأجراء وأصحاب المهن الحرة ( وهو ما دفع الى مزيد من التوتر في مختلف القطاعات منها إضراب المحامين ليومي 29 و30 نوفمبر والاحتجاجات الحادة لقطاع التعليم الأساسي والثانوي ...الخ) ، أو بالنسبة للأعراف وهو ما ينعكس قطعا بشكل سلبي على الادخار والاستثمار ومجمل النشاط الاقتصادي والمالي ، نظرا للأهمية الكبرى للسياسة الجبائية في دفع أو تقييد الاستثمار وتوجيهه .

4-ارتفاع الدين العمومي الى ما يفوق 63% من الدخل الوطني الخام لسنة 2016 وإمكانية تجاوزه 65 % (أو أكثر) مع تدهور قيمة الدينار التونسي والركود الاقتصادي والمزيد من التوجه إلى الاقتراض لتغطية مصاريف الاستهلاك .

لهذه الأسباب وأخرى عديدة فان أفضل التوقعات المالية تقول بأن الاقتصاد التونسي ببنيته وخياراته الحالية التي لم تتغير عن المنوال الاقتصادي للربع قرن الماضي ، لن يحقق التدفقات المالية الكافية للخروج من أزمته التي تتعمق يوما بعد يوم عبر الخيارات الخاطئة والمتسرعة للمتحكمين في دواليبه ومنها هذا "العرس" الدولي غير واضح المعالم والآليات . فما كل ما يلمع ذهب ؟

فان كان الوضع كذلك، لما هذه الأرقام الخيالية وهذا الاهتمام الكبير بمنتدى الاستثمار التونسي 2020 من قبل أصدقاء السيد الشاهد والسيد الرئيس ؟؟

ببساطة وبعيدا عن تعقيد الأمور والمؤامرات ، ولكن بحساب المصالح ، فأمر الهبات من قبل أصحاب السمو والرفعة من أمراء العمائم والبترودولار ، فأمره واضح ومكشوف وهو السعي إلى فرض الولاء والطاعة السياسية بهدف ضمان الاصطفاف في المواقف الإقليمية والدولية من قبيل الملف (السوري ، والليبي ،...الخ) والعمل على تعزيز مكانتهم الثقافية والسياسية في تونس ( مثل أي دولة أخرى) عبر أموال ريع البترول ، وهي توجه وفق شروط مانحها غالبا لتغطية نفقات استهلاكية عينية أو نقدية .

وأمّا الودائع ومهما ارتفعت قيمتها، فإنها دليل ركود نسبي في الدورة الاقتصادية للمودع عنده ، وارتفاع أخطار المضاربة على الاستثمار المباشر لديه ، مما يثني الرساميل عن المغامرة في العملية الإنتاجية ، استثمارا وإقراضا فيخيرون الودائع المضمونة (حيث لا خطر على أصل الوديعة وعلى عائداتها القارة ) وان كانت مردوديتها منخفضة جدا مقارنة بأرباح الاستثمار أو عائدات القروض ، وهذه العملية هي ترجمة فعلية لمؤشرات مؤسسات التقييم الائتماني ، ولهذا تمثل ارتفاع قيمة الودائع رسالة سلبية للاقتصاد التونسي ، رغم أنها على المدى القصير قد تمكن البنك المركزي من مواجهة نقص سيولة العملة الصعبة مع أنها قد تتحوّل إلى عبئ أصلا وفوائد إذا ما واصلت سياستنا النقدية تراخيها مسّببة مزيدا من تدهور قيمة الدينار.

وأمّا القروض التي مكنتنا منها الصناديق والمؤسسات والدول المانحة فيمكن اعتبارها ضمن النشاط العادي لها ، كما للدولة التونسية ، ان كان لهذه الأخيرة توجّها واضحا في استغلالها لدفع الاستثمار في قطاعات الاقتصاد المادي ذات التشغيلية العالية ، طلبا لإعادة تحريك الاقتصاد إنتاجا وتوزيعا واستهلاكا بما يضمن التقليص في حجم العاطلين كمّا وكيفا ، والتخفيف من شدة استغلال قوّة العمل ، وتوزيع الاستثمارات بشكل عادل جغرافيا (مع التمييز الايجابي للجهات ذات التشغيلية المحدودة ) ، أمّا أن يتم التركيز كما في السابق على قطاعات الخدمات ، واستغلال التداين بوصفه وسيلة للتغطية على النفقات العمومية ، أو تكثيف الاستثمار في القطاعات ذات التكنولوجيا المرتفعة و"القيمة المضافة المرتفعة" التي تعمل على الاستعاضة عن مطلب التشغيل الكامل بالاستغلال المكثف لقوة العمل ، فان هذا لن يقدم لنا أكثر ممّا قدّمه المنوال التنموي السابق ولن يخرجنا من الدائرة الحالية الا لدوائر وأوضاع أشدّ سوءا وأكثر قتامة ، ستدفعنا إلى مزيد من التداين ومن ثمّة الغرق في إجبارية التفويت في مؤسّساتنا العمومية .

لم أقدم هذا العرض لأجعل من الأوضاع أكثر سوادا ممّا هي عليه ، أو لأقلّل من أهمية نشاط مؤتمر الاستثمار ، بقدر السعي للتدليل على نقائص سياسات حكومتنا الاقتصادية والمالية ، تسرّعها وارتباكها ، فالمطلوب مع تفاقم الأزمات التعاطي معها بحذر وجديّة كافية حتى لا تتحوّل الحلول الوقتية والمتسرّعة إلى قيد إضافي وأزمة أخرى أعمق من سابقتها ، فنحن بحاجة ماسّة إلى سياسات اقتصادية واجتماعية وطنية ، عادلة ترتكز على نقاط القوّة الذاتية والداخلية أساسا ، ولا تعتمد على عناصر الدين الخارجي إلا بوصفها أدواة إسناد أو شريك الند للند نمنحه ما يحقق ربحه ويضمن لنا الاستقرار الاجتماعي والسيادة الوطنيّة ، نحن بحاجة ماسّة إلى :

1-عوض الترويج لصورة مهترئة لتونس ، كان من المفروض على الشاهد وحكومته أن يعملوا بتأني أكثر ، لتحسين هذه الصورة وتطويرها لدى المانحين والمؤسسات المتابعة للأسواق المالية العالمية ، عبر إجراءات ممكنة وجديّة ، أهمّها وليس كّلها :- ترشيد سلوكها السياسي الداخلي والخارجي- التحكم في علاقاتها الإقليمية انطلاقا من مبدأ الندية والسيادة - دعم جودة الإدارة - تطوير الإطار القانوني والمؤسساتي والتنظيمي "على الأقل فيما يتعلّق بالاستثمار" ، -الرفع من درجة الإفصاح والشفافية ... الخ من المعايير العلمية التي يعتمدها المحللون ومستشاري المؤسسّات المانحة وخاصّة مؤسسات التقييم الائتماني الدولية ، وأمّا الاكتفاء بهذه الصورة المهرجانية القائمة على "استثنائية التجربة" فهو لا يسمن ولا يغني من جوع .

2-تنقية المناخ السياسي العام ، عبر إيفاء الدولة لتعهّداتها تجاه مواطنيها و شركائها الاجتماعيين ، وأهمّها استكمال عملية بناء لا مركزيّة السّلطة السياسية ومعها القرار التنموي الجهوي .

3-إطلاق عملية مصالحة اجتماعية شاملة ، ترتكز على أصلاح عميق للمنظومة الجبائية و تعمل على إعادة توزيع الثروة الوطنية ومعها أعباء الدولة بشكل عادل بين مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية الوطنيّة.

4-إطلاق مشروع إصلاح فلاحي جذري يحلّ إشكاليات ملكيات الأراضي الفلاحية وأهمّها ملكيّة الدولة عبر إعادة توزيعها وإخراجها من حالة العطالة الإنتاجية مع إعطاء الأولوية المطلقة لمشاريع التجميع الطوعي للفلاحين الصغار والمتوسطين و تكتّلات الإنتاج التعاوني والتضامني بكلّ أشكالها.

ربّما بهكذا إجراءات سنجعل من تونس يوما ما وجهة للاستثمار المباشر في قطاعات الإنتاج المادي تتنافس وتتسارع الرساميل لخطبة ودّها طلبا للربح مع المحافظة على كرامة التونسيين واستقلال أرضهم ووطنهم ، ويبقى ان ننتظر نتائج الاستثمار الحقيقي المفترض فيما يتعلّق بال140 مشروعا التي تقدّمت بها تونس حتى نقول نجح الشّاهد على الأقل في إدارة أزمته وان كان لا يمكننا أن نقول نجحت تونس بعد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بينما تستقر أسعار النفط .. قفزات في أسعار الذهب بسبب التوتر


.. مباشر من أمريكا.. تفاصيل مشاركة مصر فى اجتماعات صندوق النقد




.. كيف يمكن أن نتأثر اقتصادياً بالمواجهة بين إسرائيل وإيران ؟ |


.. ما هي التكلفة الاقتصادية للضربات التي شنتها إيران على إسرائي




.. وزيرة الخزانة الأميركية تحذر من -تداعيات اقتصادية عالمية- بس