الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من وجود ل -الحركة الطبيعية- في الكون؟

جواد البشيتي

2016 / 12 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


جواد البشيتي

إنَّه سؤالٌ أجْهَد الفلاسفة والعلماء وهُمْ يَسْعون في إجابته، التي أتَت متباينة متناقضة؛ وإنِّي لأستطيع القول الآن إنَّ "الثلاثية الهيجلية" الشهيرة، والتي أبطالها، في هذا الأمر، أرسطو ونيوتن وآينشتاين، قد خَرَجَت منتصِرة من (أو حتى من) هذه المعركة؛ لكنَّ السؤال نفسه تظلُّ إجابته مُسْتَعْصِية على المرء إنْ لَمْ يُجِبْ، مِنْ قَبْل، عن سؤالين أوَّليين هما: "ما هي الحركة؟"، و"كيف تكون طبيعية (أو غير طبيعية)؟".
"الحركة" إنَّما هي حركة "جسم (أو جسيم) ما"؛ إنَّها، على سبيل المثال، حركة "كرة"، أو "كوكب"، أو "إلكترون"؛ فلا وجود لـ "الحركة" في عالَمٍ يخلو تماماً من الأجسام والجسيمات، أو، بمعنى ما، من "المادة".
و"الحركة" إنَّما هي "الحركة في المكان"، أي انتقال جسمٍ (أو جسيمٍ) ما من موضِع إلى موضِع، أو من نقطة إلى نقطة، في "الفراغ (أو الفضاء، أو المكان). إنَّ هذه "الكرة" تنتقل الآن من موضِع إلى موضِع على سطح هذه الطاولة؛ وإنَّ هذه "المركبة الفضائية" تنتقل الآن من موضِع إلى موضِع في الفضاء (أو الفراغ).
كيف يمكن أنْ يتحرَّك جسم أو جسيم (كروي الشكل مثلاً) في الفراغ أو الفضاء أو المكان؟
قد يتحرَّك (أي ينتقل من موضِع إلى موضِع) في خطٍّ (أو مسارٍ) مستقيم، أو منحنٍ (أو دائري، أو بيضاوي).
الحركة، أي حركة الجسم أو الجسيم في المكان، ومن وجهة نظر هندسية، إمَّا أنْ تكون في خطٍّ "مستقيم" وإمَّا أنْ تكون في خطٍّ "منحنٍ".
ومن وجهة نظر السرعة، إمَّا أنْ تكون "ثابتة (منتظَمة)"، أي لا تزيد ولا تنقص، وإمَّا أنْ تكون "متغيِّرة"، تزيد أو تنقص.
قُلْت إنَّها معركة خَرَجَت منها منتصِرةً "الثلاثية الهيجلية"؛ فَلْنَبْدأ، من ثمَّ، بـ "الأطروحة" Thesis التي يُمثِّلها أرسطو.
نَظَرَ أرسطو في حركة الأجسام؛ لكنَّه نَظَر فيها بعين الفيلسوف ـ العالم الذي لم يَكُن يَعْرِف قانون "القصور الذاتي"؛ لأنَّه لم يَكْن قد اكْتُشِف بَعْد.
نَظَر أرسطو، أوَّلاً، في حركة كرة (مثلاً) على سطح مستوٍ منبسط (كسطح طاولة). وتوصَّل إذ أدام وأمعن النَّظَر إلى أنْ لا حركة إلاَّ بـ "قوَّة خارجية"، وإلى أنَّ هذه "القوَّة"، المتأتِّية من جسم آخر، لن تَجْعَل الكرة (الساكنة) تتحرَّك إلاَّ بـ "التلامس (أو الاتِّصال Contact)"؛ فَمِن غير تلامس (أو اتِّصال) لا وجود أبداً للحركة في المكان.
كيف (أو لماذا) يتحرَّك الجسم في المكان؟
هذه كرة واقِفَة، ساكنة، ثابتة في مكانها، على سطح طاولة، تَدْفَعَها بيدكَ فتتحرَّك. ويدكَ، في هذه الحال، هي "قوَّة"؛ هي "القوَّة الخارجية" التي لولاها لما تحرَّكت الكرة. وهذه "القوَّة" لا تؤثِّر، ولا تَفْعَل فعلها هذا، عن بُعْد، أو عبر الفراغ. لقد "مسَّت" يدكَ الكرة (إذ دَفَعَتْها) فتحرَّكت هذه الكرة.
بيدكَ "الدَّافعة"، والتي "مسَّت" الكرة الساكنة، انتقلت تلك إلى الحركة؛ ، لكن، وعلى ما ترى، هل تظل تتحرَّك إلى الأبد؟
كلاَّ، لا تظل؛ فالكرة ما أنْ تشرع تتحرَّك حتى تشرع سرعتها تتضاءل وتنقص حتى تتوقَّف الكرة تماماً عن الحركة.
إنَّ "قوى الاحتكاك (مع مقاوَمة الهواء)" بين الكرة والطاولة هي التي جعلت سرعة الكرة تتضاءل حتى توقُّفها التام عن الحركة.
كل مَنْ يجهل قانون "القصور الذاتي" Inertia لا بدَّ له من أنْ يتوصَّل إلى ما توصَّل إليه أرسطو؛ فأنتَ لو وَضَعْتَ نفسك مكان أرسطو، وفكَّرْتَ في الأمر بما يتوافَق مع حقائق (وأوهام) زمانه، أو عصره، لتوصَّلْتَ إلى أنَّ الكرة الواقفة على سطح طاولة (مثلاً) لن تتحرَّك من مكانها إلاَّ إذا دَفَعْتَها بيدكَ؛ فإذا دُفِعَت تحرَّكت، وشرعت سرعتها تتضاءل حتى تتوقَّف تماماً عن الحركة. وهذا التضاؤل في السرعة حتى التوقُّف التام عن الحركة لم يَكُن في مقدور أرسطو أنْ يُفسِّره على أنَّه نتيجة تترتَّب حتماً على "قوى الاحتكاك (وفي مقدَّمها الاحتكاك بين سطحي الكرة والطاولة)"؛ فهذه القوى لم تَكُنْ مُكْتَشَفة بَعْد؛ ولو كانت مُكْتَشَفة لَتَبَيَّن لأرسطو أنَّ هذه "القوَّة"، أيْ "الاحتكاك"، هي الضديد (أو المقاوِم، أو الكابح) لحركة الكرة.
ولسوف تتوصَّل، أيضاً، إلى أنَّ استمرار الكرة في الحركة المنتظَمة (سرعةً واتِّجاهاً) يَسْتَلْزِم "قوَّة (خارجية)" منتظَمة ثابتة مستمرة (التأثير).
لنَفْتَرِضْ الآن أنَّ الكرة واقفة، ساكنة، لا تتحرَّك، على سطح الطاولة؛ فهل هي في هذه الحال من وجهة النظر الموضوعية للمراقبين جميعاً؟
كلاَّ، إنَّها ليست كذلك؛ فإنَّ مراقباً يراقبها من موضع ما يقع في خارج المجموعة الشمسية، مثلاً، يرى الكرة ثابتة على سطح طاولة، وثابتة أيضاً على سطح الكرة الأرضية؛ وفي الوقت نفسه يراها تتحرَّك مع سطح الأرض (لدوران كوكب الأرض حَوْل نفسه) وتتحرَّك، أيضاً، مع كوكب الأرض (لدورانه حول الشمس).
ونَظَرَ أرسطو، من ثمَّ، في السماء، أيْ في حركة الكواكب، مثلاً، والتي بَدَت له حركة دائرية، فتساءل قائلاً: كيف لهذا الكوكب أنْ يتحرَّك في المكان، أيْ أنْ يسير في مسارٍ دائريٍّ، في غياب "قوَّة (منتظَمة)" تُحرِّكه بـ "التلامس (أو الاتِّصال)"؟".
كان يكفي أنْ يتساءل على هذا النحو، أو في هذه الطريقة، وبما يتوافَق مع ما اعتدَّه "مسلَّمات"، حتى يجيب قائلاً إنَّ "الحركة الطبيعية" للجسم هي حركته الدائرية في الفضاء، الذي يخلو من "قوى التلامس (الخارجية)"، ومن ذاك "السبب الخَفي" الذي جَعَل الكرة المتحرِّكة على سطح طاولة تتباطأ حتى تتوقَّف تماماً عن الحركة.
إنَّ "الحركة الطبيعية"، بحسب أرسطو، والذي يمثِّل "الأطروحة" في هذه "الثلاثية (الفكرية) الهيجلية"، هي "الحركة الدائرية" للجسم، والتي مكانها السماء، أو الفضاء.
وظلَّ الناس زمناً طويلاً على إيمانهم بهذه "الأطروحة"؛ وشقَّ عليهم، من ثمَّ، اكتشاف قانون "الجاذبية" كما بسطه وشرحه نيوتن؛ فكيف لهم أنْ يكتشفوا هذا القانون وهُمْ يؤمنون إيماناً لا يتزعزع باستحالة وجود "القوَّة (الخارجية) التي تمارِس تأثيراً عن بُعْد"؛ فـ "التلامس (أو الاتِّصال)"، بحسب وجهة نظر أرسطو، هو الشرط الأوَّلي للحركة.
وبعد "الأطروحة"، جاء "النقيض (أو النقيضة، أو النفي، أو التضاد، أو التناقض)" Antithesis، الذي يُمثِّله نيوتن، الذي أجاب عن سؤالي "هل من وجود للحركة الطبيعية؟"، و"كيف تكون؟"، قائلاً إنَّها موجودة، وإنَّها حركة الجسم في خطٍّ (أو مسارٍ) مستقيمٍ، وبسرعةٍ ثابتةٍ (لا تزيد ولا تنقص).
إنَّها ليست سَيْره في مسارٍ مُنْحَنٍ، أو دائري، أو بيضاوي؛ وإنَّها حركته الحُرَّة من "القوى الخارجية"، أيْ من قوى الدَّفْع والسَّحب؛ فـ "القوى الخارجية" تُفْسِد "الحركة الطبيعية" للجسم إذا ما تعرَّض لها.
وإلى "قوى التلامس" المُفْسِدة لـ "الحركة الطبيعية" ضمَّ نيوتن "الجاذبية" التي عَدَّها "قوَّة" Force، تمارِس تأثيراً عن بُعْد؛ وهذا "التأثير"، الذي ظلَّت فكرته غامضةً مبهمةً، في تصوُّر نيوتن، ينتشر "فوراً" من مَصْدَرِه (عبر الفضاء) إلى أيِّ موضع في الكون، ومهما بَعُدَ، أيْ أنَّه تأثير لا ينتقل (في الفضاء) بسرعة الضوء على ما أوضح آينشتاين في نظريته "النسبية العامة".
لو رأى نيوتن جسماً ما يسير (في الفضاء) بسرعة ثابتة (لا تزيد ولا تنقص إلى الأبد) وفي خطٍّ مستقيم (إلى الأبد) لقال إنَّ هذا الجسم في "حركة طبيعية"؛ ولو رأى سرعته تزيد، أو تنقص، مع استمراره في السير في مسارٍ مستقيم، أو لو رآهُ يخرج عن الاستقامة في خطِّ سيره، مع بقاء سرعته ثابتة، لقال إنَّه أصبح "متسارِعاً"، أو في "حركة غير طبيعية".
أمَّا "السبب" الذي جَعَل هذا الجسم في "حركة غير طبيعية (أي في حالة تسارُع)"، فهو، بحسب نظرية نيوتن، "قوَّة خارجية"، دَفَعَتْه أو سَحَبَتْه؛ وهذه "القوة" إمَّا أنْ تكون من "قوى التلامس" وإمَّا أنْ تكون "قوَّة" الجاذبية، الخفية الغامضة المبهمة، التي تمارِس تأثيرها (اللحظي) عن بُعْد.
و"الخطُّ (أو المسار) المستقيم"، عند نيوتن، هو "المسافة الأقصر بين نقطتين"، على أنْ تكون هذه المسافة مستقيمة استقامة خطٍّ مرسوم على ورقة؛ وهذا "المستقيم (النيوتني)" لا يُوْجَد إلاَّ حيث لا وجود (أو لا تأثير) للقوى الخارجية كافة، أكانت من "قوى التلامس" أمْ من "قوى" الجاذبية؛ فـ "الفضاء"، عند نيوتن، ليس بالشيء القابل لـ "الانحناء"، ولا بدَّ له، من ثمَّ، من أنْ يظل (كله، وإلى الأبد) مستوياً منبسطاً، أيْ على هيئة سطح طاولة.
مسرح "الحركة الطبيعية (النيوتنية)" إنَّما هو الفضاء (النيوتني)" الذي يخلو تماماً من "المادة"، أي من الكواكب والنجوم..، ويخلو تماماً أيضاً من "القوى الخارجية" التي قد تؤثِّر في الجسم، ومن مصادِر ومنابع وحقول الجاذبية.
في هذا الفضاء، وفيه فحسب، يكفي أنْ تَدْفَع بيدكَ كرة حتى تتحرَّك إلى الأبد، بالسرعة نفسها، وفي الاتِّجاه نفسه (أيْ في خطٍّ مستقيم استقامة خطٍّ مرسوم على ورقة). وأيُّ تغيير في سرعة هذه الكرة، أو في اتِّجاه حركتها، لا يمكن أنْ يُفْهَم ويُفسَّر إلاَّ على أنَّه نتيجة تأثُّر الكرة بـ "قوَّة خارجية ما"، أو بـ "جاذبية ما"، فالكرة، وبصفة كونها جسماً يملك خاصية "القصور الذاتي"، لا يمكنها أبداً أنْ تُغيِّر حركتها من تلقاء نفسها.
وفي هذا الفضاء الحُرُّ من القوى والجاذبية ينبغي لنا أنْ نفهم "السكون" و"السَّيْر بسرعة ثابتة في مسارٍ مستقيم" على أنَّهما وجهان لـ "الحركة الطبيعية".
ومع ظهور "النسبية العامة" لآينشتاين تهيَّأت الأُسُس النظرية لـ "الطور الثالث (والأخير)" من "الثلاثية الهيجلية"، ألا وهو "المُركَّب (التركيب، التأليف، أو نفي النفي)" Synthesis.
لقد فَهِمْنا خاصية "القصور الذاتي" للجسم (أو للجسيم أكان يملك كتلة أم كان عديمها) على أنَّها "العجز (المُطْلَق) للجسم عن تغيير حركته (من تلقاء نفسه) فلا بدَّ من "قوَّة (خارجية)" تُكْرِه وتُرْغِم الجسم على تغيير سرعته، أو اتِّجاهه، أيْ على الخروج عن "حركته الطبيعية (المنتظَمة)".
لكنَّ هذه الخاصية تعني، أيضاً، "المقاوَمة"؛ فالجسم يبدي "مقاوَمة" لكل تغيير في حركته، متأتٍّ من "قوَّة (خارجية)"؛ ولا بدَّ لهذه "القوَّة" من أنْ تتغلَّب على هذه "المقاوَمة" قبل، ومن أجل، تغيير حركة الجسم، أيْ إخراجه عن "حركته الطبيعية، المنتظَمة (سرعةً واتِّجاهاً)".
"المقاوَمة" التي يبديها الجسم لكل تغيير في حركته يمكن وصفها بأنَّها "انتفاضة القصور الذاتي"، فالجسم يميل إلى أنْ يبقى في "حركة طبيعية"، فإذا تعرَّض لتأثير "قوَّة (خارجية)"، تدفعه أو تسحبه، "انتفض"، وكأنَّه يُدافِع عن "حقِّه" في البقاء في حالة "حركة طبيعية منتظَمة".
وإنَّ من الأهمية بمكان أنْ نقف على النتائج المترتبة حتماً على "المقاوَمة" التي يبديها الجسم، أيْ على "انتفاضة قصوره الذاتي"؛ فهذه "المقاوَمة" مع نتائجها الحتمية، إنَّما هي خير دليل على أنَّ الجسم ما عاد في حالة من "الحركة الطبيعية المنتظَمة".
"الحركة الطبيعية" للجسم نراها في الفضاء المنبسط، وفي الفضاء المنحني؛ ففي "المنبسط" من الفضاء، نراها في سيره بسرعة ثابتة، وفي خطٍّ مستقيم؛ أمَّا في "المنحني" من الفضاء فنراها في سيره في مدار، أو في سقوطه سقوطاً حُرَّاً؛ أمَّا الحركة "غير الطبيعية" للجسم فهي كل تغيير في حركته متأتٍّ من قوى خارجية.
في "الأطروحة"، أيْ بحسب نظرية أرسطو، كانت الحركة الطبيعية هي "الدائرية" التي تتَّخِذ من السماء، أيْ الفضاء، مسرحاً لها؛ وكانت "القوَّة (الخارجية)"، الملامسة للجسم، المتَّصِلة به، والثابتة في تأثيرها، هي الشرط لحركته المنتظَمة، سرعةً واتِّجاهاً؛ فالجسم على سطح الأرض لن يظل يسير بسرعة ثابتة، وفي خطٍّ مستقيم، إلاَّ إذا أثَّرت فيه، مباشَرَةً، وعلى نحو منتظَم، قوَّة خارجية.
وفي "النقيض"، أيْ بحسب نظرية نيوتن، أصبح السير في خطٍّ مستقيم، وبسرعة ثابتة، هو الحركة الطبيعية؛ وأصبحت "القوَّة (الخارجية)" نفياً للحركة الطبيعية؛ لأنَّها تأتي بـ "التسارع"، الذي هو نفيٌ للحركة الطبيعية المنتظَمة.
وفي "المُركَّب"، أيْ بحسب نظرية آينشتاين، أو بحسب بعضٍ من أُسُسها، رَأيْنا الحركة الطبيعية في جسم حر من ضغوط القوى الخارجية، يسير في الفضاء المنبسط بسرعة ثابتة، وفي خطٍّ مستقيم، أو يدور في الفضاء المنحني في مدارٍ ثابت، أو يسقط سقوطاً حُرَّاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخبز يعيد بارقة الأمل الى سكان غزة | الأخبار


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يضع دول المنطقة أمام تحديات سياس




.. العاهل الأردني: الأردن لن يكون ساحة معركة لأي جهة وأمنه فوق


.. هل على الدول الخليجية الانحياز في المواجهة بين إيران وإسرائي




.. شهداء وجرحى جراء قصف قوات الاحتلال سوق مخيم المغازي وسط قطاع