الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الموت والحياة والروح.

ناصر ثابت

2016 / 12 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لماذا نتخيل أن موتَ الشجرة مثلاً يختلفُ عن موتِ الإنسان؟
الشجرة تموت، تتوقف خلاياها عن العمل، تجفُّ، وتهوي، وتتحللُ أجزاؤها، وتذوب. يتوقف الماء عن الجريان في عروقها، وتتوقف عن صناعة الأغصان الجديدة، أو الأوراق أو الثمار، وينتهي أمرها هنا. لا تنفصلُ روحُها عن جسدها ولا ما يحزنون. الموضوع أبسط من ذلك بكثير. فقط يختل نظامُ الجسد، وينهار، ويتلاشى تدريجياً. تتوقف التفاعلات الكيميائية، وتذوب المركبات وتعود إلى الطبيعة، ينتهي كل شيءٍ دون الحاجة إلى البحث عن مبدأ الروح، وعن مآلِها.
ولماذا نظنُّ أن الأمر مختلفٌ إذا تحدثنا عن الإنسان؟ هنالك فرق بين الجسدِ الميت والجسد الحي، هذا صحيح، ولكنه يشبه الفرق بين الشجرة الميتة والشجرة الحية، وإن كانت تفاصيلُ وتعقيدات الجسد البشري أو الحيواني أكثر. ولكن المبدأ هو هو. لا يختلف. الموت يعني أن اختلالاً حاسماً ونهائياً قد حدثَ في ذلك التكامل المعقد بين وظائف الأجزاء المختلفة من الجسد. ينهارُ هذا التكاملُ فجأة، ولا يمكنُ إعادته إلى سابق عهده، لأنه شديد التعقيد والدقة والتماهي في التفاصيل، ولأنه ينزلُ إلى مستويات دنيا في هرم تركيب الجسد، من الأعضاء المرئية إلى الأنسجة، إلى الخلايا، إلى المركبات العضوية والكيميائية إلى الذرات، إلى تلك العلاقة الخفية بين كل هذه التفاصيل.
ما هي الروح إذن؟ وأين تذهبُ بعد الموت؟
إذا نظرنا إلى الذرات وجدناها مكونة من أجزاء دقيقة جداً، تتحرك وتتذبذب لأسباب فيزيائية بحتة. شحناتها الكهربائية تجعلها في تجاذب أو تنافر، ولكن في اتزان متحرك طوال الوقت. هذه الحركة وهذا التذبذب لا يكون لاسباب روحية إنما لاسباب كهربائية. هذه الذرات ترتبط مع ذرات أخرى لتصنع المركبات، وهي جزيئات صغيرة نسبياً تتكون من خليط من الذرات، أعطاها ارتباطُها مع بعضِها خصائص فيزيائية وكيميائية ما، يعتمد على محتواها، ومجموع هذه المركبات يكون إما سائلا أو صلباً أو غازياً وذلك طبقا لماهيتها. المركبات الكيميائية يرتبطُ بعضُها بالبعض الآخر ويصنع الخلايا، وبناء على الكثير من التفاصيل الموغلة في تعقيدها، ولكن المفسرة في العلم بشكل شبه كامل، تكون هذه الخلايا بمثابة معامل أولية للحياة. تصنعُ وتنتج وتفتت وتدمر وتظل في اتزان جميل ما دام الجسدُ حياً. تتواصل فيما بينها، وترسل الإشارات، وتستقبلُها وبناء على تركيب كيميائي بحت فيها ورثته من الجسد الذي كانت فيه أصلاً، فإنها تصنع أنسجة بخصائص معينة واشكال مختلفة، وهذه الأنسجة تتكامل لتصبحَ أعضاءً وأجهزة في الجسد. ولنفس الأسباب الفيزيائية والكيميائية تتفاعل الأعضاء بعضُها مع بعضٍ لتصنع وظيفة حيوية مهمة وهي ما نسميه بجسم الإنسان الحي، الذي نعرفُ وظائفه.
القلبُ مثلا ينبضُ بناءً على توازن كيميائي يعرفه الأطباء والعلماء، ويتوقف عن النبض لاختلال ما في نظامه. والدماغ أيضا يبقى حياً أو يتوقف عن الحياة لنفس الأسباب، ولكن بتفسيرات تخصه هو. وهكذا.
وبالمناسبة، فإن الجسد الحي، المسمى بالإنسان، يحلمُ ويفكر ويتذكر وينسى، ويغضب ويفرح ويمارس العواطف والأحاسيس بنفس الطريقة الكيميائية. كل ذلك بتأثير من الهرمونات، اختلالاً واتزاناً، والتفاعلات الكيميائية في الأجهزة العصبية والخلايا العصبية (الأعصاب). مرة أخرى يمكننا أن ندرس كل هذه التفاعلات في كتب العلم.
إذا مرض الإنسان مرضاً مؤقتاً فإن اختلالاً محدوداً يحدثُ في نظامه العام، يستطيع أن يعالجه عبر اللجوء إلي شيء يساعد جسده على إعادة ذلك التوازن. كما أن الجسد عنده نظامه الخاص القادر على القيام بذلك.
أما إذا مرض مرضاً مزمناً، فإن اختلالاً ما دائماً يكون قد حدث في نظامه الجسدي، ولكن دون أن يؤدي إلى انهيار كامل. ويستطيع أن يسيطر على هذا الخلل عبر اللجوء إلى أي شيء يساعده في إيجاد توازن صناعي ما يحافظ على وظائف الجسد فيما تبقى له من العمر.
أما الموت فهو انهيارٌ تامٌ لكل هذا النظام دون أن يكون هنالك أملٌ لإعادة توازنه. وعندما يحدث فإن كل التفاعلات الكيميائية تنهار، أو تتوقف، ويبدأ الجسدُ بالتفتت، لأسباب كيميائية وعضوية بحتة، والاستعداد للعودة إلى الطبيعة.
كل هذه الطاقة المادية، وهذه الشحنات الكهربائية والروابط العضوية، لا تفنى وإنما تتبدد في الطبيعة وتتماهى فيها!
مرة أخرى، الإنسان والشجرة يموتان بنفس الطريقة، وإن كان جسدُ أحدِها أكثر تعقيداً من الآخر، فلماذا نظن أن للإنسان روحاً تحلِّقُ وتذهبُ وتخرجُ خارجَ الزمانِ والمكان؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار