الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بقايا امرأة

إدريس سالم

2016 / 12 / 3
الادب والفن


بقايا امرأة
إدريس سالم


سأكتبُ لبقايا امرأةٍ مُهتجِنةٍ، ومَغصوبةٍ على قبول ما لا يُقبَل
سأكتبُ لبقايا امرأةٍ مَحرومَةٍ من أبسط ما يُعقَل
سأكتبُ لبقايا امرأةٍ مَحفورَةٍ بفؤوس الفحول
سأكتبُ لبقايا امرأةٍ تفأدُ من أوْصَاب رجلٍ مَشلول
من مَجنونٍ رسميٍّ مُفَرْتك
وبشهَادة عَرَانينِ الناسِ التافهة
وأبٍ أحمَقٍ تاجرَ بها، وتشيطَن
وأخٍ كثيرٌ هي عليه كلمة أَخ
سأكتبُ لبقايا امرأةٍ أسيرَةٍ في مآسِد آسَادٍ يسْتأسدونها على عَرْضٍ وطول
سأكتبُ لبقايا امرأةٍ مُلتَهِمةٍ، ومَنخورةٍ من كلّ العقول
سأكتبُ..
حتى تدوخَ ألفاظي أمامَ أُحْدوثتك،
وتغطسَ فيك، وفي دموعك..
وفي النهاية تغرق
سأكتبُ لبقايا امرأة
*** *** ***

بقايا امرأةٍ بخمسة حروفٍ مُقفّلةٍ بسبعةٍ وعشرين حجّةٍ دَمَوية
باءُ البرِّ من بَارٍ رمَاهَا في البَرَاري
راءُ رحِمٍ يودُّ أنْ يكونَ رَحَّالاً عبرَ الأكوان
واوُ وصمةِ عارٍ التحَقَتْ بها، يومَ صارَتْ بَعْلةً لبعْلٍ توّهَها
ياءُ يانِعةٍ مَيمونةٍ، ومَقطوفةٍ من قطّافٍ مَاكِر
نونُ نجدةٍ من الأوصياء، يومَ كانتْ قاصِر
فأيفَعَتْ بيدِ نكِرَة
ترقدُ، وتستفيقُ بيدِ نكِرَة
تأكلُ، وتشربُ بيدِ نكِرَة
تتنفّسُ في أنفاس نكِرَة
تُبَاسُ، وهي بينَ يدي نكِرَة
تُبرَحُ، وتُهانُ بحَدوَاتِ نكِرَة
فأينَ الإنصافُ من كلّ هذا لبقايا امرأةٍ تبقى، أو لا تبقى؟
أينَ الإنصافُ؟
قولوا، وأريحوني.. أينَ الإنصاف؟
قولوا، وأريحوها.. أينَ الإنصاف؟
إنْ كنْتُم ستقولون نصيبَها، حظَّها..، أو قضاءً وقدر!!
سأقولُ لكم: "اخرسوا، لعنةُ الله عليكم"
*** *** ***

فريدَةُ الفرائِدِ، وفرَضُوا عليها ما لا يُفرَض
سوداءةُ العَينينِ، وأسْأمُوها
سوداءةُ الشعرِ، وباعُوها
لم تُقابِلْ إلا الوجوهَ المُزيّفة
لم تلمُسْ إلا الإبْهَامَاتِ المُجتاحَة
إلا السبّاباتِ المُخدِّرة
و الوُسَطُ زعماءٌ لا يستنصفونها
والبَناصِرُ المُتوحِّشة
والخَناصرُ المَعصوبَة للحم الخَناصِر
حتى أتاها شابٌّ، اسمُهُ يُضاهي الوطنَ
فتهيّمَ بها
فكانَ لها الوطنَ، رغمَ أنّ وَطنَها مَفقود
كانَ لها كلَّ شيءٍ، رغمَ أنّ كلَّ شيءٍ من حولها مَفقود
كانَ لها مُنقِذاً في زمن الكِلابِ الهَرّارة
مُنقِذاً من مُسرفي خِمَارِها
المُسرِفون الذين استرطُوا بقاياها بالخَنَا
بقايا طويلةِ السبائِب
بقايا ابنةِ السُّرى
بقايا زيتونةٍ مَرميةٍ في الساعور
بقايا امرأة اختاروا لها المجهول
*** *** ***

ذهبَتْ لمُحَاضنته
لمُحَاضنة الوطن
لتلفَّه كالأفَانين
لتحسَّ بسَكَرَات أنوثتها البَاقية
التي لم تعشْهَا أصْلاً
لتستكشِفَ أهمَّ الاكتِشافات في هذا العِلْم
فالأنثى عِلْمٌ،
كعِلم الفيزيَاء، والرياضيات، والنفس..
فاجْلَوَّذَتْ في الشارع اجْلِوّاذاً
وهي تستديرُ على كلّ الاتجاهَات
وتراقِبُ بحَذرٍ ما يَمرُّ من الجَفَلَى، والنقَرَى
فتبلّلَ شالُها عَرَقاً
وصارَ عَرَقُها عَرَقاً
فذاقَتْه عَرَقاً
وسَالَ العَرَقُ عَرَقاً
وعضَّتْ رَوَابِلَه قهرَاً
واتّحدَتْ عروقُها بعروقِه
فمشى العَرَقُ في العِرْق
وأُصيبَا بالعُرَواء
وتهدَّليا على الحَصير
تحتَ تأثيرِ الاحتضان
وأبْكَاهما مَتاهَاتُ فُسّاقِ مُجتمَعٍ فاسِق
لا يفهمون، ولا يُقدِّرون
*** *** ***

بقايا امرأةٍ سَرَقَتْ ما لا يُسرَق
لترَى ما لا يُرَى، كي لا تُزهَق
رأَتْه بعدَ عراقيلٍ، وعراقيل..
لبُرْهَتين، أو أكثر، أو ربّما أقل
وكأنّها رأَتْه لعُمرَين، أو أكثر، أو ربّما أكثر
فهَرَبَتْ ممَنْ لا تستطيعُ أنْ تهرب
تمَنَّتْ لو كانَ إسْكافيّاً، أو سَقّاء
لتشتري منه ما يُشترَى، ولا يُشترَى
أو تسْتسْقي دونَ أنْ تحسبَ حِسَابَ حَاسبيها
يا الله:
اجعلْهما يَنامَان معاً على رَمَثٍ كردستانيُّ اللون
أو حرِّمْ نومَك على البشر
ادفنْهما معاً، أو سأنتمي إلى دينٍ آخر
أدْهقْ كأسَهما ادْهيمَاماً، أو سأعبدُ إلهاً آخر
داويهما مُدَاواةً، أو سأنشرُ وَبَاءً
ولِّعْهما معاً توليعاً، أو سأهدمُ الدُّنَا
عذراً يا الله: أنا لا أُهدّدُك
إنّما أطلبُ الإنصافَ لخلْقك
*** *** ***

أَعْوَزَ حالُ عائِذةٍ عائِدةٍ من مَوعِدٍ مسروق
من دماغٍ مزروعٍ في رأس قضيب مجتمع، لا في جمجمته
فاعْتاصَتْ عليها أنْ تتركَه لوحده
بينَ دهاليزِ غرفة
وليسَ من مِعْوَانٍ يعتونُها
وكم رَطَنَ وَطَنُ بقايا امرأةٍ بالأعجمية
عندَما غادرَتْ جَوْعَى، وبقي هو جَوْعَاناً هناك
قولوا: "هل رأيْتُم في المَمالِك لايدياً جائِعَة؟!"
فآهٍ من بقايا امرأةٍ، وشابٍّ فُنِيا
*** *** ***

لو كانَتْ شونةً، أو شوهاء
أو فاحِشة، و سَاقِطة
لاستحقَتْ هذا الجَزاء
لكنّها مُدْهامّةٌ، ولا تخون
ومِفَنّةٌ تفنِّنُ صفائَها، تربيتَها.. تفنُّناً
فَاهِمةٌ تفهِّمُ الفِهَامَ ما معنى الفَهَامَة!!
*** *** ***

بقايا شقيٍّ ازدَانَ ببقاياها
واستشفى بها استِشفاءً
استنهاهُ التعبُ، والعتبُ، والعجبُ، والعيبُ..، وتهدّدَه
تأمّلَها، ويتأمّلُها مِرَارَاً وتِكرَارَاً، ويتهجّاها
ولا يشبعُ منها، ولا يريدُ الإشباع
ذاك الوطنُ، الشديدُ الشكيمة
عندَما لا يُحادثها
يكفرُ الكَفّاراتِ، والنعماتِ كُفْرَاناً
يشربُ المَشاقَّ تَشْرَاباً
يشهقُ تَشْهَاقاً
يشعَفُه حبُّها شَعْفاً
هل سَيَصمُد؟
لا لن يَصمُد!
فهذا هو حالُ بقايا شقيٍّ، وبقايا امرأة


إدريس سالم: شاعر كوردي سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته