الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعوة إلى أهل الخير: راية بيضاء

فلاح رحيم

2016 / 12 / 4
الارهاب, الحرب والسلام




دعوة إلى أهل الخير: راية بيضاء
هنالك دعوة واحدة يمكن لها أن تربك اللاعبين الكبار في منطقة الشرق الأوسط، وأعني بهم الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران وتركيا. إنها الدعوة إلى السلام وايقاف سفك الدماء لأي سبب كان، والتصدي للمساعي الحثيثة لإعداد المنطقة لحرب إقليمية جديدة مدمرة. كل ما عدا هذه الدعوة يصبّ الزيت على نار الحرب المقبلة ويروق لتجار الحروب في عالم اليوم: لا ضير في أن تكون إسلاموياً أو علمانياً أو قومياً، شيعياً أو سنياً، بعثياً أو شيوعياً، محافظاً أو ليبرالياً. كل هذه المواقف الأيديولوجية مُرحّب بها في الاعلام الموجّه لشعوب الشرق الأوسط لأنها تفتقد الإطار الدستوري الذي يمنحها العافية والايجابية، وهي في ظل الاستبداد أو الفوضى تبقى عوناً لدفع المنطقة إلى الاقتتال وتدمير الذات. الراية الوحيدة الغائبة غياباً تاماً هي تلك الراية البيضاء التي تدعو إلى رمي السلاح والاحتكام إلى التفاوض السلمي حلاً وحيداً لإنقاذ المنطقة. يجب على حركة السلم هذه التي أدعو إليها الامتناع عن رفع أية شعارات معادية للولايات المتحدة أو السعودية أو إيران، أن تعلو على الأيديولوجيا (ألم يقولوا لنا أن الأيديولوجيا قد عَفَت وماتت؟) إنها حركة لا تفهم إلا مبدأ واحداً هو إيقاف التصعيد الطائفي وسفك الدماء والتهجير وتدمير المدن وتخريب ما هو عامر. يمكن لهذه الحركة أن تنطلق من العراق فيخرج المتظاهرون رافعين رايات بيض بدلاً من الأكفان البيض، وأن تعمل على مدّ جسور شعبية مع الحراك المدني في السعودية وإيران وتركيا والغرب عموماً لخلق تيار مدني واسع يحرج السياسيين ويفضح تعطشهم للدماء. لا بد من مسيرات حاشدة تحمل تلك الرايات البيض التي حملها أهل الموصل في محنتهم تدعو إلى السلام وتعلو على الدعاوى الطائفية والأيدلوجية. لن يتمكن أحد مهما بلغ به التعسف والشر أن يمنع أو يقمع إنساناً خيّراً يحمل راية بيضاء. وهي راية تصلح لكل شعوب المنطقة دون تمييز. يمكن أن يحملها في العراق ابن الأنبار الذي دُمرت مدينته وشُرد أهلها واستدرجوا إلى فخ تدمير الذات، ويحملها ابن البصرة الذي استنزف الإرهاب قواه البشرية بالقتل والاقتصادية بتمكين الفاسدين تحت مظلة الاستثناء الأمني من العبث بمقدراته، ويرفعها ابن أربيل الذي تُهدد الفوضى القادمة كل ما حقق من مكاسب.
هذه صيحة استغاثة أوجهها للخيّرين والخيرات في نهاية عام مأساوي. أتمنى أن ينشرها كل من يشعر بمأساة المدنيين ضحايا الدسائس في الشرق الأوسط. ومقالتي أدناه تفسير مفصل للحالة القائمة في المنطقة وما يمكن أن تنتهي إليه الأحوال في حقبة دونالد ترامب المثيرة للقلق. أنشر المقالة كاملة هنا بعدما نشرت جريدة العالم النصف الثاني منها على الرابط التالي:
http://www.alaalem.com/?aa=news&id22=41079


نقاط على حروف دونالد ترامب
فلاح رحيم
تعلّم العراقيون من تاريخهم الحديث درساً مريراً لا يتوفر للكثير من الشعوب: أن الصراع عندما يقوم بين طرفين لا يعني بالضرورة أن أحدهما على حق والآخر على باطل. قد يقوم الصراع بين الحق والحق، وقد يقوم كما هو في أغلب الأحيان لدينا بين الباطل والباطل. لا أنوي هنا التوسع في الحالة العراقية فحديثها ذو شجون، لكن حديث الانتخابات الأمريكية الأخيرة وما يترتب عليها بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط هو حديث الساعة، وأهميته بالنسبة لنا تفوق أهمية أي حديث آخر للأسف.
هنالك اتفاق عام تقريباً على أن الناخب الأمريكي صدم العالم وخيّب الآمال بانتخابه رئيساً من شاكلة دونالد ترامب. قناعتي أن الناخب الأمريكي والغربي عموماً، بعد قرون من الممارسة الديمقراطية، لم يعد ساذجاً في اختياراته وقراراته. أما السبب الذي دعاه إلى خذلان مرشحة الديمقراطيين هيلاري كلنتون، بقدر تعلق الأمر بالشرق الأوسط، فهو ذات السبب الذي دعاه من قبل إلى التخلي عن بوش الابن وانتخاب باراك أوباما. لم يفعل أوباما في سياسته الشرق أوسطية تحديداً إلا تكرار سياسة جورج بوش الابن بنسخة لا يميزها عن سابقتها إلا غياب القوات البرية الأمريكية عن المنطقة. حين سقطت كل دعاوى بوش لغزو العراق تشبث هو وحلفاؤه بغاية لا تقع ضمن اهتمامات الناخب الأمريكي هي تحرير العراقيين من نير الديكتاتورية. ما أعقب هذا التحرير من تدمير للسيادة العراقية وإضعاف للدولة بتوزيع سلطاتها على طوائف متحاربة وقتل لمئات الآلاف من الأبرياء على يد الإرهاب الناجم عن الاحتلال، أفقد سياسة بوش كل مسوغ لها فتنكر له الناخب الأمريكي.
وعد أوباما الناخبين بأنه لن يرسل قوات أمريكية إلى الشرق الأوسط، وكان هذا الوعد كافياً لانتخابه وإعادة انتخابه. لكنه بالمقابل كرر السيناريو الجمهوري العراقي ذاته في سوريا. أصرّ كما فعل سلفه بوش على إنقاذ السوريين من ديكتاتورية البعث. وبينما هو مشغول بتحقيق هذه المهمة النبيلة انتهى الحال بالسوريين إلى مآس جعلتهم يتنافسون في ظلها مع العراقيين في أي الشعبين رأى هولاً أشد. نحو نصف مليون قتيل ونصف سكان سوريا مهجرون عن ديارهم وتدمير كامل للبنية التحتية للبلاد واشتداد عضد الإرهاب وتوسعه حتى وصل العراق ليتسبب في دمار كامل للمناطق الغربية منه وإلى مقتل آلاف العراقيين في مواجهات عسكرية طاحنة لا تزال قائمة حتى اليوم. كما أن المأساة الناجمة عن محاولة منح السوريين الديمقراطية وصلت إلى الغرب وصار الإرهاب يصول ويجول هناك.
قيل لأوباما مراراً أن ثمن التخلص من بشار الأسد فادح ولابد من تأجيله الآن ريثما نتخلص من هذا الوباء الإرهابي. قيل له إن سقوط نظام الأسد سيُحدث فراغاً في سوريا لا توجد قوة قادرة على ملئه إلا داعش. لم يُجد ذلك نفعاً. أصر مع وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون على دعم "المعارضة المعتدلة"، وهي لعبة لم تعد تنطلي على أحد لأن هذه الأعداد الغفيرة من المعارضين "المعتدلين" انتهت دائماً إلى رفد صفوف داعش ما أن تُطوق وتستسلم له مع أسلحتها. وكان رد الإدارة الديمقراطية دائماً تدريب أعداد جديدة وإرسالها إلى الميدان لتُطوق من جديد وتنتهي مع داعش. صار على إدارة أوباما لترد عنها تهمة دعم الإرهاب أن تفسر للأمريكيين لماذا أصرت على نشر الديمقراطية في سوريا على الرغم من أن هذه العملية كلفت الشعب السوري ثمناً هدد وجوده؟ لم يقتنع الناخب الأمريكي بدعوى من أوباما تشبه ما قال به بوش، ردّوا عليه: لسنا مسؤولين عن نشر الديمقراطية إذا كان ثمنها كارثياً بهذا الشكل! لم يتعظ الديمقراطيون وظلت هيلاري كلنتون مصرّة في برنامجها الانتخابي على إسقاط نظام الأسد مهما ترتب على ذلك من أضرار، متناسية أن زوجها الديمقراطي بل كلنتون قد أرسل وزيرة خارجيته مادلين أولبرايت لتسير حزينة في جنازة أبيه وتشيد بالانتقال السلس للسلطة في سوريا دون كلمة واحدة عن تغيير دستور البلاد ليسمح للوريث الشاب بالحكم. ردّ عليها ترامب بأسئلة محرجة كشفت عيوب السياسة الديمقراطية في الشرق الأوسط. لم يفعل ترامب أكثر من القيام بنقلة صغيرة ولكنها محورية لدى الناخبين، تنازل عن فكرة نشر الديمقراطية في سوريا وقدم عليها مهمة القضاء على الإرهاب لما ترتب عليه من نتائج مأساوية لكل شعوب العالم. وقد كافأه الأمريكيون على ذلك بعدما سئموا سفسطات أوباما بصدد مشكلة الإرهاب.
وهكذا صرنا أمام سؤال جديد: هل يعني صعود ترامب انعطافة كبرى في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط؟ لابد من التمهيد للإجابة. بصعود دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، يكون قادتها قد قرروا طيّ صفحة الدعاوى الأيديولوجية وأعلنوا تقديم مصالحهم الاقتصادية عليها. لا يدعو ترامب إلى نشر الديمقراطية في العالم، ولم يتطرق إلى حقوق الإنسان وحماية الأقليات وتدارك البيئة وغير هذا مما ظلّ أسلافه جميعاً يتغنون به. الواقع أنه ذهب إلى العكس تماماَ فأعلن إعجابه بطغاةٍ أجمعَ العالم على هجائهم، وهدد الأقليات في أمريكا وتوعدها، وسخر من دعاوى أن البيئة في خطر. بهذا يكون ترامب أشبه بميخائيل غورباتشوف الذي أعلن سياسة البيروستريكا عام 1987 وبها بدأ العد التنازلي الذي أنهى سلطة الأيديولوجية الشيوعية في روسيا حتى انتهينا اليوم إلى خطاب بوتين الخالي من أية دعاوى أيديولوجية فهو أقرب إلى خطاب ترامب في وضع مصالح بلده أولاً.
السؤال المنطقي من هذه المقدمات يتعلق بالنتائج المحتملة لهذا الصعود الصاعق لترامب. هل سينتهي ترامب إلى تغيير هوية الولايات المتحدة والإجهاز على الديمقراطية؟ هنالك من المعلقين الأمريكان أنفسهم من يخشى أن يكون ترامب بوابة الدخول إلى حقبة نازية. قناعتي أن النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة سيكون أقوى من ترامب، وبدلاً من أن يدمر ترامب هذا النظام المعقد العريق سيضع النظام ترامب في خدمته فيستخدمه لتنفيذ ما قد يعجز عنه رئيس يحتكم إلى القيم الأيديولوجية التي ملّ التشدق بها دعاتها في أمريكا. أدى قمع الحريات في الاتحاد السوفيتي السابق واحتكار حزب واحد الحياة السياسية إلى دولة هرمية يمكن أن يتحكم بها رأس الهرم كما يشاء. كان يكفي أن يصل رجل مثل غورباتشوف إلى كرسي الرئاسة ليفضح نقاط الوهن المتوارثة في الاقتصاد والحريات والسياسة الخارجية. لن يحدث شيء كهذا في أمريكا لأن صناعة القرار متشعبة الأطراف ومصالح الشركات الكبرى لن تسمح بسلطة تحدّ من حرياتها واستقلالها. سيكون ترامب خادماً للنظام الكبير الذي جاء به إلى السلطة لا العكس، وهو ما يعيدنا إلى الشرق الأوسط.
معروف أن السياسة الخارجية الأمريكية ثابتة لا تتأثر بهوية الحاكم السياسية. هنالك ثوابت كثيرة تترك هذا المضمار بعيداً حتى عن التنافس بين الجمهوريين والديمقراطيين. السؤال الذي حارت فيه الأذهان بالرغم من وضوح الإجابة عنه هو: ما هي الأهداف الاستراتيجية الكبرى للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؟ نحن نعلم الآن، بفضل صعود ترامب، أن الغاية ليست نشر الديمقراطية أو إحقاق حقوق الإنسان أو انقاذ الأقليات كما سمعنا مراراً. الغاية كما هي دائماً خدمة مصالح الشعب الأمريكي كما تفهمها الشركات الكبرى (النفط والسلاح) والحرص على تنفيذ العقد الاجتماعي بين الناخب والمنتَخب داخل الولايات المتحدة حصراً. بهذا نكون قد حصرنا السؤال في زاوية أدق، كيف تفهم الشركات الكبرى مصالحها في الشرق الأوسط؟ هنالك ثلاثة أهداف أساسية لن تحيد عنها أية إدارة أمريكية في سياستها تجاه الشرق الأوسط في عالم اليوم، ولا بد قبل الخوض فيها من وقفة قصيرة عند عالم ما بعد الحرب الباردة الذي نعيش فيه.
يفرد الأكاديمي الأمريكي الأبرز في مجال دراسة نهاية الحرب الباردة جون لويس جاديس فصلاً من كتابه "الحرب الباردة: تاريخ جديد" (2006) للعالم الثالث فيصف حقبة الحرب الباردة بأنها كانت العصر الذهبي لدول هذا العالم، ذلك أنها تُركت بين عملاقين لا يجرؤ أيّ منهما على غزوها أو استعدائها لأنها يمكن في مثل هذه الحالات أن تستجير بخصمه وتوقفه عند حده. هذا التوازن الدولي سمح على النطاق المحلي بصعود نجوم زائفة من حكام مستبدين يدّعون تحدي الشرق والغرب والاستقلال في طريق ثالث هو العروبة تارة والإسلام تارة أخرى. ما لا يتطرق إليه جاديس في كتابه هو الانعطافة في وضع هذه البلدان بعد الحرب الباردة. الآن وقد انفردت قوة واحدة كبرى بشؤون العالم ولم تعد تحتاج إلى مغازلة دول صغيرة بلا حول أو طول، ما الذي سيتغير في وضع هذه الدول؟ أعتقد أن دونالد ترامب كان أكثر وضوحاً من أي زعيم أمريكي آخر في الكشف عن حقيقة العلاقة الجديدة مع هذه الدول: لن تقدم الولايات المتحدة الحماية دفاعاً عن حلفائها في مقارعة قطب آخر، بل ستقدمها مقابل صكوك مالية تترجم الامتنان إلى لغة مفهومة على الصعيد الأمريكي الداخلي.
في إطار عالم ما بعد الحرب الباردة تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة وقادرة على إعادة ترتيب قواعد اللعبة الدولية. ولا أتفق مع من يرى أن ترامب يختلف عن المحافظين الجدد أو أن الاثنين يختلفان عن الليبراليين الجدد في أمريكا. أهداف السياسة الخارجية الأمريكية واحدة لدى الأطراف الثلاثة وليس من خلاف إلا في الوسائل. أعود الآن إلى الغايات الثلاث لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط: الغاية الأولى هي إنهاء ما ترتب على العصر الذهبي للعالم الثالث من امتيازات سيادية لا تتناسب مع قدراته الدفاعية والصناعية في عالم اليوم. لا بد من زعزعة تعنت هذه البلدان في تعاملها مع الشركات الكبرى العابرة للقارات وفتح أسواقها أمام هذه الشركات لتستثمر كما تشاء. لا مكان للدولة السيادية الساعية إلى اقتصاد وطني مستقل في عالم اليوم، وهي حقيقة لا يكاد يفهمها أو يصدقها الكثير من حلفاء الولايات المتحدة أنفسهم.
الغاية الثانية مشتقة من الأولى وهي خصخصة الصناعة النفطية في دول الشرق الأوسط بعد أن أتاحت ظروف الحرب الباردة في غفلة من الزمن لكافة الدول المنتجة للنفط في المنطقة تأميم نفطها والحد من سلطة الشركات النفطية الكبرى باتفاقات تضمن حصة معقولة لهذه الدول. لن تتحقق هذه الخصخصة بوجود دول سيادية لها منعة وقوة.
الغاية الثالثة هي الأخطر وتتعلق بتراكم ثروات طائلة لدى أغلب الدول النفطية في المنطقة (وأعني هنا العربية السعودية ودول الخليج وإيران). تراكمت هذه الأموال خلال فترة الحماية الأمريكية لحلفائها في الخليج وخلال عقود من الاستقرار في إيران (يُفترض أن تفك الولايات المتحدة تجميد أصول إيرانية تصل إلى 150 مليار دولار بحسب الاتفاق النووي). هذه الثروات الطائلة لا سبيل إلى تحويلها إلى أرباح ميسرة للشركات الكبرى إلا بحرب إقليمية كبيرة تدفع هذه الدول إلى سباق تسلح مسعور. أما الناتج الجانبي لهذه الحرب، فضلاً عن مبيعات السلاح، فهو زعزعة سيادة هذه البلدان وفتح أبواب التدخل الخارجي في شؤونها، وبهذا نعود إلى الغاية الأولى وتكتمل الصورة.
ما الحل في مثل هذه المواجهة غير المتكافئة؟ هل من أمل في تجنب النتائج الكارثية المترتبة على استحقاقات عالم جديد يواجه دولاً تخلفت عن ركب القوة والحداثة؟ لم أكن لأكتب هذه المقالة لولا قناعتي أن أمام شعوب هذه الدول المستهدفة وحكوماتها وسيلة تحد بها من الضرر الذي يتهددها. وأعتقد أن طرفاً من هذا الأمل جاء من الولايات المتحدة نفسها ويتمثل في قدرة النظام الديمقراطي الأمريكي على فرض إرادة الناخب الأمريكي على حكامه. لم يعد أيّ من المرشحين للرئاسة في أمريكا يجرؤ على طرح فكرة ارسال جيش أمريكي يحارب في الشرق الأوسط منذ غزو العراق وما انكشف من ألاعيب بوش الابن وزبانيته لتبرير الغزو. ترامب نفسه أعلن رفضه لما حدث من غزو للعراق ووعد أن لا يرسل قوات برية إلى الشرق الأوسط. هذا أمرٌ حسن وخبرٌ سعيد لشعوب المنطقة، والفضل فيه يعود إلى قوى الرأي العام الأمريكي الذي فرض إرادته على حكامه بردعهم عن مغامرات جديدة.
يبقى لدينا سؤال أخير: كيف ستنفذ الولايات المتحدة غاياتها المذكورة آنفاً دون ارسال جيش بري إلى المنطقة؟ الإجابة تنتشر حولنا كالهواء الذي نتنفسه، إنها في كافة وسائل الاعلام والتواصل في المنطقة: تصعيد الحرب الطائفية والنعرات الاثنية وترك المهمة للدول المعنية تدمر نفسها بنفسها. احتفل فريق من المسلمين بهجوم ترامب على العربية السعودية ودول الخليج، واحتفل فريق آخر منهم برغبة ترامب في مراجعة الاتفاق النووي مع إيران. وتصل الحماسة بالبعض أنهم مستعدون لمدّ يد العون له في تنفيذ غاياته تجاه الخصم. ليعلم دعاة التصعيد الطائفي في المنطقة العربية إذن أنهم بعملهم هذا إنما يحفرون قبور سيادتهم بأيديهم، وأن عبثهم بدفاتر الفتنة الكبرى الصفر سيفجر عليهم من حيث لا يعلمون قنابل لن تبقي أو تذر. ليتعظ هؤلاء من وقائع الحرب العراقية الإيرانية التي انتهت باحتلال العراق. ليس أمامهم من حل إلا أن يقرروا إلقاء السلاح والتفاهم بعيداً عن التدخلات الخارجية على عيش مشترك آمن، وإن على شعوب الشرق الأوسط تحديداً استكمال ما بدأه الشعب الأمريكي من عمل نبيل فيعملوا على منع زعمائهم من الانخراط في حروب عقيمة مدمرة. أقول هذا وأنا أعلم عمق تجذر الدعاية الطائفية بين الناس. بالطبع لن يرضي هذا الجنوح إلى السلم دونالد ترامب الذي يحاول إقناع دول المنطقة بأنه غير معني بمشاكلها، كما أقنع أسلافه طاغية العراق بأن الولايات المتحدة غير معنية بمشاكل العراق مع الكويت (السفيرة غلاسبي، والناطق بلسان الخارجية الأمريكية الذي قال للصحفيين عشية غزو العراق الكويت إن الولايات المتحدة لا تمتلك للأسف اتفاقية دفاع مشترك مع الكويت!). أسطورة انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط لا تهدف إلا إلى تشجيع الفرقاء على تجربة عضلاتهم بمأمن من تدخلات تميل بالكفة لأحد. المتربصون أكبر من أن يتراجعوا عن نواياهم بالطبع، لكن الجنوح إلى السلم سيحدّ من الضرر وسيجعل مهمة ترامب أكثر صعوبة وتكلفة. فهل من متعظ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية