الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نفهم ما يحدث في السودان؟

محمد عادل زكي

2016 / 12 / 5
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


كيف نفهم ما يحدث في السودان؟
------------------------
السودان الآن مثل جميع البلدان العربية تقريباً، حتى التي لم تشهد التفكك والتناحر الداخلي، جميعها تغلي مراجل ثورتها، ولكي نفهم ما يجري الآن في السودان، بل وما سوف يجري على الأقل في المدى القريب، يتعين أن نكون الوعي بثلاث أفكار مركزية على النحو الآتي:
.
أولاً: تكوين الوعي بالتصنيف القبلى؛ فثمة تسع مجموعات قبلية تَنحصر فى داخلها التشكيلات الاجتماعية:
- مجموعة قبائل البجا فى الشرق.
- مجموعة القبائل النوبية فى أقصى الشمال.
- مجموعة القبائل العربية فى الوسط والنيل الأبيض وجزء مِن الإقليم الشمالى.
- مجموعة قبائل كردفان فى الغرب.
- مجموعة قبائل الفور فى الغرب (100% يدينون بالإسلام).
- مجموعة قبائل المابات والانقاسنا جنوب النيل الأزرق.
- مجموعة القبائل النوباوية فى النصف الأسفل لوسط السودان(تابعة إدارياً لإقليم كردفان)
- مجموعة القبائل النيلية الجنوبية (دنكا، شُلك، نوير) فى الجنوب.
- مجموعة القبائل الزنجية الجنوبية فى الجنوب.
.
ثانياً: معرفة أن الصراع الاجتماعي ليس فى الجنوب، والغرب، فحسب، بل ينبغى، واستكمالاً للصورة العامة، توجيه النظر ناحية الشــرق أيضاً. فى الإمكان القـــول إن ما بين الصراعات الاجتماعيـــة الملتهبة فى مُجمَل الإقليم السودانى والصراع فى القرن الأفريقى، يبرز الصراع الجدلى كذلك فى الشرق، ويمكننا النظر إلى عدة أطراف رئيسية تلعب الأدوار الحاسمة فى هذا الصراع الذى لا يَقل ضراوة عمّا يَحدث فى الجنوب، وفى دار فور؛ فلقد بلغت الأحوال غير الإنسانية فى الإقليم، مثله مثل باقى الأقاليم، مبلغاً انفجارياً بعد سنوات طوال من الإهمال والنسيان والتهميش، فالنظام المركزى فى العاصمة يحتكر السلطة والثروة، ولا يكون لباقى الأجزاء المكونة للإقليم سوى الفتات...والمهانة!
(أ) فهناك مؤتمر البجا وهو تنظيم عسكرى مسلح يقوم على اعتبارات عرقية وثقافية إثنية، ويمثل، على وجه التحديد قبائل البجا، التى تشكل نحو 35% من سكان الإقليم، ويعد مؤتمر البجا التنظيم المسلح الرئيسى فى الإقليم، الأمر الذى أهّله للتفاوض الناجح مع النظام وإجباره على شروطه، وهو الذى تبلور فى اتفاق سلام شرق السودان، فى أسمرا بتاريخ 14/10/2006، واعترف بموجبه النظام فى الخرطوم بحق الشرق فى ثروات البلاد وإعادة النظر إليه كأحد أجزاء السودان، الذى يتعين أن ينال حقه فى التعليم والصحة والأمن والعدل...إلخ، وفى نفس الوقت يوفر نظام أسمرا الدعم والحماية الدائمة لمؤتمر البجا الذى تتمركز معاقله داخل أراضيه. وفى المقابل يُقدّم المؤتمر خدمات لنظام إريتريا يتعلق بالتقارير الدورية عن تحركات المعرضة المسلحة الإريترية المنتشرة على طول الحدود الشرقية.
(ب) وإلى جانب مؤتمر البجا والأسود الحرة، هناك: إسرائيل، والولايات المتحدة، وإريتريا؛ فالبنسبة لإسرائيل فقد عمل الكيان الصهيونى، ومنذ وقت طويل، على ترسيخ وجوده فى أفريقيا بوجه عام، منتهجاً سياسات التغلغل فى بؤر التوتر، بل وخلق الشروط الموضوعية لتخليق هذا التوتر بين القوى الاجتماعية المتناحرة، وتعد إريتريا من أهم المراكز الصهيونية فى أفريقيا، إذ تقوم الصهيونية بتركيز وجودها من خلال إقامة قاعدتين عسكريتين تتمكن من خلالهما من بسط رقابتها على مضيق باب المندب، كما تمتلىء المؤسسات الإريترية بعشرات الخبراء الصهاينة، كما تقوم إسرائيل بتقديم الدعم لحركات المعارضة السودانية عن طريق الحكومة الإرتيرية، إذ عن طريق المطارات والموانىء الإريترية تدخل شحنات السلاح إلى قوى المعارضة السودانية وبصفة خاصة فى الشرق. (ج) وهناك أمريكا التى تربطها العديد من الاتفاقيات على اختلاف أنواعها مع إريتريا، ولا يقل إهتمامها عن الاهتمام الصهيونى بها، فهى بحال أو بآخر، مدخل إستراتيجي للتغلغل فى القارة الأفريقية. ومن ثم ضمان السيطرة على النفط والماس والمادة الأولية، ومنهجية فهم هذه السيطرة هى بيت القصيد هنا.
(د) أما إريتريا؛ فهى تلعب الدور الرئيسى كوسيط فى نقل شحنات السلاح المقدَم من الولايات المتحدة وإسرائيل إلى قوى المعارضة فى الشرق من أجل تأجيج الصراع، وقد كانت المدفعية الإريترية الثقيلة هى الغطاء الرئيسى لقوى المعارضة فى صراعها مع النظام فى الخرطوم؛ وهو الأمر الذى من نتائجه الطبيعية توتر العلاقات الإريترية السودانية على الصعيد السياسى.
(هـ) وبالإضافة إلى هذه الأطراف، وبالإضافة إلى حركة" قوى الريف السودانى" أُعلن فى العام 2007، إنشاء حركة معارضة جديدة، أطلقت على نفسها: الحركة الشعبية لتحرير شرق السودان.
.
ثالثاً: معرفة طبيعة الصراع الاجتماعي الراهن: فبعد الاستقلال لم تنتبه، بمعنى آخر لم تُرِد النخبة الحاكمة، بل ولم ترد النخبة المفكّرة كذلك، التعرض لفض الإشكال التاريخى، وتصفيته مِن محتواه المتأجج والعدائى، والنتيجة استمرار العلاقة الطبقية بين الأسياد (الشمال) وبين العبيد (الجنوب) ولم تزل تلك الوضعية محل اعتبار؛ فلا يستطيع الجنوبى التخلى عن صورة جده (العبد) فى بلاط (السيد الشمالى) وعندما بدأ الجنوبيون يطالبون ببعض حقوق المواطنة، باعتبار أن ذلك مِن قبيل الحق المشروع، لم تجد الخرطوم فى تلك المطالب إلا تعدياً صارخاً على خصوصيات الشمال(كصفوة) بل تعدياً على حق الشمال التاريخى فى أن يُقرر بمفرده مصير السودان بأكمله، وفى ظل تلك الثقافة الشمالية الاستعلائية، وادعاء امتلاك ناصية الحقيقة الاجتماعية والدينية كذلك، تبلور رد فعل الجنوب فى التمسك الصارم بخصائصه الثقافية ودياناته المحلية وعاداته الموروثة. مِن المهم فهم دور الحدود الاستعمارية فى جمع عدة تشكيلات إجتماعية مختلفة ومتنافرة أحياناً فى حيز جغرافى واحد. كما يَكون على درجة مُعيَّنة مِن الأهمية فى مجرى الرصد والتحليل الوعى بالصراعات المسلحة التى تقودها قوى نشأت ونمت فى إطار مِن الكراهية والدموية وصنمية العقيدة، فهناك جيش الرب، والجيش الشعبى لتحرير السودان، ويضاف إليهما:"العدل والسلام، المقر فى بريطانيا"ولا يُمكن غض البصر عن الحزام الفرنكفونى، ابتداءً مِن تشاد، ومروراً بالنيجر ومالى، وانتهاءً بالسنغال، الذى لن تَتَخلى عنه فرنسا بسهولة، ولذا قامت باستقطاب عبد الواحد نور من حركة تحرير السودان، فى مقابل استقطاب بريطانيا خليل إبراهيم. ومِن جهة لا تُغفَل كذلك، هناك الولايات المتحدة التى تَمد جسور التعاون مع الحركات الانفصالية.
-----------------
- يتبدّى الصراع فى السودان على مستويين: شمال/جنوب، وجنوب/ جنوب، والمستوى الأخير هو أساساً صراع بين القبائل التى "تمتلك" داراً وتلك التى"لا تمتلكها"، وإن الخط الفكرى المنشغل بطبيعة الصراع على المستويين إنما يوجب الوعى بـ : الصراع بين الشمال والجنوب، والصراع بين الجنوب والجنوب. والصراعات الداخلية فى داخل الشمال. والصراعات الداخلية فى داخل الجنوب.
- لا يمكن فهم الصراع، من الأساس، دون الوعى بفكرة (القفص الكبير) الذى وُضِعت بداخله أعراق وثقافات وديانات مختلفة تمام الاختلاف ثم أُطلِقَ على هذا القفص الكبير اسم (السودان).
- لا يتطور المجتمع تطوراً خطياً، وإنما يتبدى التطور الديالكتيكى للمجتمع السودانى بالنظر إلى طبيعة الحركات المتصارعة وأدائها اليومى عبر الزمن، إذ تتطور هذه الحركات وتُطور معها المجتمع ككل من خلال أداءات يومية لمصالح متناقضة، ويمكن رؤية تلك الأداءات المتناقضة من خلال الأداء اليومى كما ذكرت عبر الزمن فى: الكر والفر، الإقدام والإحجام، الهجوم والدفاع، النصر والهزيمة، العداء والمصالحة، التحالف والانفصال، فهذا التناقض، ومفرزاته، هما اللذان يدفعان المجتمع نحو التغير، أياً يكن نوع التغيّر. ولقد رأينا: جيش السودان/جيش الرب (ضد) القوات الشعبية الأوغندية/الجيش الشعبى لتحرير السودان، الجنجويد (ضد) الأفارقة فى دارفور/جيش السودان/ جيش الرب/جيش تحرير السودان، إريتريا /مؤتمر البجا (ضد) المعارضة الإريترية/ الجيش السودانى، وهكذا... ولم يزل الصراع والتطور مستمرين.
- ودون أن ننسى الصراع فى الشرق، يتطور المجتمع السودانى من خلال الصراع على صعيدين: الشمال/الجنوب، والجنوب/الجنوب. والأخير مفهوم، فهو، كقاعدة عامة، من أجل الماء والكلأ. أما الأول فهو من أجل بسط نفوذ وهيمنة الشمال على الجنوب الغنى بطبيعة حاله، وبصفة خاصة عقب تفجر النفط.
- إن ظهور الثروة النفطية فى أرض السودان، بالتحديد فى الجنوب، إنما يوجب استدعاء منهجية فهم ترتكز على الوعى بكون النفط كسلعة قادرة على نوع ما من التركيم الرأسمالى وفقاً لشروط معينة، إنما يعنى تبلور الصراع، ربما المسلح كقاعدة عامة، فى سبيل الاستحواذ على الريع من جهة، والربح من جهة أخرى، وأهم ما يعنى حكومة الشمال هو الإطباق على الاثنين، على حين أن الكل الجنوبى فى حالة من الصراع الجدلى المستمر، بما لا يمكن معه الكلام عن جنوب واحد يسمح له بالتنمية من خلال النفط. وإن كان من المحتمل أن تتغير تلك الوضعية بعد فترة من إعلان دولة الجنوب المستقلة: جوبا.
- الصراع الذى يتم تسويقه من خلال وسائل الإعلام الغربية، وبالإضافة إلى قيام تلك الوسائل بخلق الوعى العالمى بأن الإبادة الجماعية التى تمارسها القوى العربية فى دارفور إنما تستلزم التدخل الدولى وفرض العقوبات على نظام الخرطوم، بالإضافة إلى ذلك فإن الحديث عن الصراع دائماً ما يسير فى اتجاه واحد ويصدر عن توجه فكرى أحادى، إذ يتم التعامل مع كل طرف من أطراف الصراع ككتلة واحدة لا تناقض فى أجزائها المكونة لها، إغفالاً لكون كل طرف من الأطراف المتصارعة إنما يتكون هو الآخر من تراتبية تصنف مَن ينتمون إليه، فالقبائل على سبيل المثال ليست كلاً واحداً، وإنما بكل قبيلة تراتبية تشكل قوامها وتحدد أطر تطورها على الصعيد الاجتماعى، بدءاً من القائد الأعلى أو الشيخ أو الرئيس ومالكى الثروة وإنتهاءً بصغار الخدم. ويكون لتلك الطبقية الداخلية دور مهم فى العديد من المسائل المتعلقة بقرار الحرب والمصالحة، والهجوم،...إلخ. وهذا من دون أن نذكر الانقسامات ما بين القبيلة الواحدة إلى عدة قبائل، تنشب فى ما بينها هى الأخرى صراعات، بيد أنها بعيدة عن تسليط الضوء الإعلامى فى الغالب الأعم، وإنما الرجوع إلى الجدول الذى أوردناه سلفاً والمنشغل ببيان تاريخ الصراع وأسبابه بين القبائل فى الغرب فى الفترة من 1932 - 1999، إنما يشرح لنا مدى الصراع أيضاً ما بين القبائل المنتمية إلى عرق واحد وربما قبيلة أكبر واحدة. فمثلاً هناك : الصراع بين الرزيقات والمعالية (قبيلتين عربيتين)؛ الصراع بين بنى هلبة والزيادية والمعالية (قبيلتين عربيتين)؛ الصراع بين بنى هلبة والرزيقات الشمالية (قبيلتين عربيتين)؛ الصراع بين الرزيقات والمسيرية (قبيلتين عربيتين)؛ الصراع بين القمر والفلاتة (قبيلتين غير عربيتين)؛ الصراع بين الزغاوة والقمر(قبيلتين غير عربيتين)؛ الصراع بين الزغاوة والمراتيب (قبيلتين غير عربيتين)؛ الصراع بين الزغاوة والبرقيد (قبيلتين غير عربيتين)؛ الصراع بين الزغاوة السودانية والزغاوة التشادية (قبيلتين غير عربيتين).
فأين الصراع العرقى؟ إن الصراع على الأرض. الذى لم تدّخر الحكومة أى وسع لتأجيجه بسحب الأراضى وإعادة توزيعها فى أقاليم تعتمد أساساً على التراتبية القبلية وحكم الأعراف السائدة ابتداءً من التمركز فى الأرض، وبصفة خاصة بقارة الجنوب، والمساليت الذين برعوا فى الزراعة وبصفة خاصة الفاكهة بشكل باهر، ولذا سيكون أى اعتداء على الأرض هو اعتداء على وجودهم الاجتماعى ذاته.
- إن تلك الانشقاقات الداخلية التى تكون بين قوى الجنوب بوجه عام لا تتكون بين عشية وضحاها، وإنما هى نتاج تفاعل ديالكتيكى ما بين الرغبة فى الثروة، بما يعنى ذلك معادة للأقوى المهيمن، وما بين الرغبة فى حماية هذا الأقوى والأكثر عدداً، وهذا هو القانون العام لجميع الانقسامات والتطورات على أرض الواقع، وبصفة خاصة جداً داخل القبائل.
- إن أوضح مثل على تطور المجتمعات من خلال التفاعل الديالكتيكى انقسام السودان نفسه؛ فقد أسفر النزاع الممتد عبر سنوات بين الشمال وبين الجنوب عن نشؤ دولتين لهما خصائص الدولة الأولى (السودان) وخصائص تُخلقها كل دولة بمعرفتها من خلال الحراك الاجتماعى بداخلها وتفاعل عناصرها الداخلية، ومع الزمن يتم دمج الخصائص القديمة فى الخصائص الجديدة فى كيان يمثل خصائص جديدة تجمع ما بين خصائص السودان وخصائص شمال السودان(العربى) فى الشمال، وخصائص جديدة تجمع ما بين خصائص السودان وخصائص جنوب السودان (الزنج/الأفارقة) فى الجنوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا