الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسألة التكتيكات – إيريكو مالاتيستا

مازن كم الماز

2016 / 12 / 5
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


في الوضع الحالي السياسي و الاجتماعي , الغامض و المضطرب , في أوروبا و العالم ( 1931 ) , الذي ينتج في نفس الوقت الكثير من الآمال و من المخاوف , يصبح من الملح أن نستعد للثورات التي ستأتي عاجلا أم آجلا , دون أي شك . هذا يحيي النقاش – الذي يدور عن هذا الموضوع دائما – حول كيف يمكننا أن نكيف أهدافنا المثالية مع الأوضاع السائدة في بلدان عدة في الوقت الحالي , و كيف ننتقل من التبشير بمثلنا العليا إلى تطبيقها الفعلي . بما أنه من الطبيعي في حركة كحركتنا , لا تعترف بأية سلطة , لا لأشخاص أو لأية نصوص , و التي تقوم كلية على النقد الحر , أن توجد آراء مختلفة و تكتيكات كثيرة مقترحة . هكذا يكرس البعض كامل نشاطهم لتطوير أفكارنا و مثلنا و الدعوة إليها , دون الالتفاف كثيرا إلى الدرجة التي يفهمهم بها الآخرون أو يتقبلونهم , سواء كان هذا المثال قابل للتحقق في الوضع الحالي للرأي العام و الموارد المادية المتوفرة أم لا . يحصر هؤلاء الرفاق دور الأناركيين , صراحة و بدرجة تتفاوت من شخص لآخر , في تدمير مؤسسات القمع القائمة اليوم و السعي لمنع قيام حكومات و امتيازات جديدة في الغد . لكنهم يهملون كل ما هو عدا ذلك , خاصة مشكلة إعادة التنظيم الاجتماعي على أسس تحررية , و هي مشكلة لا تقل أهمية ( عن المهام التي يسعون للاضطلاع بها ) , لا يمكن التهرب منها أو تأجيلها . إنهم يعتقدون أنه فيما يتعلق بمشاكل إعادة البناء فإن كل شيء سيحل ذاتيا , بشكل عفوي و دون تحضير أو تخطيط مسبقين , بفضل قدرة إبداعية ما , أسطورية , عند الجماهير , أو بفضل قانون طبيعي مزعوم بحيث أنه ما أن يتم التخلص من عنف الدولة و الامتيازات الرأسمالية , حتى يصبح الشعب ( الناس ) بأكمله طيبا و ذكيا , و ستختفي الصراعات بين المصالح و سيحكم الرخاء و السلام و الانسجام العالم . رفاق آخرون تدفعهم الرغبة بأن يكونوا عمليين , أو أن يبدوا كذلك , يشتغلون على المصاعب المتوقعة بعد الثورة , مدركين للحاجة لكسب قلوب و عقول القطاع الأكبر من الجماهير , أو على الأقل التغلب على عدائها الناتج عن الجهل , يحاولون وضع برنامج , خطة متكاملة لإعادة التنظيم الاجتماعي يفترض أن تقدم حلولا لكل المشاكل ( المتوقعة ) , ترضي أولئك الذين يسمونهم "رجال الشارع" ( مستعيرا تعبيرا انكليزيا ) . لأن كل شخص , من هؤلاء , لا يتبع خطا حزبيا ما أو يؤمن بفكرة ثابتة سيقرر حسب مشاعر و مصالح اللحظة الراهنة . بالنسبة لي , أعتقد أن لكلا الموقفين نقاطا جيدة و أخرى سيئة , و أنه لولا الميل المؤسف نحو المبالغة و الدوغمائية , لكانا يكملان بعضهما , و يساعدانا في تعديل أفعالنا حسب متطلبات الهدف النهائي و حاجات الوضع ( الراهن ) و بالتالي كانا سيحققان أكبر فائدة عملية , بينما نبقى في نفس الوقت مخلصين لبرنامجنا في الحرية و العدالة الحقيقتين . أن نهمل مشاكل إعادة البناء أو , بالعكس , أن نحدد سلفا خططا جاهزة و موحدة , كلهما خطأ , و مبالغة , ستؤديان , بطرق مختلفة , إلى هزيمتنا كأناركيين و إلى انتصار أنظمة سلطوية جديدة أو قديمة . تكمن الحقيقة في المنتصف . من السخف أن نعتقد فعلا أنه ما أن تسقط الحكومة و تنزع ملكية الرأسماليين , "فإن الأشياء ستسير لوحدها" دون أي تدخل من أولئك الذين يملكون فكرة عما يجب فعله و الذين سيبدأون بفعل ذلك فورا . قد يحدث هذا – و سيكون هذا أفضل بكثير إذا سارت الأمور كذلك – إذا توفر ما يكفي من وقت للناس , لكل فرد , ليكتشف طريقه , عن طريق التجربة و الخبرة , لإشباع حاجاتهم الخاصة و أذواقهم بالاتفاق مع حاجات و أذواق الآخرين . لكن الحياة الاجتماعية و حياة الأفراد لا تسمح بهذا . فورا بعد الثورة , ربما في نفس يوم الانتفاضة , ستظهر الحاجة لاستمرار إنتاج الحاجات الضرورية ( خبز , الخ ) , و استمرار الخدمات العامة الرئيسية ( الماء , النقل , الكهرباء , الخ ) و استمرار التبادل بين المدينة و الريف . فيما بعد ستختفي تلك المصاعب الكبيرة . سيصبح العمل , عندما ينظمه من يقومون فعلا بالعمل الحقيقي , أسهل و أكثر جاذبية , و زيادة الإنتاجية ستلغي الحاجة لحساب العلاقة بين المنتجات المصنوعة و المنتجات المستهلكة و كل شخص سيتمكن , حرفيا , من أن يأخذ ما يريده من أكوام البضائع المتوفرة , و ستختفي تلك التجمعات المدينية المتوحشة , و سينتشر السكان بشكل عقلاني على كامل امتداد البلاد , و في كل مكان , كل مجموعة , بينما يتناقشون فيم بينهم و يضيفون إلى السلع التي توفرها المؤسسات الصناعية الكبرى و في نفس الوقت سيرتبط الجميع بمجتمعهم الإنساني ككل بمشاعر التعاطف و التضامن , بحيث يكون هذا المجتمع مكتف ذاتيا , ليس نتيجة الإكراهات القمعية و باهظة الثمن للحياة الاقتصادية الراهنة . لكن هذا و آلاف غيره من الأشياء الجميلة التي تخطر على بالنا هي أمور مستقبلية , بينما , نحتاج نحن , هنا و الآن , لأن نفكر كيف نعيش حياتنا في عالم اليوم , في وضع أوصلنا إليه التاريخ , لا يمكن للثورة , و هي مجرد فعل عينف , أن تغيره بشكل جذري في يوم و ليلة , كأنها عصا سحرية . و بما أننا نحتاج لأن نعيش , سواء للأفضل أو للأسوأ , فإذا لم نعرف ما يجب علينا أن نفعله , فإن آخرون , يحملون أهدافا مختلفة , سيفعلون ذلك عوضا عنا و بنتائج معاكسة تماما لتلك التي نرغب بالوصول إليها . يجب ألا نهمل "رجل الشارع" الذي يمثل غالبية سكان أي بلد و الذين من دونهم لا يمكن تحقيق الانعتاق الحقيقي , لكن لا يجب أيضا أن نعتمد فقط على ذكائه و مبادرته . الرجل العادي , "رجل الشارع" يمتلك خصائص رائعة جدا , و يملك إمكانيات كامنة هائلة , مما يخلق الأمل بأنه ذات يوم سيشكل الإنسانية المثالية التي نتطلع قدما للوصول إليها . لكنه في نفس الوقت يملك قصورا ( نقطة ضعف ) خطيرة , تفسر إلى حد كبير ظهور الطغيان و استمراره كل هذا الوقت : هو أنه لا يحب أن يفكر . حتى عندما يقوم بمحاولات ليحرر نفسه فإنه دائما يميل لأن يسير وراء أولئك الذين "يوفرون" عليه عناء التفكير و الذين "يتولون" نيابة عنه مسؤولية التنظيم و الإدارة ... و "القيادة" . طالما لم تنتهك عاداته ( ما اعتاد عليه ) سيبقى قانعا بأن يفكر الآخرون عنه و يقولون له ماذا يجب عليه أن يفعل , حتى إذا لم يبق له سوى الإجبار على العمل و الطاعة . نقطة الضعف هذه , هذا الميل القطيعي لانتظار الأوامر و إطاعتها , كان سبب هلاك كثير من الثورات و سيبقى خطرا محدقا بثورات المستقبل القريب أيضا . إذا لم تتولى الجماهير تسيير أمورها بنفسها , و فورا , فإن ذوي النوايا الطيبة , القادرين على المبادرة و اتخاذ القرارات , يجب بالضرورة أن يقوموا بذلك عنها . و في هذا بالتحديد , في وسائل القيام بتلك الأفعال الضرورية الملحة , يجب أن نميز أنفسنا بكل وضوح عن الأحزاب السلطوية . يريد السلطويون أن يحلوا المسألة بأن ينصبوا أنفسهم حكاما و يفرضوا برنامجهم بالقوة . قد يعتقدوا فعلا أنهم يتصرفون بنية جيدة و أنهم يفعلون ذلك "لصالح الجميع" , لكن كل ما يفعلونه في الواقع هو أنهم يخلقون طبقة جديدة صاحبة امتيازات لا يهمها إلا الحفاظ على سلطتها الجديدة , أي باختصار , استبدال طغيان بطغيان جديد . أكيد أنه على الأناركيين أن يسعوا بكل قوتهم للانتقال من حالة العبودية إلى الحرية أكثر سلاسة قدر الإمكان مقدمين للناس أفكارا عملية و قابلة للتطبيق فورا , لكن عليهم أيضا أن يحذروا من تشجيع الخمول الفكري و الميل المذكور أعلاه نحو الطاعة و أن ندع الآخرين يتصرفون نيابة عنا . لكي تنجح فعلا كقوة انعتاق ( تحرر ) , نحو ( تحقيق ) المبادرة الحرة للجميع و لكل فرد , يجب على الثورة أن تتطور بكل حرية في آلاف الطرق المختلفة , وفق آلاف الظروف الأخلاقية و المادية التي يعيش فيها الناس اليوم . و علينا نحن أن ندعم و نضع موضع التنفيذ بأقصى ما يمكننا من قوة , أساليب الحياة تلك التي تتناسب مع مثلنا . لكن قبل كل ذلك علينا أن نقوم بجهود خاصة لنوقظ في جماهير الناس روح المبادرة و عادة أن يفعلوا كل شيء بأنفسهم . علينا أيضا أن نتجنب أن نظهر كقادة ( آمرين ) بأن نتصرف باستخدام الكلمات و الأفعال كرفاق بين رفاقهم . يجب أن نذكر أنفسنا أننا إذا كنا متحمسين جدا في فرض الاتجاه الذي نريده , لنطبق خططنا , فإننا نخاطر بأن نقص أجنحة الثورة و أن نتولى نحن , سواء عن قصد أو دون قصد , وظيفة الحكومة التي نستنكرها جدا عند الآخرين . و كحكومة لن نكون أفضل أبدا من الآخرين . بل قد نكون أكثر خطرا على الحرية , بسبب قناعتنا القوية بأننا على حق و أننا نفعل الشيء الصحيح , سنميل , كما يفعل المتعصبون الحقيقيون , إلى اعتبار كل من لا يفكر أو يتصرف مثلنا على أنه معاد للثورة و عدو للصالح العام . حتى إذا فعل الآخرون عندها ما لا نريدهم أن يفعلوه , فإن ذلك لا يعود مهما , طالما بقيت حرية الجميع مصونة . ما يهم حقا هو أن يفعل الناس ما يريدونه حقا . لأن الانتصارات الوحيدة التي ستستمر و تبقى هي تلك التي يحققها الناس بجهودهم الخاصة . الإصلاحات الوحيدة الأخيرة التي يجب إضافتها حينذاك هي تلك التي يطلبها و يفرضها الوعي الشعبي .1931

نقلا عن
https://libcom.org/files/Malatesta%20-%20The%20Anarchist%20Revolution.pdf








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اتصل بى للأهمية
سامح سعيد عبود ( 2016 / 12 / 7 - 12:24 )
انقطعت أخبارم ووسائل التواصل معك تماما رجاء التواصل معى للأهمية سامح

اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي