الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم

إبراهيم مشارة

2016 / 12 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حدث ذات ليلة أن آويت إلى فراشي بعد ليلة نمطية أتصفح فيها كتابا ولكن ما كان في الكتاب من سؤال وجواب يستنسل من رحمه سؤال جعل تلك النمطية تجددا وحيوية في الذهن في زمن لا تعرف فيه ماذا تقرأ ولا كيف تقرأ أو ماذا تعمل بما تقرأ فقد تكون ضحية البرمجة اللغوية فاللغة تبرمج الوعي وتنساق وراء برمجة تمجد الماضي أو برمجة تمجد الألقاب والرتب وـتجلس تحت نخلة كتابك يساقط عليك حشفا لا رطبا جنيا والمهم أنني نمت نوما عميقا لكنني رأيت حلما غريبا كأنني أحمل جثتي وأنا أدخل المقبرة باحثا بين قبورها عن مكان أدفن فيه الجثة التي هي جثتي أنا واستيقظت فزعا أول الأمر ثم مطمئنا آخره فهذه ليست رؤيا تستشرف فيها الروح المستقبل سواء تعلق الأمر بها أم بغيرها إنه حلم وباختصار حالة لا شعورية إنها بركان منصهر داخلي قذف بالماغما إلى السطح فالإنسان في حياته النفسية كالجبل الجليدي جزء صغير يطفو على السطح هو حالة "الأنا" أو مستوى الوعي والشعور وجزء خفي عظيم الحجم يقبع تحت السطح إنه اللاشعور أو "الهو" ولأن الحياة اللاشعورية حياة تتسربل بالرغبات والمكبوتات والقهر الطفولي والغرائز البشرية يتدخل الأنا الأعلى وهو الشرطي الذي يمنع انتقال المكبوات والرغبات إلى مستوى الشعور لأن العادات والأعراف والقوانين الدينية والوضعية تصادر الإبداعات اللاشعورية فيتململ الباطن ثم يهتز وأخيرا ينفجر في أشكال العصاب والبارنويا والفصام وما شئت من أمراض نفسية.
كنت أعرف هذا من دراستي لعلم النفس ولهذا لم أذهب إلى كتاب ثراثي في تفسيرالأحلام ككتاب ابن سيرين الذي فقد صلاحيته العلمية منذ عام 1798 كما فقدتها كتب من جنسه وقد تولى فرويد ويونغ المهمة بدلا من مؤلفي كتبنا ويا للعجب لتعرف كيف تنحسر الموجة العلمية أمام تسونامي التقليد والتراجع عن مكاسب الأنوار أن تجد كتب الأجلام كثيرة الانتشار بين عوانسنا وشبابنا البطال وسياسيينا الراغبين في دخول معترك انتخاب بل حتى مرضانا الذين لم يجدوا سريرا لإجراء عملية جراحية ، وكما للرقية فرسانها وللدروس الخصوصية معلموها وللدعوة والإرشاد نجومها على شاشات الفضائيات كذلك للحلم علماؤه وإن عجبت فاعجب لعالم يفسر الأحلام بلا علم وإنما يجلس كأنه مرابط ويفسر لكل حالم حلمه ويتحرى أن يجعله نهاية سعيدة :عريس قادم ، منصب ينتظر, صحة كالحصان ، دخول مجلس الشعب .....إ إلخ
لقد فسرت حلمي بدون ابن سيرين ولا دروشة المفسرين -الذين يجهلون تماما أبجديات علم النفس- إن الجثة التي أحملها والتي هي أنا تمثل طفولتي وثقافتي التقليدية والمخيال الذي تشكل على مر السنين والقيم التي تشربتها منذ عهد المهد بينما حامل الجثة والذي هو أنا أيضا تمثل الرجل الذي خبر الحياة وتعلم في جامعات -على شحها المعرفي والمنهجي- فهي جامعات الإجابة لا جامعة السؤال إنها الجامعة التي يقودها المجتمع بأميته الثقافية وعبوديته الروحية لكن اللقاء بالحضارة والانغماس في ثقافة لا تكف عن السؤال إنتاجا وتدويرا والتي تؤدي قطعا إلى إعادة صياغة المفاهيم في الذهن عن المواطنة والحرية وحرية الإبداع وحرية المعتقد ووضع المرأةوخرق الطابوهات بروح علمية موضوعية لا شعبوبة تهريجية كان ذلك مكسبا لا يمكن التنازل عنه.
الطفل في والرجل تصارعا فالطفل يقبع في دهاليز اللاشعور والرجل يمشي على طريق الوعي أي الحياة الشعورية لكن تعبت من مقاومة الطفل وصراخه أطعمه الادوية المضادة للقلق فيأبى إنه يريد الحرية أن يعيش شعوريا معترفا به لا سجينا سياسيا وحينما لم أحسم في الأمر عبر اللاشعور بهذه الصور والتي هي لغة حروفها الرجل الحي، الرجل الميت، المقبرة ، القبور إنها حالة الفصام تلك التي تتصارع فيها شخصيتان داخل إنسان واحد وقد عالجها دوستويفسكي برائعته "المثل" منذ ذلك الوقت وأنا لم أحسم بعذ ففي صورة الميت (الذي لم أدفنه فعلا) قيم وثقافة وذكريات شكلت الماضي لها معزة في القلب وفي صورة الحي الرجل الذي استوى يافعا بعد أن اتصل بقيم أخرى تختصر في كلمة واحدة إنسانية كونية.
أنا فصامي وكل عربي هو فصامي والفرق الوحيد هو في درجة المرض ،إن الغرب يسكننا حتى لنصلي فيه الأوقات ونعترف بأننا أفضل حالا على أراضيه من وجودنا في بلداننا ولكننا لا نستطيع التخلي عن مرجعيتنا القيمية والتي تعاني من تآكل على مر السنين وسوبرونوفا المعرفة والتكنولوجيا تكتسحان كل شيئ فهل تعتقد معي أن المكان الوحيد المناسب للعربي هو العيادة النفسية؟
هامش:ليس الحلم الذي سردته صناعة أدبية بل هو حقيقة وسردتها بكل صدق وعفوية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيقاد شعلة دورة الألعاب الأولمبية بباريس 2024 في أولمبيا الق


.. الدوري الإنكليزي: بـ-سوبر هاتريك-.. كول بالمر يقود تشيلسي لس




.. الصين: ما الحل لمواجهة شيخوخة المجتمع؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. إسرائيل تدرس -الأهداف المحتملة- للرد على الهجمات الإيرانية




.. سلاح الجو الأردني ينفذ تحليقًا استطلاعياً في أجواء المملكة م