الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاروق شوشه

سمير الأمير

2016 / 12 / 6
الادب والفن


كانت جدتى لأمى تردد دائما مقولتها العاميه " أن الشاعر لشعوره أنانى"، وذلك حين تراقب سلوكى أو سلوك أحد أبنائها الشعراء ثم لا تجد حلا يريح الغاضبين من تصرف فعلناه إلا بترديد ذلك لتجعلهم يتقبلون ما نفعله دون لومنا، وكثيرا ما تذكرت تلك العبارة وأنا استمع لشعر " فاروق شوشه" وأسائل نفسى لماذا لم يلتفت النقاد والناس لأشعاره بالقدر الذى يجعلهم يعثرون على أصداف هذا البحر العميق؟
فى ظنى أن فاروق شوشه كان ينقصه هذا القدر من الأنانية الذى يلزم الشاعر ليجعله محتفيا بشعره ومعتدا به بالدرجة التى تجعل من حوله يدركون أن تجاهل إنتاجه قد يعيق أو يسبب المشكلات فى التواصل الإنسانى معه،
كان "فاروق شوشه" هو ذلك الغواص فى بحر اللغة المنشغل بالبحث عن درر غيره من المبدعين والشعراء وعرضها فى برنامجه الشهير " لغتنا الجميلة " ناهيك عن تميز وطغيان نبرة صوته الهادئة على كل ما يقرأه لدرجة أننى كثيرا ما لم أكن أميز اختلافا بين طريقة قراءته للسياب أو فدوى طوقان أو صلاح عبد الصبور وطريقة قراءته لأشعار أمرىء القيس أو البحترى أو أبى العلاء المعرى، فهو بحر هادىء دائما ينساب فى دعة وطمأنينة عميقتين ربما يصلح " بحر الشاعر الكبير " فاروق شوشه" للغواصين المتأملين والرومانسيين لكنه لا يغرى أبدا هؤلاء المغامرين الباحثين عن صخب الانفعال وتنوعه وهم معذورون،
ولعلنا لا نجافى الحقيقة إن اعتبرنا أن شهرة "فاروق شوشه" كمذيع أيضا قد طغت على شهرته كشاعر وربما حددت رؤية الآخرين له فى إطار عمله الذى بدأه حين التحق بالإذاعة المصرية فى نهاية الخمسينيات وتدرج فى سلمها الوظيفى حتى ترأسها فى منتصف التسعينيات تقريبا، إذن يمكننا القول أن مقتضيات العمل الوظيفى قد فرضت عليه على الأقل أن لا تكون آراؤه الفكرية والسياسية موضوعا للنقاش العلنى ومن ثم نحت قصائده نفس المنحى فى تناول الموضوعات التى لا يمكن الاختلاف عليها برومانسيتها أو قوميتها أو عموميتها وهو قيد كبير على موهبة حقيقية كموهبته وعلى ثقافة عميقة كثقافته وعلى دراية بمواطن الجمال فى تراث الأدب العربى كدرايته،
يمكننا إذن أن نصنف الشاعر الكبير "فاروق شوشه" فى طائفة المعتدلين الذين لا ينافقون أحد لكنهم فى نفس الوقت يتجنبون مشاعر الغضب المتحيزة للصراعات الفكرية والسياسية الواضحة وهو اعتدال يليق بطبيعة الشخصيات التى تعبر عن مجمل الأخلاق العامة للآباء والأجداد والفلاحين المصريين وهو أمر وثيق الصلة أيضا بعمله المبكر كمدرس للغة العربية،
ونظرة سريعة على إنتاجه الشعرى كفيلة بتزويدنا بفكرة عن هذا الاعتدال و عدم الخوض فى الصراعات التى يعتبرها المعتدلون غير لائقة بشاعر يطرح نفسه كصوت لأمته العربية لا كصوت يعبر عن رؤية محددة،
ففى بداية الثلاثين من عمره كتب ديوانه " إلى مسافرة" ثم أتبعه بديوان " العيون المحترقة" و " لؤلؤة فى القلب" ثم " فى انتظار مالا يجيء" و فى الأربعين من عمره جاء ديوان " الدائرة المحكمة" ثم " لغة من دم العاشقين الذى نشره مع بداية الخمسين من عمره، وانحسرت الموجة العاطفية فى شعره قليلا لتفسح مجالا لديوان " يقول الدم العربى" بعد أن مر الوطن بمتغيرات عنيفة لم تترك للشاعر مجالا للتمسك بينابيع رؤيته الأولى على الأٌقل حتى مطلع التسيعينات حين كتب " سيدة الماء" و تبعه " وقت لاقتناص الوقت" وفى عام 2000 جاء ديوانه " وجه أبنوسى " ثم " الجميلة تنزل إلى النهر"

عبر فاروق شوشه عن هذه المتغيرات العنيفة التى شهدها الوطن فى قصائد كثيرة منها قصيدة "بغداد " التى تناولت مفردات ذاكرتنا عن العراق ودوره وشعرائه وربما ازداد غضبه فاعتبر أن هناك من بنى جلدتنا من ساعدوا المحتل على احتلال وتخريب العراق لكنه أبدا لم يجاوز وصف المشهد تاركا للقارىء حرية الفعل دون أدنى تحريض ضد هؤلاء الذين اعتبرهم خونة، و عوضا عن ذلك راح يذكرنا بالحلاج والجاحظ وأبى تمام وبحكمتهم علنا نسترد وجدانا يجنبنا الوقوع فى الاستلاب بعد أن فشلنا فى مقاومة الاحتلال.
قطعا كان شعر فاروق شوشه ضد القبح والكذب والنفاق والاحتلال والخيانة والظلم كغيره من الشعراء فى كل الدنيا،
لقد وصف فاروق شوشه الحال وعبر عن شاعريته فى إطار هذا الوصف المتجرد الذى واجه القبح باستدعاء جماليات الحياة والتاريخ ونأى بنفسه كما يفعل "محمد الشهاوى" بعيدا عن الاحتدام الغاضب الذى شمل كثيرا من الشعراء المعاصرين من المصريين والعرب كمحمد عفيفى مطر وأمل دنقل وحلمى سالم وأحمد عبد المعطى حجازى ومحمود درويش وسميح القاسم ومظفر النواب وغيرهم ممن كانت قصائدهم هويتهم الأولى ولغتهم التى أرادوا أن يسمعها الناس،
كان فاروق شوشه مؤمنا قطعا برسائل هؤلاء المعاصرين وبرسائل الشعر منذ العصر الجاهلى والأموى والعباسى و كان محتفيا بهم وصائدا لأصدافهم ولكن حضوره الإعلامى والإذاعى ربما ظلم انتشار إبداعه، فقد كان عفيفا مهذبا متجردا عن الأنانية تلك التى قالت عنها جدتى أنها سمة طبيعية فى الشعراء بمعنى الاعتداد والاعتزاز بمشاعرهم وما يكتبونه وليس بالمعنى السلبى على الإطلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في