الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة التقويم الهجري

حسين سميسم

2016 / 12 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عانى العرب والمسلمون من مشكلة دوران الشهور الهجرية ( القمرية ) على فصول السنة ، حيث تتحرك بشكل مستمر وتتقدم على الاشهر الشمسية كل شهر بسبب قصرها مقارنة بالشهور الشمسية . وادى ذلك الى عدم استعمال الشهور الهجرية الا في العبادات كالصيام والحج ، وتبين خطأ تسمية الشهور الهجرية بالتقويم الهجري نظرا لان التقويم يعني التعديل وهو يخلو منها ، فالتقويم عملية يتم بموجبها تعديل الفرق بين السنة القمرية ( 354 يوما ) والسنة الشمسية ( 365 و 366 يوما ) ، وبدون التعديل سيتحرك شهر الربيع الى الصيف او الخريف او الشتاء ، وجمادي ( الذي يشير الى الانجماد او الى انجماد الحبوب) الى اشهر الحر ، وشوال ( الذي يعني شهر تزاوج الجمال ) الى شهر تزاوج القطط والطيور .
لقد رمزت اسماء الشهور القمرية ( ربيع ، جمادى ، شوال ...) الى فصول السنة الشمسية ، والى مواسم الزراعة والقطاف والتزاوج والتفريخ ، فانفصلت بهذا الدوران عن تلك المعاني وعن الفوائد التي يرتجيها الفلاح ومربي الماشية والتاجر ، فلم توضع تلك الاشهر لبيان جمال القمر ومنازله ، بل لتحديد ايام البذار والسقي والتسميد وتقليم الاشجار وايام الحصاد والقطاف ومواسم التسوق وبيع المحصولات وايام تزاوج الحيوانات والطيور والتفريخ ... الخ .
لقد نظم الناس منذ اقدم العصور شهورهم استنادا الى دورة القمر باعتبارها اسهل واوضح محسوس لجميع الناس ، فهم يستطيعون مراقبة القمر وحساب ايامه بسهوله ، لكنهم لاحظوا منذ تلك العصور انحراف السنة القمرية عن الشمسية ، فقاموا بحساب الفرق واضافوه بطريقة تعتمد على دورة القمر . ان انفصال الشهور الهجرية عن المواسم جعلها بدون فائدة ترجى ، لذلك لم تعتمد عليها الدول التي تدين بالاسلام في معاملاتها وشئونها واعتمد الناس في معاملاتهم التجارية ومواليدهم على التقويم الميلادي عدا ما ندر من تلك الدول كالسعودية التي تعتمد عليه بشكل جزئي. ان دوران الشهور الهجرية وعدم توافقها مع الفصول والمواسم يستوجب الاستفسار عن السبب الذي جعلها بهذا الشكل .هل كانت هكذا منذ القدم ؟ هل لدورانها فائدة تذكر ؟ . هل لعب الاسلام دورا في فك هذا الارتباط ؟.
من المعروف ان كل شعوب الارض نظمت شهورها على اساس فصول السنة وعلى مواسمها الطبيعية ، وكان العرب قبل الاسلام يقومون بذلك . كانوا يضيفون الفرق الحاصل بين دوران القمر ( 29,5 يوما) وبين دوران الشمس( 5 ،30 يوما تقريبا ) شأنهم في ذلك شأن كل شعوب المنطقة من مكة الى الصين ، واهتدوا الى طريقة تجنبهم الفرق الشاسع البالغ حوالي 11 يوما في السنة الواحدة ، وذلك باضافة شهر واحد كل 32 شهرا ، ويسمى هذا الشهر بالشهر الكبيس ، ويطلق على عملية تاخير الشهور القمرية بالنسئ وهي كلمة ذات اصل عبري تعني التاخير ، وذلك بسبب قصر الشهر القمري عن الشمسي وسرعته في اكمال سنة كاملة قياسا بالشهور الشمسية ، لذلك تطلب تأخير السنة القمرية -كما اسلفت - لكي تتوافق مع السنة الشمسية بكل فصولها .
كان العرب في( الجاهلية ) يقومون بهذا الدور ، وعينوا شخصا سمي بالقلمس ( وتعني الفقيه او المفتي ) الذي يعلن الشهر الكبيس في موسم الحج في الغالب ، وهو موسم تجمع القبائل كي يعرف القاصي والداني ذلك ، ويكرر الاعلان عنه في موسم الحج القادم ليذكر الناس به ، ويضيف القلمس شهرا واحدا لو اكتملت 32 شهرا . وقد قام الدكتور جواد علي في تفصيل الحديث عن هذه الموضوع في الجزء السابع من موسوعته المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ولا اريد ان اكرر ما قاله ، وهو موجود على النت ويمكن للقارئ الرجوع اليه .
لقد منحت هذه المهمة القلمس دورا خطيرا وقياديا ، فهو الذي يحدد الشهر الكبيس الذي بموجبه تتحدد الاشهر الحرم التي تمتنع كل قبائل العرب عن القتال والصيد فيها عدا قبيلة خثعم وقبيلة طي اي انه يحدد بدء القتال ونهايته . والاشهر الحرم هي اربعة شهور ثلاثة من سرد ( متتالية وهي ذو القعدة وذو الحج ومحرم ) وواحد منها فرد ( شهر رجب ) ويضيف القلمس شهرا واحدا كل 32 شهرا يحرم فيه القتال والصيد ، وهو الشهر الكبيس ، وهو من الاشهر الحرم ايضا فتكون تلك السنة متكونة من 13 شهرا منها خمسة أشهر حرم .
ان مهمة القلمس هي مهمة فريدة مركزيةتجاوزت حدود مكة ، ولا توجد في السابق مهمة تناظرها في عموم الجزيرة العربية ، فهي مزيج من مهمة دينية خاصة تتجاوز حدود المعبود من الديانات السماوية والعبادات الوثنية ، وتلتزم بتحديداتها كل الاديان ، ليس بسبب ايمانهم بالقلمس ولكن بسبب الاحلاف التي ربطت الوثنيين بغيرهم ، وبسبب الاسواق الموسمية التي يشتركون فيها ، فهي تنطبق عليهم مثلما تنطبق على الوثنيين . وهذه المهمة تخترق قوانين العشيرة ، وتعطل قوانين الثأر فلو رأى احدهم قاتل ابيه لا يفعل ضده شيئا خلال الاشهر الحرم . وتشابه هذه المهمة دور قوانين الدولة - المفقودة في تلك الاصقاع - وتحل محلها ، وبذلك فان دور القلمس بالرغم من موسميته وصغره يناظر اوامر رأس الدولة لكنه يفتقد الى سلطة فرض هذا الامر بوسائل عنفية ، واستعاض عنها بوسائل عرفية تتقيد بها القبائل ذات الديانات المختلفة . لقد اتفقت القبائل فيما بينها على الالتزام بتلك الاشهر لما لها من فائدة في استمرارية الحياة المهددة بديمومة القتال ، وتكتسب فائدة قصوي في حماية الحياة البرية في فترة التزاوج والتوالد والتفقيس . وهي تسمح لفترة محددة متفق عليها في فرض الامن خاصة في موسم التسوق حول مكة ويثرب كأسواق عكاظ وذي المجاز وذي المجنة ودومة الجندل .
لقد اقر كل من بحث موضوعة الاشهر الحرم وموضوعة النسئ على التزام العرب بهما في فترة ماقبل الاسلام ، وكانت الشهور القمرية والشمسية مترابطة ومقترنة ، وقالوا أن هذا الارتباط بدأ بالانفكاك بعد هجرة النبي الى يثرب ، حيث تغيرت مهمة الاشهر الحرم والغي النسئ تماما ، فقد اكد القدماء كالبيروني والمسعودي والطبري والقشقلندي ومن بحث من المعاصرين كالمهندس نيازي عز الدين في كتابه النسئ والسيد فرقد القزويني في محاضراته الموسعة الموجودة في النت والاستاذة كريمة الشكر في دراستها عن اشهر الحرم العالمية والدكتور محمد عناد سليمان في محاضراته الموجودة على النت على ترابط الشهور القمرية والشمسية قبل الاسلام ، واتفاق العرب على الالتزام بالاشهر الحرم والنسئ قبل هجرة النبي ، وتم الاخلال بتلك القواعد بعدها ، وهم في دراساتهم وبحوثهم يستنكرون ويتأسفون على فقدان الحلقة التي تربط الشهور القمرية بالشهور الشمسية ، لكنهم لا يشيرون الى الجهة او الشخصية التي جعلت الشهور القمرية تدور ، من هو المسؤول عن هذه الحالة ؟ . هل تقبل المرجعيات الدينية الحالية برجوع الحالة على ما كانت عليه قبل الاسلام ؟ ! . لقد اتفقوا في بحوثهم على ان شهر رمضان مثلا كان ياتي في الشهر التاسع او العاشر من كل سنة في وقت ماقبل الاسلام ، وتندلق عواطفهم مع هذا التوقيت ، ويوضحون المحاسن العديدة لو ثبت شهر رمضان في موسم اعتدال الجو وتساوي ساعات الصيام في شمال الكرة الارضية وجنوبها وشرقها وغربها ، وبينوا مساوئ دوران هذا الشهر على فصول السنة وتأسفوا كثيرا لذلك ، حيث يصعب الصيام في اشهر الصيف خاصة وقالوا ان ذلك يكلف نفس الانسان وسعها .
ان تثبيت شهر رمضان يسهل على المسلمين صومه ويدرأ عنهم مشقة الصوم في اشهر القيض ويسهل عليهم محنة الصوم في شمال الكرة الارضية التي تتميز بطول النهار في الصيف او قصره الشديد في الشتاء ( يتجاوز 21 ساعة في بعض السنين ويقل عن 3 ساعات في سنين اخرى ) ، وقام بعض من اقتنع بهذه الفكرة فعلا بالصيام من منتصف الشهر التاسع الى منتصف الشهر العاشر . ان مشكلة كل من بحث في هذا الموضوع هو عدم اشارته الى المسؤول الذي سبب هذا الانفكاك بين الاشهر القمرية والشمسية ، من هو الذي سبب بالتالي الغاء الاشهر الحرم مثلما كانت عليه قبل الهجرة ؟. وعندما يقتربون من تلمس السبب ويتوضح السبب الحقيقي لهم يبتعدون عن البيان ويجنحون الى لغة عمومية ملتبسة تشتت الحقائق التي جمعوها بمنتهى الصبر والاناة . صحيح ان وضع السيد فرقد القزويني لايبيح له اكثر مما توصل اليه فهو رجل دين لا يمكنه تجاوز عمته ولا حسينيته لكنه رمى حجرا كبيرا في بركة هادئة كاد ان يفرغ ماءها ، وتلك مزية تحسب له .
ان كشف الدواعي التي ادت الى تلك التغيرات تمنحنا فرصة التفكير المنطقي بمسببات فقدان الحياة البرية التي قضي عليها بسبب حلية الصيد في البر والبحر وقطع الاشجار بعد ان الغي ارتباط الاشهر الحرم بمواسم التزاوج والتفريخ والتفقيس ، فقد كانت تلك الحرمة تبيح فرصة مقبولة لتجديد الحياة البرية . اننا قبال موضوعتين يجب فصلهما عن بعض لدراستهما بشكل منفصل وهما : الاشهر الحرم والنسئ ولكي لا اثقل على القارئ ساخصص الحلقة المقبلة لذلك . يتبع حسين سميسم









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س