الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدَّادائية والسِّريالية: دعوة لتجاوز المتعة والتأثير في حياة الناس

عدنان حسين أحمد

2016 / 12 / 7
الادب والفن


صدر عن مؤسسة "هنداوي للتعليم والثقافة" بالقاهرة كتاب "الدَّادائية والسِّريالية" لديفيد هوبكنز، الأستاذ بجامعة غلاسكو المتخصص بتاريخ الفن الحديث. يتألف الكتاب من مقدمة وستة فصول حافلة بتفاصيل الحركتين الفنيتين اللتين أثّرتا بنشأة الفن الحديث على الرغم من مناوأتهما للأفكار البرجوازية والتقاليد الفنية الراسخة. يسعى هوبكنز إلى التفريق بين الحركتين الطليعيتين وفكّ الاشتباك بينهما لأنهما مختلفتان شكلاً ومضمونًا ويمكن وضع الواحدة منهما في مواجهة الأخرى. فالدادائية1916-1921معنيّة بفوضى الحياة العصرية، ومحاربة علم الجمال، بينما تتمحور السريالية على شطحات العقل الباطن وتجلياته اللامنطقية.
يكتظ الفصل الأول بالكثير من الآراء والمعلومات التاريخية التي تخصّ الحركتين الدادائية والسريالية وتتجاوزهما إلى حركات فنية أخر مثل التكعيبية والتعبيرية والمستقبلية وسواها من الحركات الطليعية التي هزّت المظهر الساكن للرسم التقليدي وانتقلت إلى بنية الوعي نفسها.
ليس عبثًا أن تُحارِب الدادائية الفن بالفن لأن القيم البرجوازية هي التي سببت فظائع الحرب العالمية الأولى وأهوالها. ما تريده الدادائية من الفنانين والأدباء هو أن يتجاوزوا المتعة ويؤثروا في حياة الناس، بل أن السريالية نفسها دعت إلى "تغيير الحياة". لم تظهر الدادائية من فراغ وإنما جاءت نتيجة لأسباب متعددة من بينها اندلاع الحرب العالمية الأولى، وقيام الثورة الروسية، واكتشافات فرويد وآنشتاين التي غيّرت العقل البشري، وظهور أنماط حداثية صادمة شكّلت قطيعة مع الماضي مثل رواية "يوليسيس" لجويس و "الأرض اليباب" لإليوت. وقبل ذلك كله الحركات الطليعية الثلاث المُشار إليها سلفا. فتكعيبية بيكاسو وبراك تمثل خروجًا مذهلاً على ثوابت الرسم التقليدي.
يُشكِّل الشاعر هوغو بال شخصية محورية في الحركة الدادائية، كما يُعتبر "كباريه فولتير" مكانًا مُلهِمًا لأعضاء هذه الحركة أبرزهم تريستان تزارا، مارسيل يانكو، جان آرب، ريتشارد هولسنبك، راؤول هاوسمن، هانز ريشتر حيث قُدِّم على خشبته برنامج متنوع يجمع بين الأغاني الشعبية، وإلقاء الشعر، والرقص، ورسوم الكولاج الهندسية. وفي الوقت نفسه وصل إلى نيويورك وافدان فرنسيان هما مارسيل دوشامب وفرانسيس بيكابيّا اللذين شعرا بأن أميركا ستكون أكثر تقبّلاً للأفكار الجديدة حيث اشترك بمعرض جمعية الفنانين المستقلين بنيويورك في أبريل 1917 بـ"المبْولة"وهي عمل جاهز وقّعه مازحًا باسم "آر مات" وأسماه بـ "النافورة" التي حُمِّلت لاحقًا بالعديد من التأويلات.
لم تقتصر الدادائية على زيوريخ فقد امتدت إلى كولن وباريس ونيويورك. ففي باريس تزعّم الحركة أندريه بريتون وتحلّق حول دورية "الأدب" مجموعة من الشعراء أمثال أراغون وإيلوار وفيليب سوبو. وعلى الرغم من النبرة السلبية للدادائية الباريسية إلاّ أنها عارضت الحكومة اليمينية وشنّت حربًا على الخطاب الفني المهترئ.
لعب بريتون دورًا مهمًا في التمهيد للسريالية، وقد انخرط مع أراغون وإيلوار وديسنوس في جلسات تحضير الأرواح، وحاول استكشاف كل ما هو غير عقلاني، وتعرّف على نظريات سيجموند فرويد الخاصة باللاوعي، وأكثر من ذلك فقد طوّر هو وأصدقاؤه تقنيات "الكتابة الآلية" متتبعين فيها نموذج فرويد في "التداعي الحرّ للمعاني".
جذبت السريالية أول الأمر الشعراء والكُتّاب الفرنسيين أمثال رامبو، لوتريامون، وألفريد جاري ثم انضمّ إليهم الرسّامون وفي مقدمتهم "الرسّام الحالم" جيورجيو دي شيريكو، وماكس إرنست، وإيف تانجي، ولم يكن السينمائيون التجريبيون بعيدين عن هذه الدائرة وعلى رأسهم بونويل ودالي، ومان راي الذي أمسى المصوِّر الرسمي للحركة.
تعرّضت السريالية إلى هزّة حينما تخلى عنها أراغون لمصلحة الحزب الشيوعي لكنها أستقطبت أناًسا آخرين مثل الرسّامة الإنكليزية ليونورا كارينجتون والمصوّرة الفرنسية كلود كاهون التي أنتجت صورًا تشكِّك في هُويتها الجنسية. كما ساهم بريتون في توطيد علاقاته الفكرية والفنية بأميركا اللاتينية خاصة والعالم بصورة عامة.
لابد من الإقرار بأن الدادائية والسريالية هما حركتان عالميتان مقتتا المشاعر القومية وخاطبتا البشرية جمعاء. ثمة نقاط اختلاف بين الحركتين أبرزها أن الدادائيين لا ينتجون أشياء قابلة للبيع بينما تخصص السرياليون دالي وماجريت في إنتاج أعمال تقليدية جدًا وقابلة للبيع وخاصة اللوحات المنفذة بالزيت فلا غرابة أن تُوصف السريالية بالرجعية.
يمكن اختصار الفصل الثاني بأنه حوار بين الفن والحياة لكن رائد السريالية بريتون يشدد على ضرورة إعلاء الحياة على الفن بل أن الكُتّاب والشعراء المرتبطين بالدادادائية والسريالية رفضوا إخضاع التجربة الحياتية للتجربة الفنية. ثمة وصف دقيق لكباريه فولتير، وعروض الحركتين، ودورياتهم المتعددة التي تبنّت نشر آرائهم وطروحاتهم الفكرية مثل مجلة "الدادائية" و "الأعمى" و "391" و "الأدب" و "المينوتور"، و "وثائق" و "الثورة السريالية". تنطوي أحداث هذا الفصل على مواقف غرائبية صادمة ففي معرض الدادائية بمدينة كولن في أبريل 1920 اضطر الجمهور إلى دخول المعرض عبر مبْولة بار، ثم ألقت فتاة صغيرة أشعارًا فاضحة، وعُرضت إلى جانب منحوتة ماكس إرنست فأس لتحطيم المنحوتة نفسها!
لعل أهم ما في الفصل الثالث هو تقسيم بريتون للجمال الاختلاجي إلى ثلاثة أنواع وهي "الشبقي المستتر" الذي يمزج بين الثابت والمتحرك، و "الثابت الانفجاري" عندما تترجم الحركة إلى سكون، و "السحري- الظرفي" الذي ينبثق من مواجهة سحرية مع موضوع عجيب ظاهريا. ثمة عودة إلى "نافورة" دوشامب التي تمثل من وجهة نظر هوبكنز شكلاً ثنائي الجنس بسبب انحناءاتها والفجوة القائمة في قاعدتها التي تشي بتحوّل جنسي لوعاء ذكوري وهو تأويل مقبول جدا. وثمة إشارة مهمة إلى "دولاب الدراجة الهوائية" الذي أنجزه عام 1913.أما عمل "ممرضتي" ليميريت أوبنهايم فهو يخدم الاحتياجات الفتشية، لا الاحتياجات الفنية.
يتمحور الفصل الرابع على سؤال جوهري مفاده: مَنْ أنا؟ عقلٌ أم روحٌ أم جسد؟ وهي ذات الأسئلة التي تكررت في رواية "ناديا" آخذين بنظر الاعتبار أن الحركتين الدادائية والسريالية مناوئتان للعقيدة الدينية لأن الطبيعة البشرية يحكمها اللاعقلاني بحسب تفسير نيتشه، كما أكدّ فرويد بشكل حاسم على الأساس اللاعقلاني للحافز البشري.
يركز الفصل الخامس على الجنس والعِرق والانحيازات السياسية، فناديا كانت مُلهمة بريتون، وجالا زوجة دالي، وجاكلين لامبا زوجة بريتون التي تطلقت لتخوض مسارها الفني الخاص، وحزمة من الفنانات أحببن ماكس إرنست وارتبطنَ به. أما الجانب العِرقي فيتمثل بالفن البدائي الذي حظي بجاذبية كبيرة لدى الفنانين الأوروبيين في بداية القرن العشرين أمثال بيكاسو ويانكو وبعض التعبيريين الألمان الذين نشأ لديهم ولع بالأقنعة الأفريقية.
نشر أراغون قصيدة "الجبهة الحمراء" عام 1932 وكانت تحضّ العمّال على النضال الأمر الذي دفع السلطات الفرنسية للتهديد بإدانة الشاعر لأنه يحرِّض على القتل فانفصل أراغون عن الحزب نهائيًا وانتقل في عام 1934 من الأدب البروليتاري إلى الواقعية الاشتراكية، ثم عُزلت الجماعة رسميًا عن الحزب. وحينما عاد بريتون إلى باريس عام 1946 اكتشف أن إيلوار وأراغون وتزارا قد أصبحا أبطالا أدبيين للمقاومة.
يختم هوبكنز كتابة بالفصل السادس والأخير بأن الأدب والفن والسينما والتلفزيون والتصوير الفوتوغرافي قد تأثر بالحركتين الفنيتين الدادائية والسريالية، فالأولى حاربت الفن بالفن، وحاولت تقويض علم الجمال لأن الفن يوصل رسالة ما ولا يحتاج لمن يفسره لأنه يخاطب الأحاسيس والمشاعر الداخلية. أما السريالية فقد ظلت تراهن على اللاوعي، وتعوّل على التحليل النفسي، وتناوئ القيم والتقاليد البرجوازية التي جلبت الحروب والمآسي لعالمنا المعاصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا