الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل حوار اجتماعي يتجاوز التفاوض حول الزيادة في الأجور

محمد المناعي
باحث

(Manai Mohamed)

2016 / 12 / 7
الحركة العمالية والنقابية



كشفت الأزمة الأخيرة بين الاتحاد العام التونسي والحكومة والتي تمحورت حول تراجع الطرف الحكومي عن التزامه بتطبيق الزيادة في أجور الوظيفة العمومية وفي المقابل إقرار الاتحاد سلسلة من التحركات الاحتجاجية تختم بإضراب عام يوم 8 ديسمبر 2016 في قطاعات الوظيفة العمومية ...هذه الأزمة كشفت مدى مركزة الحوار الاجتماعي العريق في تونس بين الطرفين حول موضوع وحيد و أساسي وهوالزيادة في الأجور رغم التجربة التي اكتسبتها المنظمة النقابية من جهة والإدارة التونسية من جهة أخرى في إدارة الشأن المهني عبر التفاوض بل تجاوز القضايا المهنية إلى إدارة القضايا و الأزمات الوطنية عبر آلية الحوار و التفاوض وتقريب وجهات النظر والتنازل المتبادل .
فالحوار الاجتماعي كآلية لفض النزاعات الشغلية ، ورغم تركيز قطاع هام من المتابعين بما في ذلك من الممارسين للشأن النقابي على موضوع الأجور فانه في واقع الأمر يتجاوز ذلك بكثير فبناء حوار اجتماعي حقيقي في تونس يمر عبر مأسسته أولا وجعله اطارا لقضايا أكثر أهمية من مجرد الترفيع في الأجر و الحصول على منح مباشرة .
الحوار الاجتماعي ألية لتطوير الانتاج و ظروف العمل و التنمية عموما وأداة لتحقيق السلم الاجتماعي بعيدا عن التوتر و الصراع و في نفس الوقت بعيدا عن انتهاك حقوق العمال واثقال كاهلهم ماديا ومعنويا.
الحوار الاجتماعي يجب أن يتناول مسألة المقدرة الشرائية للمواطن ككل وللعامل والفئات الضعيفة خاصة من زاوية الأسعار قبل زاوية الزيادة في الأجر ذلك أن زيادة دورية محدودة في الأجر لا تغطي الا نسبة ضعيفة جدا من المصاريف الاضافية الناجمة عن الزيادة المتواصلة في أسعار المواد الأساسية التي تنفلت تدريجيا من رقابة جهاز الدولة لتصبح حرة خاضعة لقانون العرض والطلب ، لذلك فان سياسة التحكم في الأسعار وضبطها و تنسيقها سواء بالاتفاق مع الدولة أو مع المنتجين الصناعيين والفلاحيين وغيرهم تعتبر السبيل الأنجع لدعم المقدرة الشرائية للمواطن والحفاظ على هامش ربح للمنتج ضمانا لتواصل الانتاج وبالتالي المساهمة في مجهود التشغيل في نفس الوقت تعديل المقدرة الشرائية .
الحوار الاجتماعي يجب أن يتناول ظروف العمل قبل الأجر من تجهيزات و سلامة وبيئة سليمة لا تهدد حياة العامل وصحته ، وتشمل الاهتمام به مهنيا على مستوى التكوين و الرسكلة و التربصات و اجتماعيا عبر توفير الحماية الاجتماعية و المساعدات في المناسبات الاستثنائية و الترفيه والإحاطة بأسرته وأبنائه ( منح تعليم ، حضانة مدرسية لأبناء العاملات و العمال ، النقل نحو مكان العمل ، الرحلات الدورية ، الأكلة أو فضاء مناسب للحصول على الأكلة أثناء العمل ، اللباس المناسب للعمل ...)
هذه المسائل يجب أن يتضمنها الحوار الاجتماعي بل يركز عليها باعتبار تحقيقها هو تحقيق لمفعول مادي بطريقة غير مباشرة يعود على العامل ايجابا كما ينعكس على الانتاج وبيئة الانتاج واستمراريته في أحسن الظروف .
الحوار الاجتماعي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار موضوع التشغيل برمته عبر التفاوض حول معايير الانتداب ومدة العمل وزمن العمل و سن التقاعد ، لضمان قدرة انتاجية عالية للعامل وفي نفس الوقت استيعاب أكبر عدد ممكن من اليد العاملة في سوق العمل و الحد من البطالة وهو ملف ظل على هامش الحوار الاجتماعي لذلك فهو محل تجاذب و صراع بين تنظيمات الشباب المعطل و بين الحكومات والحال أنه ملف يهم مباشرة الطبقة العاملة و ممثليها والحوار حوله يمكن أن يخرج بتصور يتماشى وحاجيات المؤسسة من اليد العاملة و طلبات الشغل المتنامية ويصوغ تصورا شاملا لمعظلة البطالة .
تتأثر الطبقة العاملة بالوضع التنموي عموما وبالسياسة الضريبية تحديدا حيث غياب العدالة الجبائية والتهرب والتحيل الضريبيين يجعل من المجتمع يتقدم بأنساق مختلفة يكون الأجراء الحلقة الأضعف و الأكثر هشاشة و في نفس الوقت الفئة التي يسلط عليها الثقل الضريبي مقارنة بفئات أخرى محظوظة عرفت بالتهرب الضريبي ، فلا مجال لدعم القدرة الشرائية دون الحسم في ملف العدالة الجبائية ليشمل الجميع على وجه الانصاف و يدمج فئات سواء من المهن الحرة أو الاقتصاد غير المنظم والموازي في منظومة جبائية اجبارية توفر اعتمادات للدولة لدعم التنمية و الخدمات الاجتماعية و في نفس الوقت للحد من التداين .
الحوار الاجتماعي ألية لتناول كل هذه المواضيع وغيرها و طرح الأسئلة الضرورية والاجابة عنها جماعيا ضمن أطر تمأسس الحوار الاجتماعي و تنظمه و تجعل من مخرجاته ملزمة للجميع ، هذه الأسئلة تكون الاجابة عنها مخرجا للمعضلات التي تتردى فيها الطبقات الضعيفة و المتوسطة و تغني الأطراف الاجتماعية عن الصراع و التصادم لإيجاد حلول تحت الضغط في كل أزمة...فعلى الحوار الاجتماعي أن لا يكتفي بالسؤال عن حجم و نسبة الزيادة في الأجر لتحسين المقدرة الشرائية ؟ بل أيضا كيف يمكن التحكم في الأسعار ؟ كيف يمكن تحسين ظروف العمل لدعم الانتاج ؟ كيف يمكن ارساء عدالة جبائية ؟ كيف يمكن ارساء سياسة تشغيل منصفة تقوم على الكفاءة ؟ كيف يمكن التحكم في الاقتصاد و تنظيمه و القضاء على التهريب لحماية الانتاج الوطني ؟ كيف يمكن مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية مع الشركاء لحماية الاقتصاد المحلي ؟ كيف يمكن الحد من التداين وخلق الثروة محليا ؟كيف يمكن مراجعة قوانين الشغل و قوانين الاستثمار لدعم الاستثمار و صون كرامة العامل في ذات الوقت ؟ كيف يمكن تحويل الحوار الاجتماعي نفسه الى محفز للانتاج و داعم للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و مساهم في ارساء تنمية عادلة و شاملة و مستدامة ؟ أو عموما كيف للحوار الاجتماعي أن يكون سندا للديمقراطية و العدالة الاجتماعية ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صدامات بين طلبة والشرطة الإيطالية احتجاجا على اتفاقيات تعاون


.. التوحد مش وصمة عاملوا ولادنا بشكل طبيعى وتفهموا حالتهم .. رس




.. الشرطة الأميركية تحتجز عددا من الموظفين بشركة -غوغل- بعد تظا


.. اعتصام موظفين بشركة -غوغل- احتجاجا على دعمها لإسرائيل




.. مظاهرات للأطباء في كينيا بعد إضراب دخل أسبوعه الخامس