الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وصايا الجامعة وحكاية ابي

سمير عبد الرحيم اغا

2016 / 12 / 9
الادب والفن


وصايا الجامعة وحكاية أبي






سمير عبد الرحيم أغا


مجموعة قصصية


















1- ورقة انتصار .........
2- قرار ........
3- درس الحب ...........
4- هلال بعيد
5- مشوار فريد..
6- منظر يومي
7- ايشوع باب حكايتنا
8- - سر مدرسي -
9- شاهد وحيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10- درجة 90%
11- غمامة سوداء
12- ما قاله الرواة عن يوم الزفة
13- حكاية ابي
14- -صبي في الباص..
15- ثلاثة طلاب
.......................








1- ورقة انتصار


لها طقوس تنام على وسائدها الفراشات ، تلون كلماتها دفاتري وجهها دائما يسكن ذاكرتي، نث حديثها مطر يصيب قلبي فيخطو خطوة أو خطوتان إلى الإمام ، توهج قلبي اليوم حين أعطتني زميلتي انتصار ورقة صغيرة في أيام الامتحانات النهائية ، وقالت : أنها هدية وقفت إمامي تنظر بعيون ساحرة، لأول مرة أخرجت من حقيبتها ورقة صغيرة مطوية عدة (طويات ) لا يظهر عليها أي كتابة من الخارج ورقة بيضاء ناصعة يكفي كل من ينظر إليها يعرف أنها ورقة " حجاب " قالت بجدية واضحة :
- خذها وضعها في جيبك
سرى خيط الاستهزاء إلى ذهني وقلت :
ـ ما بها هذه الورقة ..؟
ـ ستعرف بعد الامتحان !
أمسكت الورقة ووضعتها في جيبي ، سحبتني إلى أيامنا التي تعد بالأصابع كانت موانئ معمورة بالأحلام ، انتصار ، هادئة خجولة تصنع النجاح لنفسها ولغيرها ، تلك الخصلة .... احتفظت بها ، تقرا الأفكار في عيون زملائها، تتمنى أن أتخطى عتبة الامتحان النهائي وأنا أريد أن أتمسك بأي شيء لأنجح ، لم أكمل دهشتي حتى شعرت بشي غريب يزاحم أفكاري أفسحت له مكانا بحجم هيكله الصغير ووضعته في جيبي حدقت في الورقة استغربت : هل هناك شيء ما يربطنا بهذه الورقة ..؟ كنت مع كل عبارة اذكرها انتظر منها ردا أو ضحكة قالت :
الورقة ..!
ماذا تقصدين ..؟
أضرم الخجل شباك قلبي أصبح من المستحيل إلغاءه دوما يقولون: أن للزمالة في الكلية دور في ارتباط الأحبة تحت سقف واحد ... ما قلته لها أخيرا : أنني رسمتك على خارطة الارتباط فما رأيك ...؟ ترد بهدوء : كم صيف مر وأنا ما زلت خالية اليدين تعلل وتقول ليس في سمائي هلال في قاعة الامتحان جلست مرتبكا خائفا من شيء وضعته في جيبي وفي نفس الوقت في قلبي امتد نظري إلى انتصار والى ما موجود في الورقة هل كتبت فيها مواد من مقررات الامتحان ..؟ رهبة المكان جعلتني ارتعد ، حتى فقدت السيطرة على مفاصل جسمي فتحت الدفتر وقلبي محاط بالارتباك ..زملائي في القاعة ينظرون نحوي بطرف عين ، المح انتصار من بعيد جالسة في مقدمة القاعة قلت لها في نفسي :
كفى جنون
لو رآني المراقب انظر إليها ، سيطارده الشك بالغش ولو للحظة واحدة أضع يدي على الورقة وأتذكر انتصار، موجة خوف تجرفني إلى شاطئ الارتباك قرأت الأسئلة والصمت يلف القاعة الكبيرة ، جدرانها تحتفل بكتابات ورسوم الطلبة كأنها لوحات فنية رسمت بدقة لفنانين كبار ، كتبت أجوبة أحس أنها كانت مغلقة صعبة وانأ غير مصدق ، كل ما حولي يتأرجح من الخوف ، ولو جاء المراقب ووجد ما في جيبي لكنت في خبر كان ، الورقة التي دستها انتصار في جيبي دهست تفكيري وأنا لا اعرف ما بها ، أنا لم أقرا الورقة ، توالت كتابة الأجوبة وانأ غير مصدق ، اكتب بسرعة ، مرت مدة طويلة و لم يرفع احد من الطلاب يده يطلب السؤال لماذا لا يسال احد ..؟ خيل إني سمعت احدهم يقول : أنها ستكون عنوان نجاحه الذي سيرفعه إلى التخرج وربما التفوق تردت في فتح الورقة لأعرف ما بها فاصطدمت بالمراقب الذي ينتظر أن افعل أي شيء مخالف لكي يطوي دفتري ويطردني من القاعة الورقة .. الورقة ما بها يا انتصار!! وضعت أجوبتي في مكانها كأنني أتذوقها وجدت فيها حلاوة " انتصار " هواجس كثيرة تلقحت وتناسلت في ذهني ، ورقة بيضاء صغيرة منزوعة من كراس جامعي تفوح منه رائحة عذبة أنستني الخوف الراكد في قلبي خرجت من القاعة بفرح قوي ، رأيت الطلاب أمامي وعيون تخفي ورائها نجاح أكيد ، بحثت عن انتصار في ممرات وحدائق الكلية ناديت بصوت عال:
انتصار ... انتصار
بقيت أنادي حتى قال لي احدهم
احمد .. لقد خرجت من الكلية ...
لم اعرف ما قاله لي ، لأنني كنت ساهما وعيناي مسمرتان بالأرض كأني أضعت شيا ثمينا رسمت في خيالي صورة عديدة لما موجود في الورقة : أجوبة لأسئلة : رسالة حب : " حجاب من الحسد " خبأت الورقة عن زملائي بين تلال صدري مارست اخفاءة بسيطة استعدادا لمواجهة ما فيها أتكات على الجدار الخلفي للكلية أخرجت الورقة ، قربتها من وجهي فتحتها قرأت السطور برائحة زكية وبابتسامة ناعمة
أنا موافقة على الارتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاط بك ..















2- قرار



ثلاثة أشهر مرت من الدراسة وأنا أتقدم نحو نفسي بتأن ، كما على رقعة شطرنج ، كنت متصور أن عقد الحب قد انفرط ، قلت ربما أغدو حبيبا وربما هذا قدري ، رغم أنني غير مولع بالأقدار يكفي أن احلم لتصادق الحياة على فشلي، أكثر من مرة رسبت بامتياز ، وفي أول امتحان وبالذات في درس الإحصاء
قررت بيني وبين نفسي أن أتدارك الخلل ، قمت من نومي متعبا ، ولم أكن قد توصلت إلى قرار ، الأمور لم تعد تطاق ، بل ضاقت بي إلى ابعد الحدود ، أحسست أن كل شيء غدا في ثقل الرصاص ، الكتب والشوارع والبيوت وزملائي وهواء آخر الليل ، في مكتبي الصغير كنت أدرك أنني اغرق في نهر مجهول ..... وإنني شاب من أبناء الزمن الجديد الذي يقولون عنه انه لا يصلح لحمل أكياس القطن ،وأنا الذي عشت زرقة السماء الصافية في قريتي ، وخضرة النخيل الزاهية ، وسمرة الأرض ، وسمعت صوت الريح في ليالي الشتاء ، وان الاستيقاظ في الصباح ، يعني ميلاد جديد ، مشكلتي أن الفشل يقطع الطريق أمامي وأبدى العداوة لي وأمس أشاد بقوته وعلى إتيان ما لم يأمر به الله ، خرجت من أعماق سريري ، لم يكن هناك شيء اعمله، كنت أحس بطعم الفراغ لزجا على طرف لساني ، فتحت نافذة غرفتي ، كان الأمر محيرا ، كل من حولي من زملائي ، يبدو على ما يرام ، رغم أني خسرت،كل صداقاتي السابقة ، أحيانا اعذرهم فانا ليس جديرا بهذا المكان ، يجب أن يكونوا بحاجة لي وليس أنا بحاجة لهم أغلقت نافذة غرفتي الصغيرة ، أحضرت مرآة كبيرة مشروخة من المنتصف تماما ، .. وضعتها أمامي وجلست ، رحت أناقش كل الأمور ، مع الجالس أمامي ، كان بين أصابع كل منا قلم ودفتر وتحت يده ورقة .. ارتفع صوت كل منا :
- لا تغضب ... فـأنا لم افشل .
بحثنا ودرسنا سبب الفشل ، هكذا نحن في الحياة ، نتعلم من الفشل ، دونا بعض النقاط الهامة ، خلال الحديث الدائر ، حسبت الأمور في ذهني ، استرقني تفكير ما قاله لي ،كان صادقا فيما يقوله أتسال : كيف سحبني الفشل بهذه الطريقة ..؟ قال لي : ابحث عن السبب ، ابحث عن عنوانه ، كل هذه مجتمعة بدأت ابحث عنها ، ثمة شيء يشدني إليه ، اتخذنا القرار تعاهدنا على تنفيذ كل شيء بدقة ، قمت ، ابتسمت ، حييت الجالس أمامي ، بادلني التحية ، وكان هو الآخر قد ابتسم لي ومسكني من يدي وقال :
لقد خلقت لتركض إلى النجاح لا لتقف الخوف من الفشل ،، فشل قد يمتد مدى الحياة
، لم يمد احدهما يده لكي يصافح الآخر استأذنته في العودة إلى مكاني ، فعل مثلما فعلت قررت أن أصارحه دائما ، وبدت لي المصارحة موقفا معقولا إلى ابعد حد ، وضع يده محاولا أن يوضح الأمر لي قلت له
-جميل أن تجد إنسان في داخلك يستجيب لندائك ،
، ، قلنا في صوت واحد :
سنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنجح ...؟








3- درس الحب



لم يكن يعرف كيف تكتب قصص الحب .؟كان مولعا بالأقدار الكبيرة ، الحب هو ذكاء المسافة هو نفسه لا يعرف أن طريق الحب طويل
هو عامل في البلدية وهي طبيبة في المستشفى ، كل يوم يراقبها وهي تذهب إلى عملها ، مع الوقت تغدو علامة تعجب ... فعلامة إعجاب ! تحركت مشاعره نحوها ، إحساس جديد ، كإشراقة الشمس كل صباح صارحها بمشاعره ، قالت له :
- أنا طبيبة وأنت ...
تفاجأ بها وقال : أنا غير متعلم !
_ لا يوجد تكافأ يبننا .. يجب أن تحصل على الشهادة .
انتفض انتفاضة عارمة ، نهض بقوة دون ن يحسب مقدار هذه القوة جيدا وتفوه في وجهها بشظايا كلام كالسيخ الصدئ::
كيف ترسمي مشاعر الحب بيننا بالشهادة ، بقي صوتها رنين يلاحقه كل لحظة ، الصوت لا يدعه ينام ، يقوده بقوة الى مساحة الكلام الذي قالته له
دفع نفسه للقراءة من اجل أن يتزوجها ، حمل أوراقه ودخل المدرسة ، وتيار من الأمل يقول له
ـ ستعود منتصرا
و حصل على "الإعدادية" ... أصبحت ساعات الانتظار أياما ، والأيام شهورا ، والشهور سنه ، علق آماله على الشهادة قالت له :
- هذا لا يكفي لازال التكافؤ بيننا بعيد
همس لنفسه : الطبيبة تعترض . يجب أن احصل على شهادة أخرى ، حمل نفسه بنفس الهدوء والحماس ......رفضته لان التكافؤ ما زال قائما وهو يعرف ان طريق ألحب صعب ، التكافؤ لازال ... يسد الطريق ، لابد أن يصل إلى حلمه رغم ان هذه الفتاة ليست أجمل من غيرها ، لعله يصل إلى حالة الشغف التي سكنته مذ رآها ، لابد أن يستخدم يديه وملامح وجهه في التفاهم مع الآخرين ،تقول له :
ـ لا أحب العبث
ـ يضيق بحديثها فيقول :
ـ انت لا تعرفين الحب
ـ أنت الذي لا تعرفه
تقول ثانية :
ـ اثبت لي انك تعرفه مثلما اعرفه
قال لها : سأعود :
اختار كلية الطب ، بدافع حبه لها عجلة الحب دارت ومضت بسرعة حتى بنيت له صرح كبير اسمه " شهادة الطب " و جاء الوقت الذي يجب أن تقبل به ولا يظن أنها سترفضه الآن
- ترفضه وهو يحمل نفس شهادتها كان يعتقد أن الحب يدق على بابه قالت له : أنها لا تحبه ولا ترغب بالزواج منه ،صدمه الرد : بعد كل هذا النجاح ، لماذا لم تبلغه بقرارها قبل أشهر ، حتما كان قصدها هدر المزيد من الوقت ، كان الأجدر ... أن ترفضه منذ البداية... ماذا فعلت ..؟
قالت له بكل صراحة : .. أنا لم افعل شيئا ،أنت كنت عامل بدون شهادة ورفضتك ... جعلك تنال الشهادة .. وهناك آلاف النساء غيري ترغب بك وأصبح مع الزمن بطلا من أبطال الحب ، يتداول الناس حكايته في كل زمان ومكان .................................................



4- هلال بعيد




كنت اسمع بإصغاء وأعطي لنفسي الحق فيما يدور خلفي من كلام ، فلم يعد في كليتنا حضنا دافئا ولكن أين أنا من هذا كله ، عجلة الدراسة دارت ومضت بسرعة بما فيها من ذكرى جميلة ، وشغفي بزميلتي "سعاد" وشم عميق لم استطع رغم كل السنوات الأربع أن امحوه عن جسد أيامي ، هذا الشغف منعني من الارتباط بها ، انتظر النصيب يغدو أحلى ابتسامة ، اضطربت نفسي وأنا أجدها فجأة أمامي مع إقبال في حديقة الكلية بعد شوط من الصمت ، وهما يتناوبان النظر في صورة فوتوغرافية لشخص لا اعرفه، تقول سعاد بصوت هامس ناعم :
ـ صورة عريس
ماذا تقولين .....؟ أعدت طرح السؤال عليها مرتين ، لعلها لم تسمعني
ـ صورة عريس .. اختارته أمي
ـ وأبوك هل وافق ؟
ـ لم اعرف بعد
ويترامى إلي صوت في داخلي مكتوم
ـ تصرف غير لائق .
تقول إقبال بنبرة متحدية وكأنها اخفت عني هذا الشيء وهذا دليل على أنها مقدمة على فعل تستحي أن يعرف به احد
- كيف فعلت ذلك ..؟
ـ الزمان غير الزمان !
كأنني اسمع من يقول :
ـ ما هي إلا صورة .
اقلب صفحات قلبي ابحث عن صفحة ملونة باسم سعاد فاجد بوح رقيق شفاف .. ما لقلبي يبكي لعله بدا يتنفس " آهات الغيرة" لكنه يرفض ان يعترف لا يدري انه يخاف عليها من هذه الصورة هل يريد نجاحا يباهي به أم يفضل لو أخرت زواجها ؟
ـ لكن أنت تبحثين عن زوج .... ؟
- نعم
راح قلبي يخفق لمجرد رؤية الصورة جلست على بعد أفكر في ما سمعته وعندما لم تع شيآ عاودت الاتصال
ـ أنت تمزحين
ـ أبدا إنها حقيقة
ـ هل هو طالب في الكلية .؟
ـ لا يهم
ـ هل لي ان اعرفه .؟
ـ وما الجدوى .؟
لا ادري بأي منطق أرد عليها ألا يمكن ان تنتظر الزواج بعد التخرج ماذا أقول :.؟ من يفرط في الحب بدقيقة بإمكانه أن يفرط أكثر ألا تستطيع أن تنتظرني . بقيت اتابع الحديث بذهول وقبل أن تلتقط أنفاسها قالت :
لن أرد عليك بعد الآن
أتابع الحديث المشترك بحزن خفي ، تطالعني من ثناياه نذر الفــــــراق الروحي
، تمر أيام .. بسرعة فائقة وأنا أراقب سعاد ، ، تأتي سعاد في نهاية الموسم الدراسي ، متوردة كرغيف خبز ....مهتدية بضوء يلوح في شراعة بابها ، وتذهب سعاد إلى عدلها .. كما ذهبت من قبلها خلود واعتماد وافتخار ، بقي حبي لها عميقا ، خاليا من كل الأنانية وهي بالنسبة لي كالشمس استطيع أن أراها كل يوم لكن من المستحيل أن المــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــسها..

5 –مشوار فريد



يمشي حائرا ، يتأمل الفراغ ، أحيانا لا يلق التحية على زملائه كما ينبغي ، دخل عليه الحب كغبار لا يعرف احد من أين جاء والى أين سيتجه ، زملائه يعرفونه ورقة بيضاء كراس جامعي نخلة حزينة ، لم يدع أيامه تطول ... انتهى به الأمر أن هجر الكلية مبكرا... وكنت الشاهد على ما جرى ، لم يتحمل ضحكات الطالبات لعدم مقدرته التكيف مع زملائه ، رفعنا عيوننا المثقلة بالدهشة نحوه لنسلم عليه ... غير انه كان قد غادر ، تلاشى من أمامنا كنسمة خفيفة ،وعاد إلى قريته ، فريد اسم ... يذكر في سجل أسماء الكلية فقط ، بينما في القرية ... اسم يذكر كما تذكر شــجرة التوت العملاقة. اسم يذكر كل يوم مثلما تشرق الشمس كل صباح : سعادته كانت دائما سريعة العطب كأجنحة الفراشات كلما حاول الإمساك بها انتهت بهجتها غبارا بين أصابعه تلاشت كل الصور أمامه كومضة ضوء إلا صورة "فرحة "
يقول فريد لأبيه وهو في غاية الفرح
أريد أن أتزوج "فرحة" يا أبي ....!
يرد عليه أبوه باستهانة
ولماذا "فرحة "بالذات ، فالنسوان في القرية أكثر من الهم على القلب ....لماذا لا تتزوج بنت عمك ...؟
هذا أمر قلبي ولا رد عليه
يقول فريد بألم :
الحق أنني لا ارغب بابنة عمي
يغضب الأب وينهر بشدة
أن تتزوج "فرحة " يعني أن تقنع .. عواد ابن عمها
ولكنه لا يريدها ولا تريده
هذا لا يعنينا ..
رد فريد بعد أن تعب من المراوغة
وماذا يريد عواد ... لكي أرضيه ..؟
يرد الأب بأسف
لابد إنه يريد مالا
تكلمت معه ..........ولكنه يغالي في ذلك كثيرا
يرد الأب :
هذا معدنه .. متسكع وشرير ولا يتوانى عن فعل أي شيء
لن أتراجع عن "فرحة " ولو .... جمعت لها المال طوال حياتي
يرد عليه الأب بعد إن عرف إصراره على تحقيق حلمه :
أنت مجنون .. تحسب زواجك من " فرحة "سهلا ..
يمضي "فريد " بحلمه إلى أمه .. فتترامى له طريقا مسدودا ..... ويدرك انه لا مخرج إلى حلمه ، تقول له أمه :
زواجك من "فرحة" خاسر . اترك هذا الأمر لي وأنا أزوجك أحسن منها . أنصحك بالعدول عنه .... ظل حتى آخر لحظة يتوقع حلا مرضيا من "فرحة " : الآن " فرحة" : فقط بدأت تصدق قلبها الذي يوشوشها أنها لن تراه أبدا وان قدرها أن لا تكون يوما سعيدة
يغادر "فريد" القرية حاملا حلمه في يديه ... مستقبلا العناء والمجهول ، ومع الأيام لم يعد يذكر اســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمه
........





6ـ منظر يومي



لفت انتباهي في احد الامتحانات أن أرى من موقع جلوسي في قاعة الامتحانات المكيفة هذا المنظر ،أرى يد مروان تأخذ خلسة ورقة صغيرة جدا من جيب قميصه .. ينظر حوله بخوف وتردد ويكتب ما موجود فيها على دفتر الامتحان ,... ثم يندفع فاقد التوازن خانقا الورقة إلى مكانها ، يتلفت مروان يمنة ويسرة وكأنه رادار متحرك إلى كل الجهات ...بدا حريصا ودقيقا على اختيار حركاته خاصة أمام المراقب يعود إلى وضعه السابق دون أن يحس به احد .. ظل مكانه ساكنا لا يحرك يدا ولا لسانا ، أغمضت عيني فإذا بحضوره يسيطر علي، أصابني دوار شديد من هول المفاجأة تحركت المشاعر في داخلي ، دقات قلبي تتسارع وهي تتجه نحو مروان ، ألقت في طريقها نظرة سريعة نحو المراقب ،كل الطلبة يعرفون مروان مثل شجرة الفل وأنا أولهم .. لا يغش ،لا يكذب. يتكلم بصدق ...رمزا جميلا للوفاء والإخلاص يقرأ لنا أجوبة الامتحان بدون ملل ، ما هذا الذي رأيت ؟ خجلت من سؤالي ، من الذي جذبه وعلمه ذلك ؟ هذا الذي يستحي أن يحرك لسانه ، لا اذكر من قال عنه على مسمع مني : انه واجهة كبيرة للمثل العليا ، و ثروته من النجاح في الدروس لا تعد ولا تحصى نتيجة الجد في دراسته . الغريب إنني لم انس نبراته .. كررت ما قلته : بذلت جهدي لاستقصاء سبب "الجريمة " .. إبلاغه الرسالة أن أمكن ،
كان مروان نحيلا ممتد العنق لم يبدل نظارته منذ سنوات المنسق الأول في الاجتماعات المنظم الأول للاحتفالات كثيرا ما جاءني وقعد عندي وخاض في أمور عامة أو شؤون تخص الطلبة ، يتحدث متمهلا ينطق بلهجة تدنو إلى الفصحى يتكئ على مخارج الألفاظ ، يصمت أحيانا ثم تستمر ابتسامته الجانبية المعلقة على حافتي شفتيه ، علاقاته عديدة ومتنوعة وغريبة
ولكن ماذا أقول...؟ هل أقول إني رأيت مروان يسرق ... ؟
ربما فعل أكثر من هذا من دون ان يرصده احد . كلا لا استطيع أنا رايته .. يغش، هل كان سعيدا ، هناك خيط يجب أن أصله ، رجوته أن يهتم بالأمر ، أشعرته أن يقول الحقيقة لكن هل يستجيب للنداء ؟ انظر إليه ... اختلف معه وامقته لم أبدا اهتمام للحادثة عند ما وقعت ، تذكرت يقينه وإصراره عن السبب فتمنع ، فورع يده إزاء تثاقلي عليه .. أبدى لينا بعض الشيء ، رجاني إلا افشي الآمر ... ربما تسبب في قطع رزق من لا ذنب له لكن هل افتح الباب على مصراعيه وأتكلم، كان ممكنا أن أثير فضيحة أن أشعل الفضيحة أن ابلغ العمادة بالغش رغم أن ذلك أصبح يحدث في كل امتحان قد يؤثر هذا على مكانته ويهز صورته ... لماذا الخشية ..؟ ، كان يحتاج إلى أن يجيب بين الحين والآخر ولو كذبا ، ليمارس على الحياة سطوة ذكائه الرجالي كسارق ...حتى يمسك يوما بالجرم المشهود ، تتلاشى الصور كلها كومضة ضوء حين أراه إمامي في الكلية يعاودني منظره المخزي حاملا معه معان.. لم تخطر لي على بال من قبل .دمعت عيناي لحظتها لأنني اقتلعت شجرة الفل من قلبي بدون الم







7- ايشوع باب حكايتنا



من بين الأسماء التي جاءت إلى مدرستنا اسم المعلم ايشوع " في نفسي حاجة للكلام ، لأعرف إلى أين ستنتهي حكايته وهل ستكون لها نهاية ..؟عند مجيئه بعينيه الواسعتين ، حاصرتنا الأسئلة ومن شدة الأسئلة صار ظهري علامة استفهام .
هل هو حقا حلم لا يصدق ...؟
عمن تتحدث يا أخي ،
المعلم الذي جاءنا أمس
من هو
أستاذ ايشوع
نعم ... ولكن لم نعرفه بعد !
سنعرف أكثر ... لو بقي بيننا ، أصوات في القرية تثير غبار الأسئلة ، تختلق الأوهام ، رجعت إلى البيت مستاء ، لأعرف من هو ، اعتقد انه لن يمكث طويلا سيرحل بعد أسبوع أو أكثر ، أسئلة تدور تضيق بذاكرتي ، لا استطيع رفعها ، غير مقتنع بأجوبتها ، سنقدم له لائحة استقبال تليق به ،
من أين هو ..؟
من الموصل
جاء وقت لقاح النخل ، معلما في المدرسة الابتدائية المتواضعة في قريتنا ، مددنا له يدنا ، حدثنا عن أهله في رغبة متصاعدة ، قلنا :
أن تبقى ...هنا ، يعني أن تفرش الأرض بيدك ، هنا الليل اشد سوادا ، لا يوجد ضوء سوى ضوء "الفانوس " ، نحن نربي البقر والحمير ، نبكي ساعة ونفرح لحظة ، يعني أن تتحمل الذباب وهو يطن والبعوض وهو يلسع ، جلودنا ، لكن حسبنا أننا نزور ضريح "السيد حراز" و ضريح " السيد محسن" وهما من "آل البيت " الكرام نحبهم ويحبونا ، ومعنا نساؤنا وأطفالنا كما كان يفعل آبائنا وآباء آبائنا من قبلنا ، ضحكنا في مجيئه وفي تقبله لنا ، نحن قوم نعيش على الستر ، تنطلق ضحكة منطوية من بعيد ، يقولون :
من هذا ..؟
انه المعلم الجديد
وما اسمه ..؟
ايشوع اسطيفو
ابتسمنا بانبهار
ما هذا الاسم الغريب علينا ..؟
تحولنا فجأة نحوه
وما هي هويته..؟
انه مسيحي من " قرقوش الموصل "
ماذا تقول ..
في بادئ الأمر بقي هائما صامتا ، وهو يلقي درسه في الفصل ، نتابع المعلم ايشوع كل يوم ، شكله ، حركته ، طعامه ، هل حقا أنه لا يأكل من آكلنا ..؟ هل .....؟ ونسعى بطول الأيام إلى منصة الرهان نرى.. من سيفوز ..؟نأخذ بالتجمهر حول ايشوع .. تطيب الفكرة لنا ، كأننا في عالم غريب وجديد ، المعلم يعقوب : يقول عكس ذلك أنه مثلنا .. يأكل من أكلنا ، يحبنا .. يرى حلاوة الأصابع وهي تقدم التمر ، يرى حلاوة العيون وهي تقدم العنب .
لكن كيف تمضي الأيام .. ولم نكتشف بعد ايشوع .. ذات مرة أتى المستر " مارسيل " خبير التغذية الأمريكي والمبعوث الخاص من منظمة " اليونسيف " في زيارة تفقد لمدرستنا . وحين انتهى من الزيارة طلب منا جميعا ان يتمشى في القرية ، تكلم معه المعلم يعقوب وفي الطريق عرف بمدة بقاء ايشوع في القرية فسال ايشوع متعجبا :
كيف بقيت كل هذه السنوات و لم تعد إلى اهلك ..؟ رد عليه "ايشوع" بكل قوة :
أنا لا أريد
بهت المستر " مارسيل " لذلك الجواب ، وأغمض عينيه كأنما تلقى لطمه على حلقه ليقول في نفسه ويسال :
ـ ما هو السر ؟؟
مضى يمشى في القرية ، يرى جمال القرية وبساتينها وأهلها ، منذ ذلك التاريخ ,, أصبح ايشوع واحد منا نشتاق إليه ويشتاق إلينا ، يتناول الطعام على الأرض معنا شعره أشقر كلون حبات القمح ، نخلة مغروسة بيننا ، يلقى مد الحب من كل مكان ، نعانقه كما نعانق أطفالنا ، ونعرف انه ما إن يفارقنا سنصاب بانهيار ، كل شيء يمضي في طريقه الطبيعي ، حتى امتد مكوثه بيننا اثنتا عشر سنة ، آه .. ما أروع الحب في القرية وما أروع الانتماء إليها .. كأننا سمعنا ما هو أقوى من حبه لنا وكأنه أثم بحق أنفسنا ، نعم بهتنا من اسم ابنه الجديد
وما هو اسم ابنه .؟
خالص
تتردد كل الأصوات :
انه اسم من أسماء أبنائنا بل اسم مدينتنا التي تنتمي إليها القرية
فرحنا كثيرا .. ورقصنا واحتفلنا في ضحى اليوم التالي ، حين ودعنا " أبو خالص " كما أصبح ينادونه ، ودعنا المعلم الذي تراهنا على بقائه وتهامسنا كثيرا عند مجيئه ، بكينا بحرقة وألم لا مثيل له ، وفي المساء رأينا كل العصافير التي ولدت معه وكبرت معه ونامت معه في المدرسة .... تبكي لفـــــراقه .


8- سر مدرسي



حياته علامة استفهام .. انجازه الأكبر انه .. يقوم في أحيان كثيرة بأعمال مخجلة كالغش في الامتحانات .. الفصلية أو النهائية بطريق جنونية محترفة دون أن يثبت احد أي شيء عليه ، يتباهى بذلك حتى ظننت انه أحسن مني ومن غيري وخاصة أمام الطالبات .كنت أحس نحوه بحرقة تكوي قلبي تمنيت ان يصلح نفسه قلت له ذات يوم :
ـ هل تظن إن أحدا لا يعرفك ...؟
يرد باستهتار .
ـ لن يستطيع .......... سيبقى الأمر سرا ولن يصل إلى أي احد
ـ هل تعتقد أن العمل الخبيث لا تفوح رائحته ... سيأتي يوم يا اسعد
قال اسعد ببرود :
ـ سأتخرج وأصبح أحسن منك
قلت له بثبات وتمعن :
إن كان لك انف واحد وعينان فالناس لها آلاف الأنوف والآذان والعيون المنصوبة في كل اتجاه ولا يمكن أن يستغلهم احد أو يضحك عليهم
يضحك اسعد بكل ثقة كأنه يرسم أوراق التوت الذي يحبه على الجدران لكنها تبدو من الخلف حزينة مغسولة بالحريق والدمار قلت في نفسي :
..هؤلاء هم الذين يضحكون ، ولكن لا اعرف متى تنزع عنهم أقنعة العفة اردد مرة أخرى مع نفسي :إلى متى يدفن هؤلاء رؤوسهم في رمال الخفاء .. لابد أن تظهر يوما ، صبرت على قدرته في الغش .. لكن إلى متى ..؟ متى تتساقط أوراق التوت ،كانت كلماته الأخيرة بابا يغلقه بوجهي ، وحدث ان تشاجر اسعد مع زميله حميد في معركة حامية لا نعرف سببها كأن في الأمر سر ، تشتد .. ونحن ننظر إليهم في تبادل اتهامات غريبة وخطيرة ... حميد يقول لأسعد :
أنت .. غشاش ...
ننظر إليهم بانبهار ... حدث لم نكن نتوقعه .ونجد راحة نفسية في هذا الشجار الطلابي ، أصبح الأمر فرجة ،ألا أن حميد يطلق لسانه " الطويل " ... ويرمي فجأة قنبلة على اسعد ..قنبلة مدوية في أرجاء القاعة
ـ أنت مزور ..
تصورنا في بادر الأمر ان حميد أراد أن يتخلص من المشاجرة في الكلية فقال ذلك ..كي يتملص من العقوبة المترتبة على المشاجرة : يتغير جو المشاحنة وينتقل إلى مكان اخطر يذهب حميد إلى مكتب العميد يعترف ويقول بكل صراحة :اسعد طالب مزور ... بهت العميد ومن معه وكأن صاعقة ضربته ، تعالت أصوات تطالب بالتحقيق لمعرفة الخبر .. هل هذه حقيقة ام كذب ..؟ ربما أراد أن يتخلص من اسعد فرمى عليه هذه التهمة ، يلتهم الخبر كل أروقة الكلية ، تراجع الكل إلى الخلف ، الكل يرفع يديه يريد معرفة الحقيقة عن اسعد أطلقت أجهزة الإنذار مدوية تسارعت العيون تريد ان تعرف .. ان تذبح
وبالسرعة أرسل العميد رسالة سرية بيد معتمد إلى (إعدادية اسعد ) ليتحرى صحة الخبر ، العيون كلها تترقب .. والكل طلب مني تفاصيل ... ماذا جرى ساعة المشاجرة الحامية .. ؟ يأتي الخبر بسرعة البرق ... يطير من مكان إلى مكان .... أقول :
ـ لقد حدث العجب العجاب .. قبل أسبوع قلت له .. سوف تظهر الحقيقة وتفوح الرائحة . تنصب الأضواء على اسعد كلها .. والكل ينتظر مصيره ، لم يمض أسبوع إلا وفصل اسعد من الكلية .... في الصف الثالث أدارة ،غادرنا اسعد .. مذموم وحزين لان .. شهادة اسعد مزورة .. اسعد لم ينجح في الصف السادس الإعدادي بل راسب في الدور الثــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاني .. :



9- شاهد وحيد



في الزاوية الأخيرة للقاعة الدراسية الكبيرة يجلس "احمد " على مقعده الدراسي قرب النافذة يؤدي امتحان نصف السنة وبجانبه يجلس زميله سالم ... أمد بصري نحوه بفضول لأعرف ما يفعله .. فأرى مشهدا مفزعا ... : رأيت احمد "بأم عيني" يختلس النظر ثم يخرج ورقة من كم قميصه و يدسها بسرعة خاطفة و بسرية تامة في دفتر امتحان " سالم" دون أن يشعر سالم بذلك ... وبنفس السرعة.. جاء المراقب ومسك دفتر سالم . في هذه اللحظة الخاطفة ما بين انحناء سالم إلى الأسفل ورفع رأسه واستوائه حدث الحادث كله ، لحظة خاطفة .
عرفت المجني كما عرفت المجني عليه .أصبحت شاهد إثبات . احمد يتباهى بالمقدرة على الغش محتالا عن انتباه الأستاذ الرقيب .. أما سالم فهو الخجول المجتهد الهادئ الطموح أمر غريب غير متوقع .. لا غير ممكن ... مستحيل
تسمر احمد في مكانه متعثرا وهو يمشي بين زملائه .. ابتعد عنهم وراح يقول :
ـ سالم سيفصل ويرسب
خانه صوته فلم يستطع أن يستمر بالكلام ..، ، خيانة في مكانها ، ولكن هناك حقيقة خطيرة .... قلبي يعتصر بالألم أنا الوحيد الذي يعرفها ، دهمني الرفض في قولها ... الخوف .. التردد . ثمة أغلال من الشجاعة تحز رقبتي ، وتدق في قلبي مسامير كأن احمد يتعلم القتال في أعصابي ، :
ـ لماذا يفعل احمد هكذا .. ؟ هل.. يتصور أن احد لم يره .. ؟
ـ توجد أكثر من جريمة
هبط احمد من سلم الكلية مرتبكا لا يقدر أن يفعل شيء ، أنكر أمامي بحال فعلته الشنيعة ،سألته:
ـ ما بك يا احمد ! لم نسمع صوتك ..!
قال بخوف وارتباك :
ـ ارتفع ضغطي فجأة ولا اعرف السبب
وكان سالم يحب احمد ويعتبره من زملائه المقربين ، يهيم سالم على وجهه ، لقد وصل الكيد .. إلى الخط الأحمر ،تأثر احمد بالموقف لم يستطع الدوام في الكلية ، انتشر الخبر .عرف كل الطلبة ذلك ..".وجد في دفتر سالم ورقة غش في الامتحان فالقي القبض عليه من قبل المراقب "لا يدري احد ماذا سيجري .؟ الأحداث في الساعات المقبلة لن تكون أبدا كما كانت من قبل ....استدعي من استدعي للشهادة عن الحادثة من قبل لجنة الانضباط في الكلية ،سال المحقق احمد كونه كان جالسا بجنبه :
ـ الم تشاهد شيء يلفت النظر ..؟
ـ كلا لا اعرف
ـ أنت كنت قريبا ... إلا تعرف شيئا ..؟
ـ كلا .....
.. كثيرا ما ضقت بوجود احمد خاصة مع استمرار الصمت ، حتى عرفت عنه انه يشرب على الريق "خمر " لم اعرف عنه الكثير رغم الزمالة التي استمرت عاما وبضعة شهور ، وان كان يرتكب حماقة بريئة في بعض الأحيان ، غادر احمد غرفة التحقيق وهو يقول لنفسه :
ـ لقد ورطت نفسي !،
بكي احمد كثيرا .. لم يتصور أن الأمر سيتطور هكذا ، اكتشف إثناء التحقيق وجود ورقة في دفتر سالم فيها معلومات حول الامتحان فوجهت له تهمة الغش .. عرفت أن سالم سوف لن يكمل المشوار معنا . وصدر القرار بالفصل من الكلية ، تابع احمد أخبار التحقيق باهتمام جنوني وهو يحوم كل يوم إمام جريمته ، مضى يحترق من أعماقه وينهار عصبا بعد عصب ولكن شجاعته حالت دون قول الحقيقة ومن شدة القلق تهدم ودب الضعف والكآبة فيه وفي أعصابه ... . .. في ممر الكلية الكبير رايته، كنت كمن يبحث عن شيء فشد على يده كالعادة , يتمادى في كلامه ،حدق في بقوة غريبة قلت له وأنا انفض حزني لفراق سالم :
ـ لقد رآك الله من فوق ... ؟
تحرك سره ..
ـ لقد رأيتك ....
بهت احمد وقال :
ـ ماذا تعني أنت مريض ...؟
قلت له بهمس :
ـ اعترف بجريمتك ... يا جبان
حرصت على إبقاء الأمر غامضا .. سأله البعض من الطلاب صراحة ولم يجب ، يطرد عن ذهنه أسئلة داخلية تتردد من حين إلى حين ، هل سيقدر له الخروج من هذه المحنة ساعيا على قدميه في الكلية ..؟ يقول طالب عنه : انه محايد أو هكذا يحاول أن يبدوا كأنه يجيب على أسئلة موجهة إلى شخص آخر بصحبته حتى لا يكون بمفرده من المؤكد أن احمد من فعل هذا .
في صباح الأسبوع التالي فاجأ الطلاب احمد بظهوره في الكلية ظهورا مفاجأ تطلعت إليه الإبصار بذهول وهم يقولون :
ـ لا حول ولا قوة إلا بالله! أحمد يكلم نفسه وقميصه ممزق .. ثم يقولون: احمد ما بك ..
ومضى يدور في أروقة الكلية متبخترا يتعثر بهذا وذاك ، متعثرا في اعترافه مرددا :
أنا جـــــــــــــــــــــــــــــــــبان

10 - درجة 90%



، تنطلق أصوات عالية من بين جوانب الممر وانأ أتمشى في رواق الكلية مع زملاء الصف الثالث محاسبة في كلية الإدارة والاقتصاد أكثر من صوت يسأل :
- خير أن شاء الله
فينبري جواد قائلا بصوت متعجب :
- سهى أخذت 90% في درس المحاسبة
يتطاير الخبر إلى مسامع الزملاء ، عبرت إلى الجهة الأخرى من الممر .فوجدت الطلاب والطالبات يهنئون بعضهم البعض بالنجاح ...ثمة سر يطفو في الأفق .يشق الحسرات ، أما مغلق وأما مفتوح ، اقتربت لأعرف السر صوت ناعم ينطلق من ورائي يقول :
- ما معقولة ... ما تستا.هل سهى .. هذه الدرجة ...؟
نظرت إلى الخلف وجدت زميلتي (آشتي ) وكأن الخبر ارتطم بها ولم يستطع أن يتملص من قبضتها تطاير الدخان منه حين قالت ذلك وهي جالسة تقرأ بنهم وانتظار كعادتها ، تقفز كالملدوغة .. تعدل حقيبتها ، ثم .تغادر المكان بسرعة متجهة إلى الممر الخلفي تربط منديلها بين يديها وتمسكه بقوة..... تسرع بجنون محركة طرفيها كجناحي طائر كاسر تلوح بفمها ولسانها ، ترجع رأسها إلى الوراء متوثبة تندفع وتدفع زميلاتها وهي على يقين أنها هي الأحق بدرجة 90% في امتحان المحاسبة الفصلي .... من سهى ... لا تستحق ، تعرف أن هذه الدرجة هي تقليد لازمها منذ دخولها الكلية
-سأشتكي على الأستاذ . لم أنا اقل منها بدرجة
أسرعت بالغضب وزادت فورانه :لهجتها حوت تهديدا ..دخلت قاعة المحاضرات فوجدت الطالبات يهنئونها ، لم اسمع غير كلمة " مبارك" تناقلتها العيون قبل الشفاه .. هي لا تريد لقاء أي شخص الآن ، أنها بحاجة للانفراد بنفسها حتى يخف الأمر الذي الم بها وتروق ملامحها توقفت لحظات ثم استدارت بدون ألقاء السلام استوقفني كلامها فابتسمت ، تقدمت إليها ومددت يدي ، حاولت أن أكون هادئا ، لا أعرف ماذا جرى ..؟ قلت في ابتسامة صغيرة رسمتها بمكر على شفتي
- مبارك
كانت من النوع الذي لا يهتم بأحد ، كنت أشبهها بورد "الجوري " تتصرف بسرعة تنظر إلى الطلاب من علياها وكلنا يعرف ان ورد "الجوري" عمره قصير ، غادرت القاعة مخلفة ورائها ضجة عالية وقالت
-سأشتكي عند العميد .. سأشتكي .. عند ...
وتمضي "آشتي " مخلفة ورائها عاصفة من الشكوى و التوقعات الخطيرة ورغبة في التفرد في الدرجة الامتحانية وعواطفها تتراوح بين التوعد والشماتة ولم ندر كيف انتهت الحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكاية ؟












11_ غمامة سوداء



ما توقعت ان هناك نذر عاصفة من الغضب ستهب علينا وما توقعتها ستمطر وترمي بنا إلى الأرض من العلو الشاهق للغضب ، في المحاضرة الأخيرة التي نحبها جدا وبينما كنا منهمكين في الحديث عن مستوى درجاتنا في امتحان الإحصاء ، بدأت نشرة أخبار إذاعة تفاصيل الدرجات ، لاشي في هذه الدرجات سوى 50% و60% ، لا يوجد أكثر ، انكسرنا من الذي أصابنا حتى وصل الى "صافي" رأيت في عينيه غمامة سوداء لحظات ثم طلب من سعدي أن يفتح الشباك حتى يخرج صوت الضجة التي أحدثناها بسبب "الدرجات " ، كل يتأسف على مستواه ، الدرجات المتدنية لا يذكرها صاحبها ، أما صاحب الدرجة العالية .. فكل الآذان صاغية له ، تعالت الضجة ومعها تعالت الضحكات .. لم يستطع احد أن يوقفها ..تتملك سعدي نزوة مزاح ....... يقول لصافي :
ـ ولماذا لا تفتحه أنت ؟؟؟
يضحك ( بعض ) طلاب الصف من غير قصد .. باستهتار، تزايد يقيني بدخول عاصفة الغضب
فيغضب صافي ويصيح :
ـ أنت غير مؤدب
يغضب سعدي بدوره ويتطلع لحظات إلى رد صافي رأى لهجة تقع ما بين التهديد والطلب يصيح بصوت مباغت :ـ ملعون أبووو..ك. ....
لم يستطع احد تفسير ذلك ، تتبادل قذائف من السب والشتائم بينهما.. بسرعة البرق وفي أمر غريب يندر سماع مثله .. يتجمع طلاب الصف جميعا يسعى بعض الطلبة لفض الموقف ولكن لا احد يلقي منهم إذنا صاغية فيتشاءموا من الموقف .يتصاعد الكلام ويتطور صمت مرتفع دق قلبي بسرعة .. يتناول سعدي (مساحة السبورة ) ويقذف بها الشباك فتكسر زجاجه .. ويسقط على الأرض.. يفقد صافي أعصابه فيقبض على لوح خشب يعود لا حد كراسي الصف ثم ينقض على سعدي ويضرب بها وجهه ولا يتركه إلا وهو على الأرض ،
يهرع أصدقاء صافي وأصدقاء سعدي إلى مكان الحادث يخوضون معركة تستعمل فيها الأيدي والأرجل لا نعرف أن كانت عفوية ام حقيقية ، وبشكل لم نشهده من قبل شعرت بقلبي يغوص في صدري وينقبض بشدة ....الغضب غطى المكان ورسم خرائط مخيفة الدمار أكل من أكل .عقب المعركة ،يتأذى من تأذى . ينتهي مصير كل هؤلاء إلى مكتب العمادة في تحقيق مفصل لمعرفة الواقعة :
أخذت عيناي تتفحصان مكان الحادث ، باب القاعة مفتوح كما تركناه ، ملاني حزن موجع ، الوجوه قد نخرها الضرب وهي ما بين كسر يد وإصابة عين ولف رأس بالشاش .. الطالبات يتأسفن.... ويقولن أن ذلك ربما يصعب ترميمه واعلق على ما يناسبه وأقول:
ـ كل هذا بسبب درجات الإحصاء
لكن المصيبة الكبرى التي تحز في نفسي أن أكثر طلابنا يتفاخرون بذكريات الواقعة ويتشرفون بالإصابات جهرا وعلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنا .










12- ما قاله الرواة في يوم الزفة




في أحيان نحاول أن نخفي عن الجميع دمارنا الداخلي ، وفي أحيان أخرى يدور في محيط تفكيرنا ، يتبعنا بنظره يتجه نحونا، يقترب منا ندفعه فيقترب ، في يوم تخرج طلبة كلية العلوم المحاذية لكليتنا ، قرر طلبة "الصف الرابع " إحياء حفلة خاصة بهم في الكلية .. وهي حفلة تقام قبل الامتحانات النهائية بمجهود الطلبة ، ومنهم من يسميها ( الزفة ) لبى دعوتهم كثير من طلبة الكليات المجاورة .. الهندسة ... والتربية .. العلوم السياسية . وعوائلهم وفرق الرقص والموسيقى الشعبية ، والألبسة التنكرية التي يلبسها الطلبة والطالبات . كنا ننتظرها من عام إلى عام ، ما أروع السماء في ذلك اليوم ، المكان يموج بالطلبة ،تلعب الأوتار وتتهادى الأنغام بين الرقص والغناء البهيج وأشواق المحرومين من الحفلات ، مثل هذه الحفلات تثير استهجان البعض من الطلبة والأساتذة .. يتواصل الطرب تتعالى الضحكات وتتطاير فساتين "السندرلا ." ويسيل الكحل العادي .. ويغرد الحب ما بين قوسين حتى العصر بقليل..... نخاف وقوع أمر مفاجئ كمشادة كلامية بين الطلبة بسبب الغزل أو طقوس مصابة بالانفلات غير موجودة في خارطة الحفلات ، تفجر بسمتنا وتخنق ضحكتنا .. غادر الناس الساحة إلى بيوتهم في غاية التعب والإرهاق مبتهجين بعد ما تخلوا عن الذكريات التي تزعجهم . في صباح اليوم التالي والكلية منغمسة بأفراح التخرج .. صدرت من قاعات الدرس ضجة غريبة وصيحات فزع ..كأن صاعقة ضربتهم يهرع الجميع نحو المكان وهم يسالون :
ـ ماذا حصل ..؟
كان علي أن انقل الخبر إلى زملائي ألا أنني خفت عليهم من الانهيار لسماع الخبر رغم أن هناك أكثر من خبر منقول لا يوجد بينهما تشابه ، أخبار لم نسمع لها من قبل : يقول احد الرواة :
أن الكلية استيقظت فوجدت عالم من الخراب في قاعات ومختبرات الكلية لا يتصوره احد ولا يوصف .. يقول أن " الطلبة الخريجين "سرقتهم أحضان المسرات وهم لا يعلمون ما يفعلون .. فتحوا أعينهم على عالم لا يرى إلا في إعقاب زلزال مدمر .. أثاث القاعات النفيس ..تحطم .. المختبرات والمقاعد والموائد أصبحت أكواما ونثارا .. الكؤوس الإطباق في الأرض المصابيح كسرت وحتى السجاد ! ماذا حدث ... ماذا حدث ...؟
حضر العميد ومعاونيه ليعاينوا المكان .......الكل يسجل ويسال ... حاضرا أم غائبا .. ولكن التحقيق لم يسفر عن شيء .. من الفاعل ...؟ كيف حصل ذلك ...؟ .... وقال آخر :
أن خلافا دب بين الطلاب الخريجين .. سبب معركة حامية لم تبق على شيء من الأثاث ولكن لم نر ...أحد من الطلبة جرح جرحا عميقا أو أصيب .ويقول قائل آخر : أن الطلبة استغل هذه الحفلة ( التنكرية ) المنفلتة ودمروا كل شيء وبتخطيط ، ومنهم من قال قولته الشهيرة " هذا أمر دبر بليل " .. ولكن الم يكن من المنطق أن يوجهوا انتقامهم إلى الطلبة أنفسهم ،لم يصدق احد هذا القول ..يتداعى كلام سريع مثل الريح .. يقول :
- أن ما حصل في قاعات كلية العلوم إنما جاء نتيجة قضاء وقدر .. وان الطلبة وضيوفهم خرجوا .... في غمرة فرحهم بالحفلة وهم ذاهلون .. ولا يعرفون كيف حصل ذلك ..؟ ولكن هذا لم يلق أذنا صاغية في الكلية وعمادتها وما قيل عن دور الجن في الحادثة ... نتيجة التمادي في الحرية التي أعطيت لهم واستغلت من ضعاف النفوس ، لتحقيق مآرب سرية . تتوقف الأحوال في الكلية للمرة الأولى مشغولة في معرفة سر الحدث ومن هو مسببه ، العيون تراقب وقد دمرتها القسوة الرسمية اردد في كل لحظة : أرجو أن لا يكون هناك مكروه يمس الطلبة
تمر الأيام موشحه بتغيير سيحصل ، وها أنا أعود إليها وحدي يأتيني صوت من بعيد بانتهاء التحقيق ويصدر القرار: من بوابة العمادة :
ـ الطلبة الخريجين قيمة الإضرار كاملة
ـ منع "حفلات التخرج" في جميع الكليات حتى إشعار آخر
وعقب هذه ( الزفة ) تغادر طائرة الفرح قلوب الطلبة فلا أجد يدا تلوح لي بالوداع

















13- حكاية ابي




قال ابي :
- يجب ان تأخذ لوحك غدا وتلتحق " بالكتاب "
ذهبت إلى "الكتاب" بدون لوح وأنا المقرر ألا اذهب جلست بأنامل مرتجفة على مصطبة كبيرة من سعف النخيل يقعد عليها الأولاد.. بدون فراش لا يوجد في جيبهم فلس واحد بأيديهم " الألواح " يضعونها أمام أعينهم ويهزون رؤوسهم رافعين أصواتهم بما كتب فيها من آيات القرآن الكريم يعرف بعضهم البعض وحتى يعرف اسم أمه وأخواته ، ولكي يكون لي لوح مثلهم يجب انتظر يوم (السوق الأسبوعي ) الذي تباع فيه ... فلم يكون في القرية نجار يقطع الألواح من " صحيفة" ويسوي حروفها ، وكان هناك صناع يأتون من خارج القرية ، أهل القرية جميعا زراعا يأنف الواحد منهم أن يكون نجارا أو حلاقا أو مثل ذلك و هؤلاء الحرفيون يأخذون أجورهم في مواسم الحصاد وموسم التمر فالحلاق يحلق للزبون ولا يأخذ أجرا فوريا حتى إذا جاء وقت جني التمر أو حصاد القمح مر بزبائنه على حماره يأخذ منهم ما يجودون به دون تحديد ؟.
جاءني اللوح من السوق : فرحت بلمعانه وعملوا لي خيطا مثبتا في ثغرة بأعلاه وعلقته على كتفي بحيث تدلى اللوح إلى جانبي وذهبت إلى الكتاب ، ولم يمكث لمعان اللوح طويلا فقد انطفأ وداخله الصدأ من تعدد المسح والكتابة وما أن ذهبت إلى (الكتاب ) وشاهدت منظر الصبي المعلق في (الفلقة ) وعلامات القسوة البادية على وجه " الملا" حتى بدا الخوف يتسرب إلى ذهني بل إلى إحساسي ومشاعري ، وقد تكرر ذلك المنظر ودام تجهم " الملا" الذي لم يكن يفارقه هذا التجهم ألا نادرا عندما يضحكه احد من الخارج اذ كان يضحك فتبدو أسنانه الصفراء في منظر لا يختلف عن شكله اليومي .. ظل ذهني شاردا متعلقا بشعاع من الشمس يدخل من كوة بأعلى الجدار ... بقيت اتامل هذا الشعاع وأتمنى أن أكون مثل الذرات العالقة .... استطيع الهرب من الكوة وأطير ..
أيقظني صوت " الملا" من هذا السرحان وهو يدعوني إلى " التسميع "
جلست إمامه مربعا ، وهو يشاهد ارتباكي ، فرد قامته ، مبرزا صدره حول عنقه مرتين إلى اليمين ثم إلى اليسار ، سمعت طقطقه عظامه . بعد أن اخذ نفسا عميقا . التفت ألي وقال :
قل ..." ألف لا م ميم "
قلت كما قال
فقال
" ذلك الكتاب لا ريب فيه "قلت :
ذلك الكتاب لا ريب فيه
قال: كرر
كان الملا يوشك ان يلطم على خديه عندما اكرر ما قاله ، الداهية العظمى أنه شاهد استفزازي على مهل في الكلام ، لدرجة انزلاقه على حافة المقعد الذي يواجه الطلبة
قال مسرعا :
ـ لا ليس هكذا .. هات الفلقة يا ولد.........
وأخذت " فلقة " حارة رجعت بعدها إلى البيت عبر الطريق المتعرج الضيق أعرج لا استطيع إن اثبت قدمي الحافيتين على الأرض ولم أكن لبست حذاء بعد .. ثارت أمي ولعنت " الملا" وارتميت بحضنها لأجد ما فقدته ولكن أبي قال لي :
ـ تعال يا ابن أمك
ثم أملى علي أبي كلام لأكتبه فيما كتبت وغضب غضبا صامتا فقد كان الخط مثل " نبش الأفراخ " مملوء بالأخطاء .يضحك أبي ويقول :
- لا لن تلجا إلى الراحة بعد اليوم
في الصباح أخذني إلى " الملا" ودخل عابسا فاستقبله " الملا " متوقعا منه شرا حاول إن يلينه بكلام لطيف ويبرر قسوته علي ظنا منه انه غاضب من اجلي ولكنه فاجأني بقوله لأبي :
ـ ما الفائدة من ذلك ... .. أنت تكــــــــــــــــــــــــسر وانأ أداوي
.............................................
* الكتاب : أشخاص يعلمون قراءة وكتابة القران قديما ومنهم الملا
* اللوح : قطعة خشب صغيرة يكتب عيها الطلاب مفردات الدرس

















14- صبي الباص "

لم انم ليتها ، نصف ساعة أو أكثر وأنا جالس في غرفتي ، ابحث عن شيء جديد أمد له يدي ، هذا الشيء جعل شكل الدراسة مملة حالت دون مواظبتي على حبها ، حتى أضافت معاناة جديدة لي ، وجعلتني مجبرا على أن اقضي جل وقتي في البيت ، أريد أن أصبح حرا من الدراسة في الكلية ولكن إصرار الوالدين يسقط عني هذه الرغبة لا أريد أن أخيب أملهم ، وأضيف معاناة لا تنتهي أبدا بالنسبة لهم
صحوت من نومي ،على أصوات والدي تناديني : اغتسلت ، تناولت إفطاري ، شربت شاي الصباح ،.في داخلي رغبة ملحة أن أتغير .كنت أرى كل ما قد مر بي في السابق ، رأيت أمي .. وأخوتي ، وبعض زملاء الدراسة ، حملت دفاتر الكلية ونزلت ،... الطريق نفسه والبيوت نفسها.. ، . يتجشأ السام في نوافذها ، ضحكات خجولة ترصدني في الشارع بكل براءة تقول :
- هلو . هلو
لم أرد لأني كنت ساهيا عن كل شيء ، ولم العجب فانا عاشق من باب الصراحة وأنا الذي لم ينتصر في أي معركة حب في المحطة ركبت الباص المتجه إلى الجامعة في منطقة " الوزيرية " ، كان الباص مزدحما ليس مثل كل المرات الوجوه مازالت تحتفظ ببعض من إغفاءة الصباح وأنا منهم ، رأيت أمامي صبي صغير ، يجلس وحيدا، كأنه مكره على هذه الجلسة ، عند حضور" محصل الباص " طلب من كل منا تذكرته ، لم يكن معي تذكرة أخرجت نقودي بصمت ، أعطاني التذكرة .. والناس من حولي لا تكف عن الكلام ، الصبي في مكانه لم يرد عليه ، كرر الطلب
أين تذكرتك ......؟
الصبي لم يرد ، وكان شيآ لم يكن ، وعندما لكزه المحصل بقوة ... مد الصبي يديه ، كان في اليد اليمنى ورقة مطوية بعناية شديدة ، وعليها آثار عرق اليدين ، وفي اليد الثانية مبلغ التذكرة .. في صمت اخذ منه المبلغ والتذكرة ، صورة الصبي لا تنسى ، قلت معاتبا في نفسي : لم لا يذهب إلى المدرسة .. تطلعت إلى الورقة كان بها عناوين كثيرة لم افهم منها شيآ ، قلت : لماذا ترك المدرسة وجلس هنا بلا هدف ، عندما التقت عيوننا مد يده يدعوني للجلوس ، جلست وجلس بقربي شعرت بدفء أنامله تأكدت أن أنامله تتحرك هل يكفي أن أقول له :
ـ إلى أين تذهب
، كنت احسده لأنه لم يذهب إلى المدرسة حيث لا امتحان ولا دروس ولا واجبات ، بت أشاركه الإعجاب بهذه الحالة ، قلت : ربما يعاني الحرمان رحت انظر إلى عيون الصبي بإمعان عسى أن يفيق من غفوته ، كان يشع منهما خيوط غير مرئية تعبر عن حالة غامضة ، حاولت عبثا أن أفك سره ، لم أجد صبيا مصابا بالسكوت ، اتخذت مكانا أمامه لأقرا الرسالة أو الورقة ، في ذيل الورقة الكبيرة ، كان مكتوبا بخط واضح :
سيدي المحصل :
أرجو أنزال حامل هذه الورقة في بناية (مركز تأهيل الصم والبكم .) . لا تنس ذلك ولكم الأجر والثواب ،رد المحصل الورقة والنقود إلى الصبي . وتركه ، فجأة اكتشفت انه لم يعد هناك ما يقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال .








15 - ثلاثة طلاب




تجمعنا مصطبة واحدة في حدائق الكلية ، نذهب سوية إلى "الكافتريا " ، ثلاثة طلاب كنا ، أنا وسعيد وإيمان ، يكمل بعضنا البعض في الدراسة ، والخلق ، الانسجام ،بيوتنا مزرعة للنجاح ، تمضي أيامنا بلا حسد وهذا يلقى عادة أذنا مصغية في كليتنا ، عيون الطالبات تتعقب خطانا بحسد ، وبالذات العيون الزرق ، ندرس معا في أيام الامتحانات ، يقول الطلاب :
هل انتم أخوة ..؟
ـ نعم نحن أخوة
نقرا كل جديد ، نقضي وقت الفراغ في مكتبة الكلية ، ثلاثة عيون تتحرك كزهرة عباد الشمس ، الكل يرى أشعة انسجامها ، هناك عيون زرق تطارد نا في كل مكان ، في يوم امتحان المحاسبة الذي كنا نترقبه ، والذي لا يشبه غيره من الامتحانات ، رأيت عيون تتحرك بيننا ، تحاوطنا ، نظرات وهمس ما كنت أظنه ، تباعد بيننا ، ، يرسب سعيد في امتحان المحاسبة ، أخفى عني وعن ايما ن رسوبه ، ابتعد عنا ، زميلتنا انتصار تقول :
ـ ان حسد العيون الزرق تلاحقكم
لم اعد أرى سعيد ، وإيمان ، قلوب سرقت من إمامي ، زملائي في الصف لا يكذبون ، ولا يضمرون لي الشر ، ابتسامتهم كافية لتبقيني على قيد الحياة ، ابتعادهم حرك مكامن الشك ابتسامات غريبة أظلمت الدنيا بوجهي ، اقتربت .. لأعرف السبب ، تصورت وأنا اتهيا للقاء سعيد ، بانه سيعتذر لي ولإيمان ... لكننه قابلني بكلمات نابية ورمى كتاب المحاسبة بوجهي ، أمام زملاء الصف ثم ترك القاعة بدون كلام ، رجوته ان يرجع ، برغم توسلات زملائه حتى انتصار أصيبت بخيبة كبيرة ، تعلمني الخبرة مع الأيام أن طلاب شعبتنا يعشقون العيون الزرق ، أقول لنفسي جزعا
ـ لقد هلك سعيد
واسمع همسا من هنا وهناك انه ممسوس ، وانه لا يوجد له دواء عندنا ، أفكر في حاله .. هل سيترك الكلية ..؟ إيمان تقول : انه يهيم على وجهه في ممرات الكلية وتعرف إيمان ان سعيد يهرب من الكلية صباحا ضاربا المحاضرات عرض الحائط ويذهب إلى (ملاهي الشرب ) التي انتشرت في المدينة مع زملاء له ، يشدني أمل من يدي قائلا :
ـ الحق به
وارى فيه شرا لا تفسير له ، تطوعنا أنا وإيمان بكل ما نملك .. لنلحق به نعالج تصرفه ... ماذا فعلت به العيون الزرق .؟ وصلت الأمور إلى الخصام ثم الشجار ...ضرب إيمان ،، ضربني أمام الطلاب تلقى كل التهديدات بسخرية ، كاد أن يسقط من شدة الترنح ، ثمة طلبة لم يسلموا من الضرب ، الطالبات مجبرات على الكلام
ـ سعيد يجب أن يطرد
يدوخ سعيد وتعجز ساقاه عن حمله فيسقط على وجهه ، ويروح في سبات عميق ، يجري من يجري لاهثا إلى العمادة يعلمهم بالخبر نسرد القصة على العمادة تتحرى عن السبب والمسبب حتى عثرت عليه
ـ هكذا حدث
ـ ما كنا نتصور حاله ،
يفصل سعيد لما تبقى من السنة الدراسية تمضي أيامنا ثقيلة مغلقة النوافذ يعود إلينا يعرض الصلح بشروط .... لكننا نـــــــــــــــــــــــــــــرفض
.........................................................................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-