الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءات جديدة لمعركة بنزرت في العدد الأخير ل-الفكرية-

مرتضى العبيدي

2016 / 12 / 10
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


بعد 55 سنة من وقوعها، مازالت معركة بنزرت لم تبُح بكامل أسرارها، بل إن الاقتراب من هذه الملف كان من شبه المحرّمات في ظل حكم الحزب الدستوري، واكتفى التعاطي معها باحتفالية 15 أكتوبر، ذكرى جلاء آخر جندي فرنسي على القاعدة العسكرية ببنزرت، وترديد نشيد "بني وطني" كامل اليوم في وسائل الإعلام السمعية والبصرية. وحتى الدراسات الأكاديمية التي تناولت الموضوع والتي أنجز معظمها من قبل الباحثين في "معهد تاريخ تونس المعاصر" (معهد تاريخ الحركة الوطنية سابقا)، لم تخرج للناس وبقي الاطلاع عليها حكرا على بعض الباحثين المختصين. لكن منذ 2011، أعيد الاهتمام بالملف وتعددت الدراسات والشهادات على تلك المعركة في محاولة لتقديم قراءة أو قراءات تختلف كليا أو جزئيا على القراءة الرسمية التي صاغها كتّاب البلاط و "مؤرخوه". وفي هذا الإطار نظمت مجلة الفكرية يوم 8 أكتوبر الماضي، بالتعاون مع عديد الفعاليات الثقافية والحقوقية بجهة بنزرت وبمساهمة فعالة من مندوبية الثقافة والمحافظة على التراث بها، ندوة علمية تحت عنوان "معركة بنزرت أم معركة الجلاء؟" تناولها الباحثون من زوايا متعددة.
فقدم الأستاذ عبد المجيد بلهادي مداخلة تعرّض فيها لـ "السياقات العامة" التي دارت فيها الحرب أي التغيرات الحاصلة في البلاد التونسية منذ التوقيع على معاهدة الاستقلال في 20 مارس 1956 إلى إقدام السلطات التونسية على المواجهة العسكرية مع جيش الاحتلال الذي مازال رابضا على أجزاء من تراب البلاد. وأهمّ هذه التغيرات انتخاب المجلس التأسيسي في غمرة الفرحة بالاستقلال وذلك يوم 25 مارس 1956 وتشكيل الحكومة والشروع في تونسة مؤسسات الدولة وإنهاء الحكم الملكي وإعلان الجمهورية يوم 25 جويلية من السنة الموالية. كما تعرّض الباحث إلى الحضور القوي لمسألة الجلاء في خطب الرئيس بورقيبة وفي الخطاب الرسمي عموما، قبل أن يتطرق إلى الأوضاع الاقتصادية والعسكرية في البلاد عشية اندلاع الحرب.
أمّا السيد توفيق عيّاد وهو عميد متقاعد من الجيش التونسي فقد تناول الموضوع من وجهة نظر عسكرية بإعطاء فكرة دقيقة على القوى المتقابلة في تلك المعركة: قوات الاحتلال المرابطة بقاعدة سيدي أحمد والتي لم تكن تنوي مغادرتها قبل حسم الحرب الدائرة على أرض الجزائر الشقيقة والمدججة بجميع أنواع الأسلحة، وجيش تونسي فتي مازال بصدد التكوين والذي لم يكن لديه غير الإيمان بعدالة القضية التي يستشهد أبناؤه من أجلها. بل وذهب المحلل بتفصيله لموازين القوى العسكرية القائمة والذي كان بدون أدنى شك في صالح قوى الاحتلال إلى القول بأنه لم يكن في نية بورقيبة وأعضاده خوض حرب حقيقية بل كانوا يرجون فقط خلق الحدث الإعلامي لكسب التأييد الدولي لقضية الجلاء التي كانت حاضرة بكثافة في جميع خطب بورقيبة منذ 1956.
وفي مداخلته المعنونة "ملاحظات وتأملات حول معركة بنزرت"، وقف الأستاذ عبد الواحد المكني بداية عند التسميات المتداولة لهذه الواقعة ومدلولات كل منها، فهي عند البعض "أزمة بنزرت" وهو ما يُدرجها ضمن خانة "الأزمات" لا غير، وهى لدى البعض الآخر "معركة بنزرت"، بل و"حرب بنزرت" عند آخرين. وأشار إلى ما أثارته من مشاعر النخوة والاعتزاز لدى التونسيين في إبّانها. لكنه أشار إلى البعض من تبعاتها على الوضع السياسي في البلاد ومن أبرزها اغتيال صالح بن يوسف بعد أقل من شهر من المعركة أي يوم 12 أوت 1961، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في ديسمبر 1962 والتي شارك فيها بعض العسكريين الذين كانوا ممّن خاض تلك الحرب، والتضييق على الحريات بداية من 1963 ، وذلك بتعليق نشاط الحزب الشيوعي ومنع صدور الجرائد المستقلة، وصولا إلى مؤتمر المصير للحزب الدستوري المنعقد في بنزرت بالذات في شهر أكتوبر 1964 والذي أطبق الخناق على ما كان يُسمّى بـ"المنظمات القومية" ومن بينها الاتحاد العام التونسي للشغل في محاولة لتدجينها وجعلها كأدوات لتنفيذ سياسات "الحزب الاشتراكي الدستوري".
وقدم الأستاذ عادل بن يوسف عرضا ضافيا عن أثر "معركة بنزرت في الأعمال الأدبية والفنية في تونس والخارج". فقام بجرد دقيق وشامل لكل ما خلد هذه المعركة في جميع أصناف فنون الإبداع من شعر وقصّة ورواية وموسيقي ورسم ونحت وسينما وصور فوتغرافية وبطاقات وطوابع بريدية الخ... فيجعل القارئ يقف مشدوها أمام غزارة المادة الإبداعية التي تناولت الحدث وتنوعها والصدى الذي وجدته لدى المبدعين من كل أنحاء الوطن العربي. وهو عمل جبّار حريّ بأن يشكل مرجعا لا للدارسين فقط بل للهيئات الثقافية إذا ما تم التفكير في إقامة متحف لتخليد هذا الحدث البارز في التاريخ الوطني. ففي الأقطار الأخرى التي تحرص على ذاكرتها الوطنية، تقام المتاحف لأحداث أقل أهمية.
وتعرّض الأستاذ علي آيت ميهوب إلى ثنائية التاريخين: تاريخ 19 جويلية 1961 وهو يوم انطلاق المعركة وتاريخ 15 أكتوبر 1963 وهو يوم جلاء آخر جندي فرنسي على بنزرت، وكيف تغلب التاريخ الثاني عن الأول في الروزنامة الرسمية لنظام الحكم الذي آثر تغليب الجانب الاحتفالي والتوظيف السياسي عن الجانب التاريخي، فاعتبر يوم 15 أكتوبر عيدا وطنيا بينما تم إهمال أيام المعركة وما صحبها من مآس لم يُكشف على كل أسرارها إلى اليوم، ولا يخفى غرض رجل الدولة من هذا التمشي الذي يهدف إلى تلميع صورته وفرض قراءته للأحداث.
وتطرق الأستاذ المربي أحمد رضا حمدي إلى "إحياء الذاكرة الوطنية ودوره في التنشئة المدرسية" فتساءل عن "منزلة الأحداث الوطنية الكبرى، ومنها معركة بنزرت في الكتاب المدرسي". وبعد فحص دقيق ومتأنّ لكتب تدريس مادة العربية في المرحلتين الإعدادية والثانوية، خلص إلى أن الأحداث الوطنية الكبرى (والمقصود بها التحركات الوطنية التي سقط فيها شهداء وضحايا) التي استعرض أهمها تكاد تكون غائبة في هذه الكتب المدرسية سوى نصين عن اغتيال الزعيم فرحات حشاد ( في كتاب "الأنيس" للسنة السابعة أساسي) وقصيدة لأحمد اللغماني عن معركة الجلاء (في كتاب الأولى ثانوي)، بينما غابت أحداث مثل ثورة على بن غذاهم، المقاومة المسلحة لدخول الاستعمار، معركة الزلاج، حادثة الترامواي، الاعتداء على ساقية سيدي يوسف... وغيرها كثير مما تذكره كتب التاريخ... وتعرّض إلى إمكانية الاستفادة البيداغوجية من هذه الأحداث في تربية الناشئة على المواطنة بعيدا عن التوظيف السياسي الفج.
أمّا مقال الأستاذ فوزي القصيبي والذي ورد بالقسم الفرنسي للمجلة، فإنه ركّز علي حماية الذاكرة الجماعية من التلف وضرورة التمحيص في ما تكدّس فيها من قراءات أحادية الجانب سيطرت على الفضاء الإعلامي لمدة عقود، مشيرا إلى أن ما وفّرته الثورة من مساحات للحرية تتيح الفرصة للتونسيين عموما وللمؤرخين بصفة خاصة من إمكانيات لتدقيق وتصحيح ما شاع من أفكار قد تجانب الحقيقة لما شبعت به من ذاتية ومن توظيف سياسي يخدم رؤية سياسية بعينها، خاصة في مثل هذه الأحداث التي مازال بعض الفاعلين فيها على قيد الحياة.
وفي الكلمة التأطيرية للندوة (والتي أوردناها في افتتاحية العدد)، تعرّض الأستاذ محمد صالح فليس إلى الظروف الموضوعية والذاتية لقيام الحرب مركزا على تقابل "ذاتيتين": ذاتية الرئيس بورقيبة المتربّع على أعلى هرم السلطة التونسية الفتية، وذاتية الجنرال ديغول المتربع على أعلى هرم السلطة في الجمهورية الخامسة الحديثة العهد والممسك حدّ التماهي بمؤسساتها السياسية العسكرية.
عدد ثريّ بالمقالات الحاملة لقراءات علمية لحدث تاريخي هام في تاريخ تونس المعاصر، تحاول أن تتباين مع القراءات الرسمية السائدة منذ أكثر من نصف قرن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي