الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأشهر الحرم

حسين سميسم

2016 / 12 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عرفت الحرب التي قامت حول سوق عكاظ بحرب الفجار ( 43 - 33 قبل الهجرة ) لانها حدثت خلال الاشهر الحرم ، وهي حرب قامت بين قبائل هوازن وبين كنانة وقريش منهم ، ولم يسجل بعد هذا التاريخ حربا خلال الاشهر الحرم (حوالي 34 سنة) ، والتزمت هذه القبائل بعدها بالاشهر الحرم ، ووسعت قريش هذا الامر بعقدهم الايلاف الذي تم بموجبه حماية التجارة على الخط التجاري بين اليمن والشام مرورا بمكة خلال اشهر الصيف والشتاء . واكتسبت الاشهر الحرم معانٍ دينية وعرفية واخلاقية ، وسجل اول خرق لتلك الاشهر على يد عبد الله بن جحش الذي ارسله النبي محمد على راس سرية لاعتراض قافلة صغيرة كان يقودها عمر بن الحضرمي ، فقتلت تلك السرية عمر بن الحضرمي مع اثنين من رفاقه واسروا آخرين ، وقدحدث ذلك في شهر رجب وهو احد الاشهر الحرم ، فانكر العرب ذلك ومنهم قبائل المدينة ، وارسلت قريش وفدا يفاوض النبي لكي يعرفوا منه هل هو محلل ام محرم لكي يتعاملوا معه على هذا الاساس ، ولا ندري هل كان التوقيت متعمدا ام حدث بالصدفة ؟ ويبدوا ان هذا الامر كان مقصودا بسبب نزول اية قرآنية تؤكده ( يسألونك عن الشهر الحرام ( رجب ) قتال فيه ؟ قل : قتال فيه كبير ( شديد ) .
كان هذا اول اقرار اسلامي بعدم حرمة شهر رجب ، وقد برر الامر بشكل عقلي وذلك بموازنة الامور التالية التي جاءت في سياق الاية مع الحرمة ( وصد عن سبيل الله + وكفر به+ والمسجد الحرام + واخراج اهله منه ( كل هذه الامور ) اكبر عند الله ( من القتال في شهر رجب ) . والفتنة أكبر من القتل . ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا ، ومن يرتد عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ) ( البقرة 217 ) . تقول الروايات أن النبي انكر على اصحاب السرية قائلا : ما امرتكم بقتال في الشهر الحرام ، واوقف العير والاسيرين وابى ان يأخذ الخمس من تلك الغنائم ( شرع خمس الغنائم في هذه السرية قبل ان ينزل بها قرآن ). لكن الروايات التالية تنسف الاولى فلم يطلق سراح الاسيرين ، وبعثت قريش مالا لفداء عثمان والحكم بن كيسان ( انظر البداية والنهاية ج3 سرية عبد الله بن جحش ) ولم تظهر كذلك رواية في رد العير .
لقد انكر المسلمون كذلك ما وقع خلال الشهر الحرام ، لان حرمتها مازالت متأصلة ومحترمة في نفوسهم ، وحاولوا تغيير معطيات الحدث لابعاد تهمة خرق الشهر الحرام ، وذلك بالقول بأن القتال لم يقع في الشهر الحرام بل في جمادي الاخرة في رواية ، وفي شعبان في رواية اخرى ، كان هذا بعد الحادثة مباشرة . وبعدما نزل قرآن بحلية هذا العمل وأخذ النبي فدية عن الرهينتين أقر هذا العمل ولم يبق نقاش او اعتراض على القتال في الاشهر الحرم ، ولم يحترم المسلمون عمليا حرمتها بدليل وقوع بعض السرايا في الاشهر الحرم كما يلي :
1 - سرية سعد بن ابي وقاص الى كنانة ، رجب 2 هج 2. - سرية عبد الله بن جحش الى نخلة رجب 2 هج . 3- سرية السويق ذو الحجة 2 هج . 4 - غزوة ذي امر اشترك بها النبي في ذي الحجة سنة 3 هج . 5ـ سرية ابي سلمة الى طليحة الاسدي في محرم 4 هج 6.ـ سرية عبد الله بن انيس الى خالد الهذلي في محرم 4 هج . 7ـ سرية عبد الله بن عتيك لقتل ابي رافع بن سلام بن ابي الحقيق اليهودي في ذي الحجة 5 هج . 8ـ مقتلة بني قريظة في ذي القعدة سنة 5هج . سرية محمد بن مسلمة الى القرطاء في محرم 6هج . 9ـ سرية زيد بن حارثة الى وادي القرى في رجب 6 هج . 10ـ سرية ابي العوجاء السلمي الى بني سليم في ذي الحجة 7هج . 11 غزوة خيبر في محرم 7 هج . 12ـ سرية عيينة بن حصن الى بني تميم في محرم 9هج. 13ـ سرية طلحة بن عبيد الله لحرق بيت سويلم اليهودي في رجب 9 هج. 14 ـ سرية خالد بن الوليد الى اكيدر في رجب 9هج . 15 غزوة تبوك في رجب 9هج .
ان الملاحظ لتلك السريا والدارس لظروفها يخرج بنتيجة بأنها لم تكن سرايا وغزوات للدفاع عن النفس ، بل كانت سرايا لتوسيع رقعت الدولة الاسلامية الوليدة والحصول على الغنائم والوقاية من خطر محتمل ، لذلك لايمكن تبريرها والقول بأنها حرب دفاعية عن النفس لا تتناقض مع حرمة الاشهر الحرم . بعد هذا لا يمكن القول بأن الاشهر الحرم ظلت على حرمتها .ـ حرمة القتال والصيد ـ بالرغم من نزول ايات مدنية متاخرة في سورتي التوبة والمائدة تذكر الاشهر الحرم لكنها لا تبين دورها ومعنى حرمتها ! ، فقد تغير دور الاشهر الحرم واصبحت شكلية بحته لذر الرماد في عيون العرب الذي تعودوا عليها واحتاجوا الى فوائدها وقدسوها منذ قرنين . لقد جرى تحديد حرمتها بحرم مكة مكانا ، وأقتصرت على ايام الحج زمانا وبعد الاحرام فقط ( حوالي ستة ايام ) وجرى كذلك تغيير معنى الصيد من حرمة صيد الغزلان والدراج والبط والقطا الى حرمة قتل القمل والبراغيث ، ( انظر الفتاوي الواضحة السيد محمد باقر الصدر باب الحج ) ، وابيح بنص قرآني صريح صيد البحر ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) ( المائدة 96 ) وهي من اواخر السور المدنية ، اي ان تحريم صيد البر قيد بايام الاحرام التي تنعقد من المواقيت الخمسة حول مكة وليس طيلة الاشهر الحرم او كل المناطق التي يتواجد بها المسلمون لم يأت هذا التحريم اعتباطا ، بل ان جملة من الاسباب تدخلت وادت الى نسخ الاشهر الحرم بصيغتها المعروفة قبل الاسلام ، ومن هذه الاسباب :
- الغى الاسلام مجموعة من التدابير والقواعد التي سنها المجتمع قبل الاسلام منها : ايلاف الشتاء والصيف ، والتجارة بين الشام من جهة وبين اليمن من الجهة الاخرى ، والغيت ملحقاتها كالربا والنظام الاقتصادي السابق الذي يعتمد على التجارة والذي تحول الى نظام دولة عسكرية تعتمد على الغنائم والزكاة والجزية .
ـ اخترق التوسع الاسلامي كل القبائل والغيت بينها الحروب البينية ، فحل السلام وتوحدت القبائل داخل المنظومة الاسلامية .
ـ فرضت شروط الامان الاسلامية ـ الاسلام او الجزية او القتل ـ واصبح العدو - الذي لا يتجسد بقبيلة محدده - كل من لا يرضح للسلطة الاسلامية ، وقد سماهم الاسلام بالكفار او المشركين ، ولا امان لهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وليس من حقهم التمتع بالاشهر الحرم .
- اخذ امان الاسواق الموسمية شرعيته من خضوعه للدولة الاسلامية التي اصبحت توفر له الامان طيلة شهور السنة .
- قام النبي بتكليف تجار قريش بألاعمال العسكرية قادة وممولي غزوات ، وتبين فيما بعد انهم يربحون من الغنائم ارباحا مضاعفة .
لقد اعطت سورة التوبة عفوا عاما لمدة محددة عن المشركين ، وهي آخر سورة نزلت قبل الاخلاص وبعد فتح مكة ، وحددت لاتزيد عن خمسين ليلة هي اخر مهلة لتمتع غير المسلمين بالاشهر الحرم ، ونسخت بعدها الاشهر الحرم لحد هذا الوقت ، فقد ورد في تلك السورة ( فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم ) ( التوبة5) وقد قال ابن عباس عن هذه الاية ( حد الله للذين عاهدوا رسوله اربعة اشهر ، يسيحون في الارض حيثما شاءوا وأجل أجل من ليس له عهد ، انسلاخ الاشهر الحرم من يوم النحر الى انسلاخ المحرم ، فذلك خمسون ليلة ، فاذا انسلخ الاشهر الحرم أمره ان يضع السيف فيمن لاعهد له ( انظر صحيح البخاري ص 369) . لقد اضحى الاسلام دولة تفرض قوانينها الخاصة ، وقد بدأ ببناء اعراف هي مزيج من الطاعة لولي الامر الجديد ، والخضوع لقوانين الدولة الوليدة ذات النظم الاوسع من نظام القبيلة ، وسوف تتمركز الدولة سريعا وتتحرر من من قواعد الاشهر الحرم ، وتفرض الحلال والحرام حسب مصلحتها . يتبع حسين سميسم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟


.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني




.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي