الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (3/19)

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2016 / 12 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


تكملة الحالة الثانية: مرضى نفسيون في مراكز قيادية - تكملة هـ:
قبل أن أطرق الى موضوع "راية الشغيلة" في منظور عزيز محمدالذي ذكرته في الحلقة السابقة أود أن أعرض ما ورد في كتاب المؤرخ والباحث الإجتماعي الياباني تويو آكي نوتوهارا، الذي أمضى أربعين عاما في الدول العربية، الموسوم "العرب من وجهة نظر يابانية"-دار الجمل بصدد طبيعة الأحزاب. وقياديها في هذه المنطقة.
من بين ما كتبه تحت عنوان "فكرة الخلود والحاكم" من ص49 إلى 51 من الكتاب ما يلي:
[منذ فجر التأريخ كان سكان حوض شرق البحر الأبيض المتوسط. مشغولين بفكرة الخلود.....
فعلى سبيل المثال يتمتع انطون سعادة لدى اتباعه في الحزب السوري القومي الاجتماعي بكل خصائص المقدس الكامل وبالتالي الخالد! ولايجوز لأعضاء الحزب ان يغيروا أو يبدلوا في مبادئه. وأسارع فأقول انني أقدر الجميع وأحترم الجميع ولا أبغي هنا الاساءة لاحد بالمعنى الشخصي ولكني أحاول ان أرى من الخارج الفروق بين السلطة القمعية والمعارضة هي بدورها سلطة قمعية فيما أرى ويتجلى قمعها في نفي افكار الآخرين. وفي مصادرة حق الآخرين في التجديد. ان كل حزب يدعي بانه يمثل وحده الحقيقة ويمثل مصالح الشعب هو بشكل ما حزب ديكتاتوري سواء اكان في السلطة او خارجها. وكمثال اخر حزب البعث العربي الاشتراكي اكبر حركة قومية عربية منظمة ولقد استلم السلطة في بلدين عربيين كما هو معروف وهو بدوره ينص دستوره على ان الحزب لا يحق له تغيير او حذف المبادىء الاساسية التي أقرها مؤتمره الأول عام 1947م. والقاريء العربي يعرف ان السيد خالد بكداش بقي رئيسا مطلقا للحزب الشيوعي السوري منذ شبابه حتى وفاته. وبعد رحيله احتلت زوجته منصب زعامة الحزب كما ان ابنه عضو في مكتبه السياسي ولنا ان نفترض انه سيرث السيدة الوالدة بعد عمر طويل ان شاء الله.
انني أريد ان أقول بكلمات مباشرة واضحة؛ ان المعارضة القائمة في البلدان العربية هي في حقيقتها سلطة ضد السلطة او سلطة مضادة تطمح للسيطرة على الحكم دون ان تقدم مشروعا مغايرا لمشروع الحكم المسيطر. ولذلك فالمعارضة في البلدان العربية آمنة. لها مكاسبها ولها مشاركتها المباشرة في الحكم أحيانا. اما المعارضة الحقيقية التي لا نستطيع ان نقابل أفرادها فانها في السجون العربية او في المنافي الاضطرارية. فالسلطات العربية تميز بحزم بين المعارضة الآمنة والمعارضة التي تهدد وجودها ولذلك فان الحكومات العربية جميعا لا تتردد في قمع المعارضة الفعالة ولا تتردد في القتل عندما ترى ذلك ضروريا.]

لكي تتوضح لدينا ألية وتأريخ تشكيل منظمة "راية الشغيلة" والأسباب المبررة والهدف الحقيقي من وراء تشكيلها من الضروري دراسة الموضوع من خلال التركيز على المصادر الرئيسية للمعلومات المتوفرة لدينا؛ وهي: 1- آرا خاجادور؛ سلسلة مقالاته " من هو سلام عادل؟". 2- ما صرح به عزيز محمد أثناء مقابلاته الصحفية. 3- ما ورد في مذكرات بهاء الدين نوري . 4- ما ورد في مذكرات كريم أحمد.5- ما ورد في كتاب زكي خيري(صدى السنين).6- عزيز سباهي عقود من تأريخ حشع الجزء الثاني. 7- مذكرات باقر إبراهيم. 8-تقييم جمال الحيدري لمنظمة راية الشغيلة. 9- حنا بطاطو العراق - الكتاب الثاني. لم يتسنى لي الوصول الى مصادر أخرى حول هذا الموضوع.

1- آرا خاجادور: ورد موضوع راية الشغيلة في الحلقة الثانية من سلسلة مقالاته المعنونة "من هو سلام عادل ؟" كما يلي:
[كما أرسل الرفيق بهاء الدين نوري، وهو يمثل مركز الحزب في بغداد كتاب تاريخ الحزب الشيوعي البلشفي، ترجمة الرفيق خالد بكداش سكرتير الحزب الشيوعي السوري، ووضع بهاء خطاً أحمر تحت سطر يرد فيه قول ستالين: "الرفاق الذين كانوا في سيبيريا ورجعوا بعد ثورة إكتوبر قد تخلفوا"، في إشارة الى الرفاق في السجون.
كما أُلغى الرفيق بهاء الدين نوري (بإسم) الميثاق الوطني للحزب الذي يُعبر عن مرحلة التحرر الوطني "وطن حر وشعب سعيد"، وإعتبر بهاء أن الرفيق فهد قد أخطأ حين لم يرفع شعار الجمهورية، وأبقى على الملكِيه.
ومن المعلوم أن شعار الجمهوريه قد ساد بعد ثورة 23 تموز/ يوليو 1952 في مصر بقيادة جمال عبدالناصر، الذي ألغى النظام الإقطاعي الملكي، ورفع شعار الجمهورية. والحق إن شعار الجمهورية دفع جماهير واسعة نحو الحزب.
عدد من كوادر الحزب الذين نُقلوا الى بغداد والكوت دخلوا في مناقشات مع الحزب حول ميثاق الحزب المرحلي، ولكن الحزب تحت قيادة (باسم) قام بفصلهم من عضويته بجرة قلم، وأعتبرهم من مؤيدي الملكيه، فالنضال أصبح بين ملكي و جمهوري، والوضع بمجمله قد تم تحديده وحسمه بين حميد عثمان وهو في السجن وبين بهاء في قيادة الحزب في بغداد، وهذا الأخير قد عينه بهذه المهمة حميد عثمان نفسه.
ماذا يعمل الرفاق في سجن بغداد؟ كيف يحافظون علي شيوعيتهم؟ وهم شيوعيون محكومون أحكاماً ثقيله. لم يجد الرفاق خياراً أمامهم غير الهروب من السجن، وقام الرفيق الشهيد البطل جمال الحيدري، بتأسيس جريدة راية الشغيلة دون المس بالحزب، ولا تشكيل حزب شيوعي آخر. أقول اليوم وبكل قناعتي، إن راية الشغيلة لم تكن إنشقاقاً، هذا ما قلته للرفيق عزيز محمد بعد الوحدة، قلت له: لماذا النقد الذاتي. قال: هكذا صارت.
إن حكمة الرفيق سلام عادل ونوع معرفته برفاق الحزب وفهمه للقرارت الجائرة قد مهدت السبل لإعادة خيرة رفاق الحزب حينذال الى صفوفه دون إبطاء أو تعجل، وإن صيغة عودة الرفاق الى الحزب بصفتهم الفردية، قد جاءت من خلال الدور الذي لعبه الرفيق خالد بكداش، حيث إقترح أن يقدم رفاقنا في راية الشغيلة نقداً ذاتياً والإنضمام إلى الحزب حسب النظام فرداً فرداً. أقول أنها كانت عملية شكليه، فقد إنضم الى المكتب السياسي (م. س.) جمال الحيدري وعزيز محمد وآخرون الى اللجنة المركزية (ل. م.) لحزبنا الشيوعي العراقي.
أقول: إلى جانب إيجابيات الوحدة فهي لا تبرر سلبية الإسلوب، أقول هذا الرأي على الرغم من أني كنت مع الحزب بسبب قناعتي بميثاق الرفيق فهد، ووفق معايير التربية الحزبية السائدة والمتجذرة في صفوفنا، ولكن في الوقت ذاته كان عدد غير قليل من الرفاق في نقرة السلمان، وأنا معهم، كنّا نرى أن شعار الجمهورية أعطى زخماً للحزب، ولم أكن سعيداً بمستوى الكفاح الفكري على أساس ملكي أم جمهوري.
الوحدة مع جماعة عزيز شريف
تحققت الوحدة مع جماعة عزيز شريف لا على أساس ماركسي ـ لينيني، بل في إطار حزب وطني ماركسي، هذا ما أثر تأثيراً سلبياً على سياسة الحزب العامة، وأضعف الخط الثوري العنفي فيه. حصل ذلك في وقت كانت السجون تعج بمئات السجناء. وحينذاك كنّا في سجن بعقوبة الإنفرادي بعد فشل محاولتنا الهروب من السجن، وإعتقال جميع الهاربين. في تلك الأجواء وصلنا تقرير الكونفرنس الثاني الذي إنعقد في عام 1956، وهو عام شهد إمتلاء السجون بالشيوعيين والديموقراطيين، وصدرت خلاله أحكام ثقيلة ضد بعضهم، وصل تقرير الكونفرنس الثاني الذي يشير الى أن طريق ثورتنا هو الطريق السلمي اللاعنفي، لقد أثار التقرير غضب جميع الرفاق السجناء.
جرت نقاشات تصب بمجملها بإتجاه شجب الطريق السلمي، بل والتأكيد على أن طريقنا هو الطريق العنفي. كنت مع الرفيق زكي خيري في غرفة واحدة في السجن الإنفرادي معزولين، وأحياناً يضمون إلينا رفيق ثالث. كتب زكي خيري رسالة للحزب شجب فيها الطريق السلمي بإسم الرفاق السجناء، وبعدها جاء بيان م. س. يتضمن تصحيحاً صوب الطريق الثوري العنفي.]

2- يقول عزيز محمد في سياق المقابلات التي أشرت إليها في الحلقة (2/19) بصدد الحيثيات التي ألت إلى ظهور جماعة "راية الشغيلة" ومألاتها مايلي:
[وطفت على السطح بعض الآراء التي نقلها لنا عدد غير قليل من السجناء بعد انتفاضة 1952. لقد طرحت قيادة بهاء الدين نوري فكرة إسقاط النظام وحق الكرد في الانفصال، وهو أمر لم يكن موجوداً في الميثاق الوطني للحزب عام 1945. وهذا ما دفعنا إلى إرسال رسالة إلى بهاء الدين نوري من داخل سجن بغداد المركزي موقعة بحرف (م) وهو الحرف الأول من اسمي الحزبي- مخلص. وتضمنت الرسالة على أن الحزب يميل إلى التياسر كثيراً. إن هذه الرسالة هي حق من حقوق العضو الحزبي في إبداء الملاحظة كما نص عليه النظام الداخلي. وكان رأينا هو الدعوة للنضال من أجل تطوير النظام الملكي إلى نظام ديمقراطي. ولكننا فوجئنا بعد إرسال الرسالة بقرار طردنا من صفوف الحزب، وحوربنا من خلال التشهير بنا على صفحات جريدة القاعدة بشكل غير منضبط وبأسلوب انتقائي. لقد كان هدفنا الحفاظ على وحدة الحزب، ولكن بهاء الدين نوري وباعترافه، لجأ إلى سكين البتر دون إعطاء أية فرصة للنقاش. وبعد قرار الطرد شكلنا تنظيماً بعد أن شعرنا بأننا مغبونين من قبل قيادة الحزب، وأصدرنا جريدة باسم "راية الشغيلة". وسميت المنظمة بهذا الاسم، أي المدافعين عن حقوق العمال والفلاحين. وقد اعتبرنا هذا التنظيم، الذي سُمي بالانشقاق، انتشالاً للحزب من قيادة منحرفة. لقد سببت هذه العملية تصدعاً في صفوف الحزب الشيوعي وتنظيماته. وقد أبدى الكثير من أعضاء الحزب الشيوعي تعاطفاً مع آراءنا، ولاسيما أعضاء تلك المنظمات الحزبية التي أعلنت بدورها انضمامها إلى تنظيم راية الشغيلة لكونه يمثل المسار الصحيح للحزب الشيوعي. واعتبرنا قيادة بهاء الدين نوري منحرفة عن التعاليم الشيوعية .
ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يحتدم النقاش بين الكتلتين الشيوعيتين، ويتحول النقاش إلى سباب واتهامات، وان كانت كل كتلة تحمل على صفحات جريدتها أسم الحزب الشيوعي العراقي وتدعي أنها تمثل هذا الحزب. فقد نشرت القاعدة في عددها الأول من السنة الحادية عشرة والصادرة في أواخر شباط 1953 مقالاً تحت عنوان"حزبنا الشيوعي يطهر صفوفه من العناصر الانتهازية والمخربة". إن تلك السجالات أخذت بعداً أكبر، وكانت بداية لقرار طردنا من الحزب. وسرعان ما أطلق علينا صفة "راية البلاط"، لأننا طرحنا ضرورة إصلاح النظام الملكي لا إسقاطه في تلك الظروف الحرجة من تاريخ العراق بشكل عام والحزب الشيوعي العراقي على وجه الخصوص.
لقد كانت تنظيمات "راية الشغيلة" واسعة، لكونها ضمت في صفوفها الكوادر الحزبية المعروفة ومن بينها جمال الحيدري ونافع يونس وحمزة سلمان الجبوري. وكان أقوى فروع التنظيم هو فرع النجف والذي يديره حسين سلطان صبي ومعه حزام عيال وناظم محمد ومحمد صالح بحر العلوم، وفي الكوت حيث كان المعلم عبدالخالق ثروت يمثل جماعة راية الشغيلة ويعمل معه كل من محسن عليوي وسمان زاهي وكاظم بشير، وعبد الرزاق الصافي في بغداد. وكانت مطبعة راية الشغيلة في دار الكادر الشيوعي عواد رضا الصفار وشقيقته نرجس رضا الصفار في محلة الزوية في كرادة داخل. ثم انتقلت العائلة إلى دار أخرى في ساحة الحرية ومن ثم إلى دار في تل محمد في بغداد الجديدة.
بعد اعتقال بهاء الدين نوري في عام 1953، عقدت اللجنة المركزية بقيادة الرفيق كريم أحمد اجتماعاً في كانون الثاني عام 1954، وحضره الرفيق سلام عادل لأول مرة. وقد جرى في هذ الاجتماع الشروع بتعديل نهج الحزب السياسي والتنظيمي، فصدرت عن الاجتماع وثيقة تحت عنوان "جبهة الكفاح الوطني ضد الاستعمار والحرب".... ولا بد من الإشارة إلى أن هذا النقد للقيادة السابقة وأخطائها قد ولد ردود فعل ايجابية لدى قادة راية الشغيلة، لكونها قد سبق وأن أشارت الى الأخطاء التي ارتكبت بحقها من قبل قيادة بهاء الدين نوري. وقد أجهضت محاولة تعديل سياسة الحزب بعد هروب حميد عثمان من السجن وتولي قيادة الحزب.
لقد سار حميد عثمان بدوره على نفس نهج سلفه في القذف وتوجيه الاتهام لراية الشغيلة، بالرغم من تذبذبه الفكري ومن ثم انتقاله إلى صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد ذلك. لقد التقيت به لاحقاً وقلت له اليوم أجدك هنا ... يوم غد اين ستكون؟.. فكان رده إن هذا هو حال الدنيا. ولكن ما أن تولى حسين احمد الرضي (سلام عادل) قيادة الحزب حتى شرع بحملة تثقيفية واسعة بين أعضاء الحزب من أجل تجاوز النهج المتياسر وإعادة الوحدة للحزب.]

3- رأي بهاءالدين نوري ورد في مذكراته:
[(في أواخر 1951 نشأت لديّ فكرة تعديل الميثاق الوطني - برنامج الحزب - الذي كان قد أقر قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945. وأخذت على عاتقي مهمة الصياغة الأولى، كما وأخذت وثيقة 1945 كأساس وحافظت على شكلها المختصر الواضح، الذي كنت معجباً به وأبقيت العديد من بنودها دون أي تعديل لأني لم أرَ ما يوجب التعديل. لكني أجريت تعديلات رئيسية حول القضايا الاستراتيجية - حول السلطة والمسألة القومية - وكذلك حول القضية الزراعية:
-كان الشعار الستراتيجي المتعلق بالسلطة في وثيقة 1945 يتلخص في إقامة "حكومية وطنية ديمقراطية" دون أي مساس بالنظام الملكي أو إشارة الى مستقبله، الأمر الذي كان يفهم منه موافقة ضمنية على بقاء ذلك النظام. وأنا لا أريد من ذلك توجيه اللوم إلى فهد، الذي صاغ ذلك البرنامج في عام 1945، حيث كانت الظروف مغايرة تماماً وكانت الحرب العالمية الثانية مستمرة وكان النظام العراقي عضواً في الحلف المعادي للفاشية..الخ. لكن تغيرات هامة قد طرأت في سني ما بعد الحرب على أوضاع العراق والعالم. واعتقدت أن الوقت قد حان لتغيير شعار الحزب الستراتيجي المتعلق بقضية السلطة. وهكذا تضمنت الصيغة الجديدة فكرة إسقاط النظام الملكي وإقامة حكم جمهوري شعبي يمثل إرادة العمال والفلاحين والجماهير الشعبية..
-تضمنت صيغة الميثاق القديم فكرة اعتبار الشعب الكردي في العراق أقلية لها حق المساواة. ولم تتضمن أية إشارة إلى أن هذا الشعب يشكل أمة ثانية في العراق وأن لهذه الأمة حقها في تقرير المصير. وأظن أن هذه الصياغة جاءت في وقت لم تكن المشكلة الكردية في العراق واضحة لدى فهد وأن التنظيمات الحزبية - الشيوعية بين الأكراد العراقيين لم تصل الى المستوى الناضج الذي تعرض معه قضية هذا الشعب عرضاً مدروساً صحيحاً. وبدلاً من هذا العرض الناقص تضمنت الوثيقة المعدلة فكرة تقرير المصير للشعب الكردي في العراق.
-وبدلاً من المطالبة فقط بتوزيع الأراضي الأميرية على الفلاحين، كما ورد في وثيقة 1945، تضمنت الوثيقة الجديدة فكرة توزيع أراضي الإقطاعيين وكبار الملاكين أيضاً على الفلاحين.
-وتضمنت الوثيقة الجديدة وضوحاً أكثر فيما يتعلق بالموقف من الاستثمارات والمؤسسات الاقتصادية الإمبريالية في بلادنا.
وقد نشرت وأقرت صيغة الميثاق (البرنامج) الجديد في ربيع 1952 من قبل لجنتنا المركزية ودون عقد أي مؤتمر أو كونفرس لمناقشة وإقرار هذه التعديلات. ولا أتذكر ما إذا كان هناك بين الشيوعيين خارج السجون من عارض هذه التعديلات لكن بعض العناصر الشيوعية في السجون عارض فكرة إسقاط الملكية وإقامة الجمهورية الشعبية. وكانت هذه المعارضة ضمن المقومات الفكرية التي استند إليها انقسام جماعة (راية الشغيلة) في أذار 1953.
ومن المؤكد أن الجماهير المتعاطفة مع ح ش ع تقبلت صيغة البرنامج المعدل وأن ذلك هو الذي هيأ الأذهان والأجواء لطرح شعار إسقاط الملكية وإقامة الجمهورية أثناء انتفاضة تشرين 1952، حيث هتفت به مئات الألوف من المتظاهرين في شوارع بغداد.)ص146-147
(منذ 22 تشرين (يقصد تشرين الثاني -خسرو) ظهرت هتافات في الشوارع بسقوط النظام الملكي. ولكن مجازر اليوم دفعت شعار إسقاط الملكية نفسها في المقدمة وجعلته يطغي على سائر الشعارات لدى جميع المتظاهرين. وكان ذلك الانعكاس الطبيعي لما كان قد أثبت في برنامج الحزب المعدل منذ أوائل 1952، الداعي إلى إسقاط الملكية وإقامة حكم جمهوري شعبي.)ص167
(على أثر فشل الانتفاضة وبعد تبيان وجهات نظري حول الأحداث بدت أولى بوادر الخلافات الفكرية بيني وبين البعض من السجناء الشيوعيين في سجن بغداد وتجلى ذلك في رسائل متبادلة. ولم يكن لهذه الخلافات صدى يذكر في سجن نقرة سلمان والكوت. وفي سجن بغداد نفسه كانت الأغلبية الساحقة معنا. بعيداً عن أي خلاف فكري. وكان السجين الشيوعي عزيز محمد على رأس العناصر المخالفة في السجن. وأظن أن السجين الشيوعي اليهودي إبراهيم شاؤول كان المهندس الفكري والموجه النظري - على حد تعبير سليم الجلبي وصادق الفلاحي اللذين كانا أنئذ في السجن - للخلافات الفكرية. وكان جمال الحيدري منجرفاً وراء المخالفين، رغم أن منطلقاته الفكرية كانت مغايرة لمنطلقات عزيز وشاؤول.
الشيء الأكيد، الذي كان مثار الخلاف، إنما هو شعار إسقاط الملكية وإقامة النظام الجمهوري الشعبي، الذي تضمنه برنامجنا المعدل والذي كان قد وجد التعبير عن نفسه في مظاهرات تشرين 1952. والمسألة الثانية، التي اعترض عليها هؤلاء، كانت سياستنا في ميدان التحالفات. كانوا يعتبرون سياستنا يسارية متطرفة إزاء الأحزاب البرجوازية الوطنية. وقد كتب إلينا مخلص( وهو الاسم المستعار لعزيز محمد في ذلك الحين) رسالة مطولة تضمنت كامل آعتراضاتهم وخلافاتهم. وأجبت عليها برسالة(عممت داخلياً في وقت لاحق) رافضا منطلقاته ومعتبراً إياها انتهازية يمينية، خصوصاً بالنسبة للموقف من شعار الجمهورية الشعبية ومن قضية التحالف مع الأحزاب البرجوازية الوطنية. واعتقد الآن أنني كنت على حق بالنسبة للموقف من الملكية، وهو كان مخطئاً، في حين كانت الحقيقة ضائعة بين يساريتي وبين يمينيته هو بالنسبة لموقفنا من التحالفات. وعلى أي حال فإني عاجز الآن إعطاء عن تقييم دقيق لرسالته ولرسالتي الجوابية، خاصة وأنا لم أطلع على أي من الرسالتين منذ أن اعتقلت في 1953.
شهدت سجون العراق الشيوعية قبلئذ انشقاقات وانقلابات تنظيمية داخلية بين السجناء أنفسهم. ولم نصبح نحن خارج السجون طرفاً في أي منها. ولم أتصور أن الخلافات بيننا وبين هؤلاء يمكن أن تصل حد الانشقاق، خاصة وأنهم كانوا أقلية ضئيلة حتى في سجن بغداد. ولم يكن لهم مؤيدون في السجون الأخرى. وقد دخلت وإياهم في مراسلات ومناقشات طويلة - حسب مستواي ومستواهم في ذلك الوقت. وأعتقد أنني أظهرت قدراً من المرونة العملية تجاههم بدليل أنني أرسلت لهم رسالة أسندت فيها مسؤولية التنظيم الحزبي في سجن بغداد إلى عزيز محمد، رغم أن الخلافات الفكرية بيننا كانت محتدمة ورغم وجود سليم الجلبي وصادق الفلاحي في السجن - وكانا عضوين في لجنة الحزب المركزية التي كنت قد شكلتها. غير أن عزيز رفض قبول هذه المسؤولية وفضل البقاء في صف المعارضين السجناء.
لا أستطيع الدفاع عن مواقف الجلبي والفلاحي كما لا أملك ما أدينهما به في تعقيد الأمور ودفعها نحو الانشقاق. لكن حادثاً واحداً على الأقل ألقى ظلال الشك على أن الفريق المعارض من السجناء كان يخطط للانشقاق مسبقاً. ذلك أن مسؤول منظمة النجف الحزبية عبد الأمير الخياط، الذي سجن في تلك الأيام لفترة معينة وخرج من السجن قبل الانشقاق كان قد هيأ كل شيء في مدينته لاستقبال ودعم الانشقاق. وأظن أنه اتفق معهم على ذلك قبل خروجه من السجن. وربما كان موقفه الموالي لهم أحد عوامل التشجيع على الانشقاق.
في أذار 1953 تطورت الخلافات إلى حدوث انشقاق تنظيمي. وقف عدد قليل مع الفريق المنشق فيما وقفت الغالبية الساحقة مع الچلبي والفلاحي. وعليّ الاعتراف بأن الانشقاق كان مفاجأة نوعاً ما بالنسبة إلي شخصياً. وقد اتخذت موقفاً متسرعاً وخاطئاً. كان عليّ التروي وبذل الجهود لرأب الصدع وتأجيل التحيز إلى أي طرف ـ وكان ذلك ممكناً بالطبع في تلك الظروف. لكنني لجأت إلى سكين العملية والبتر، أي الطرد الفوري للفريق المنشق من صفوف الحزب.
وبالنظر إلى مستوى الوعي والتجربة المنخفض عندنا، نحن والمنشقين، كان من الطبيعي أن يجري الصراع بأساليب خاطئة، على الأقل من بعض الأوجه. وكانت المشكلة الرئيسية، إن لم أقل الوحيدة، هي انضمام منظمة النجف إلى الانشقاق. ووقف اثنان من شيوعيي النجف ضد المنشقين هما محمد أبو كاله وغازي شريف. وباستثناء النجف لم تنظم أية منظمة أخرى خارج سجن بغداد. ورتبنا في نيسان 1953 محاولة لاسترجاع منظمة النجف ـ مدينة حسين الشبيبي ـ مهيبين بهم للعودة إلى صفوف الحزب. حمل عضو اللجنة المركزية للحزب ناصر عبود نسخ من هذا النداء وتوجه إلى النجف بمعنوية عالية كي يقيم في بيت أبو كالة ويخوض الصراع ضد المنشقين. وبعد سفره بيومين جرى اعتقالي في بغداد ولم أعرف مدى نجاح ناصر في مهمته تلك.
كنت معتقلاً حين تمكن جمال الحيدري، الذي كان ضمن الفريق المنشق، من الهروب أثناء نقله من السجن إلى أحد المستشفيات. ويبدو أنه توجه الى النجف، وبعد هروبه، مستفيداً من وجود منظمتها إلى جانبهم. وأصبح المسؤول الأول لتنظيم الجماعة الانشقاقية خارج السجون. وأظن أن الحيدري لم ينجرف وراء الفريق المنشق بدافع الانسجام الفكري مع عزيز محمد وإبراهيم شاؤول. بل يمكن القول أنه كان على طرفي نقيض معهما. ربما انجرف بدافع قلة التجربة أو لأي سبب شخصي. واتضحت هذه الحقيقة بعد أن أصبح على رأس تنظيمهم خارج السجن وبعد أن أصبح متحرراً من رقابة عزيز الفكرية عليه فأصدر النشرة الناطقة بلسان منظمته (راية الشغيلة) كاشفاً فيها عن نزعة التطرّف اليساري. وفي وقت لاحق اتهم خصومه الشيوعيين ـ ح ش ع - بالانحراف اليميني وخيانة قضية الشيوعية بسبب عقدهم جبهة انتخابية مع الأحزاب البرجوازية المعارضة وموافقتهم على التعاون مع حزب الاستقلال (عام1954).
منذ أن اعتقلت في نيسان 1953 غدوت بعيداً عن الصراع المباشر مع المنشقين. وفي سجن نقرة سلمان، في وقت لاحق، قرأت بعض منشوراتهم ومنشورات الحزب ضدهم ووجدت أن كريم أحمد نعتهم ب«راية البلاط» إشارة إلى وقوفهم ضد شعار إسقاط الملكية.) ص177ـ180]
(البقية في الحلقة القادمة)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي