الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة أرذل العمر

رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي، محام، أستاذ جامعي، دبلوماسي سابق، كاتب

(Riadh Alsindy)

2016 / 12 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


حكومة أرذل العمر
د. رياض السندي
لقد أثارت ردود الافعال الشعبية على زيارة نوري المالكي الاسبوع الماضي لمحافظات جنوب العراق في ذي قار وميسان والبصرة، بما جوبه به من رفض شعبي وإحتجاجات مستمرة لم يحظى بها أي نائب لرئيس الجمهورية في أي دولة من دول العالم، أثارت تساؤلات عديدة ومشروعة أولها هل شارفت كذبة تحرير العراق وتحقيق الديمقراطية والرخاء الاقتصادي فيه على الانتهاء؟ وهل تكفي 14 عاما على كشف هذه الخدعة التي طال أمدها كل هذه السنين ومازالت؟ أن الشيء المؤكد إن هذا المشروع بما جلبه من كوارث بشرية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية وحتى السياسية منها قد بدأ في التصدع ومن المتوقع إنهياره في أقرب وقت.
وشئنا أم أبينا، فأن هذه الحكومة والتي هي نسخة من الحكومات السابقة منذ عام 2003 لانها ولدت من ذات الرحم، قد وصلت الى طريق مسدود . فالتدخلات الدولية في الشأن الداخلي أصبحت واضحة لا لبس فيها، وصور المسؤؤلين الاجانب ترفع في شوارعها أكثر من صور المسؤولين العراقيين الذين بدوا أمامهم كدمى صغيرة ضيئلة الحجم والشأن.
وبالمقابل، فإن فكرة الولاء لاجنبي ، قد دفعت مكوناً أخر الى سلوك طريق العمالة ذاته ولكن في الاتجاه المعاكس، مما زاد الطين بلة. وغاب عن جميع الحمقى ألاساس الرئيسي وأقصر الطرق لبناء الدول، الا وهو أساس المواطنة .
ومن البديهي أن يقود ذلك الى تدخل الدول الاخرى، وهذا رأينا من الطبيعي أن تدفع بعض تلك الدول بقواتها المسلحة الى داخل الاراضي العراقية دون خوف أو وجل أو إجراء مضاد، ودون موافقة حكومتها الضعيفة التي لم تبقي على مقومات الدولة، فراحت تتوسل الدول في أي مناسبة، بطلب سحب قواتها، حتى لو كانت مكالمة هاتفية لتقديم العزاء لشهداء العراق على سبيل المجاملة الدبلوماسية ، كما فعل حيدر العبادي مع رئيس الجمهورية التركي في الاسبوع الماضي.
في حين ظّل منصب رئيس الجمهورية فارغاً من أي محتوى وخالياً من أي فائدة باستثناء تعيين الاقارب وحضور مؤتمرات البيئة وإرسال برقيات التعزية لكل شخص في أقاصي الارض، لا بل وصل الغباء حتى في هذا الشأن البسيط، الى إرسال برقية تعزية لعائلة فنان لم يتوفى بعد.
ومن جانب أخر، وهربا من الكثير من المشاكل، فقد حصر رئيس الوزراء نفسه في زاوية محاربة داعش، وهو هدف نبيل يجري تحقيقه بآليات ضعيفة متخلفة. فداعش ليست منظمة أرهابية فقط، لا تقوى عليها 60 دولة من التحالف الغربي ضد مجموعات إرهابية لا تملك الدبابات والطائرات والاسلحة النووية، مما يدّل على إنها مجرد صغير برعاية كبار يمنعون الاخرين من القضاء عليه رغم كل جرائمه. وأسطع مثل على ذلك ما يحدث اليوم في حلب بسوريا، حيث نرى الدول الغربية تسعى جهدها لضمان فتح ممر آمن لخروج الارهابيين منها، والاكثر من ذلك إنها قررت تزويدهم باسلحة متطورة. في حين يقاتل رئيس الوزراء العبادي بحشد شعبي تقوده غيرته ويفتقر لابسط المسائل اللوجستية العسكرية في القتال. فالمقاتلين بلا خوذ عسكرية تقي رؤوسهم، وأرزاق تصل أحيانا حد الكفاف، ورواتبهم لا توازي تضحياتهم، مما جعل خسائرهم كبيرة، ناهيك عن تلاعب السياسيين بهم.
واستناداً لهذه الوقائع المريرة، وهي أكثر من أن تحصى، ساد شعور شعبي عام بالاحباط واليأس، وقاد الى الاحتقان والاحتجاج وربما سقود الى الانفجار وسلوك وسائل أكثر فاعلية في الايام القادمة، لاسيما وإن الطبقة السياسية في العراق التي مهد لها المحتل، قد جاءت بسقط المتاع ليكونوا في موقع المسؤولية في العراق. ومن البديهي فإن هولاء لم يجلبوا الاّ من هم على شاكلتهم، وهكذا طردت الكفاءات من بلد مشهود له بها، فزادت البطالة وكثر عدد العاطلين بشكل كبير، في حين إنحصرت التعيينات بالاقارب والمتملقين وحملة الشهادات المزورة وحاملي الجنسيات الاجنبية وعملاء الدول الاخرى، وفتيات لا يصلحن الا للمعاشرة. لذا ليس غريبا أن نرى من كان يعمل في مطعم لغسل الصحون في الخارج قد أصبح دبلوماسيا، وأن نشهد قصابا وقد غدا وزيراً. ومن الطبيعي أن يلجأ هولاء الى وسائل لتمرير فسادهم أهمها الطيبة التي تنطلي على العراقيين البسطاء، فلا تراجع مسؤولا لتحدثه عن وضع كارثي الا وواجهك بنكتة أو فكاهة لخداعك. وكان جلال الطالباني أكثر الرؤساء فكاهة وتنكيتاً. فكيف تستقيم الامور وتقوم دولة على هذه الاسس الهزيلة.
والادهى من ذلك، إن الكثير من هولاء السياسيين قد بلغوا من العمر عتيا، وما زالوا متشبثين بمناصبهم، ومتمسكين بزمام السلطة ولا يغادرونها ود تجاوزا السبعين عاماً من العمر، ويعاني معظمهم من أمراض مزمنة كثيرة، ورغم كل ذلك يحرمون الشباب من أخذ حقهم في التوظيف ونيل فرصتهم في الحياة، وكان الله لم يخلق غيرهم. والامثلة على ذلك كثيرة، فرئيس الجمهورية معصوم بعمر 78 عاما، ومدحت المحمود بعمر 83 عاما، وإبراهيم الجعفري بعمر 69 عاما، ومسعود البارزاني بعمر 70 عاما، وهكذا غدا العراق دولة كهولة بالمعنى الصحيح، وهذا ما فصلناه في مقالنا (دولة الكهولة في العراق).
وإزاء هذه الاوضاع الشاذة، فعل أي مسؤؤل أن يتوقع أن يحصل له ما حصل للمالكي، وعلى الحكومة أن تتوقع أكثر من ذلك في الايام القادمة، فقد وصلت الحكومة الى أرذل العمر.

د. رياض السندي
12/12/2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي