الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب القومي الأمازيغي المغربي و ضرورة إعادة الصياغة

جلال مجاهدي

2016 / 12 / 16
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


برزت الحركات الأمازيغية إلى الوجود مع أواخر الستينيات على شكل جمعيات تعنى بالتعريف بالثقافة و اللغة الامازيغية كرد فعل محتشم على الخطاب العروبي الهوياتي للدولة , هذه الحركات , تطورت مع مرور الزمن, لتصبح اليوم حركات أمازيغية لها كلمتها في الساحة السياسية و الحقوقية , حيث استطاعت و بالتدريج, الرد على الخطاب الرسمي الهوياتي للدولة و قامت بفرض المسالة الامازيغية بقوة على الساحة السياسية و المجتمعية و الاعلامية, بعدما كانت مغيبة عن الفضاء العام.
بعد نهاية المرحلة الأولى التي امتدت من الستينيات إلى أواخر السبعينيات و التي كانت خلالها الحركات الأمازيغية تعنى فقط بالتعريف بالثقافة و اللغة الأمازيغية كمرحلة مقاومة محتشمة , ومع بداية الثمانينيات , عرفت القضية الأمازيغية تحولا مهما, حيث تحولت من مجرد تعريف إلى قضية سياسية و إلى مطلب سياسي , تمثل في إثبات الذات , بالاعتراف بالثقافة الأمازيغية و بدسترة اللغة وبعد طول نضال استطاعت هذه الحركات أن تحقق نصف مطلبها المتمثل في دسترة اللغة الأمازيغية بمقتضى دستور 2011 .
وفي السنوات الأخيرة التي تلت دسترة اللغة الامازيغية , دخلت الحركات الأمازيغية بشكل ملحوظ في مرحلة ما بعد إتبات الذات و انتهت بذلك المطالب الناعمة التي كانت قد أملتها التكتيكات المرحلية فيما سبق, حيث دخلت الحركات الأمازيغية بوضوح في مرحلة جديدة و هي مرحلة القومية حيث أعادت صياغة خطابها على أساس أن القضية هي قضية قومية, مركزة على النزعة العرقية بترسيخ ازدواجية ندية مفترضة بين ثقافة و هوية العنصر الأصل الذي هو الامازيغي وثقافة و هوية العنصر الدخيل المتمثل في العربي الذي فرض ثقافته و هويته خارج إطاره الجغرافي الشرعي و خارج حوضه الحضاري , هذا الخطاب كما هو مصوغ, يسعى حسب منظور الأمازيغيين القوميين إلى التحرير الحضاري من الهيمنة الثقافية و الهوياتية العروبية لتشكيل أمة أمازيغية مستقلة حضاريا على أرضها التاريخية تامزغا التي تمتد من منطقة سيوة بمصر إلى جزر الكناري مرورا بليبيا و تونس و الجزائر و المغرب
الحركات الامازيغية و على طول السنين الأخيرة فتحت أوراشا للعمل النظري لصياغة إيديولوجيتها و خطابها لمواجهة إيديولوجية القومية العربية المتبناة و المدعومة رسميا من طرف الدولة إلا أنها و لحد الآن لا تزال ايديولوجيتها قاصرة إن لم نقل معاقة , فالحركات الامازيغية خرجت بخطاب مفاهيمي غير واقعي و إلى حد الآن لم توفق في صياغة أيديولوجية منسجمة مع المعطيات الواقعية و التاريخية , ذلك أنه للقول بوجود إيديولوجية ناضجة يتعين أن تصل إلى درجة من النضج لتطرح تفسيرات بديلة للأيديولوجيات السائدة للواقع و التاريخ و المجتمع و الانسان وللسياسة و ما إلى ذلك باعتماد مفاهيم تحليلية خاصة و دقيقة تكون لها سلطة الإقناع و التأثير و التأطير الجماهيري,
بداية نشير إلى أن مفهوم القومية لم تتوحد بخصوصه التعريفات , إلا أن الأغلب الأعم توافق على أنه إيديولوجية نشأت مع مفهوم الأمة و يقتضي تمييز أناس ما, يعيشون في مكان ما ,على أساس الإشتراك في اللغة و البقعة الأرضية و التاريخ
الحركات الأمازيغية ترتكز على عنصر العرق كعنصر محوري لتقديم طروحاتها و صياغة إيديولوجيتها و هو ما يدخلها في دائرة إيديولوجية قومية التمركز الإثني ويخرجها من دائرة الايديولوجية القومية العادية التي تقبل التعددية العرقية والتي ترتكز فقط على اللغة و البقعة الأرضية و التاريخ, إيديولوجية التمركز العرقي الأمازيغي أسست لخطاب امازيغي يربط الاثنية باللغة و الهوية و الأرض مع اعتماد خطابات غير موفقة في أغلب الأحيان .
الايديولوجيا القومية الأمازيغية المصوغة من طرف الحركات الامازيغية, تنطلق من العرق و تتمحور حوله وبالتالي فإن كل خطاباتها هي خطابات ذاتية عاطفية غير موضوعية و غير مؤسسة بالنظر لقصور المنطلق , البناء الايديولوجي القومي المبني على العرق يظل بناء قاصرا ومنغلقا طالما أن بدايته و نهايته و محوره هو العرق و بالتالي فإن إمكانية تطويره تظل محدودة و مفاهيمه و بنيته تبقى دائما محصورة في الذاتية و لا تكون نتيجته إلا تضخيم الأنا العرقي و تأجيج مشاعر العداء الإثني - و الخطاب القومي الإثني الأمازيغي حينما بني على ثنائية العربي المحتل و الدخيل في مواجهة الأمازيغي الأصيل لم يكن موفقا طالما أن الأغلبية الساحقة من سكان المغرب هم أمازيغ تحقيقا أو عرب أو أفارقة أو أوروبيين ذوو تكوين جيني أمازيغي و هو ما كشفت عنه نتائج الحمض النووي مؤخرا, حيث بلغت نسبة الأمازيغ 80 % من مجموع السكان, في حين لا تتعدى نسبة العرب حسب الخط الأبوي 13 % , أما البقية المتكونة من الأفارقة و الأوروبيين و بعض الأعراق الأخرى فهي لا تتجاوز نسبة 7 % و المصنفين في هاتين المجموعتين الأخيرتين , لا يمكن اعتبارهم عربا أو أفارقة أو أوروبيين أو غير ذلك لكون تكوينهم الجيني ,عبر الزمن , قد أصبح أمازيغيا بالنظر للزيجات المتعاقبة بالأمازيغ عبر القرون - و بالتالي فإن الآخر العربي الذي يعاديه الخطاب الأمازيغي القومي لا وجود له على رقعة الوطن.
الخطاب القومي الأمازيغي هو خطاب مبني على مغالطة مفاهيمية , فالهوية المغربية هي هوية مزدوجة و مركبة أمازيغية عربية و عربية أمازيغية , تشكلت و تبلورت عبر القرون ولا يمكن استئصال احداهما من الأخرى
فبخصوص الشق المتعلق بالثقافة كمكون من مكونات الهوية , نشير إلى أن الثقافة الأمازيغية رغم الإستعراب الذي حصل ظلت ثقافة حاضرة بقوة , فالعادات و التقاليد المغربية و شكل اللباس التقليدي ظلت أمازيغية و هي مغايرة كليا للعادات المشرقية و حتى العرب الوافدون خاصة بنو هلال و بنو سليم , لم تكن لهم ثقافة مميزة لفرضها بالنظر لعنصر البداوة الذي كان يطبعهم , فما أحضروه لا يجاوز الثقافة الدينية و اللغوية إلا بشيء يسير, فالمغاربة لازالوا كما كان عليه الأمر قديما , يأكلون الكسكس و الطجين ويستعملون أصابع أيديهم في الأكل و يلبسون البلغة و الجلباب المغربي والسلهام الأمازيغي و الحايك بالنسبة للنساء و يحتفلون بالناير باقتناء الفواكه الجافة ويحرثون الأرض بطريقة التويزة وينظمون المواسم الاحتفالية و طقوس الأعراس كما كان الأمر عليه في السابق و حتى الموسيقى الشعبية لا زالت تحتفظ بإيقاعاتها الأمازيغية القديمة في مناطق عديدة - والأمثلة عديدة لا يمكن حصرها و هو ما يؤكد أن الثقافة الأمازيغية لا تزال حاضرة بقوة في المشهد الثقافي المغربي .
و كما هو معروف فلا توجد أية ثقافة في العالم لم تثاُر بغيرها من الثقافات , فالثقافة عبارة عن تلاقح و تأثر و تأثير لمجموعة من الثقافات و من تم يكون غناها وتميزها, رهين بتفاعلها مع غيرها والثقافة المغربية هي ثقافة جامعة , خاصة للثقافات الأمازيغية و العربية و الأندلسية و اليهودية حين نعلم أن اليهود إلى حدود إحصاء سنة 1940 كانوا يشكلون 20 % من السكان , لذلك يكون الخطاب القومي الأمازيغي الرامي إلى تأصيل الثقافة الأمازيغية و استئصال باقي الثقافات و خاصة العربية , تحت مسمى الرجوع للثقافة الأصلية , أمرا غير ممكن لا على مستوى التنظير و لا على مستوى الواقع .
المطالبة بالحفاظ على الثقافة الأمازيغية أمر ضروري طالما أنه محافظة على الهوية , لكن الدعوة إلى التأصيل بإلغاء المكون الثقافي العربي أو غيره هو شيء آخر - ما هو مطلوب حاليا ليس التأصيل بل هو المحافظة على الثقافة الامازيغية و المغربية كما هي , فالخطاب الذي تتعين صياغته حاليا ليس في مواجهة الخطاب العروبي بل في مواجهة خطابات العصرنة و العولمة التي أصبحت هي الخطابات المؤثرة و المهددة للثقافات المحلية عالميا.
وبخصوص الشق اللغوي كمكون من مكونات الهوية ,لا بأس أن نشير إلى أن المشهد اللغوي المغربي هو أيضا مشهد عربي أمازيغي و أمازيغي عربي , لا يتوافق مع الخطاب القومي الأمازيغي الرامي إلى إلغاء اللغة العربية من المشهد ككل , فاللهجات الأمازيغية تستعمل العديد من الكلمات العربية و الدارجة المغربية تستعمل العديد من المفردات الأمازيغية , كما أن تراكيبها هي تراكيب أمازيغية و أكثر من ذلك فإن اللغة العربية المعيارية ليست لغة تخاطب بالمغرب , بعكس اللهجات الأمازيغية التي لا تزال حية و تتخاطب بها مجموعات كبيرة من المواطنين, كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن اللغة الدارجة المغربية هي قريبة من الإرث السرياني الذي تركه عرب الفتح , كقربها من اللغة العربية التي أدخلتها قبائل بنو هلال و بنو سليم , فالعديد من الكلمات و التراكيب تقترب من اللغة السريانية منه إلى العربية و لعل الأمر قد يرجع إلى أن الموجة الثالثة من الفاتحين العرب الذين كان عددهم يجاوز أربعة و أربعين ألف مجند, كانت تتكون من جيش الشام , الذين بقيت منهم باقية بالمغرب وامتزجت بالعنصر الأمازيغي و للتدليل على هذه المقاربة , نشير إلى أن الشاميين في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان , كانوا لا يزالون يتحدثون بالسريانية و التي استمروا في التخاطب بها إلى غاية القرن الثاني عشر إبان العصر المملوكي , في حين كانت اللغة العربية في ذلك الوقت محصورة في جزيرة العرب فقط و كأمثلة على ذلك نورد كلمات سريانية مستعملة في الدارجة المغربية مع ذكر معانيها , مثل كلمة الدالية التي تعني شجر العنب و البراني التي تعني الغريب وبرا التي تعني الخارج و إيمتى التي تعني متى و المدابزة التي تعني المشاجرة و شكون التي تعني من و استنى التي تعني انتظر و علاش التي تعني لماذا و الحشومة التي تعني الخجل و الكرش تعني البطن و شمر التي تعني طوى ثيابه كاشفا عن ساعده وعزا بمعنى واسى أهل الميت و السطل بمعنى الدلو و شكارة بمعنى محفظة وبهدل بمعنى سب واحتقر و فشكل التي تعني معوج و غير طبيعي و ملهوط التي تعني شره و الدرب بمعنى الطريق و الزنقة و الدغل بمعنى إخفاء أمور ما و مشوش بمعنى مضطرب التفكير و بهل بمعنى مغفل و الطبلة بمعنى المائدة و العرام بمعنى الكمية الكبيرة و عول بمعنى تهدد و تشقلب بمعنى انقلب وطاح بمعنى سقط و شنو بمعنى ماذا و الطاسة بمعنى الوعاء و كمش بمعنى قبض و طم بمعنى أخفى و ردم و الصنه أو الصنان بمعنى الرائحة الخبيثة وعيط بمعنى نادى و شربك و مشربك بمعنى اختلط و مختلط و كر بمعنى اعترف و فش و تفش بمعنى أفضى و شاف بمعنى نظر و آش بمعنى ماذا و غشيم بمعنى بلا عقل وشوية بمعنى قليل و يزا بمعنى كفى و بلز بمعنى تفوه بكلام في غير محله و كلمات أخرى يطول ذكرها , و ما يمكن أن نؤيد به صحة هذا الطرح هو أن الأمازيغ إبان دخول عرب الفتح كانوا يسمون اللغة العربية , بتسرغينت أي السريانية و العربي بأسرغين و هو ما كشف عنه أقدم مخطوط مكتوب باللغة الأمازيغية و الذي يعود إلى القرن الحادي عشر ميلادي و المعروف بكتاب البربرية و الذي كان يهدف إلى تعميم الإباضية بين الأمازيغ و مؤلفه هو أبو زكريا يحيى اليفرني الإباضي هذا المخطوط يضم 894 صفحة بها حوالي 20000 سطر و يوجد قيد البحث و الدرس بين يدي البروفيسور الايطالي فيرموندو بريكناتيلي بجامعة ميلانو الايطالية , ما يهمنا في الأمر هو أن اللغة الدارجة المغربية لا يمكن اعتبارها لغة عربية فهي لغة مغربية صرفة نشأت و تطورت بالمغرب و ليس بالجزيرة العربية و معجمها متنوع يضم مفردات أمازيغية و عربية و سريانية و حتى كلمات إفريقية مثل كلمة دابا التي تعني الآن و التي تستعمل أيضا في التشاد و بعض مناطق السودان , و بالتالي فإن الهوية اللغوية للهجات التخاطب بالمغرب هي هوية تجميعية لا يمكن وصفها بالعربية و من تم يكون الخطاب الأمازيغي القومي الذي يقوم على التعارض بين العربية كلغة دخيلة و بين الأمازيغية كلغة أصلية , خطاب غير مبني على أسس صحيحة بالنظر لما ذكر
وبخصوص الشق المتعلق بالانتماء كمكون للهوية , نشير إلى أن الخطاب القومي الأمازيغي الذي يقوم على أساس الانتماء العرقي, اقتضى إعادة النظر في المشروع الوطني للحركات الامازيغية ككل , فمشروع الامازيغ القومي يتعدى القطرية و الانتماء للوطن فانتماء الامازيغي القومي هو لأرض تامزغا, التي تتجاوز الحدود القطرية و هو تصور مغاير لمفهوم الانتماء كما هو مكرس رسميا, فوطن الأمازيغ حسب تصورهم هو الوطن التاريخي الذي كان يمتد من سيوة بمصر إلى جزر الكناري مرورا بليبيا و تونس و الجزائر و المغرب و موريطانيا , الحدود القطرية لمجموع أرض تامزغا ملغاة في تشكيل هذا الخطاب و هي حدود تفصل بين الامازيغ الذين يعتبرهم القومي الأمازيغي كيان واحد فوق أرض واحدة , الخطاب المذكور بالنظر لانطلاقه من إيديولوجية التمركز العرقي هو خطاب عاطفي يدخل في إطار الفونتازيا الإنتمائية و الحنين للماضي , هذا الخطاب لا يؤطره أي تصور و لا توجد أية استرتيجية أو تخطيط و لو بعيد المدى لتحقيقه , غياب أي تخطيط في هذا الاتجاه يرجع إلى كون الحركات الأمازيغية تعي جيدا بأن الأمر غير واقعي و غير ممكن التحقيق لتدعه مجرد شعار فونتازي , توحيد بلاد الأمازيغ من مصر الى جزر الكناري مرورا بليبيا و تونس و الجزائر و المغرب , يضرب في الصميم سيادة الدول على أراضيها و يضرب عرض الحائط بمجموعة من المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي و مجموعة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحدود و حتى طرح الفيديرالية هو طرح أقرب للخيال منه للواقع بالنظر لطبيعة الانظمة الحاكمة و بالنظر لكون الامر يتعلق بأجزاء من دول أخرى كحال جزر الكناري ومنطقة سيوة بمصر
كل شعب فوق أرضه هو قومي بطبيعته و الخطاب المغربي الأمازيغي القومي تنبغي إعادة صياغته ليأخذ بعين الاعتبار الوطن بحدوده و البلد بتاريخه- و الساكنة بخصوصيات هويتها مع تطويره ليشكل مشروع حضاري يخدم المجتمع و يسير في اتجاه نموه و تنميته, عوض الاقتصار على إيديولوجية عقيمة بمشروع عرقي قائم على خطابات غير واقعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى