الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خابية الأوهام -حاجينا وجينا-

إبراهيم مشارة

2016 / 12 / 17
المجتمع المدني


أستسمح القراء الأكارم في شرح العبارة أعلاه لأن إخواننا المشارقة لا يعرفونها فهم يجهلون كثيرا من لغة وثقافة بلاد المغرب العربي، فقد كنا صغارا نستعد لاستقبال الربيع بعد شتاء قاس وأمطار غزار وفي ذلك اليوم الذي نذهب فيه لا ستقبال الربيع في البساتين وقد صنعت الأمهات لنا الحلوى واصطحبنا معنا ألعاب الشقاوة والفهلوة كانت الأرض تخلو بنا وتناغينا ترحب بنا "يا أفلاذ كبدي أنا أمكم الأرض وبعلي الزمن وهاقد وضع بطني توائم لكم من زهر وعشب أخضر ومن جديان تمأمأ وخرفان صغار تثغو وعصافير تزقزق على أغصان شجرة اللوز ذات الأزهار البضاء، ولقد اكتحلت أثناء وحدتي حين أدار لي بعلي الزمن ظهره وتطيبت ووضعت أوراق الجوز في فمي حتى باشرني سيدي الزمن و حبلت ووضعت ونثرت الجمال بين أقدامكم وعلى رؤوسكم فما من عصفور يزقزق وما من زهرة أزهرت ولا عشبة اخضرت ولا من ينبوع تفجر إلا هو بركة من بركات حملي وهبة من هباتي كانت قلوبنا الصغيرة تطير من الفرح والبهجة تغمر قلوب أمهاتنا نقبل من الأرض هديتها ونشكرها على عطيتها وفي المساء نردد مع أمهاتنا ونحن نعود إلى بيوتنا "حاجينا وجينا لا قينا الربيع وجينا أي قصصنا الأقصيص واستمعنا لها وهانحن أولاء نعود إلى ديارنا مباركين من لدن الأرض وبعلها الزمن.
كانت لتلك الأيام الصبيانية حلاوة وطلاوة حين كان للحياة في بلداننا معنى فللعلم قيمة وللثقافة قيمة وللفلس قيمة ولحب الوطن قدسية وليس في ذلك نوستاجيا أبدا ولكن حقيقة الزمن الأخضر والقلب الأبيض والأمل الكبير في غد أفضل مزهر بفضل الحق والعدل والعلم والمساواة.
لكن الخابية التي كانت مملوءة أحلاما وبسمات ومسرات انقلبت اليوم أوهاما وعبوسا وأشجانا فلا للعلم قيمة ولا للأخلاق رسالة ولا للحق حضور انظروا والأوطان تمزقت والدماء سالت والأبناء تشردوا والديار تهدمت ليس غير دهاقنة السياسة يمدغون الكلام ويلوكونه على وجه المستمعين ، وقد انخرط الكل في هذه اللعبة لعبة "حاجينا وجينا لا قينا السراب وجينا" جامعات تتحاجى وتجئ بأفواج الأميين يحاجون هم في المستقبل جيلا آخر ومواعظ تلقى يتحاجى بها الناس في الأفراح والأتراح تزجية لوقت بخس ترابي،وملتقيات فكرية علمية ودينية وتاريخية في كل أسبوع وشهر وعام تقام فيها المآدب ويتحاجى المنشطون والمستمعون عن عالم أو قضية المراة أو مسألة الديمقراطية أو المواطنة وما شئت من مواضيع تتصورها للأحاجي وينفتل الجمع على لا شيئ غير الوهم والسراب. ومقالات تدبج ومؤلفات تكتب وأشعار تلقى وشهادات توزع وألقاب تنثر على أحاجي يعرف الكثيرون أنها عديمة الجدوى لأن حياتنا لا تتحسن ومستقبلنا ينذر بالويل والثبور فما جدوى التحاجي وهو من المال العام على حساب عرق الكادح ودمعة الأجير وحق صبي فقير مات لأن دواءه مفقود!
وضاعفت التقانة من ديكور الربيع الكاذب فالعالم الافتراضي قدم لنا نمطا من أحاجي رجال الدين وأحاجي رجال الحداثة ورجال السياسة على المواقع الشخصية وعلى المواقع الأخرى وكأن هذه الامة لا تحسن إلا فن الأحجية فالعرب قديما أمة الشعر وعرب اليوم -بمن فيهم نحن- أمة الأحاجي.
من المحزن أن يعيش الإنسان عربيا في هذا العالم المتقدم الذي سيغزو فيه الإنسان المريخ قبل2050 والذي يبدع في تطوير الديمقراطية من أجل رفاهية أكثر ويبني المخابر كما نبني نحن السكنات الاجتماعية بغية المزيد من الاكتشاف والاختراع إن إنسان اليوم- ويبدو أننا لسنا جدرين بهذه الصفة - فهكذا أراد لنا أولو أمرنا وأولو أمرهم يعتصر الزمن ليستقطر بهجته وشذاه ومتعه وكل كنوزه يريد إنسان اليوم الذي سيعيش ثمانين عاما أن يعيش اكتشافات ومغامرات وملذات ومسرات مئة وستين عاما إنها عملية استقطار للزمن تماما كما كانت أمهاتنا تستقطر ماء الورد لكن الإنسان العربي يرفض بصلف تحرير نفسه وتحرير عقله من أغلال صنعها التاريخ والوهم والعادةوالعرف والاعتبار الثقافي والعرقي والحسبي والنسبي وبالتالي يصبح كالثور الذي يتحمل النير على عنقه ليحرث أرضا لا ربيع فيها غير السراب ويدافع عن وطن لا يملك فيه إلا بيته ويبدو أننا سنواصل ترديد الأحاجي مادام المارد الصيني يخدمنا بفلوس نفطنا فلا جرم أن يتحول الواحد فينا إلى مكسال لا يمارس مزية التفكير في كيفية اتنزاع رقبته من نير الجهالة والعماء، هناك من يهاجر ولكن الهجرة حل فردي أليس من في الوطن إخوانا لك ؟ وما دمت تفكر في وطنك في غربتك فأنت هنا لا هناك وهذا فصام أخر إذا خيرت بن دور المحاجي أو دور المستمع الأصم فاختر دور المستمع والأفضل أن تلزم بيتك وتبكي على خطيئتك وما خطيئتك إلا كونك عربيا في عالم يموج حرية وإبداعا وفنا ومتعة وعلما وعدلا ومساواة ونموج نحن أحاجيا. ليلتكم أحاجي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا