الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجل المطر

محمد الذهبي

2016 / 12 / 18
الادب والفن


رجل المطر
محمد الذهبي
لم يغادر بلده مطلقا، اسباب متعددة وكثيرة، لم يكن يعرف الى اين يذهب وليس لديه افق واسع عن الحياة في اوربا، انا لم افارق الزقاق منذ ولادتي، وقضيت سني العسكرية لسوء حظي في بغداد، لم يكن الوطن سوى عمود الكهرباء والعائلة وثلة من الاصدقاء اغلبهم ازهقت ارواحهم في الحروب او التفجيرات، ربما انا موجود بمحض صدفة عمياء، كما مات صديقي بصدفة عمياء، لاندري لماذا هي عمياء ان كانت تختطفنا بهذه السرعة والشناعة، انها تدقق وتفتش في تفاصيل حياتنا، ومن ثم نقول عنها عمياء، كعادته يوميا يختار الطرق الامينة من التي لم تنفجر بها عبوة او يطلق مسلح اطلاقة عشوائية، يخف مسرعا واعتاد ان لا يلتفت ابدا، يدلف في سيارة الخط ويذهب الى دائرته، المرة الوحيدة التي دخل فيها زحاما كانت في اول سفرة له، وكاد يهرب من ذاته، ها انا اضيع بين هؤلاء، الحمد لله اني اشبههم كثيرا، ولا ادري الفضل يعود لمن، لامي ام لابي، ام لاسلافي ا وان الفضل يتعدى الجينات الى قدرة الله، لقد خلقني ابيض بلون الثلج، مع شعر اشقر، وعينين زرقاوين، ها انا اضيع معهم، في زحامهم وما اجمله من زحام، وجودي لم يكن هناك، وجودي هنا مع هؤلاء الذين يشبهونني، ربما انا انتمي لهذه الارض ولم لا، هي محض مفاجآت، كل شيء هو مفاجأة من نوع معين، هل اختار هذا الذي يسير قربي وجوده هنا واخترت انا وجودي هناك، لم يكن الامر هكذا، ها هو فرح بوجوده وانا شبعت تعاسة.
لا احد ينتبه لي ويميزني عن الآخرين، ربما طول قامتي هو من افادني في هذه الناحية، لا احمل سوى الذكريات، وعائلتي استطيع ان اجلبها هنا، اغير طالعها، لست عرافا، لكنني ساغير مصير ابنائي ايضا، ربما سيصبح احد ابنائي رئيس وزراء بريطانيا العظمى لم لا، الرئيس هنا ليس كالرئيس هناك، سيركب دراجة هوائية او يستقل الحافلة، وسينتخبه الآخرون، وربما صار ممثلا فتعرض افلامه هناك في العراق، كل شيء يخضع للصدفة المفتوحة العينين وليست الصدفة العمياء كما يدعي التعساء، هؤلاء لسواد ايامهم هناك في وطني يحيلون آلامهم على الصدفة العمياء، سابدأ برسم ايام بيض، وساعلنها منذ هذه اللحظة، تناول جواز سفره ومزقه واستعار هوية رجل آخر وغاب في الزحام، وفي صباح تشريني ممطر، وفي محطة الوقود القريبة من داره في العراق، عاد ولده مهرولا الى امه، اماه: لقد رأيت ابي يهطل مع المطر، صاحت امه بصوت عالٍ، هل تركته يذهب بعيدا، فرد عليها بحسرة واضحة، لقد ذهب الى حيث يذهب ماء المطر ولم استطع ان انتشله يا اماه، لقد رحل بعيدا، ولا ادري اين ساجده ثانية، سنفتش عنه الانهار، لكن الحيرة كيف سنستطيع فرزه ، هل سيظهر ثانية، ربما ونحن نسير على الشوارع المبلطة في الصيف المقبل ستنبعث رائحته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج