الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنثولوجيا شعرية تدور في فلَك الأم

عدنان حسين أحمد

2016 / 12 / 18
الادب والفن


صدرت عن دار "دون كيخوته للنشر والتوزيع" بدمشق أنثولوجيا شعرية تحمل عنوان "أمي" وهي من إعداد وتقديم الشاعرة السورية ملك صوفي المُقيمة بلندن حاليا. تضمّ الأنثولوجيا قصائد مُنتخَبة لـ 68 شاعرًا من مختلف أنحاء العالم تتمحور جميعها حول ثيمة الأم، وهي، في حقيقة الأمر، ثيمة إشكالية مثيرة ترصد علاقة الشعراء والشواعر بأمهاتهم.
لم تنبثق هذه الأنثولوجيا من فراغ، ولا تكمن خلفها رغبة محمومة لإصدار إضمامة من القصائد لشعراء ينحدرون من القارات الخمس، بل ثمة تجربة شخصية يمكن تلمّسها في قصيدة الشاعرة ومُعِّدة الأنثولوجيا مَلَك صوفي التي تصف الأم بـ "الحضن الدافئ" تارة، و "الوطن والانتماء" تارة أخرى، لكن ما إن خطفَ الموتُ الأمَّ حتى أصبحت الابنة تائهة، حيرى تهيم خارج ملاذها الأمومي الآمن.
انتظمت قصائد هذه الأنثولوجيا حسب الأحرف الأبجدية لأسماء الشعراء، فالأول لا يعني أهمهم، والأخير لا يعني أسوأهم بكل تأكيد. ما يلفت الانتباه في هذه المختارات هو هيمنة العديد من الأسماء الشعرية العربية، وتحديدًا السورية والعراقية، حيث كان نصيب سوريا ستة شعراء وهم على التوالي: آرام كرابيت، فرج البيرقدار، ملك مصطفى، مروان علي، نوري الجرّاح وسعيد لحدو. أما الشعراء العراقيون فهم: عبد الهادي سعدون، عدنان الصائغ، أمل الجبوري، أنور الغسّاني، باهرة عبداللطيف، فيما اقتصرت السعودية على علي الحمزي، واليمن على همدان مطيع دمّاج، ومصر على جيهان عمر، والجزائر على حليمة مالكي، وعربستان على ناصر حيدري فيما غابت 16 دولة عربية.
لا يعني اشتراك بعض الشعراء العرب في هذه الأنثولوجيا بأنهم أفضل من غيرهم لأننا نعرف جيدًا أن هناك العشرات، وربما المئات من الشعراء العرب، يكتبون أفضل من هذه القصائد العربية المُنتخَبة، وأعمق منها بكثير، لكن اشتراطات موضوع "الأم" هو الذي حدّد سلفًا أسماء الشعراء العرب والأجانب الذين انتظموا في هذا الإصدار، ربما لأنهم كتبوا عن هذه الثيمة تحديدًا بينما أغفلها شعراء آخرون.
لا يتسع المجال لتحليل هذه القصائد برمتها لكننا سنتوقف عند بعض الالتماعات والصور الشعرية المتوهجة التي تعْلق في ذاكرة القارئ. لابد من الإشارة إلى أن آرام كرابيت هو شاعر سوري من أصول أرمينية، وقد تعرضت عائلته للقمع والتشريد، كما تعرّض هو للسجن في وطنه الجديد فلا غرابة أن يسأل أمه عن السبب الذي دفعها لإنجابه "في بلادٍ عابرة للمتاهة والسراب".
تتميز قصيدة "أحزان تليماخوس" لنوري الجرّاح بانفتاحها على الغرب وتلاقحها مع "أوديسة" هوميروس وإن كان التركيز منصبًّا على تليماخوس الابن الوحيد لبينيلوبي الذي وُلد قُبيل استدعاء والده أودسيوس للمشاركة في حرب طروادة. قصيدة الجرّاح مكتوبة بنَفَس حداثي متقدم جدا. أما فرج البيرقدار فقد كتب "وِرد . . . من أجلهن" وهي قصيدة منكفئة على الذات الداخلية له ولأمه في آنٍ معا، ولا غرابة في ذلك فقد أمضى هذا الشاعر أربع عشرة سنة في السجون السورية ومن الصعوبة بمكان مطالبته الآن بالانفتاح على الثقافة الغربية والتراسل معها.
يتكرر سؤال الموت غير مرة في قصيدة ملك مصطفى لكن شغفها الكبير بالأم أثار فيها كل مشاعرها الدفينة التي انهمرت دفعة واحدة على الورق ولم تمنح القارئ فرصة لالتقاط أنفاسه المتهدجة. أما قصيدة مروان علي فقد أضرّ بها اللهاث وراء القافية مع أن قصائده الأخر حداثية وذات إيقاع نثري جميل. ربما تكون قصيدة "كيف فُتحت الأبواب" لسعيد لحدو هي الأكثر شعرية ليس لجهة تساميها اللغوي وإنما لاجتراحها صورة شعرية أصيلة لم يسبقهُ إليها أحد حيث يقول عن أمه: "حينما غادرتْ أخذت الطرق معها، لذلك لم يتبعها". تخيلوا معي صورة أم تجمع كل الطرقات وتأخذها معها حينما تموت كي لا يتبعها هذا الابن الصغير المتماهي معها!
يحتل العراق عدديًا المرتبة الثانية لجهة تمثيله بخمسة شعراء من أجيال مختلفة وأولهم عبد الهادي سعدون، صاحب قصيدة "قرب دجلة" التي تكتظ بالتساؤلات الوجودية على الرغم من جريانها على لسان الأم البسيطة التي قالت كل شيء دفعة واحدة مُحيطة إيّانا بأسئلة الغربة، والانتظار، والحرب، والموت، وربما كانت هذه الأم الصادقة أكثر بلاغة من الابن الشاعر الذي رسم وجعه اللاهث على معالم وجهه الذي افترسته الحروب المتناسلة بلا هوادة. القصيدة منشورة بالأسبانية ومترجمة إلى الإنكليزية، بينما غاب النص العربي!
يرصد عدنان الصائغ في قصيدته ثنائية الحزن الشفيف والخوف المتأصل في قلب الأم، فهي تخاف من الدركيّ، وتخشى على أبنائها من"عيون النساء، وغول المساء، وغدر الزمان". تبني أمل الجبوري قصيدتها بناءً فنيًا يقوم على مرحلتين وهما قبل الاحتلال وبعده، وتُوصِل فكرتها الثاقبة من دون أن تعوّل على المحسنّات البديعية أو التزويق اللفظي الممجوج.
أما قصيدة "ميراث" لأنور الغساني فقد نُشرت باللغتين العربية والأسبانية وكان حريًا بمعدّة هذه الأنثولوجيا أن تنشر النصوص العربية مع ترجماتها الإنكليزية خصوصًا إذا كان الكتاب موجهًا للقراء العرب. تحيلنا قصيدة الغساني إلى النثر المكثّف الذي يتناغم مع قصيدة النثر الغربية.
ينطوي عنوان نَصّ "سيرة كائن غير قابل للاختزال" على كل ما تريد أن تقوله الشاعرة باهرة عبداللطيف في قصيدتها عن الأم، فقد عرفناها شاعرة مرهفة، وناقدة حاذقة، ومُترجمة متمكنة من اللغتين الأسبانية والعربية، وقد حازت ترجمتها لكتاب "الغابة الضائعة" لرافائيل ألبرت على جائزة أفضل كتاب مُترجَم في العراق عام 1993، لكن ما لفت نظري في هذه القصيدة أنها لم تفرّق ما بين "الصُرّة" و "السُرّة" حيث تقول "حبل الصُرّة لا ينفصم بالولادة بل برحيل الأمهات" وهي تعني بذلك (حبل السُرّة)!
لم تنجُ قصيدتا السعودي علي الحمزي والجزائرية حليمة مالكي من السقوط في فخ الخواطر المنفلتة التي لا تقول شيئًا، ولا ترقَ في خاتمة المطاف، إلى مستوى الشعر. أما قصيدة "عقوق" للمصرية جيهان فقد تخطّت الخاطرة الأدبية وانتظمت في بنية شعرية مشذّبة أبعدتها من السقوط في حمأة الترهل والتكرار. تحضر اليمن باسم شاعرها المجوّد همدان مطيع دمّاج الذي تألق في قصيدته المكثفة وهو يحتفي برفقة أمه التي وصفها بـ "وردة الدار " التي لا تُنسى، وهي كذلك فعلاً لأن صورتها لا تغادر ذاكرة القرّاء بسهولة.
ثمة تركيز واضح على الشعر الأسباني وعلى الشعراء الناطقين بالأسبانية في أميركا الجنوبية ومنطقة الكاريبي وبقية بلدان العالم. فقد مثلت الأرجنتين شاعرتان إحداهما مشهورة جدًا وهي أيتانا ألبرتي ليون ابنة الشاعر الأرجنتيني الكبير رافائيل ألبرتي والروائية ماريا تيريزا ليون التي اشتركت بقصيدة جيدة تحمل عنوان "مرثاة تقريبًا". أما الشاعرة الثانية فهي غلاديس لوبيز بيانيس التي قدّمت نصًا مهلهلاً جدًا ساهمت الترجمة في تشويهه وإرباكه.
لا يقتصر التشويه أو ضعف الترجمة على هذه القصيدة تحديدًا وإنما تعداها إلى مجموعة أخرى من القصائد، بل أن هناك نصوصًا لم تترجم من الأسبانية أو العربية أو غيرها من اللغات إلى الإنكليزية مثل قصيدة الشاعر الأسباني خوان كارلوس آبريل والشاعر الكندي لوك لاكومبتا أو قصيدة الشاعر العربستاني ناصر حيدري الأمر الذي يُربك القارئ كثيرًا ولا يدعه يعرف اللغة التي تستهدفها هذه الأنثولوجيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ