الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


175 عاما على كتاب ((جوهر المسيحية)).. لدينا اله الكينونة الشريرة - التعصب الديني

قاسم علي فنجان

2016 / 12 / 18
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


انجز لودفيغ اندرياس فون فويرباخ (1804-1872) كتابة (جوهر المسيحية) في 1839 ونشره في 1841، ليساهم به في المشروع النقدي الكبير للدين والذي كان قائما بماكس شترنر في (الاوحد وخاصته)، وديفيد شتراوس في (حياة يسوع)، الى برونو بوير عن الاناجيل, مشروع نقدي لواحد من أهم أسس الوهم البشري وأكبرها, "الدين", والذي كان حاضرا في اذهان هؤلاء الفلاسفة والمفكرين على انه المساهم الاكبر في تدمير وتفكيك المجتمعات. فرفعوا راية نقده بكل قوة وحزم, وبدئوا بتشريحه وشرحه, وتفسيره وتأويله وقراءة تاريخه من كل الجوانب الاجتماعية, الفكرية, النفسية, الاقتصادية, والسياسية, محاولين معرفة أصوله وجذوره, قوته وتأثيره, وعرفوا أن المسألة لم تعد ما إذا كان هذا الدين صالحا أو غيره, بل أن المسألة كما رأوها بحق هي أن هذا الوهم يجب أن ينقد, ويجب أن لا يترك لحالة, فلقد كان تاريخ الاديان ماثلا امامهم بشكل عام, ومسيحية القرون الوسطى المتوحشة بشكل خاص. فجاءت نتاجاتهم الفكرية صادمة وصارمة جدا, وخطت طريقا ومنهجا لكل من جاء بعدهم.
أن ما فعلته هذه العائلة النقدية لهو اكتمال لما فعله ماديو القرن الثامن عشر, والذين نحن بأمس الحاجة كمجتمع غارق في وحل الدين وحروبه, إلى ترجمة اعمالهم ونشرها, لذا فأن ابحاثهم وتحليلاتهم العلمية قد أفسحت المجال لإعادة قراءة التاريخ الديني بشكل خاص, وهو ما جعل منهم ممثلين حقيقيين لرافعي راية النقد الديني.
لقد اخرجت الرأسمالية كنظام عالمي هذا السلاح القاتل وشحذته وأفلتته لتفك به أزماتها الدورية والحادة, ولتفتك به المجتمعات وتشرد وتهجر الملايين, وتزيد من كراهية هذه المجتمعات فيما بينها, وتزيد من طغيانه, لقد افرجت عن هذا الوحش المميت بعد أن عجزت عن تلافي أو حلحلة لأزماتها.
كتب ماركس في المخطوطات أنه "كلما وضع الانسان أشياء اكثر في الله, حفظ أشياء اقل في نفسه, العامل يضع حياته في الموضوع, ولكن عندئذ هذه لا تعود ملكا له, فهي ملك للموضوع". وذات الانسان في هذا الشرق الغارب صارت موضوعا لذات الله وكفت عن ان تكون ذات, وبدأ ضياعها واغترابها وتوقفت عن ان تكون فاعلة ايجابية ومساهمة بهذه الحياة, لقد ألتهم الدين هذا الشرق, واصبح هو الذات التي تقود هذه المجتمعات, لهذا فنحن بحاجة قوية لترجمة هذا الفكر النقدي العملاق, للمساهمة في تنشئة جيل, وإعطائه نسق من الاستعدادات الفكرية التي يستطيعون ان ينظروا بها الى الطبيعة والمجتمع, وتكوين رؤية نقدية لكل ما يؤمنون به, فأن المطلع على واقع التربية والتعليم ومناهجه اليوم, يصدم بما يراه من تنشئة بطريركية ولاهوتية خاضعة, واقسام الفلسفة في جامعا-تنا, تدٌرس وتعلم اللاهوت باسم الفلسفة, لكي تنفي فيما بعد الفلسفة باسم اللاهوت.
ان ما يبهج حقا هو نزول هذا الكتاب في زمن ضياع تام, زمن الاكثر عارا في تاريخ هذه المنطقة, زمن لبست فيه السلطة العمامة فضيعت واضاعت اوطان بأكملها, والمصير المأساوي الذي نشاهده ونعيشه يوميا, ما هو الا النتيجة الطبيعية للحكم الديني, فترجمة هذا الكتاب في هذا التوقيت بالذات هو اشارة جيدة لما نحن بحاجة اليه من فكر تنويري والحادي, لكن هل ان الحاديتنا منفعلة؟ نعم انها كذلك. وهل نستطيع ان نجعلها فاعله؟ سنفعل ذلك اذا ما استطعنا نشر ذلك التراث الفكري الجبار والعتيد, والذي سيصدم المجتمع الذي يحتفظ لنفسه برؤى وافكار بالية وتعيسة, وسيحفز لديه الاسئلة عن واقعة وحياته, ونشر هذه الافكار المادية والالحادية سيساهم في القضاء على بؤر التخلف والهمجية, والتي نشر الدين افقها وجعلها هي السائدة, فالدين هو الأيدولوجية التي تبرر للناس ان يعيشوا هكذا, ونقد الدين هو التمهيد لكل نقد, وهذه هي الموضوعة الرئيسية التي يجب ان تكون للفلسفة ولما نريد ونطالب ان يترجم, وهي التي يجب ان تسود داخل الاوساط الجامعية في هذه الحقبة المريرة والمظلمة التي نعيشها. فالفكر الفلسفي في صدامه مع الفكر الديني يبين لنا عجز هذا الفكر عن الاتيان بحلول للمجتمع, وبإنتاج معرفة كفيلة بإخراج المجتمع من اتون ازمته, فالقائمين على هذا الفكر الديني المبتذل يريدون ان يعقلوا لنا النظام الديني وفكره, وهو خارج كل عقل وفكر.
ان مهمة الفلسفة الرئيسية اليوم هو فتح جبهة نقدية ضد الافكار اليمينية السائدة, وعليها نشر وعي نقدي صارم, وهذا لا يمكن ان يكون بدون قراءة افكار وفلسفة القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر, فليس من شك بأن الفلسفة هي السلاح الاقوى والأمضى بوجه الدين ومثيولوجياته.
لقد طلب مفيستو -الشيطان- من فاوست التعيس والبائس قائلا له "لو انك فقط تحتقر العلم والعقل اللذين هما اكبر قوة للبشر عندئذ امتلكك تماما" والدين -الشيطان- اليوم يطلب ويدعو الى ترك العلم والعقل ويغيبهن بممارساته وطقوسه وشعائره وسياساته, وقد امتلكوا الناس بذلك. فتحية لجورج برشن الذي نقل الينا "جوهر المسيحية", وتحية لنبيل فياض الذي قدم له بشكل رائع, ونتمنى ان لا يتوقفوا عن ترجمة المزيد من كتب التنوير.
15-12-2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟