الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدل عقيم وحمى الاتهامات

تميم منصور

2016 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


جدل عقيم وحمى الاتهامات
تميم منصور

لا نعرف اذا كان هذا النقاش العقيم المثقل بحمّى التشنج والانفلات في الألفاظ النابية ، الذي يدور بين أفراد وجماعات وأطر مختلفة من المواطنين العرب حول ما يدور في سوريا ، هل يدل هذا النقاش على ارتفاع منسوب الوعي الفكري والوطني لدى هذا القطاع الهام من الشعب الفلسطيني ، أم أنه لا يخرج عن كونه حماقة سياسية وتعبير عن حالة انغلاق فكري وتراجع في حالات الادراك والمعرفة والانتماء الى صفوف القوى الصاعدة .
ما يلفت النظر في هذا النقاش الذي يأخذ طابعاً عدوانياً أكثر منه تفاهمياً مشاركة العديد من الشباب فيه، لكن غالبية هؤلاء الشباب بجترون ويرددون ما تنقله وسائل الاعلام الإسرائيلية التي تساهم في تأليب هذا النقاش ، خاصة القنوات الفضائية ، ومنهم من يردد ويجتر ما يلقونهم بعض أئمة المساجد وشيوخ التكفير .
اذا إسرائيل تعتبر لاعباً رئيسياً ، إضافة الى قنوات التجهيل العربية المعروفة تحولت جميعها الى مرجعيات تتفق في بث سمومها وفي مواقفها مع أفكار ونداءات واطر سياسية ودينية منظمة داخل مدننا وقرانا ، الألسنة والوجوه مختلفة ، لكن العداء لقوى الممانعة الداعمة للمقاومة واحد ، الاصطلاحات لا تتغير ، منها سيطرة الشيعة ، مليشيات الشيعة ، حرب صليبية تقودها روسيا . وغيرها مما صدره الغرب الامبريالي بواسطة عملائه الى مجتمعاتنا التي تعاني من الجهل و التخلف .
ان هؤلاء لا يدركون ان هذا اللاعب الأساسي وهي إسرائيل التي تشارك في نصب حلقات الذكر والردح وذرف الدموع ، بمشاركة حكام السعودية وقطر وعمان ، وبمشاركة العديد من الأطر السياسية الدينية ، إسرائيل هذه تقوم بدعم افراد عصابات القتل والتدمير في سوريا ، تمدها بالعتاد والأسلحة ، والدعم اللوجستي والإعلامي المتواصل ، كما أنها تقوم بين الحين والآخر بضرب مواقع الجيش السوري ومواقع المقاومة خدمة لهذه العصابات .
من يلاحق ويتابع هذا الجدل العقيم ، يجد أنه لا ينحصر في دائرة الموضوعية والمنطق والتبادل في المواقف والآراء بشكل حضاري ، لقد تجاوز في كثير من الحالات عبر شبكات التواصل والشاشات الفضائيات والصحف كل حدود الحوار الحضاري ، فتحول الى اشتباك وتقاطع في العبارات الثابية وكيل التهم التي افرغت هذا الجدل من كل مضمون ثقافي انساني .
السؤال لماذا سوريا وحدها هي الواقعة في ميزان تشابك هذه الانقسامات و الخلافات ، هناك مشاهد مشابهة من الحروب والعنف والقتل والتدمير لا تقل في شدتها عما يحدث في سوريا داخل العراق ؟ وهناك حروب مشابهة تقف وراءها القوى العدوانية ذاتها التي اشعلت الفتن في سوريا ، كما يحدث في ليبيا واليمن ، ومن قبل حدث في الجزائر. لماذا لا نرى هذا المشهد من الانقسام وحمى الجدل حول اليمن ، مع ان أهمية هذا البلد القومية والاستراتيجية ، لا تقل عن أهمية سوريا والعراق ، اليمن واجهة وذخراً ، حضارياً وواحة تاريخية تقع في صحراء مجدبة من التخلف الاجتماعي داخل جزيرة العرب . اذاً لماذا سوريا ؟؟؟ لأن الذين يدافعون عن سوريا الدولة وسوريا الحضارة والمؤسسات والنظام والوحدة الجغرافية ، يدركون بأن سوريا هي آخر قلعة من قلاع الصمود ، وكما قال " محمد حسنين هيكل " قبل رحيله ، ورددها من بعده عبد الحكيم جمال عبد الناصر ، لو سقطت سوريا ، سوف تنهار المقاومة في لبنان والعراق ، وحتى في فلسطين ، اذا سقطت سوريا سوف يخلفها شرق أوسط أكثر عجزاً وانقساماً ورضوخاً وتبعية للمشاريع الامروصهونية والرجعية العربية ، سوف تشعر الرجعية العربية ورموزها بالأمان في حاضرها ومستقبلها لسنوات قادمة طويلة .
لا يمكن تجسيد سوريا الدولة والحضارة والتاريخ والقومية والتطور والتقدم والاكتفاء الذاتي بالغذاء والتعليم المجاني والعلاج المجاني بشخص واحد وأكثر ، نحن ننظر الى سوريا مجتمعة في كل شيء ، ننظر اليها كبلد يرفض الإقليمية والطائفية ، ننظر اليها كدولة رفضت كل مشاريع الاستسلام والاعتراف بإسرائيل امراً واقعياً قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ، كما فعل السادات ، وكما أراد النظام في الأردن والسعودية ، ان سوريا الممانعة لم تقبل ما قبله الفلسطينيون لإنفسهم بالإعتراف بشرعية إسرائيل قبل حصولهم على دولتهم المستقلة .
ان الذين يعادون سوريا ينظرون اليها بمنظار الطائفية او معاداة حالات التحضر والتطور فيها ، يكفينا سبباً واحداً لدعم المؤسسة الحاكمة في سوريا السياسية والعسكرية وهو معاداة أمريكيا ، بريطانيا ، فرنسا ، إسرائيل ، لهذا النظام ، كان الرئيس الخالد جمال عبد الناصر يقول : اذا شعرت ان أمريكا وحلفائها راضون عن سياستي أعرف أنني لا اسير في الطريق الصحيح ، هذه المقاييس لا زالت قائمة بالنسبة لكافة القضايا العربية ومن ضمنها سوريا وحق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة .
كل من يحاول التعرف على الأطر والقوى حتى الافراد الذين يقفون موقفاً معادياً من سوريا ونظامها ، هي القوى ذاتها التي رقصت وهللت وشمتت عندما هزمت مصر وسوريا في حرب 67 ، والقوى التي شربت نخب
وهللت عندما دخل الجيش الأمريكي العراق ، وصفقوا عند اعدام صدام ، هي ذاتها القوى التي انتظرت هزيمة المقاومة في لبنان ، وهي القوى التي ساهمت في سقوط النظام في ليبيا ، وهي القوى التي تدعم التحالف الأمريكي السعودي ضد اليمن ، وهي القوى التي صفقت للقرضاوي عندما استنجد بالولايات المتحدة عبر فضائية الجزيرة لمساعدة قوى الإرهاب والتكفير للتخلص من النظام في سوريا .
اليوم فإن هذه القوى تتباكى على حلب ، وأصبح شعارها " حلب تُباد " جزءاً من معزوفة أرادوا بها تأليب الناس على سوريا ، رافضين الاعتراف بأن حلب قد تحررت من أيدي عصابات الشر ، والمؤسف أن البعض من أئمة المساجد في الداخل الفلسطيني ، حاولوا اقناع المصلين في مساجدهم بأن حلب سقطت بأيدي النظام .
أن حلب وجيشها – حماة الديار - ليسوا بحاجة الى اعتراف هؤلاء المرتزقة بتحررها ، لكن السؤال الأهم من الذي سمح لهؤلاء الأئمة بتحويل المساجد ومنابرها الى آليات دعائية معادية لكل دين ومنطق ، وتخدم المشاريع الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية ؟؟؟ اليس في صب اللعنات على النظام في سوريا دون صب اللعنات على السعودية والحلفاء العرب الذين يقصفون ويدمرون اليمن ، والمدن والقرى اليمنية تُباد علناً ، والأطفال والشيوخ والنساء يُقتلون علناً ، يعيشون في الحصار دون طعام وعلاج ، اليس هؤلاء يستحقون نظرة من رجال الدين ومن أنظمة الدول العربية .
يكفي المقارنة بين مواقفهم لنعرف حقيقة النوايا ، وحقيقة الدوافع التي تدفعهم الى شن حملات ضد النظام ، وكلما كان صراخهم أعلى نعرف أن وجعه من الانتصار السوري قد أفشل أسيادهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة