الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح والسلطة في مصر من منتصف القرن التاسع عشر وحتي ثورة 1919

عطا درغام

2016 / 12 / 20
الادب والفن


لقد كانت مصر من أوائل أمم الشرق التي أخذت بأسباب النهوض والدعوة إلي القومية الوطنية.في بداية القرن التاسع عشر شهدت مصر نهضة وطنية عظيمة وضع أساسها محمد علي ، فأصبحت في طليعة أمم الشرق في التقدم والرقي والإصلاح.
ثم كانت حركة احمد عرابي، وكانت أسبق من الثورات التي قاومت في وقت مبكر، وطالبت بالتحرر من الاستبداد والتدخل الاجنبي وإدخال الدستور إلي البلاد. وحصلت مصر علي أول نظام دستوري في عهد الخديو إسماعيل عام 1879 ، وألغي عام 1883 بسبب الاحتلال الإنجليزي وتطبيق الأحكام العرفية.
وقُبيل نهاية القرن التاسع عشر ، حمل مصطفي كامل لواء الوطنية والجهاد الوطني ضد الاستعمار وحدد مطالبه في الجلاء والدستور، وقدم روحه وصحته فداءً للوطن. وجاء محمد فريد ، وكانت وقفته العظيمة ضد محاولة إنجلترا مد امتياز قناة السويس أربعين سنة ، ثم بزغ نجم الثورة والجهاد ضد الاستعمار عقب انتهاء الحرب العالمية الأولي ، فكانت ثورة 1919 والتي اهتزت لها الإمبراطورية البريطانية.
واكب هذه الحركة الوطنية والنهضة المصرية ازدهار الفنون الأدبية في مصر ؛ لتكون معبرةً عن هذه النهضة . ومن بين هذه الفنون – فن المسرح- الذي ارتبط منذ بداية ظهوره في منتصف القرن التاسع عشر بنضالنا الوطني وأحداثه وحريته وأمجاده علي تتابع مراحله المختلفة... وكيف عبر عن الأوضاع والتطورات الاجتماعية لحياتنا.
في ظل هذه الظروف والأحكام والقوانين كان لا بد من اصطدام المسرح بالسلطة؛ إذ كانت مفاهيم الحرية ، والعدل ، الظلم، الاستقلال، كفيلة بأن تغلق مسرحًا أو تنفي كاتبًا أو تعرّض مسرحيته للمصادرة.
شهدت البدايات في مصر مسرح يعقوب صنوع الذي اتخذ في البداية طابع التسلية والتطريب، ولقي استحسانا وتشجيعا من الخديو إسماعيل في البداية. ودعاه وفرقته إلي التمثيل علي مسرحه الخاص في قصر النيل ومنحه لقب ( موليير مصر). ومع ذلك ، فإن هذا المجهود الضخم لم يشفع لصنوع عند الخديو إسماعيل. إذ اصطدم صنوع بالخديو إسماعيل بعد أن مثل مسرحية ( الوطن والحرية ) فرأي الخديو فيها مساسًا بحكمه وبحاشيته وانتقاد حكمه الفردي والقهر الاجتماعي والانهيار الاقتصادي الذي كانت تمر به البلاد في عهده.
وفدت فرقة سليم النقاش إلي مصر ومثلت عدة روايات ، ثم تركها ليعمل بالصحافة ليوسف خياط الأرمني في الإسكندرية . ولاقت نجاحًا في البداية ، ثم انتقل نشاطه إلي القاهرة حيث مثل روايته ( الظلوم ) عام 1878 وأغضبت الخديو إسماعيل ؛ إذ ظن أنها نقد لأساليب الحكم فطرد الجوقة من مصر.
وحاول عبد الله النديم إنشاء مسرحه الخاص في الإسكندرية في عهد الخديو توفيق، لكن ذلك لم يدم طويلا فقد أغلقهوزيره رياض باشا بعد مشاهدته لثاني أو ثالث حفلة من عروضه لخطورته علي سلطة الخديو.
بعد انطفاء جذوة الثورة العرابية ووقوع الاحتلال الإنجليزي تأثر المسرح المصري تأثرًا كبيرًا، لكن النشاط المسرحي مع ذلك لم يتوقف. فبعد عامين وفد أبو خليل القباني إلي مصر بعد عدة مواسم ناجحة لمسرحه في سوريا ( دمشق) فخلق جوًا مسرحيًا قوامه الرقص والفكاهة والغناء، وبذلك وضع النواة الأولي لمسارح التطريب والفكاهة.
انتعش مسرح التطريب والفكاهة في مصر منذ بداية الاحتلال حتي السنوات الأولي من القرن العشرين متلازمًا مع بروز( التخت) وحفلات الطرب العديدة التي كان يشارك فيها مطربوه جنبا إلي جنب مع عبده الحامولي ومحمد عثمان وألمظ وغيرهم. وتغاضي الاحتلال عن هذا النوع وشجعه لخدمة فلول الأرستقراطية التركية وتسليتها وإمتاعها.
مع مطلع القرن العشرين وظهور مصطفي كامل، عاد المسرح مرة أخري كتعبير سياسي خالص عن الروح الوطنية التي عادت تتأجج في البلاد من جديد .وكان المسرح من أبرز المعبرات، فكانت قوة الاندفاع لدي شباب تلك الفترة من بداية القرن وهو الاندفاع الذي مهد بالفعل وإلي حد بعيد لظهور المسرح مواكبًا لثورة 1919 .
لذلك ، فمن لم يكتب من شباب تلك الفترة في الصحف اتجه إلي كتابة المسرحيات التي غلب عليها جميعا الطابع الوطني. وقد أورد ذلك بالأرقام الدكتور رمسيس عوض ،فأثبت أن عدد المسرحيات من اوائل القرن حتي عام 1907 بلغ ثلاثمائة مسرحية مما حدا بكرومر الحاكم الفعلي للبلاد العمل بقانون المطبوعات ، وإخضاع المسارح لما كانت تخضع له الصحافة من رقابة أشد وأنكي إلي حد مصادرة عشرات المسرحيات دفعة واحدة.
ومن هذه المسرحيات ، المسرحيات التي تتناول الزعيم أحمد عرابي . الأمر الذي دفع السلطة إلي خطر تمثيله عام 1909 ، بعد أن بدأت تستشعر الخطر الذي يتهددها من جراء تمثيل عرابي في تلك الفترة، ومسرحية (دنشواي ) لحسن رمزي و ( في سبيل الاستقلال ) و( شهداء الوطنية ) لفيكتور ساروديان.
وفي عام 1919 ، وبعد أن شعرت الحكومة بخطورة المسرح، وأثره في إثارة خواطر الناس ودفعهم إلي الثورة ، قررت مراقبة المجتمعات والتياترات العربية، وأخذت المحافظة ترسل عددا من بلوك الخفراء وعددا من اللبوليس السري إلي كل تياترو عربي في ليلة التمثيل تحت إمرة مأمور القسم الذي يكون التياترو في دائرته لمنع الممثلين تمثيل روايات لم تصرّح بها الحكومة او منع من يريد إلقاء خطبة مهيجة يعاقب عليها القانون.
لم يقتصر عمل الحكومة علي المصادرة ، بل كانت هناك مسرحيات تقوم بعرضها علي الرغم ما تتضمنه من إيماءات اجتماعية تدعو إلي المساواة الطبقية والمطالبة بالدستور ومنها ( أبطال الحرية ) لأنطون يزبك التي كتبها عام 1908 و ( فتاة الدستور) لنجيب كنعان و( الدستور العثماني ) لمحمود زكي وغيرها من المسرحيات ، الأمر الذي يدل علي ارتباك السلطة وهي تجابه ذلك المد الثوري الذي تمخض في نهاية الأمر عن ثورة المصريين عام 1919.
نتج عن هذا المد الثوري أن أصبح المسرح ظاهرة مبلورة ناضجة ، ترتبط بالحركة الوطنية كل الارتباط، وتأخذ بأسباب التقدم لتخلص المسرح من مرحلة التطريب والغناء من أوسع مجالات التعبير الفني والفكري علي يد جورج أبيض وفرقة لأنصار التمثيل التي تأسست علي يد الشباب الجديد من المثقفين أمثال عبد الرحمن رشدي ، محمود تيمور، عبد الوارث عسر، وزكي طليمات ......وغيرهم.
ورغم قيام الحرب العالمية الأولي ( 1914-1918) لم يتوقف المسرح المصري، ولم يقف مكتوف الأيدي أمام الاحتلال البريطاني بل ناضل في شرف في سبيل الذود عن حرية البلاد وكرامتها ؛ حتي قامت ثورة 1919 التي شهدت تحول المسرح إلي كتيبة وطنية تتحرك في مواكبة الثورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا