الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلب، السويس، ستالينجراد... كفاح المدن... وصمود الإنسان

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2016 / 12 / 20
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بقلم: حسين محمود التلاوي
لا أعتقد أنه بإمكان أي إنسان أن يزعم قدرته على إبعاد المشاهد المؤلمة التي تنقلها شاشات التلفزيون والصور والمقاطع المصورة التي تكتظ بها الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لما يجري في حلب عن ذاكرته حتى في أكثر لحظاته استرخاءً وهدوءً؛ فالأوضاع في تلك المدينة التي لُقِّبت يومًا بـ"الشهباء" وصلت إلى مستويات شبه قياسية من التدمير والوحشية، والحديث هنا لا يستثني أي من أطراف الصراع الدائر في سوريا من المسئولية عن ذلك الجرح الجديد في جبين الإنسانية.
لكن الواقع يقول إن الجراح التي أثخنت جسد المدينة حتى كادت تركعها ليست بجديدة في التاريخ الإنساني؛ فهناك الكثير من الحكايات عن مدن شهدت من الفظائع ما يفوق بآلاف المرات ما يجري في حلب، ولكن لأن الوسائط الإعلامية تنقل إلينا ما يجري في تلك المدينة السورية العتيدة فيخيل إلينا أنها النهاية، وأنه لا إمكانية أمام الإنسانية لتهبط إلى مستوى أحقر وأدنأ مما وصلت إليه في حلب. ليس هذا محاولة للتهوين مما يجري في حلب، ولكنه محاولة لاستقصاء ولو بشكل مختصر حكايات مدن مرت بفظائع وانتهاكات ربما تجاوزت ما يجري في حلب، وربما قلت عنه بكثير، ولكن المعاناة كانت موجودة، وفي النهاية تلاشت، وبقيت المدينة.

ستالينجراد... من حرب البرق إلى حرب الفئران
في الحرب العالمية الثانية، أراد الزعيم النازي "أدولف هتلر" إخضاع الاتحاد السوفييتي؛ فأمر بشن حملة عسكرية اجتاحت أجزاء كبيرة من الغرب السوفييتي إلى أن وصل إلى نهر الفولجا وتحديدًا إلى مدينة ستالينجراد التي شهدت واحدة من أشرس المعارك في الحرب العالمية الثانية، وربما في التاريخ الإنساني المعاصر؛ تلك المعارك التي تركت المدينة حطامًا تقريبًا؛ فهل تلاشت ستالينجراد من الخريطة الإنسانية؟!
واقع الأمر يقول كلا، وتسرد لنا المصادر التاريخية العديد من الحكايات عن صمود المدينة التي لقى ما يقرب من ألف إنسان فيها حتفهم في أقل من 3 أيام، ودمرت العديد من أحيائها بشكل كامل؛ أي بنسبة 100%، ودارت فيها المعارك من بيت إلى بيت؛ فلم يكن قتال شوارع، وإنما كان قتالًا منزليًّا...!
انقض النازيون على المدينة بأسلوب حرب البرق الخاطفة الصاعقة، والذي يترك العدو في حالة من الصدمة والذهول، وهو الأسلوب الذي طبقه الأمريكيون فيما بعد في غزوهم للعراق تحت مسمى "الصدمة والرعب"، وقد أفلح الأسلوب النازي في إخضاع حوالي نصف العالم. لكن الأمر اختلف عند مدينة ستالينجراد؛ فقد تحولت "حرب البرق" إلى "حرب فئران" على حد التعبير الذي شاع في أوساط الجنود الألمان. كيف ذلك؟!
كان القتال عنيفًا، واستبسل السوفييت في الدفاع عن المدينة التي تحمل اسم زعيمهم "جوزيف ستالين" والتي استعادت الآن اسمها القديم وهو فولجوجراد، واضطر الألمان إلى الدخول في مواجهات مع المقاتلين السوفييت بين أطلال المباني التي خلفها القصف الألماني العنيف للمدينة، وكذلك كان القتال يستعر في المباني نفسها لدرجة أن البالوعات قد استخدمت في القتال بالتسلل منها لخطوط العدو لمفاجأة جنوده، ما جعل الألمان يطلقون عليها حرب الفئران؛ لأنهم لم يكونوا معتادين على مثل هذا النوع من الحروب؛ لأن المدن التي اجتاحوها لم تكن تصمد أمام كثافتهم العددية والنيرانية... لكن ستالينجراد صمدت أمام هذا الهجوم، وصدته، وبقيت لدرجة أن الإذاعة الألمانية أعلنت أن "ستالينجراد هزمت الشعب الألماني"....!!

السويس... التي عادت أحسن مما كانت...
بقفزة ليست كبيرة في الزمان، ولكنها واسعة للغاية في الزمان، نصل إلى السويس في عام 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر، والذي شنته فرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني على مصر لوأد التجربة التحررية التنموية بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر استغلالًا لتأميم القيادة السياسية المصرية لقناة السويس في محاولة لاسترجاع السيادة الوطنية على مقدرات وموارد البلاد حشدًا لتمويل المشروعات التنموية وفي مقدمتها بناء السد العالي الذي رفض الغرب والمؤسسات الدولية غربية القيادة تمويل بنائه.
يمكن بقليل من المجهود البحث عن إنجازات المقاومة الشعبية في حرب السويس عام 1956، سواءً في مدينة بورسعيد أو في مدينة السويس ذاتها، ولن يكن من المفيد إعادة سردها، ولكن ربما يكون من المناسب التركيز على ما جرى في مدينة السويس في حرب رمضان/أكتوبر بعد ذلك بــ17 عامًا. ولكن سواءً كان ذلك في حرب السويس أو حرب رمضان، فإن المقاومة الشعبية في السويس وبورسعيد استطاعت أن تسجل اسمها في التاريخ المصري بحروف من نور ليصبح صمود المقاومة عيدا للنصر في مصر يُحتفل به في 23 ديسمبر
حاول الصهاينة احتلال المدينة، ولكنهم عجزوا، وقد بدأت المواجهات بين القوات الصهيونية وبين قوات المقاومة الشعبية بأكمنة داخل المدينة نفسها لدرجة أن أحدها كان في مخبأ بين سينما الرويال وسينما مصر؛ عندما استطاع عدد من أفراد المقاومة الشعبية من بينهم "إبراهيم سليمان" و"محمد سرحان" التصدي للدبابات الصهيونية بقذائف الآر بي جي. وعندما علم المواطنون بالمواجهات، أسرعوا إلى موقع الاشتباك، وهاجموا الدبابات الصهيونية مما أسفر عن مقتل 20 من أصل 24 من قادة الدبابات الصهيونية، وذلك وفق شهادات صهيونية. وفي المجمل، خسر الصهاينة 80 قتيلًا وأصيب لهم 120 جنديًّا. كذلك هناك ذلك الحصار الصهيوني الذي استمر السويس لمدة 101 يومًا؛ فأسقط فيه المصريون طائرات الفانتوم الصهيونية...!!
إذا حاولنا الحديث عن كفاح السويس، والانتهاكات الصهيونية التي تعرضت لها، ومن قبلها الانتهاكات البريطانية والفرنسية، فمن الممكن أن نفرد مجلدات لهذا الحديث دون أن تكفي؛ فهذا الكفاح كان مشرفًا بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ. وفي كل الأحوال، فإن هذا المقال ليس كتابَا للتاريخ أو مرجعًا علميًّا. ولكن في النهاية، عادت السويس بأفضل مما كانت مثلما غنى الراحل محمد حمام في أغنية "يا بيوت السويس" للشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، والتي يتعهد فيها السويسي لمدينته بأنه سوف يبنيها لتقوم من ركامها إلى أن "تعودي أحسن من يوم ما كنتي... يا بيوت السويس".

كثيرة هي الأمثلة على المدن التي عانت ثم قامت من الرماد مرة أخرى لتعود بأفضل مما كانت، ويحفل التاريخ بغير ذلك من الأمثلة مثل درسدن الألمانية التي سوتها طائرات الحلفاء بالأرض في الحرب العالمية الثانية؛ فهل تعجز حلب عن تكرار الأمر؟!
ناموس الحياة يقول إن حلب سوف تعود الشهباء مرة أخرى هي وسائر المدن السورية في نموذج جديد لمدن عادت أفضل مما كانت... نموذج يقول إنه مهما علت موجات المد، أو انتشرت نيران الحقد والطغيان والجهل، فإن حلب عائدة كرمز لكفاح المدن... وصمود الإنسان.
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا