الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كسرتي خبز وقطعتي سبانخ

دينا سليم حنحن

2016 / 12 / 24
الادب والفن


كسرتي خبز وقطعتي سبانخ
دينا سليم حنحن
أذكر أول أيامي في أستراليا عندما وصلت إليها تاركة عائلة في الوطن، أجواء العيد مختلفة وكذلك التحضير لاستقبال العام الجديد.
جلست في مقهى يملكه زوجان هاجرا من روسيا، حيث حوّلا البيت المحاذي لدائرة المحافظ والموجود على ناصية الشارع وأمامه حديقة جميلة بشلال صغير، يرفرف بالطيور الغريبة وسماء لا تعلن عن نفسها بعد، إلى مقهى دافيء لا يخلو من الحميمية.
طلبت شيئا يشبه وجبة الفطور الصباحية وفنجان قهوة، لم يعج المقهى بالناس والمدينة هادئة بحجم صمتي، شيء لم أعتده سابقا هو أن أكون في مكان خارج البيت وألا أكون بين حلل الطعام وأطباق السّلطات، وصواني الحلوى والأواني، وأتعثر بسلال الخضرة والفاكهة، وأذوب تعبا، ويمتص الإرهاق من رحيق عَرَقي بأقدام مرهقة ترتجف، وكل ذلك استعدادا لاستقبال الضيوف أيام العيد.
لنعد إلى المقهى الذي يجاور الشاطيء أثناء موسم ظهور الدلافين على سطح المياه، عندما أخبرتني سيدة المقهى بذلك لم أصدق أن البحر ينتظر خلفي على مبعد عدة خطوات مني، في الأثناء، تسلقت نملة سبابتي فاستهانت روحي من قتلها، حينها أخبرتني السيدة أن النمل يملك الكرة الأرضية حتى قبل أن نولد!
طبق مكون من قطعتي خبز محمص والقليل من الزبدة، يجاوره طبق صغير جدا آخر يحتوي على سلطة الأبوكادو وورقتي سبانخ.
هممت بطلب شوكة حتى ألتهم طبق الابوكادو كله حتى أشبع، لكنني تراجعت وجيد أنني لم أفعل ولم أعلن عن نفسي ومن حيث أتيت وعن جذوري الشرهة في تناول الأطعمة والذهاب إلى ممارسة الجنس بشراهة بعد ذلك.
فمن يحيا لكي يأكل فقط معتمدا على مقولة ( ساعة البطون تذهب العقول ) يرى الحياة بحجم نصفه السفلي فقط.
يا لها من وجبة بسيطة تدل على بساطة الشعوب وإدراكها الصحيح لمعنى الحياة.
جلست ساعتين كاملتين وحدي أتأمل الكون الجميل حولي، وأراقب الكائنات المتحركة وذلك قبل العيد بيومين، العالم من حولي بطيء الدوران، أستطيع امتطاء أمواجه بكل اقتدار، وأن أعمل أكثر حتى أحصل على وسام اسمه (البساطة) في العيش ... كم هي مريحة هذه البساطة، كم كنت سعيدة بجرس الساعة الذي يدق كل نصف ساعة أمام كنيسة هادئة غير صاخبة تعلن عن نفسها بلائحة صغيرة كتب عليها (أيها المتعبون تعالوا إليّ وأنا أريحكم)، حينها فقط أحسست أنني لست وحدي.
يخرج منها المسنون الذين أدركوا أخيرا من أن الحياة ليست ملكا لأحد.
وتبقى قرى النمل تسعى في الربوع بملايينها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا